على غرار شرق ليبيا وجنوب اليمن.. ما أهداف "دويلة حميدتي الإماراتية" في السودان؟

إسماعيل يوسف | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

بعدما أعلن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، 15 أبريل/نيسان 2025، عن حكومة (انفصالية) موازية في السودان، شكّل بالفعل يوم 26 يوليو/تموز 2025، حكومة موازية ومجلسا رئاسيا في غرب السودان، في تصعيد جديد يجسد تقسيم السودان لدولتين بعد حرب استمرت 27 شهرا.

خطورة الحكومة الجديدة في السودان، التي أعلنها حميدتي أنها لعبة تكررها الإمارات للمرة الثالثة في دولة عربية، وهي تحويل المليشيا إلى "حكومات موازية"، لتمزيق الدول، كما يقول المفكر السوداني الدكتور "تاج السر عثمان"، عبر "إكس".

فهي بمثابة نسخة مكررة من أدوات الإمارات في شرق ليبيا وجنوب اليمن، وحميدتي ليس إلا أداة في يد الإمارات، التي هي بدورها أداة ووكيل ينفذ أجندة لتفتيت الدول العربية.

لذا وصف الجيش السوداني هذه الخطوة، بأنها "مشروع استيلاء على السلطة" يخدم أجندات خارجية، مؤكدا أن "حكومة المليشيا" محاولة فاشلة لشرعنة التمرد.

وناشدت الخارجية السودانية دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية كافة، والهيئات الحكومية وغير الحكومية كافة، بإدانة الإعلان عن حكومة التأسيس، وطلبت منها عدم الاعتراف أو التعامل مع ما وصفته بـ "التنظيم غير الشرعي".

وأكدت الجامعة العربية، في بيان 27 يوليو 2025، رفضها القاطع "تشكيل أي حكومات أو إدارات موازية من خارج الإطار الدستوري والقانوني للدولة السودانية".

وعدت ذلك "تماديا في خطط إضعاف مؤسسات السودان، وإحلال الفوضى محل القانون، وقوة السلاح محل الإرادة الشعبية في محاولة لتقسيم السودان وتحويل البلاد إلى كانتونات متناحرة".

لماذا حكومة موازية؟

في يوم 22 فبراير/شباط 2025، وقعت مليشيا "الدعم السريع"، وقوى وحركات مسلحة سودانية في كينيا، ميثاقا سياسيا أعلنوا بموجبه تشكيل حكومة موازية للسودان، تنافس الجيش الذي يدير البلاد منذ الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير 2019.

وأعلن ما يُسمى "التحالف السوداني التأسيسي"، الذي تشكل بموجب هذا الميثاق، يوم 26 يوليو/تموز 2025، تشكيل "مجلس رئاسي" من 15 عضوا، برئاسة "حميدتي"، ورئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، عبد العزيز آدم الحلو، نائباً للرئيس.

وتم تكليف عضو مجلس السيادة السابق، محمد الحسن التعايشي، برئاسة الحكومة الانفصالية لتدير شؤون السودان، والمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في ولايات دارفور خصوصا.

اللافت في إعلان هذا الائتلاف السوداني بقيادة "قوات الدعم السريع"، تشكيل حكومة، وأيضا "مجلس رئاسي" مكون من 15 عضوا، أنه ضم قوى انفصالية أبرزها رئيس "الحركة الشعبية"، فرع الشمال، عبد العزيز الحلو.

وهذه "الحركة الشعبية" سبق أن انفصلت بدولة هي "جنوب السودان" عام 2011، ولكن بقي بعض المنتمين لها في مناطق بجنوب البلاد، يناهضون حكومة الخرطوم ويسعون بدورهم لتفتيت البلاد.

لذا لم يكن مستغربا تحالف حميدتي، الساعي لتنفيذ "دويلة إماراتية" في السودان على الأراضي التي تحتلها قواته (معظم إقليم دارفور غربي السودان وأجزاء من إقليم كردفان)، و"الحلو" الذي له أهداف انفصالية أيضا.

وتسيطر "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في الشمال، على مناطق في جنوب السودان منها كردفان وجبال النوبة، أيضا ضم تحالف حميدتي "الجبهة الثورية" التي تضم عددا من الحركات المسلحة في دارفور.

ويضم التحالف أيضا أجنحة من حزبي "الأمة" و"الاتحادي الديمقراطي"، بالإضافة إلى شخصيات مستقلة. 

والمجلس الرئاسي الذي أعلنه حميدتي هو مجلس سيادي، على غرار مجلس السيادة الانتقالي، الذي تم تشكيله بعد الإطاحة بنظام البشير، ويوازي المجلس الذي يديره قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ما يعني عمليا تقسيم السودان لمجلسي حكم وحكومتين وجيشين.

وتقول صحيفة "سودان تريبيون" إن إعلان تحالف "تأسيس" تعيين رئيس ونائب رئيس للمجلس الرئاسي ورئيس وزراء، يعني تكوين حكومة موازية، للسلطة الرسمية التي يديرها الجيش من بورتسودان شرقي البلاد. 

وجاء الحديث عن حكومة حميدتي ومجلسه الرئاسي، بعد أقل من شهرين من تكليف مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الذي يرأسه عبد الفتاح البرهان، كامل إدريس بتشكيل حكومة جديدة، سماها "حكومة الأمل"، لتصبح هناك حكومتان نظريا.

ويتجلى الانقسام حاليا في إعلان "مجلس رئاسي" لحميدتي في مواجهة "مجلس السيادة" التابع للبرهان، وإعلان كل طرف حكام مختلفين للأقاليم، وبذلك صار للإقليم الواحد حاكمان متنافسان خاصة إقليم دارفور.

فيما يتواجه جيشان وحكومتان من عاصمتين بانتظار أن يقضي الواحد على الآخر، أو تنحسم التجاذبات الإقليمية والدولية لصالح تقسيم جديد للبلاد.

وسبق أن تقاسم حميدتي السلطة مع البرهان بعد إطاحة الرئيس عمر البشير عام 2019، وسلما الحكم لتنظيمات يسارية وشيوعية، ثم انقلبا عام 2021 على السياسيين اليساريين، وتبع هذا صراع حول دمج الدعم السريع داخل الجيش، تحول لحرب أهلية.

دويلة إماراتية

ولتحقيق مصالحها، ومصالح القوى الكبرى في الغرب، وإسرائيل، الذين يحمون عرش الحكم، وبغرض محاربة القوى الإسلامية، سعت أبو ظبي لتشكيل سلسلة "دويلات إماراتية" في مناطق نفوذها بعدة دول عانت من الحروب الأهلية والانقسامات.

وزرعت الإمارات "دويلة" في شرق ليبيا يقودها المتمرد الانقلابي خليفة حفتر، ودعمتها ضد حكومة طرابلس المعترف بها دوليا و"دويلة" ثانية في جنوب اليمن تقودها ميليشيا إماراتية تابعة لها

وتسعى أبوظبي منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان أبريل 2023، لإنشاء "دويلة ثالثة" في السودان بقيادة مليشيا حميدتي.

وفق مصادر سودانية، تتراوح أهداف الإمارات، من إنشاء هذه الدويلات الانفصالية بين السياسي والأمني والاقتصادي، منها: منع أي ربيع عربي ومحاربة التيارات الإسلامية.

وكذا السيطرة على موانئ إستراتيجية في السودان، ونهب موارده مثل الذهب بالتعاون مع حميدتي، بخلاف تقديم خدمات للقوى الكبرى مقابل حمايتها.

وسبق أن استعانت الإمارات بقوات حميدتي كمرتزقة لتحقيق أهدافها المتعلقة بالسيطرة ودعم مليشياتها في ليبيا واليمن قبل أن تدفعه للتمرد على رفاقه العسكريين في محاولة منها لتنصيبه زعيماً للسودان.

ولأن الممول واحد، فقد عملت قوات الدعم السريع وجيش خليفة حفتر بشكل قريب، ففي عام 2019 دعم حميدتي تمرد شرق ليبيا في حملته للسيطرة على طرابلس بدعم من الإمارات.

ووصل نجل حفتر الأكبر "الصديق"، للخرطوم للحديث مع حميدتي قبل دخوله الحرب الأهلية مع الجيش السوداني بأيام.

ولعبت أبو ظبي دورا بارزا في تنامي قوة الدعم السريع، عبر توفيرها ملاذاً آمناً لأموال الذهب الذي يهربه حميدتي من خلال حسابات مصرفية للدعم السريع في بنوك الإمارات، وفق تقارير أجنبية.

وبسبب هذا التدخل الإماراتي في هذه الدول العربية وغيرها استمرت حروبها وانقساماتها وتدهورها وسقوط مئات الآلاف من الضحايا الذين سقطوا بأسلحة وفرتها حكومة أبو ظبي.

ومنذ إعلان حكومة حميدتي التفكير في تشكيل حكومة موازية، بعد هزائم قواته المتتالية، والتساؤلات تدور حول دور الإمارات في تشكيلها وهل هي "دويلة إماراتية" داخل السودان؟ ومن يعترف بها؟ وما تداعيات إعلانها؟

خبراء وتقارير سودانية رأت أنها دويلة تُصنع على أعين أبو ظبي، وأنها ستكون أول من يعترف بهذه الحكومة والتعامل معها، أو دعمها سرا بالسلاح والعتاد والمرتزقة، مقابل ذهب السودان الذي يسيطر عليه وينهبه حميدتي وشركاته وينقله إليها.

ويرون أن محمد بن زايد يحلم بتأسيس إمبراطورية تضم ليبيا ومصر والسودان وسوريا واليمن والجزيرة العربية وينفق عليها المليارات لتجنيد جيوش المرتزقة ويؤجج الحروب لتأسيس هذه الإمبراطورية.

وقد وصف مساعد وزير الخارجية، مسؤول إدارة السودان السابق بالخارجية المصرية السفير حسام عيسى، تشكيل حكومة موازية في السودان بأنها "خطوة سلبية ومستهجنة".

وقال لموقع "المحقق" الإخباري السوداني، في 27 يوليو/تموز 2025، إن الحكومة الموازية "تعد أول مسمار في نعش وحدة واستقرار أي دولة، وتكريس للانقسام وتعقيد أكثر للموقف السياسي في السودان".

وأكد أن الحكومة الموازية للمليشيا لن تحصل على أي اعتراف دولي ولا إقليمي، لأنها لا تحظى بأي شرعية، لكنه أشار إلى أنه "ربما تتعامل معها بعض الدول سرا ولكنهم لن يعترفون بها"، في إشارة ضمنية للإمارات.

وأشار إلى أن مصر "ترفض الاعتراف بهذه الحكومة، ولا تعترف إلا بحكومة بورتسودان (الجيش السوداني) برئاسة الدكتور كامل إدريس".

ورأى عيسى أن قرب انعقاد اجتماع وزراء خارجية الرباعية (أميركا والسعودية ومصر والإمارات) بواشنطن، يوم 30 يوليو/تموز 2025، قد يكون أحد أسباب إعلان حكومة مليشيا الدعم السريع، لكنه أكد أن الرباعية لن تعتبر بحكومة حميدتي.

وسبق أن شرحت مجلة "إيكونوميست"، في 3 مايو/أيار 2023، "كيف تستعمل الإمارات حميدتي كحليف مقرب لخدمة إستراتيجيتها" في المنطقة العربية والقرن الإفريقي.

وذكرت المجلة أن الحرب الدائرة في السودان جراء الاقتتال الداخلي، نتاج عوامل داخلية لكنها تجذب إليها فاعلين من الخارج، على رأسهم الإمارات الساعية لتعزيز مصالحها الاقتصادية.

ذلك أن السودان يقع على النيل، وهو قريب من القرن الإفريقي الذي يتحكم بنقاط الاختناق الجنوبية للبحر الأحمر والقريب من الخليج، وخطوط الملاحة عبر مضيق باب المندب، الذي يمر عبر 10 بالمئة من التجارة البحرية العالمية، ما يجعله منطقة إستراتيجية مهمة.

وهذا ما جعل أبو ظبي تستثمر في حميدتي، الذي لديه ثروة كبيرة لسيطرته على مناجم الذهب، وأعطوه السلاح ما حوله إلى رمز وقوة شبه مستقلة و"لاعب دولة"، كما يصفه الخبير بالسودان في جامعة كامبريدج، "شراث سيرنيفاسان".

ويرى محللون أن حكومة قوات الدعم السريع ستركز على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد، التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب. 

ويقول رئيس منتدى السلام لوقف الحرب في اليمن، عادل الحسني، في تغريدة عبر تويتر، إن ما تفعله الإمارات من تشكيل حكومة لدويلة جديدة في السودان هو نفس ما فعلته في اليمن وليبيا.

وأوضح، أن تشكيل الإمارات مجلسا رئاسيا من 15 عضواً في السودان داخل مناطق سيطرة الدعم السريع، بقيادة المتمرد حميدتي، ونائبه عبد العزيز الحلو، مع حكومة موازية يرأسها حسن العياشي هو نفس البرنامج الذي نُفّذ في اليمن، ونفس الممول، ونفس الأدوات الرخيصة، ونفس خطة تقسيم الدول وتمزيق الشعوب، وأنه "مشروع واحد بأسماء مختلفة"، والهدف تفكيك الدول العربية.

ويعتقد "محمد ناجي الأصم" وهو قيادي بتجمع المهنيين السودانيين، أن "أموال الإمارات هي التي تحدد حكومة حميدتي ووزرائه مثلما فعلت في الصومال وليبيا واليمن". 

وقال: ستضاف حكومة الجنجويد إلى مشاريع الإمارات في ليبيا واليمن والصومال، وهي المشاريع الانفصالية والاستقلالية، والتي تسعى عبرها إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية من موارد الشعوب المنهوبة، وتوسيع نفوذها في المنطقة واستخدامها كأدوات للمساومة على القضايا والملفات الإقليمية".

وكتب عبر فيس بوك يقول إن حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع، وسوف تعمد كما فعلت دائمًا، على سلاح مليشياتها وأموال الذهب المهرب وأموال المواطنين من الغنائم، وعلى أموال ونفوذ الإمارات.

وسبق أن شدد تقرير لمجلة "فوين بوليسي"، 29 أغسطس 2024، على أنه "لإنهاء حرب السودان يجب الضغط على الإمارات".

وأكدت أن "أبو ظبي تُطيل الحرب بتسليحها متمردي قوات الدعم السريع الذين يرتكبون جرائم يجب على المجتمع الدولي ألا يتجاهلها". 

وحين استضافت كينيا أول اجتماع تقرر فيه تشكيل حكومة موازية في السودان من جانب حميدتي، اتهمت الخرطوم الرئيس الكيني، وليام روتو، بالتصرف وفقا "لمصالحه التجارية والشخصية مع الرعاة الإقليميين للمليشيات التابعة لقوات الدعم السريع".

وقالت صحيفة "جون أفريك"، 21 فبراير/شباط 2025، في تقرير ترجمته "الاستقلال"، إن الاتهام السوداني كان "إشارة واضحة إلى دولة الإمارات ودورها في النزاع السوداني، لدورها في دعم قوات حميدتي وإرسال أسلحة لها".

الكلمات المفتاحية