تحتجز سفينة وتعلن عن مساعدات برية وجوية.. كيف نفهم تناقض إسرائيل؟

الاحتلال ارتكب جريمة قرصنة بحرية جديدة باقتحامه سفينة حنظلة
وسط صيحات المجوَّعين بالإغاثة وارتقاء المزيد من شهداء التجويع، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي، سفينة "حنظلة" أثناء محاولتها كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وذلك في تناقض صارخ مع ترويجه لهدنة إنسانية والسماح بدخول المساعدات.
وداهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء 26 يوليو/تموز 2025، سفينة "حنظلة" التي تقل متضامنين دوليين خلال توجهها إلى غزة، ونقلها إلى ميناء أسدود وأخضع الناشطين على متنها قبل تسليمهم إلى الشرطة.
وأظهر بث مباشر لحظة اقتحام الجنود الإسرائيليين السفينة وهم يحملون أسلحتهم، ويأمرون المتضامنين برفع أيديهم إلى الأعلى، لينقطع البث المباشر بعد الاقتحام مباشرة.
وقبل عملية الاقتحام أطلقت السفينة نداء استغاثة بعد اقتراب قوات بحرية إسرائيلية منها وهي على مقربة من شواطئ القطاع.
وقالت اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، في منشور على إكس: "قوات الاحتلال تتوجَّه نحو حنظلة، السفينة توجه نداء استغاثة"، مطالبة بالضغط للسماح لأسطول الحرية بالوصول إلى القطاع حاملا المساعدات المنقذة للحياة.
وبدورها، قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس": إن اعتراض الاحتلال للسفينة واحتجاز ركابها جريمة قرصنة وتحدٍّ سافر لإرادة الإنسانية وكشف لزيفه.
وحملت حكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية عن سلامة المتضامنين، داعية لاستمرار تسيير القوافل البحرية حتى كسر الحصار.
وثمنت حماس شجاعة المتضامنين الدوليين ورسالتهم التي “وصلت إلى شعبنا والعالم رغم التهديدات الصهيونية”، مطالبة الأمم المتحدة بإدانة جريمة القرصنة ومحاسبة الاحتلال على عدوانه المتواصل وحرب الإبادة ضد غزة.
فيما أدان المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، اقتحام الاحتلال سفينة حنظلة، قائلا: إنه يرتكب جريمة قرصنة بحرية جديدة.
وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة باتخاذ موقف عاجل وحازم ضد هذا العدوان، محملا الاحتلال المسؤولية الكاملة عن سلامة المشاركين على متن السفينة حنظلة.
وغداة اقتحام الاحتلال لسفينة كسر الحصار، زعم فتح ممرات إنسانية يسمح فيها لقوافل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتحرك الآمن لغرض إدخال المواد الغذائية والأدوية إلى سكان غزة، فيما يتواصل انتشار المجاعة، وسط تحذيرات من موت مزيد من المدنيين الأبرياء جراء سياسة الحصار.
وأعلن جيش الاحتلال، عن هدنة تبدأ من الساعة الـ10 من صباح 27 يوليو وحتى الثامنة مساء في المناطق الغربية من قطاع غزة، تحت مزاعم تمكين دخول وتوزيع المساعدات.
وقالت القوات الإسرائيلية: إنها ستوقف أنشطتها في المواصي ودير البلح ومدينة غزة، وهي المناطق التي لم تجدد فيها العمليات البرية منذ مارس/آذار عندما استأنفت هجومها على غزة، وفق زعمها.
كما سمح جيش الاحتلال الإسرائيلي بإسقاط كميات محدودة من المساعدات على غزة، بالتعاون مع منظمات دولية وسلاح الجو الإسرائيلي"، وذلك في محاولة منه لنفي ممارسته الهادفة لتجويع الفلسطينيين في القطاع.
وتسبَّبت هذه العملية في إصابة أكثر من 20 فلسطينيا بعضهم بحالة خطيرة، بعد أن سقطت المساعدات عليهم في الخيام.
وبدوره، عدَّ المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، طرح إسقاط المساعدات على القطاع عبر الجو مجرَّد تشتيت للانتباه ودخان للتغطية على حقيقة الكارثة الإنسانية بالقطاع.
وهذه ليست السفينة الأولى التي تتعرَّض للقرصنة والعربدة الإسرائيلية، ففي 9 يونيو/ حزيران 2025، استولى الجيش الإسرائيلي على سفينة "مادلين" ضمن "أسطول الحرية" من المياه الدولية، بينما كانت في طريقها إلى قطاع غزة المحاصر لنقل مساعدات إنسانية.
وواقتها اعتقل جيش الاحتلال 12 ناشطا دوليا كانوا على متنها، ولاحقا رحَّلتهم إسرائيل شرط التعهد بعدم العودة إليها.
وقبلها سفينة "الضمير" لكسر الحصار عن غزة، التي تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية في 2 مايو/ أيار 2025، أثناء محاولتها الإبحار نحو غزة، ما تسبَّب في ثقب بهيكلها واندلاع حريق في مقدمتها.
وصبَّ ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي جام غضبهم على الاحتلال الإسرائيلي، مستنكرين اختطافه لسفينة حنظلة واحتجازه المشاركين في محاولة كسر الحصار المفروض على القطاع منذ شهور.
وسلطوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حنظلة، #السفينة_حنظلة، #غزة_تموت_جوعا، وغيرها، الضوء على تناقض الاحتلال في التعامل مع غزة باختطافه السفينة في الوقت الذي يعلن عن هدنة مفاجئة وإنزال جوي للمساعدات.
وأكَّدوا أن الاحتلال يسعى لتخفيف الضغط عن عملائه في المنطقة وحتى لا تخرج الأوضاع عن السيطرة ويخسروا أذنابهم، محذرين مما تخفيه خطواته المعلنة التي تبدو في ظاهرها أنها تخفيف للضغط على غزة.
أوصلت رسالتها
وإعرابا عن الامتنان للناشطين الدوليين وتأكيدا على أنها أوصلت رسالتها وحقَّقت أهدافها، عرض الصحفي فايد أبو شمالة، صورة لهم على متن السفينة، متمنيا لهم الحرية والسلامة. وقال: إنه "في يوم قريب سندعوهم لفلسطين الحرة بإذن الله تقديرا لشجاعتهم".
ورأى المحلل السياسي ياسر الزعاترة، أن خاتمة رحلة "حنظلة" لم تكن مفاجئة، إذ رأينا مثلها من قبل، لكنها لم تحجب رسالة الأحرار والحرائر على متنها، وهي فضح توحّش كيان "يقتل الأطفال كهواية"؛ بتعبير أحد كبار رموزه. وأكَّد أن غزة تزلزل أركان "الكيان" وأدواته الخارجية، وتتوّج فلسطين أيقونة للعالم.
وتمنّت تينهنان نضال، السّلامة لكلّ الأحرار الذين كانوا على متن حنظلة، قائلة: “هؤلاء فخر هذا العالم وكلّ إنسان حرّ شريف مازال يملك ضميرا وإنسانية، هؤلاء فعلوا ما عجز عنه الجبناء والخونة من الملوك والرؤساء”.
وكتب أستاذ العلوم السياسية عثمان بن ياسين الرواف: "انتصرت حنظلة وانهزمت إسرائيل، فلقد أدى اقتحامها من قِبَل عشرات الجنود الإسرائيليين إلى زيادة نقمة العالم على إسرائيل بسبب حصارها لغزة وتجويع أهلها وسيؤدي ذلك إلى زيادة عدد السفن القادمة لغزة".
واستنكر الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض يحيى عسيري، اختطاف السفينة حنظلة.
وقال: "مؤلم ومُحيّر عندما ترى شعبا محاصرا، وتحت القصف والتجويع، تُغلق حدوده مع أهله وجيرانه بأمر محتل معتدٍّ، ويموت الناس أمام نظر العالم، ثم ترى الحلول بزجاج يُرمى في البحر، وسُفن تُبحر ويعتدي عليها المحتل، وإسقاط جوي قد يقع في البحر أو يسبب الموت، وكأن لا قوة تكسر ظلم المحتل".
واستهجن الناشط السعودي المعارض ناصر بن عوض القرني اعتراض قوات الاحتلال سفينة حنظلة أمام السواحل المصرية، قائلا: "(رئيس النظام المصري عبد الفتاح) السيسي قزّم مصر بشكل لا يصدق".
وكتب الطبيب المصري يحيى غنيم: "أسميتموها مادلين، لا يهمنا، سنوقفها! أسميتموها حنظلة،لا يهمنا،سنوقفها!.. وحتى لو أسميتموها ناجى العلى، لا يهمنا سنوقفها!".
وتابع: "فى المياه الدولية أو الإقليمية، لا يهمنا، نحن قراصنة فوق القانون سنقتحمها ونستولى عليها! المياه الدولية مياهنا، والزعيم الشيصى (السيسي) رجلنا، وكما أغلق المعبر واعتقل نشطاء أسطول الحرية لن يسمح لكم بالمرور! خطوطنا الدفاعية متينة شرقًا وغربًا!".
دعوة للحذر
وتعقيبا على الأنباء التي تتحدث عن انفراجة في غزة والسماح بدخول المساعدات وهدن إنسانية في عدد من المناطق بالقطاع، أكد المحلل السياسي ياسين عز الدين، أن هذه الأخبار هي نتيجة مباشرة للحراك العالمي الرافض للتجويع، ولتتأكدوا أنه لا يوجد تحرك دون نتيجة كما يقول المحبطون.
وأضاف أن هذا لا يعني أن المشكلة انتهت؛ لأن الاحتلال قد ينقض وعوده في أي لحظة، وبما أنه اتخذ القرار تحت الضغط العالمي فيجب تواصل الضغط والحراك حتى نضمن التزامه حتى النهاية.
وتابع عزالدين: "كما أن مشكلة غزة ليست فقط الجوع والطحين بل هنالك احتياجات كثيرة أخرى يجب إدخالها، وأيضًا لا نستبعد نِيّته الغدر وتوجيه ضربات عسكرية فهذا يستوجب الحذر من المقاومين".
واستطرد: "بالمختصر الحراك الرافض لتجويع غزة والضغط على الأنظمة الداعمة لإسرائيل في مصر والأردن وأوروبا يأتي بالنتيجة، ولهذا يجب أن يزداد حتى نستطيع وقف هذه الحرب المجرمة".
وأشار المغرد مو أبو صلاح إلى أن الاحتلال فجأة ينفذ الإنزالات الجوية، ويسمح بمرور المساعدات برا، وسيعمل على إيصال الكهرباء لمحطة المياه، متسائلا: "ما الذي حدث فجأة!".
وقال: لن نصدق شيئا حتى نرى المساعدات تدخل بأعيننا إلى قطاع غزة ونرى الطعام متوفرا في كل مكان، أما الآن فالمجاعة مستمرة، داعيا لعدم التوقف عن الحديث؛ لأن الضغط والنشر مهم للغاية ويحدث فارقا. وأكد أبو صلاح أن لا أحد يثق في الاحتلال، والجميع مدرك وواع.
وتساءل الأكاديمي إسماعيل المدني: “إذا كان الكيان الصهيوني فعلا جادا بالتوقف عن القتل بالجوع، فلماذا لا يتبع الطريقة الأسهل والأسرع والأكثر فاعلية في توصيل المساعدات الإنسانية وهي آلاف الشاحنات المنتظرة على الحدود؟”
وقال: "إنني شخصيا لا أتوقع أي خير من الصهاينة لصالح الفلسطينيين، فطريقة "الجو" لا بد من أنها مؤامرة جديدة".
وعدد الصحفي أحمد عطوان، أسباب التحول المفاجئ في موقف جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن ما يحدث ليس مفاجأة بريئة، ولا تغيير ضمير مفاجئ ولكن جزء من معركة سياسية وإعلامية وعسكرية تلعبها تل أبيب حين تتصاعد عليهم الضغوط داخليا ودوليا.
ورصد من بين الأسباب والدوافع الحقيقية لتحول موقف الاحتلال، تفادي الضغط الدولي غير المسبوق بسبب الكارثة الإنسانية في غزة؛ حيث يسعى لتهدئة انتقادات عالمية وشعبية واسعة من الأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة وانقلاب الموقف الفرنسي والبريطاني والتحولات الأوربية.
وأشار عطوان إلى أنها محاولة لتبييض الوجه الصهيوني أمام الرأي العام، والتغطية على الفشل العسكري، إذ لم يتحرر الأسرى ولم يقمع المقاومة بعد 22 شهرا، فيسعى لانتصار معنوي، كما أن الاحتلال يتفادى انفجارا شعبيا داخليا.
وأكَّد أن الاحتلال يستهدف التأثير على المقاومة، ويوجه رسالة نفسية مفادها أن قرار إيقاف أو مواصلة الحرب نمتلكه وحدنا، لافتا إلى أنه يستهدف التهيئة لمناورات تفاوضية، ويريد تحسين موقفه التفاوضي أمام أميركا ومصر وقطر ويرفع عن نفسه تهمة التعنت وإفشال المفاوضات.
وأوضح عطوان أن الاحتلال يريد رفع العبء الشعبي عن النظامين الحليفين المصري والأردني المتصاعد خلال الأيام الماضية وكان ينذر بعواقب وخيمة.
إنزال مهين
واستنكارا للحديث عن عودة الإنزالات الجوية عبر عدد من الدول العربية، وجَّهت الإعلامية هدى نعيم، كلمة لمن ألقى المساعدات من الجو، قائلة: "الله يلعنكم ويذلكم ويقهركم مثل ما قهرتوا أهالينا!".
ورأت المغردة رشا، أن الإنزال الجوي المُهين، ما هو إلا حماية للانقلابي السيسي، قائلة: "هي عادة الكيان، عندما يزيد الضغط على عميل (لم ينتهِ دوره بعد) يصرِف عنه الأنظار ويساعدهُ بطرق غير مباشرة".
وأضافت: "غدا سيخرج علينا معيز السيسي: مصر ضغطت على الكيان وأدخلت المساعدات"، قائلة: إن طريقة إنزال المعونات وتوقيتها تؤكد المؤكد: "خسّة الكيان وعملائه في المنطقة".
وقال الباحث في العلاقات الدولية علي أبو رزق: "شعبنا الفلسطيني المطحون والمقهور والمعذب في غزة يريد فتح المعابر وتسلم المساعدات بصورة كريمة وليس بطريقة مذلة عبر الإنزالات الجوية".
وأشار إلى أن الإنزالات الجوية فكرة جيدة لو كانت تستهدف بضعة آلاف محاصرين في جزيرة صغيرة ولكنها غير عملية، أبدا، وغير قادرة على سد جوع مليونين من البشر، تم تجويعهم لعدة أشهر.
وأكد أبو رزق، أن الإنزالات الجوية في معظمها استعراضية، وتهدف لتحسين سمعة الدول التي تقوم بها، وإعفائها من واجبها السياسي والديني والأخلاقي للضغط على الاحتلال لفتح المعابر.
وأضاف أن الإنزالات الجوية غير مناسبة مع بيئة غزة التي تحولت إلى مدينة من خيام متراصة، فالاحتلال يسيطر على 70 بالمئة من المساحة والناس محاصرون في 30 بالمئة فقط من مساحتها، وفي كل إنزال جوي كان يُقتل ويصاب فلسطينيون بعد سقوط المساعدات على رؤوسهم وخيامهم.
ولفت أبو رزق إلى أن الإنزالات الجوية يستفيد منها الشاب الذي يستطيع أن يغامر بنفسه ويجري ويلاحق المنطاد، ومن المستحيل أن يستفيد منها الطفل اليتيم والمرأة الأرملة والطبيب في مشفاه والمريض على فراشه.
وأكد أن الإنزالات الجوية تسهم في إطالة الأزمة وتعويمها وعدم حلها، ففي حين هناك ضغط دولي بسبب صور المجاعة القاسية، ستقول إسرائيل للعالم إنها بدأت بكسر المجاعة وكسر حِدّتها عبر هذه الصور الاستعراضية المتوهمة.