من الدعم العسكري إلى التجسس.. كيف تسهم بريطانيا في العدوان على غزة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، والمملكة المتحدة تدعم الكيان المحتل بوسائل قتالية وأسلحة ودعم عسكري واستخباري، وكان لهذا الدور أثر كبير في استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

الدعم البريطاني تراوح بين تجسس الطائرات البريطانية على غزة والمقاومة بحجة البحث عن أسرى الاحتلال، ونقل معلومات مباشرة لإسرائيل أسهمت في قصف المناطق التي تم التجسس عليها، وبين توريد أسلحة بكميات ضخمة لتل أبيب. 

الدعم البريطاني تضمن أيضا نقل مكونات طائرات “إف-35” التي تستخدمها إسرائيل للقصف والقتل يوميا، وتدريب قوات إسرائيلية في المملكة المتحدة، وهو ما أكده وزير القوات المسلحة لوك بولارد في يونيو/حزيران 2025.

وكشفت صحيفة "ديلي تلغراف" أن بريطانيا نشرت سرا 500 جندي إضافي في قواعدها في قبرص بعد أن بدأت إسرائيل قصف غزة.

ورصد موقع "بي بي سي فيريفاي" طائرات حربية إسرائيلية في المجال الجوي البريطاني، ووصول طائرات إسرائيلية أخرى إلى قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص للحصول على دعم غير معروف، قد يكون السلاح والتزود بالوقود. 

ونشر موقع "دروب سايت" المستقل ومواقع متخصصة بتتبع الرحلات الجوية تفاصيل عن عدة طائرات إسرائيلية هبطت للتزود بالوقود بقاعدتي سلاح الجو الملكي البريطاني في بريز نورتون وفيرفورد، وفق شبكة "بي بي سي" في 22 يوليو/ تموز 2025.

وبحسب وثائق سرية مسربة، كشفها موقع "ديكلاسيفايد" البريطاني الاستقصائي، قدمت لندن سرا "تدريبا ومشورة للجيش الإسرائيلي حول تقنيات الحرب النفسية والهجمات الإلكترونية" ضد غزة.

وعمل اللواء 77 في الجيش البريطاني على تزويد الجيش الإسرائيلي بإستراتيجيات وتقنيات لهذا النوع من الحرب في عصر المعلومات، مثل الهجمات الإلكترونية، والأنشطة الدعائية، ومكافحة أفكار المقاومة عبر الإنترنت.

تجسس فاضح

بسبب جريمة تجسس طائرات بريطانية على غزة ونقلها معلومات استخبارية لإسرائيل حتى تقوم بموجبها بقصف وقتل آلاف الفلسطينيين، تعرضت حكومة المملكة البريطانية لمطاردات صحفية ونُشرت وثائق تدينها. 

وفي 21 يوليو 2025، أحرج الصحفي البريطاني فيل ميلر، بموقع “ديكلاسيفيد”، قائد القوات الجوية البريطاني ريتش نايتون، الذي تشارك قواته في العدوان على غزة ودعم إسرائيل والتجسس على المقاومة، حول هذا الدور.

وسأله عن سبب لقائه قائد القوات الجوية الإسرائيلية في لندن، الذي زار بريطانيا خلال يوليو 2025، ودعمه بذلك مجرمي الحرب في إسرائيل.

وقال له: “لماذا تتجسس على غزة لصالح إسرائيل؟!، ولماذا لا تزال تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجيش الإسرائيلي؟”

وسأله أيضا: “لماذا لا تزال تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حين أنه مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة؟”

ويشارك قائد القوات الجوية البريطانية، الإسرائيليين في جرائمهم ويطالب بريطانيون بمحاكمته، لأنه المسؤول عن طائرات التجسس البريطانية فوق غزة التي ترسل إحداثيات أهداف لطائرات الاحتلال لقصف أهداف فلسطينية.

ووفق تقارير محلية، نفذت بريطانيا أكثر من 500 رحلة مراقبة وتجسس على غزة والمقاومة لصالح إسرائيل منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، وكان ذلك سببا في قصف وقتل أبرياء فلسطينيين.

وبحسب التقارير، استخدمت طائرات التجسس “شاداو إر1” المتمركزة في قاعدة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في "أكروتيري" بقبرص.

وخلال مقابلة معه في 21 يوليو 2025، زعم وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أن الرحلات الجوية لسلاح الجو الملكي البريطاني فوق غزة لم تؤد إلى تبادل أي معلومات استخباراتية عسكرية مع جيش الدفاع الإسرائيلي، مدعيا أنها "تتجسس للبحث عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس!".

وبسبب هذا الدور الداعم للعدوان وتجويع وقتل أهالي غزة، خرجت صحيفة "ديلي إكسبريس"، أكثر الصحف البريطانية اليمينية التي تضع شعار الحروب الصليبية على غلافها، عن مسار دعمها للاحتلال ونشرت دعوة عاجلة لإنهاء معاناة الأطفال في غزة، تحت شعار: "من أجل الرحمة.. أوقفوا هذا الآن".

ووصفت ما يتعرض له أطفال القطاع بأنه "عار علينا جميعا"، ودعت إلى تحرك عاجل لوقف ما وصفته بـ"الجحيم الذي يعيشه المدنيون، وعلى رأسهم الأطفال في غزة".

أسلحة قاتلة

أبرز وأخطر دور تقوم به بريطانيا هو توفير قطع غيار الطائرات والأسلحة والذخائر لإسرائيل، وقد دفع هذا نشطاء لاقتحام مواقع شركات تورد السلاح لإسرائيل، محتجين على العدوان الإسرائيلي على غزة.

وكشفت وثائق نشرها موقعي "ديكلاسيفايد" و"ذا ديتش"، عام 2024، أن مكونات إف-35 تم إرسالها مباشرة إلى إسرائيل 14 مرة من قاعدة جوية بريطانية إلى قاعدة "نيفاتيم" الإسرائيلية.

ووفقا لتقرير مجموعة الضغط "حملة ضد تجارة الأسلحة" (CAAT)، نشرت تفاصيله شبكة "بي بي سي" في 22 يوليو 2025، تُورد المملكة المتحدة ما بين 13 و15 بالمئة من مكونات الطائرة "إف- 35".

وبعد وصول حزب العمال إلى السلطة عام 2024، قام بتعليق 30 من أصل 350 ترخيصا لتصدير الأسلحة، لكن ظل توريد مكونات الطائرة وأسلحة أخرى.

وكشف موقع "ذا ديتش" الإخباري الاستقصائية الأيرلندي، في 9 يونيو 2025 أن شركة بريطانية أرسلت ألف صندوق ذخيرة مصنوعة في المملكة المتحدة إلى إسرائيل، وشحنها عبر حاويات ذخيرة لموانئ إسرائيل.

ورغم الاحتجاجات والدعاوى القضائية، أصدر قاض بريطاني في يونيو 2025، حكما يسمح باستمرار تزويد إسرائيل بقطع الغيار اللازمة لهذه الطائرات من بريطانيا.

لذا قالت المحامية البارزة في شبكة العمل القانوني العالمي، ديربلا مينوغ، لموقع "ديكلاسيفايد": أن مواصلة بريطانيا توريد الطائرات والسلاح لإسرائيل رغم قيود فُرضت في سبتمبر/أيلول 2024، يعني محاكمة وزراء بريطانيين بجرائم حرب، لقتلهم أبرياء ومدنيين فلسطينيين بهذه الأسلحة.

وفي مقال بعنوان "كيف دعمت بريطانيا الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة تحديدا؟"، كتبه رئيس حزب العمال السابق، جيريمي كوربين، في صحيفة "الغارديان" البريطانية في 3 يونيو 3035، طالب بتشكيل لجنة تحقيق حول دور بلاده في إبادة غزة.

وقال: إنه كما تم عام 2016، حين تم تشكيل "لجنة تشيلكوت"، للتحقيق في دور بريطانيا في الحرب الكارثية على العراق، نحن بحاجة إلى تحقيق مماثل حاليا في دورنا بغزة.

وشدد كوربين على أنه “يجب أن يكشف هذا التحقيق عن: ما هي الأسلحة التي وُردت لإسرائيل؟ وأي منها استُخدم لقتل الفلسطينيين؟ وما هي المشورة القانونية التي تلقتها الحكومة؟”

“وهل يُستخدم مطار أكروتيري الملكي كطريق لقصف غزة؟ وما هي مقاطع الفيديو التي تحتفظ بها الحكومة لمنطقة الحرب؟ وما هي المعلومات الاستخباراتية التي نُقلت إلى إسرائيل وتسببت في إبادة جماعية، تُبث مباشرةً أمام أعين العالم أجمع؟”.

وأكد كوربين، وهو عضو برلمان حاليا، أن إسرائيل لم تحارب بمفردها، بل اعتمدت على الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي من حكومات أجنبية، منها بريطانيا التي ظلت تورد الأسلحة لإسرائيل، حتى بعد فوز حزب العمال في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

 وكشف أن حزب العمال أصدر تراخيص تصدير أسلحة إلى إسرائيل بين أكتوبر وديسمبر/كانون الأول 2023، أي في 3 أشهر، أكثر مما وافق عليه حزب المحافظين في 3 سنوات من 2020 حتى 2023.

وذلك رغم إعلان الحكومة تعليقا جزئيا لنقل السلاح لإسرائيل في سبتمبر/أيلول 2024.

وعدد كوربين خدمات بريطانيا لإسرائيل ودعمها عسكريا في العدوان على غزة في صورة استخدام القواعد العسكرية البريطانية في قبرص للتجسس على غزة، وتوفير المعلومات الاستخباراتية العسكرية، ونقل الأسلحة إلى إسرائيل.

مشاركة في الإبادة 

بالتزامن مع تجاهل بريطانيا وعجز المحكمة الجنائية الدولية عن تنفيذ قراراها الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، القبض على نتنياهو أو جنود وضباط إسرائيليين لمسؤوليتهم الجنائية عن "جرائم حرب وضد الإنسانية في غزة، تم الكشف عن فضيحة أخرى هي قتال جنود بريطانيين في غزة.

وكشفت صحيفة “الغارديان” في 7 أبريل/نيسان 2025، أن مجموعة من المحامين البريطانيين، على رأسهم المحامي البارز مايكل مانسفيلد، قدموا شكوى للشرطة البريطانية لاعتقال ومحاكمة عشرة بريطانيين، متهمون بارتكاب جرائم حرب خلال قتالهم مع الجيش الإسرائيلي في غزة.

وبحسب وثيقة الاتهام ضد جنود الاحتلال (الإسرائيليين البريطانيين)، والتي أعدها فريق من المحامين والباحثين البريطانيين في لاهاي، شارك هؤلاء الجنود في هجمات على مواقع مدنية ودينية (مساجد) ومعالم تاريخية وشاركوا في تهجير الفلسطينيين وتشريدهم، 

وسلم المحامي مانسفيلد، نيابة عن مجموعة من المحامين ملفا من 240 صفحة إلى وحدة جرائم الحرب في شرطة سكوتلاند يارد، يفصل مزاعم ارتكاب عمليات قتل مستهدف للمدنيين وعمال الإغاثة، بما في ذلك بنيران القناصة، وهجمات عشوائية على المناطق المدنية، بما في ذلك المستشفيات.

ولم يتم الكشف عن هوية المشتبه بهم من الجنود الإسرائيليين البريطانيين لأسباب قانونية، لكن الغارديان أكدت أن من بينهم ضباطا كبارا من بريطانيا.

وجمع موقع "ديسكلاسيفايد" الاستقصائي في 10 يونيو 2024، أسماء وصور 15 بريطانيا قاتلوا أخيرا في صفوف إسرائيل، كما تمكن من التعرف جزئيا على عشرة آخرين.

وأشار إلى أنهم، من بين ما لا يقل عن 80 مواطنا بريطانيا، تعلم وزارة الخارجية أنهم انضموا إلى الجيش الإسرائيلي ولكن الوزارة لم تفعل شيئا لمنعهم أو محاكمتهم.

وقال المحامي مانسفيلد المعروف بدفاعه عن قضايا وهو يطالب بمحاكمة المجرمين مزدوجي الجنسية من بريطانيا الذين شاركوا في الإبادة الجماعية بغزة: "إذا ارتكب أحد مواطنينا جريمة، فعلينا أن نتخذ إجراء حيالها".

وسبق أن كشفت مواطنة بريطانية لصحيفة "جويش كرونيكل" في 12 أكتوبر 2023 عن انضمام ابنها إلى الجيش الإسرائيلي إلى جانب ما يتراوح بين 50 و80 من الشبان اليهود المتدينين.

وحين تم الكشف عن سماح لندن لمرتزقة بريطانيين إسرائيليين (جنسية مزدوجة) بالمشاركة في العدوان على غزة، تساءل رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، ديفيد هيرست، في 13 ديسمبر 2023، هل ستحاسب بريطانيا الإسرائيليين من أصل بريطاني لمخالفتهم قوانينها بقتالهم في غزة؟.

وتقول صحف بريطانية: إنه يُسمح للشباب اليهود من الدول الأجنبية بالالتحاق بالقوات الإسرائيلية تحت صفة سائحين، ويحصلون على تصاريح إقامة بموجب برنامج (Israel’s Mahal) الخاص بالمتطوعين القادمين من خارج إسرائيل.

ويحصل المرتزقة في جيش الاحتلال على ضعف راتب المجندين الإسرائيليين بسبب المنح المالية التي تقدمها الدوائر الحكومية الإسرائيلية للمرتزقة.

لا تسقط بالتقادم

وبسبب هذا الدور المشارك في جرائم الاحتلال بإبادة غزة، نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمعلق أوين جونز في 23 يوليو 2025، سخر فيه من “مراهنة الوزراء البريطانيون على أنهم لن يواجهوا العدالة” بتهمة التواطؤ في غزة. 

وقال جونز: "لا يترك القانون الدولي مجالا للشك، فعندما صادقت بريطانيا على معاهدة تجارة الأسلحة عام 2014، وافقت على أنه يجب عدم السماح بنقل وتصدير أي أسلحة تقليدية إذا كانت لديها علم بأنها ستُستخدم في ارتكاب إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب".

وأشار إلى أن هذا التعهد البريطاني يشمل منع نقل أجزاء ومكونات أساسية لتشغيل الطائرات المقاتلة، وهو عكس ما يحدث فعليا الآن، حيث “تزود حكومة لندن إسرائيل بمكونات أساسية لتشغيل طائرات إف-35، التي تمزق قنابلها البنية التحتية المدنية عشوائيا وتُقطع أجساد الأطفال الصغار”.

وأوضح جونز أن بريطانيا عضو مؤسس في المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت عام 2024 مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ومع هذا تبرر تقديمها السلاح لإسرائيل بأنها "لم تر أي دليل على استهداف النساء والأطفال عمدا في غزة، وأنه لا يوجد خطر جدي من وقوع إبادة جماعية"، رغم شهادات عشرات الأطباء الأميركيين الذين خدموا في غزة واعتراف جنود إسرائيليين باستهدافهم المتعمد للأطفال. 

ولا يقتصر الأمر على دعم لندن لإسرائيل عسكريا وسياسيا، ولكن الأمر يمتد لقمع أي نشاط دعم لغزة مثل حظر وزارة الداخلية البريطانية منظمة "فلسطين أكشن"، ومن ثم أنشطة الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي.

و"فلسطين أكشن" هي أول مجموعة احتجاجية للعمل المباشر يتم حظرها بموجب قانون الإرهاب، مما يضعها في نفس الفئة مع تنظيم الدولة والقاعدة وجماعة العمل الوطني اليمينية المتطرفة، وفق صحف بريطانية.