الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطينية.. ماذا يغير في مستقبل الصراع؟

خالد كريزم | منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تجمع عدد من الدول الأوروبية لاعتراف جماعي بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول 2025، ضمن خطوة تهدف للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء العدوان على قطاع غزة وحل الصراع بالكامل.

لكن تثار العديد من التساؤلات عن جدوى هذه الخطوة وأهميتها في ظل الرفض الإسرائيلي لخيار حل الدولتين وخطط ضم أراض جديدة في الضفة الغربية وغزة، ما يعرقل إمكانية إقامة دولة فلسطينية.

خطوات متسارعة

ووجهت فرنسا و14 دولة في 30 يوليو/تموز 2025، نداء جماعيا تعتزم فيه الاعتراف بدولة فلسطين وتدعو مزيدا من الدول للانضمام.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عبر "إكس": "مع 14 دولة أخرى توجه فرنسا نداء جماعيا، نعبر عن عزمنا الاعتراف بدولة فلسطين وندعو الذين لم يفعلوا ذلك حتى الآن إلى الانضمام إلينا".

ومن بين الدول التي أعلنت عزمها الاعتراف بفلسطين 9 دول للمرة الأولى وهي: أستراليا وكندا وفنلندا ونيوزيلندا والبرتغال وأندورا ومالطا وسان مارينو ولوكسمبور، فيما جددت بلدان أخرى سبق لها الاعتراف بفلسطين دعمها، مثل آيسلندا وأيرلندا وإسبانيا.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 24 يوليو أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر.

وهي خطوة تبعته فيها المملكة المتحدة؛ إذ قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في 29 يوليو: إن بلاده ستعلن نفس الخطوة، إلا إذا اتخذت إسرائيل إجراءات معينة.

وربط ستارمر إمكانية إلغاء الاعتراف المرتقب باتخاذ إسرائيل خطوات ملموسة للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة والالتزام بحل الدولتين والامتناع عن ضم الضفة الغربية.

وأيد الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 23 يوليو بأغلبية 71 نائبا من أصل 120، اقتراحا يدعم ضم الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن إلى إسرائيل. كما تهدد حكومة الاحتلال بضم أراض من قطاع غزة في ظل استمرار العدوان عليها.

وقال ستارمر في مؤتمر صحفي إن "الشعب الفلسطيني عاش معاناة فظيعة. الآن في غزة بسبب الفشل الكارثي للمساعدات، نرى رضعا يتضورون جوعا وأطفالا لا يستطيعون النهوض، صور ستلازمنا ما حيينا. يجب أن تنتهي المعاناة".

وأشار رئيس الوزراء البريطاني إلى أن حكومته ستدرس التطورات وتتخذ القرار النهائي بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر.

وجاء إعلان ستارمر بعد استدعائه أعضاء الحكومة من العطلة الصيفية لبحث التطورات بغزة، حيث تقتل حرب الإبادة والتجويع عشرات الفلسطينيين يوميا.

وقد تجاوزت أعداد الشهداء 60 ألفا منذ بداية الحرب الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق ما أعلنته وزارة الصحة في القطاع.

وتأتي هذه الخطوات تزامنا مع انعقاد مؤتمر حل الدولتين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك (28 - 30 يوليو) برئاسة السعودية وفرنسا وبمشاركة رفيعة المستوى، لبحث سبل تنفيذ حل الدولتين، ودعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.

ودعا المؤتمر في بيانه الختامي إلى انسحاب إسرائيل من غزة، وتسليمها إلى السلطة الفلسطينية "وفق مبدأ حكومة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد".

وأكد البيان أهمية الاعتراف بدولة فلسطين ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة، مشددا على "ضرورة الوقف الفوري للحرب في غزة، وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين، وانسحاب القوات الإسرائيلية وفتح المعابر وإنهاء الحصار".

وتضمنت الوثيقة الختامية للمؤتمر تأكيد الالتزام بحل الدولتين "إسرائيل وفلسطين" بحدود آمنة ومعترف بها، كما نصت على أنه سيتم تضمين تعهدات دول أخرى مستعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وفي عام 2024، قررت ثلاث دول أوروبية وهي، النرويج، وإسبانيا، وإيرلندا الاعتراف رسميا بدولة فلسطين، لتنضم بذلك إلى العديد من العواصم الأوروبية التي سبق لها أن اتخذت هذه الخطوة.

واليوم تعترف أكثر من 140 دولة من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة رسميا بدولة فلسطين التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى عام 1988.

الصورة الأخرى

على الجانب الآخر، برزت دول أوروبية فاعلة ترفض الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الحالي، بسبب عدم وجودها على الأرض، ما يطرح تساؤلات عن الجدوى والأهمية.

فقد أيدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في 26 يوليو "بشدة" قيام دولة فلسطين لكنها لا تؤيد الاعتراف بها "قبل إقامتها".

وقالت في تصريح لصحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية: إن الاعتراف بدولة فلسطين قبل قيامها قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

وتابعت ميلوني "إذا تم الاعتراف على الورق بشيء غير موجود، فقد تبدو المشكلة كأنها حُلّت وهي لم تُحل".

وقبلها بيوم، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني: إن هذه الخطوة يجب أن تقترن باعتراف هذه الدولة الجديدة بإسرائيل.

وبدورها أعلنت الحكومة الألمانية في 25 يوليو أنها لا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية على المدى القريب، مبينة أن أولويتها الآن تتجه لإحراز "تقدم طال انتظاره" نحو حل الدولتين.

وأضافت أن "أمن إسرائيل ذو أهمية بالغة لنا"، مشيرا إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يكون إلا إحدى الخطوات الأخيرة في حل الدولتين.

ولم يوضح البيان الخطوات المطلوبة لحل الدولتين والتي يجب أن تسبق خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية.

وترفض إسرائيل بدورها هذه الخطوة وتدعي أن “دولة فلسطينية على حدود إسرائيل سيكون هدفها تدميرنا”، كما أن التغول الإسرائيلي المستمر في الضفة وغزة بما يشمل ضم واحتلال المزيد من الأراضي يقوض إمكانية إقامة دولة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إكس: إن خطوة الاعتراف الفرنسية البريطانية "مكافأةٌ لإرهاب (حركة المقاومة الإسلامية) حماس الوحشي"، وفق زعمه. وادعى أن "وجود دولة جهادية على حدود إسرائيل اليوم سيهدد بريطانيا غدًا".

وأردف: "التحوّل في موقف الحكومة البريطانية في هذا الوقت، عقب الخطوة الفرنسية والضغوط السياسية الداخلية، يُشكّل مكافأةً لحماس، ويُضرّ بالجهود المبذولة للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة، وإطارٍ لإطلاق سراح الرهائن"، وفق زعمه.

ولطالما عارض نتنياهو ومعظم الطبقة السياسية الإسرائيلية إقامة دولة فلسطينية، ويجادلون بأنها ستكافئ الفصائل العسكرية بعد هجمات 7 أكتوبر.

وتسعى السلطة الفلسطينية إلى إقامة دولة مستقلة بالضفة الغربية، وشرق القدس التي ضمّتها إسرائيل، وغزة، وهي أراضٍ احتلتها تل أبيب منذ حرب الأيام الستة عام 1967.

وفي عام 2005 انسحبت إسرائيل من غزة بفعل ضربات المقاومة، لكنها عادت إليها اليوم بخطط احتلال وتهجير بعد عملية طوفان الأقصى رافضة الانسحاب منها وإنهاء العدوان.

ويتضمن حل الدولتين إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل القائمة، مع منح كل من الفلسطينيين والمستوطنين أراضيهما الخاصة.

ولكن تكمن إحدى أكبر العقبات هنا في تحديد حدود الدولة الفلسطينية المحتملة، وهو أمر ازداد صعوبة بفعل التغول الاستيطاني الإسرائيلي.

إذ يعتقد الكثيرون أنها يجب أن تكون هي نفسها التي كانت قائمة قبل عام 1967، ولكن منذ ذلك الحين، أنشأت إسرائيل أعدادا متزايدة من المستوطنات داخل الضفة الغربية، حيث يعيش الآن حوالي 600 ألف إسرائيلي هناك وفي شرق القدس المحتلة.

ماذا قالوا؟

وحول الحراك الجاري، علق الكاتب الصحفي عبد الله العمادي بالقول: "أكثر من مئة دولة تجتمع بالأمم المتحدة لتناقش تسوية أو تصفية المسألة الفلسطينية عبر فكرة حل الدولتين".

ووصف الطرح الحالي بأنه عبارة عن "دولة فلسطينية منزوعة الدسم والسلاح والهيبة والكلمة يديرها (رئيس السلطة محمود) عباس وزمرته، وأخرى صهيونية كاملة الدسم مدعومة من الشرق والغرب بالسلاح وغيره، يديرها مجرمو حرب".

وأردف عبر إكس: "النظام الصهيوني لم يحضر المؤتمر بل لا يعترف به وما يصدر عنه، وهو مستمر في مشاريعه لضم البقية الباقية من فلسطين".

وذكر أن “الولايات المتحدة، الشريان الحيوي الرئيس للنظام الصهيوني، قاطعت المؤتمر ولم تعترف بتوصياته أيضاً”.

وتابع: "لا أدري أين ستقام الدولة الفلسطينية إن سارع النظام الصهيوني في ضم الضفة والقدس وما تبقى من فلسطين قريبا".

ورأى أن رغبة العرب لتصفية القضية باتت شديدة، وأن "الجهة الوحيدة التي فهمت أس (أساس) المشكلة والصراع هي حماس. ولهذا يتكاتف العالم كله على نزع سلاحها وتشويه سمعتها بكل الطرق والوسائل".

وقال الكاتب الفلسطيني مقداد جميل عبر إكس: “الدولة ولا كيس الطحين (الدقيق)؟ أكيد كيس الطحين”.

وأردف: “بطون أطفالنا وأشباعهم الآن أولى، وإلّا لمن ستبقى الدولة؟ هذا ما سيقوله كلّ الناس في غزّة لو سألتموهم عن الاعترافات الوهميّة. أيّ اعتراف الآن ونحنُ تحتَ الإبادة والموت والقتل اليومي والتجويع؟”

وتابع: “يقول رئيس وزراء بريطانيا، في تصريح لا أراه إلّا ساخرًا جدًا إنه في حال لم تتخذ إسرائيل خطوات لوقف الأزمة في غزة حتى سبتمبر، سنعترف بدولة فلسطينيّة، يعني أنّ الاعتراف مشروط، وإذا حُلّ الأمر وانتهت المجاعة، وأكل الناس، لا اعتراف”. 

وواصل القول: “إنهم يخيّروننا بين الدولة والطعام، فإذا لم نأكل، فلمن ستبقى الدولة؟ وإذا أكلنا فنحنُ مُجرد بشر عابرين على الأرض بالنسبة لهم، لا اعتراف ولا دولة ولا أرض ولا شيء”.

وخلص إلى أن “الاعترافات الدولية بفلسطين لا تتعدّى كونها الآن مُجرد ضغط على إسرائيل، يراه المعارضون الإسرائيليون فشلًا لحكومتهم، رُبما باستثناء الاعترافيْن الإسباني والإيرلندي الذيْن جاءا مبكرًا”.

أما خالد عودة الله، فتطرق إلى البيان الختامي لمؤتمر حل الدولتين، والذي طالب بنزع سلاح حماس، مبينا أن توقيعه من قبل دول عربية وإسلامية هو كشف للمخفي منذ البداية، وفي حقيقته دعم لحرب الإبادة.

وتابع: أما الدولة الفلسطينية الموعودة فلن تكون إلا بلديات وإمارات مناطقية على مقياس المستوطنين وأحلام وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير  التوراتية (بالضم والاحتلال).

وبالعموم، يؤكد بعض معارضي اعتراف الدول أحادي الجانب بدولة فلسطينية أن هذه الخطوة رمزية فحسب عندما تتم دون تعاون مع إسرائيل، مضيفين أن الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تكون إلا نتيجة مفاوضات بين طرفي الصراع، وفق ما قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في 26 يوليو 2025.

واستدركت أن “مؤيدي هذه الخطوة يقولون إن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير مهتمة بمثل هذه المحادثات أو بحل الدولتين، وبالتالي لا يمكن دفع هذا الإطار إلا من خلال الضغط الدبلوماسي”.