معهد إسرائيلي: هكذا يرسخ أردوغان العثمانية الجديدة ونحن ندفع الثمن

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

"يجب أن يشكل التقارب بين طموحات تركيا في سوريا، ومواقف بعض المسؤولين الأميركيين على الأقل، مصدر قلق بالغ لصنّاع القرار في إسرائيل".

هكذا يحذر تقرير نشره العقيد الإسرائيلي المتقاعد، عيران ليرمان بمعهد القدس للإستراتيجية والأمن (JISS)، الكيان الإسرائيلي قائلا: "إن المواقف الأميركية من المسألة السورية تشكّل تحديا لإسرائيل".

إشارات متضاربة

وأضاف ليرمان وهو نائب رئيس المعهد: "في ظل تبني الولايات المتحدة نظاما مركزيا في سوريا، يتعيَّن على إسرائيل أن تتعامل مع إشارات أميركية متضاربة، وطموحات تركية، وتأثير متصاعد لقطر، مع الحرص على حماية الدروز والحفاظ على مصالحها الإستراتيجية بعيدة المدى".

ويرى ليرمان، الذي شغل مناصب قيادية في الاستخبارات العسكرية لأكثر من 20 عاما، أن "تعامل الإدارة الأميركية مع أزمة جبل الدروز اتسم بإشارات متناقضة، تسببت في ارتباك وتذبذب بالسياسات في إسرائيل، ويبدو أنها أحدثت أثرا مشابها في سوريا أيضا".

وقال: "حتى وقت قريب، كانت الإدارة الأميركية تتبنى النظام السوري الجديد، وتعاملت معه فعليا كشريك؛ بل أرسلت إشارات عن احتمال اتخاذ خطوات نحو "السلام"، أو على الأقل نوع من التفاهم، بين النظام وإسرائيل".

لكنها وجدت نفسها غير مستعدة لحجم وطبيعة الأحداث في جبل الدروز، ويبدو أنها فوجئت أيضا بحدة الرد الإسرائيلي الذي عكس قبل كل شيء ميثاق الدم مع الطائفة الدرزية في إسرائيل، والالتزام المبدئي بالوقوف إلى جانب الحلفاء، أكثر مما عكس حسابات تتعلق بمستقبل سوريا أو بالمصالح الإقليمية والدولية الأوسع. بحسب زعم "ليرمان".

وتابع: "الرسائل المتضاربة التي خرجت من واشنطن في الأيام الأولى من الأزمة ربما دفعت الشرع للاعتقاد بأنه حصل على ضوء أخضر لإرسال قواته إلى السويداء، وهو بالتأكيد لم يتوقع الرد الإسرائيلي القوي؛ لفظا وفعلا".

حتى بعد أن انكشفت فداحة الموقف، وتدخل كبار المسؤولين الأميركيين لإجراء محادثات مع إسرائيل وسوريا والأردن في محاولة لاحتواء الأزمة بين إسرائيل والنظام السوري، ظلّت الإدارة الأميركية منقسمة حول نبرة سياستها وتركيزها.

فمن جهة، أصدر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، ماركو روبيو، تحذيرات صارمة للنظام السوري بعدم المشاركة في مجازر بحق الأقليات، ومن جهة أخرى، صدرت تصريحات واضحة -خصوصا من المبعوث الخاص إلى سوريا وسفير واشنطن في أنقرة توم باراك، وهو من المقربين القدامى للرئيس دونالد ترامب- تدعو إلى نزع سلاح الدروز، وبشكل أكثر حدة، نزع سلاح "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وإعادة دمجهم في ظل نظام سوري جديد، يلتزم بهوية وطنية موحدة.

وفي هذا السياق، أفادت وسائل إعلام بانتقادات حادة لسلوك إسرائيل خلال الأزمة، يُعتقد أنها سُرّبت من مصادر داخل البيت الأبيض. وجاء كل ذلك بعد إيماءات ترامب تجاه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقرار رفع العقوبات عن سوريا.

وأبدى عدد من أعضاء الكونغرس، ممن عرفوا بعدائهم الطويل والمبرر لنظام بشار الأسد، تعاطفا مفاجئا مع حكومة الشرع. ورغم أن الإدارة الأميركية وجّهت انتقادات للضربة الإسرائيلية في دمشق، فإنها استخدمتها كوسيلة ضغط على الشرع لحثه على القبول بوقف إطلاق النار.

وبالنظر إلى التطورات، يبدو أن الإدارة نفسها أدركت لاحقا مزايا السياسة الإسرائيلية، واستغلت تحركات تل أبيب لدفع النظام نحو موقف أكثر شمولا.

تحديات معقدة

تواجه إسرائيل تحديا معقدا -بحسب ليرمان- نابعا من تباين المواقف داخل المؤسسة الأميركية المعنية بالسياسة الخارجية.

فوفقا لرؤية باراك، لا يقتصر نزع السلاح على الدروز، بل يجب أن يشمل أيضا "قسد". وقد حذر باراك علنا من أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تظل "حاضنة" لهذه القوات إلى الأبد.

وقال ليرمان: "في هذه المرحلة، يثير التقاطع الواضح بين هذا الموقف والسياسة التركية الكبرى في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، كما تُنفذ حاليا في الساحة السورية، قلقا حقيقيا".

وتُشير عدة تقارير حديثة -تتسق مع تصريحات باراك السابقة- إلى أن الولايات المتحدة وتركيا قد وجّهتا إنذارا لـ "قسد"؛ فقد أمهلت القوات الكردية شهرا واحدا فقط لتطبيق اتفاق آذار/مارس 2025، الموقع بين قائد "قسد"، مظلوم عبدي، ونظام أحمد الشرع.

وينص هذا الاتفاق على دمج القوات الكردية في الهيكل العسكري السوري، مما يعني فعليا إنهاء الحكم الذاتي لـ "قسد".

وفي منشور بتاريخ 19 تموز/يوليو، أشار باراك إلى لقائه مع عبدي لمناقشة الخطوات اللازمة "لتحقيق الاندماج في سوريا موحدة من أجل مستقبل سلمي ومزدهر وشامل ومستقر لجميع السوريين"، مضيفا أن الطرفين "اتفقا على أن وقت الوحدة قد حان".

وفي الوقت نفسه، شكر الجنرال مظلوم على قيادته ومواصلته القتال ضد داعش في سوريا، لكن الرسالة بدت أقرب إلى وداع منها إلى وعد بدعم أميركي مستمر. بحسب التقرير.

في هذا السياق، تجدر الإشارة أيضا إلى ما وصف بإنجاز تركي تاريخي: إذ أعلن حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) داخل تركيا تخليه عن السلاح، وأقام فعالية رمزية لحرق أسلحته.

أما إخضاع أكراد سوريا لسلطة نظام الشرع فسيُشكل خطوة إضافية نحو ترسيخ الهيمنة العثمانية الجديدة في المنطقة. بحسب تعبير ليرمان.

وتابع: "في الوقت نفسه، تعيد تركيا تأكيد "حقوقها" في شرق البحر المتوسط، وفقا لمبدأ "الوطن الأزرق" (Mavi Vatan). وقد رسمت حدودا بحرية مع ليبيا تعرقل مسارات محتملة للبنية التحتية الخاصة بالطاقة من مصر وإسرائيل وقبرص نحو أوروبا".

واستطرد: "ولا تزال أنقرة تحتضن عناصر من حركة حماس، وتوفر منصة لدعاة مسلمين يدعون علنا إلى تدمير إسرائيل".

ويرى أن المخاوف الإسرائيلية تتفاقم في ظل حملة من الأكاديميين والمعلقين الإعلاميين الأميركيين، الذين سارعوا إلى تحميل الدروز مسؤولية الأحداث الأخيرة، إلى جانب تساؤلات أوسع حول نفوذ قطر.

وقال إن "الدوحة -الشريك الإستراتيجي لأردوغان والداعم الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة- تمتلك تأثيرا لا يقتصر على الأوساط الأكاديمية، بل يمتد إلى قلب الإدارة الأميركية نفسها".

"فالسفير توم باراك لديه تاريخ طويل من العلاقات مع دول الخليج، وعلى وجه الخصوص مع قطر؛ ففي عام 2012، باع للقطريين ملكية نادي باريس سان جيرمان الفرنسي".

وفي أواخر أيار/مايو 2025، مباشرة بعد رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، قاد باراك صفقة طاقة كبرى بين قطر وسوريا.

ويشكّل تلاقي النفوذ القطري، والتعاطف الأميركي مع الرؤية التركية لمستقبل سوريا، وتركيز ترامب المتكرر على تسوية الصراعات، تحديا حقيقيا أمام إسرائيل، بحسب تأكيد ليرمان.

"فالهيمنة التركية على دمشق، تحت غطاء حكومة سورية مركزية قوية، تتعارض مع المصالح الإستراتيجية بعيدة المدى لإسرائيل"، وفق تعبيره.

تقديرات مهمة

وهنا يقول ليرمان: في ظل الواقع الجديد على الأرض في سوريا، يجب على إسرائيل أن توازن بعناية بين عدة أمور:

بداية، يجب على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لحماية السكان الدروز. ويشمل ذلك تقديم الدعم العسكري والإنساني، ورسم خط أحمر واضح، وهو أن أي عنف متجدّد ضد الدروز سيؤدي إلى ضربات عسكرية إسرائيلية تستهدف المليشيات السنية، وإذا لزم الأمر فقوات النظام على الأرض، إذا شاركت في الهجمات.

في الوقت نفسه، وبمشاركة أميركية كاملة، ينبغي على إسرائيل أن تستأنف -بهدوء- الاتصال المباشر أو غير المباشر مع نظام الشرع. فهناك قنوات قائمة لهذا النوع من الحوار.

وفي هذا السياق، يجب على إسرائيل أيضا تجنب أي تحركات -أو تصريحات- قد تُفهم في واشنطن على أنها محاولات لتقويض سيطرة النظام على الحكم، فانهيار النظام السوري، إن حصل، سيكون على الأرجح في مصلحة إيران، بحسب تقييم ليرمان.

ويمكن الحفاظ على الردع الإسرائيلي أساسا من خلال العمليات في جنوب سوريا، أكثر من استهداف مواقع النظام في دمشق.

وأردف: "خارج الساحة السورية، يكمن التحدي الأكبر في الديناميات داخل إدارة ترامب والساحة السياسية الأميركية الأوسع، خصوصا فيما يتعلق بتركيا وطموحاتها. ولا يقلّ أهمية عن ذلك نفوذ قطر على عدد من اللاعبين الرئيسين في صياغة الإستراتيجية الأميركية في المنطقة".

وأضاف: "حيثما أبدى بعض المسؤولين في الإدارة أو في المنظومة السياسية الأوسع شكوكا تجاه أردوغان أو قطر أو جماعة الإخوان المسلمين، يجب تعزيز مواقفهم".

ويشمل ذلك تزويدهم -مباشرة أو عبر الخطاب العام الأوسع- بمعلومات واضحة ومقنعة حول المخاطر الكامنة في مواءمة السياسة الأميركية مع الأجندة الإستراتيجية لأنقرة.

وفي إطار السعي لمواجهة القوى النافذة في واشنطن، يمكن لإسرائيل -ويجب عليها- أن تعتمد على ثلاث جهات دعم رئيسة، بحسب التقرير:

أولا، اللوبي اليوناني-الأميركي، الذي يتمتع بنفوذ سياسي مقدّر، وركز جهوده على التصدي للطموحات التركية. وقد كان لهذا اللوبي دور حاسم في قرار عدم تزويد تركيا بمقاتلات "إف-35" في هذه المرحلة.

ثانيا، التعاون الهادئ خلف الكواليس مع دول إقليمية تعادي جماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها، وتسعى إلى تقديم مسار بديل للنظام السوري، يُجنّبه الوقوع تحت الهيمنة التركية. ومن المهم تنسيق المواقف مع هذه الدول.

ثالثا، أعضاء في الكونغرس -من الشيوخ والنواب- يتفهمون المخاوف الإستراتيجية لإسرائيل، وبعضهم أيضا يُبدي تعاطفا مع القضية الكردية.

ويُذكر في هذا السياق دور السيناتور، ليندسي غراهام، خلال ولاية ترامب السابقة، حين قاد جهودا لإقناع الإدارة بعدم التخلي عن "قسد".

وختم قائلا: "يمكن أن تسهم رسائل تجمع بين المنطق الإستراتيجي والاستنكار الأخلاقي للانتهاكات التي يتعرض لها الدروز، في بناء قاعدة دعم من الحزبين في الكونغرس، تكون قادرة على موازنة الانحراف المقلق في سياسة الإدارة الأميركية".