قافلة "مادلين" لغزة تفجر أزمة.. هل يراجع الاتحاد الأوروبي اتفاقه مع إسرائيل؟

منذ ١٢ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تداعيات قانونية وسياسية ضد إسرائيل عقب اعتراضها سفينة "مادلين" التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة ضمن "أسطول الحرية"، وما تبعه من موجة إدانات شعبية ومؤسساتية أوروبية.

وسلط "المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية" الضوء على الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي تعصف بغزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وشرح كيف تحول الحصار الإسرائيلي إلى أداة ممنهجة لتجويع السكان المدنيين ومنع المساعدات، في ظل صمت أوروبي رسمي متزايد. 

كما تناول تفاصيل التدخل العسكري الإسرائيلي في المياه الدولية واحتجاز نواب أوروبيين وناشطين سلميين، وهو ما أعاد فتح النقاش داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي حول مدى احترام إسرائيل للمادة الثانية من اتفاق الشراكة.

كارثة إنسانية

وفي وقت تتباين فيه مواقف الدول الأعضاء، طرح المعهد سيناريوهات واقعية، من التعليق الكامل للاتفاق، إلى اتخاذ تدابير جزئية عبر التصويت بالأغلبية المؤهلة.

وأكد أن هذا الملف بات اختبارا حاسما لمصداقية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وموقفه من القانون الدولي وحقوق الإنسان.

وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فقد استشهد أكثر من 55 ألفا و202 فلسطيني وأصيب أكثر من 132 ألفا و239 آخرين، في حين نزح نحو 1.7 مليون شخص، أي ما يعادل 75 بالمئة من السكان. 

كما ذكرت وكالة الأونروا أن "قرابة 60 بالمئة من المساكن قد تعرضت لأضرار أو دمرت كليا، وأن الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والرعاية الصحية والكهرباء قد انهارت فعليا". 

وبعد أكثر من 11 أسبوعا متتاليا دون السماح بدخول أي مساعدات، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من مجاعة وشيكة، مشيرة إلى أن "470 ألف شخص -أي 22 بالمئة من سكان غزة- يواجهون خطر الجوع الشديد".

ورغم الجهود الدولية المكثفة، تواصل إسرائيل منع أو تقييد الوصول إلى المعابر الحدودية الرئيسة، ما يعيق قوافل المساعدات وعمليات التفتيش بحجة "التقديرات الأمنية". 

وذكر المعهد الإيطالي أن "بعثات إنسانية مثل سفينة (مادلين)، إحدى سفن أسطول الحرية إلى غزة، تسعى إلى كسر هذا الحصار المتعمد وإيصال الإغاثة العاجلة، مع لفت الانتباه إلى الإستراتيجية السياسية التي تحول المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط ضد المدنيين".

مهمة "مادلين"

وفي هذا السياق، أوضح المعهد أن "مادلين" هي أحدث بعثة إنسانية نظمها "ائتلاف أسطول الحرية"، وهو شبكة شعبية تضم منظمات مجتمع مدني وأفرادا من أكثر من 12 دولة، يعملون معا لمناهضة وإنهاء الحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على غزة.

وأوضح أن السفينة انطلقت من مدينة كاتانيا في صقلية، مطلع يونيو/ حزيران 2025، حاملة على متنها مساعدات إنسانية ومدافعين عن حقوق الإنسان، بينهم النائبة الأوروبية ريما حسن والناشطة غريتا تونبرغ، متجهة نحو غزة. 

وحسب تقرير المعهد، حملت السفينة سلعا أساسية -حليب أطفال وحفاضات ودقيقا ومستلزمات صحية نسائية وأدوات لتحلية المياه ومعدات طبية وعكازات وأطرافا صناعية للأطفال- وهي مواد تعد شديدة الإلحاح في منطقة لم تدخلها أي مساعدات منذ أكثر من 11 أسبوعا.

وأكد أن "نهج أسطول الحرية هو نهج غير عنيف وتقوده جهات مدنية، وأن جميع المشاركين فيه غير مسلحين ومدربون على اللاعنف، ما يجعل من هذه المهمة جهدا عمليا لإيصال المساعدات، وفعلا رمزيا ضد التواطؤ العالمي". 

وفي هذا الصدد، قالت ريما حسن من على متن السفينة: “هذه السفينة لا تحمل مساعدات فقط، بل تحمل مطلبا: أوقفوا الحصار.. أوقفوا الإبادة الجماعية”.

وفي 9 يونيو/ حزيران 2025، اعترضت القوات البحرية الإسرائيلية السفينة أثناء إبحارها في المياه الدولية، في طريقها لإيصال مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة.

وذكر التقرير أن "السلطات الإسرائيلية احتجزت طاقم السفينة وركابها؛ بمن فيهم صحفيون وناشطون من المجتمع المدني، حيث خضعوا للتحقيق ثم رُحلوا، في حين صادرت السلطات الإسرائيلية حمولة المساعدات".

وأضاف أن "هذا الاعتراض أثار موجة غضب شعبي واسعة واحتجاجات تضامنية في أنحاء أوروبا". 

وحسب التقرير، امتنعت مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن اتخاذ موقف حازم، وألقت المسؤولية على الدول الأعضاء التي ينتمي إليها المشاركون في الأسطول، وذلك رغم المناشدات التي تقدمت بها كتلة اليسار في البرلمان الأوروبي ومجموعات أخرى.

وأردف: "وقد أثارت هذه اللامبالاة الأوروبية انتقادات حادة من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، الذين أدانوا الموقف الأوروبي بصفته تقاعسا عن الدفاع عن القانون الدولي وحقوق ممثلي الشعوب المنتخبين المنخرطين في جهود إنسانية سلمية".

إعادة النظر

ومع ذلك، أوضح التقرير أن "اعتراض سفينة أسطول الحرية في المياه الدولية، ومصادرة المساعدات الإنسانية، واحتجاز وترحيل ناشطين سلميين من بينهم النائبة الأوروبية ريما حسن، قد فاقم من توتر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل".

وأشار إلى أن "وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب كان قد دعا، قبل أسابيع قليلة من اعتراض الأسطول، إلى مراجعة مدى امتثال إسرائيل لبنود اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهي دعوة حظيت بتأييد أغلبية وزراء خارجية دول الاتحاد".

وفي 20 مايو/ أيار 2025، أعلنت نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كايا كالاس رسميا بدء مراجعة المادة الثانية من الاتفاق. 

وأشارت إلى القلق من الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة وعرقلتها لإيصال المساعدات الإنسانية، وهي أفعال تعد -وفق وصفها- "غير متوافقة مع القانون الإنساني الدولي".

وأوضح التقرير أن "المادة الثانية، التي تعد حجر الأساس في اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، تشترط احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية كأساس للعلاقات الثنائية". 

ولفت إلى أن "التطورات الأخيرة دفعت الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم هذه الشراكة، خصوصا فيما يتعلق بامتثال إسرائيل لهذا الالتزام".

وتمثل هذه المراجعة -حسب المعهد الإيطالي- لحظة محورية. 

وفسر ذلك بأنه "إذا تُوصل إلى استنتاج يثبت انتهاك إسرائيل للبند الخاص بحقوق الإنسان، فقد يطلق الاتحاد الأوروبي مشاورات بموجب المادة 79، مما قد يؤدي، كخيار أخير، إلى تعليق الاتفاق". 

"وبذلك، لا يعد اعتراض سفينة أسطول الحرية حدثا رمزيا فقط، بل نقطة تحول دفعت المؤسسات الأوروبية إلى إعادة النظر في التزاماتها القانونية والسياسية تجاه إسرائيل"، وفق التقرير.

اتفاق الشراكة

وأوضح التقرير أن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، المعمول به منذ يونيو/ حزيران 2000، يمثل الأساس القانوني للعلاقات الثنائية في إطار الشراكة الأورومتوسطية. 

حيث ينظم الاتفاق حوارا سياسيا منتظما، ويعزز تحرير التجارة، ويشجع التعاون الاقتصادي والقطاعي، كما يمنح إسرائيل حق الوصول التفضيلي إلى السوق الأوروبية، مما يجعل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل.

وأفاد التقرير بأنه "في حال تعليق الاتفاق، فإن ذلك قد يترتب عليه عواقب اقتصادية وسياسية كبيرة، من بينها فقدان إسرائيل المزايا التجارية".

وأوضح أن "الاتحاد الأوروبي، في عام 2024، كان أكبر شريك تجاري لها؛ حيث زودها بـ34.2 بالمئة من وارداتها، وتلقى 28.8 بالمئة من صادراتها، ما يعادل 32 بالمئة من إجمالي تجارتها السلعية".

وأكد أن "تقييد التعاون في مجالات مثل البحث والابتكار، واحتمال حدوث شرخ دبلوماسي، قد يلحق ضررا بالغا بالعلاقات الأوسع بين الطرفين". 

ورأى أن "تعليق الاتفاق سيثير تساؤلات قانونية وسياسية حول مبادئ العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي".

وفيما يتعلق بالمسارات القانونية، أوضح التقرير أنه "بموجب المادة 218(9) من (معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي" (TFEU)، يمكن للمجلس، بالإجماع، وبناء على اقتراح من المفوضية الأوروبية أو من الممثل الأعلى/نائب الرئيس، أن يتخذ قرارا بتعليق اتفاق دولي مثل اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". 

إلا أن هذا الشرط -شرط الإجماع- يجعل خيار التعليق الكامل صعبا من الناحية السياسية، وفق ما ذكره التقرير.

ومع ذلك، أشار المعهد إلى أن الاتحاد الأوروبي يستطيع اتخاذ إجراءات مستهدفة لا تتطلب سوى أغلبية مؤهلة، مثل: تعليق أجزاء من العلاقة التجارية (مثل المزايا التفضيلية في التجارة الحرة)، واستبعاد إسرائيل من برامج البحث الممولة من الاتحاد الأوروبي، ووقف أو تقليص آليات الحوار السياسي".

وأوضح أن هذه الخطوات تندرج ضمن ما وصفه بـ"النهج التدريجي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي". 

وذكر أن الاتحاد سبق له أن فعل بند حقوق الإنسان عدة مرات في إطار "اتفاق كوتونو" مع دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ، مما أدى غالبا إلى تعليق المساعدات التنموية أو إطلاق مشاورات دون أن يصل الأمر إلى إنهاء الاتفاقات.

اختبار حاسم

وناقش المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية، سيناريوهين متقابلين بشأن استجابة الاتحاد الأوروبي لأزمة اعتراض إسرائيل لسفينة "مادلين" ضمن أسطول الحرية، وعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

في السيناريو الأفضل، يرى أن الاتحاد الأوروبي قد يستثمر حادثة الأسطول كمحفز سياسي لمواءمة خطابه الحقوقي مع إجراءات فعلية. 

ويحتمل أن يقر المجلس الأوروبي حزمة "إجراءات مناسبة" دون الحاجة لتعليق اتفاق الشراكة بالكامل، مثل تعليق الامتيازات الاقتصادية والسياسية، وزيادة الضغط على إسرائيل لاحترام التزاماتها الإنسانية، واستعادة موقع الاتحاد كقوة أخلاقية عالمية. 

ووفق التقرير، فإن "هذه الخطوات ستشكل ردا حازما على الانتهاكات، وتفتح المجال لحوار سياسي أوسع حول العدالة والسلام"، مع إيصال رسالة واضحة مفادها أن "الاتحاد لا يتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان، حتى من شركائه المقربين".

أما السيناريو الأسوأ، فيكمن في "الانقسام بين الدول الأعضاء، مما يضعف القدرة الأوروبية على اتخاذ موقف موحد". 

فبينما أيدت فرنسا وإسبانيا بقوة مراجعة المادة الثانية من الاتفاق، ووصفتا سلوك إسرائيل بأنه يستدعي المساءلة والرد، عارضت إيطاليا وألمانيا بشدة أي خطوة نحو تعليق الاتفاق. 

وأكد أن "هذا التباين يعقد التوصل إلى إجماع، لكنه لا يمنع اللجوء إلى إجراءات جزئية بأغلبية مؤهلة".

واختتم المعهد بالتأكيد على أن "هذه الأزمة تمثل اختبارا حاسما لمصداقية السياسة الخارجية الأوروبية، وفرصة لإثبات التزام الاتحاد بحقوق الإنسان والقانون الدولي، عبر تبني إجراءات فعالة تسهم في تخفيف الأزمة الإنسانية وتأكيد الدور القيمي للاتحاد على الساحة الدولية".