حزب جيرمي كوربين الجديد في بريطانيا يثير مخاوف الكيان الإسرائيلي.. لماذا؟

18 بالمئة من الناخبين البريطانيين عبروا عن استعدادهم للتصويت لحزب كوربين
أعلن جيرمي كوربين، الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني المعروف بمواقفه المناهضة للكيان الإسرائيلي، تأسيس حزب جديد بالشراكة مع النائبة السابقة في حزب العمال زارا سلطانة.
ودعا كوربين وسلطانة إلى "إعادة توزيع واسعة النطاق للثروة في المملكة المتحدة"، كما طالبا بفرض حظر كامل على إسرائيل، مشيرين إلى أن "بريطانيا شريكة في جرائم ضد الإنسانية".
في هذا السياق، تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن التاريخ السياسي لكل منهما في معارضة إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، موضحة كيف يشكل الحزب الجديد تهديدا مباشرا لقاعدة حزب العمال الشعبية.

جيرمي كوربين
ووصفت الصحيفة الحزب الجديد الذي أنشأه كوربين بـ "اليساري المتطرف"، وحذرت من أن "الحزب الذي لم يسمَّ رسميا بعد، ويشار إليه مؤقتا على موقعه الإلكتروني باسم (حزبكم)، سيسعى لمنافسة حزب العمال بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر".
والمثير للقلق أن "هذا الإعلان يأتي في ظل استطلاعات رأي تظهر أن الشارع البريطاني يشعر بخيبة أمل متزايدة من قيادة ستارمر، وذلك بعد عام واحد فقط من فوزه الساحق في الانتخابات عام 2024".
وادعت الصحيفة أن "كوربين يعرف بمواقفه اليسارية وانتقاداته المستمرة لإسرائيل على مدى سنوات، وقد واجه خلال فترة قيادته اتهامات بالسماح بتفشي معاداة السامية داخل الحزب".
ولفتت إلى أن "تصريحاته التي وصف فيها عناصر حماس وحزب الله بأنهم (أصدقاؤه)، تعد من أبرز محطات الجدل في مسيرته السياسية".
وكان كوربين قد استقال من رئاسة حزب العمال بعد هزيمته في انتخابات 2019، وطرد من الحزب في عام 2020 بعد أن صرح بأن اتهامات معاداة السامية في الحزب كان "مبالغا فيها".
وخلفه في زعامة الحزب كير ستارمر، الذي تصفه الصحيفة بأنه "سياسي معتدل من تيار يسار الوسط".
وزعمت أن "حملة تطهير الحزب من معاداة السامية، ساعدته في تحقيق فوز ساحق في انتخابات يوليو/ تموز 2024، والتي أطاحت بحزب المحافظين من الحكم بعد 14 عاما متواصلة".
وأشارت إلى أنه "رغم استبعاده من حزب العمال، واصل كوربين نشاطه السياسي كعضو مستقل في البرلمان، حيث أعيد انتخابه عام 2024 ممثلا عن دائرته الانتخابية في منطقة إزلنغتون شمال لندن، وهي الدائرة التي يمثلها منذ 42 عاما".
وخلال الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واصل كوربين انتقاداته الحادة لإسرائيل، ورفض في مقابلة أجريت معه بعد المجزرة بشهر واحد فقط أن يصف حماس بـ "منظمة إرهابية"، وذلك رغم تكرار السؤال عليه 15 مرة.
وفي وقت سابق من عام 2024، انضم كوربين إلى دعوى قضائية أقامتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.

زارا سلطانة
وأوضحت الصحيفة أن كوربين "لا يخوض مشروعه السياسي الجديد منفردا، بل إلى جانبه النائبة السابقة (المتمردة) في حزب العمال زارا سلطانة، المعروفة بمواقفها المناهضة لإسرائيل، والتي كانت قد أعلنت انسحابها من الحزب مطلع شهر يوليو/ تموز 2025".
وتبلغ سلطانة من العمر 31 عاما، وتنحدر من عائلة مسلمة من أصول باكستانية، وقد انتخبت لأول مرة عن حزب العمال في انتخابات عام 2019.
وقبيل تلك الانتخابات، اعتذرت ضمنيا بعد الكشف عن تغريدات قديمة لها، يعود بعضها إلى عام 2015، أبدت فيها رغبتها في "الاحتفال" حال وفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، أو الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن.
وقد كتبت آنذاك: "لا تحتفلوا بوفاة أي إنسان، بغض النظر عما فعله، لكن حاولوا منعي إذا مات أمثال بلير ونتنياهو وبوش"، وأرفقت التغريدة برمزي تعبير: وجه مبتسم وراقصة. حسب التقرير.
وكانت سلطانة قد تحدثت في وقت سابق عن زيارة أجرتها وهي في سن السابعة عشرة إلى الضفة الغربية والقدس، مؤكدة أنها تأثرت بشدة مما وصفته بـ "مشاهد إذلال الفلسطينيين".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "منذ اندلاع الحرب على غزة، لم تتوقف سلطانة عن توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل، وطالبت -على غرار كوربين- بفرض حظر شامل بريطاني على تصدير السلاح لإسرائيل".
يذكر أن عضوية سلطانة علقت في حزب العمال في يوليو/ تموز 2024، بسبب تصويتها ضد موقف حكومة ستارمر، عندما دعمت مقترحا لرفع القيود عن تخفيضات ضريبية مخصصة لأهالي الأطفال.
وفي مطلع شهر يوليو/ تموز 2025، أعلنت رسميا انسحابها من الحزب، وأبدت حينها نيتها في الانضمام إلى كوربين، وهو ما جرى الإعلان عنه الآن بشكل رسمي.
وفي بيان مشترك، شدد كوربين وسلطانة على مطلبهما بفرض حظر تسليح كامل على إسرائيل، وكتبا: "ملايين الأشخاص يشعرون بالصدمة من شراكة الحكومة البريطانية في جرائم ضد الإنسانية. الآن، أكثر من أي وقت مضى، علينا أن ندافع عن الحق في الاحتجاج ضد الإبادة الجماعية".
وذكرت الصحيفة أن هذا التصريح "يأتي على خلفية قرار الحكومة البريطانية، بقيادة حزب العمال، تصنيف حركة "فلسطين أكشن Palestine Action" المناهضة لإسرائيل كـ (منظمة إرهابية)".
وذلك بعد أن اقتحم نشطاؤها قاعدة جوية في شهر يونيو/ حزيران 2025 وخربوا طائرات تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، في خطوة احتجاجية على ما وصفوه بـ "الدعم العسكري البريطاني لإسرائيل".
ومنذ صدور القرار، تتعامل الشرطة البريطانية بعنف مع تظاهرات الحركة وتفرقها بالقوة، وتعتقل العشرات من أنصارها.
وكتب كوربين وسلطانة في بيانهما المشترك أيضا: "نؤمن بالفكرة الجذرية التي تقول إن حياة كل إنسان لها قيمة متساوية، لهذا السبب سنواصل المطالبة بوقف جميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وتعزيز الطريق الوحيد للسلام: دولة فلسطينية مستقلة وحرة".

“جزيرة من الغرباء”
في سياق متصل، أوضحت الصحيفة أن "كوربين وسلطانة وجها انتقادات مبطنة لكير ستارمر على خلفية لهجته المتشددة أخيرا تجاه أزمة الهجرة، بعد تزايد عدد المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون القنال الإنجليزي".
وبحسب الصحيفة، تعد هذه القضية أحد أبرز العوامل التي أضعفت من شعبية ستارمر، الذي صرّح أخيرا بأن "بريطانيا ستتحول إلى جزيرة من الغرباء إذا لم تواجه الهجرة غير الشرعية".
وهي -بحسب التقرير- تصريحات أثارت غضبا واسعا داخل معسكر اليسار، ما دفعه لاحقا إلى التراجع عنها.
وردا على ذلك، أكد كوربين وسلطانة في بيانهما المشترك أن "حزبهما يشمل منتمين إلى جميع الأديان، كما يضم اللادينيين كذلك".
وأضاف البيان: "من يسعون لتقسيم المجتمع يريدون أن تصدقوا أن المهاجرين واللاجئين هم سبب المشكلات الاجتماعية، لكنهم ليسوا كذلك، السبب الحقيقي هو نظام يحمي مصالح الشركات الكبرى وأصحاب المليارات".
وترى الصحيفة أن حزب كوربين الجديد "يأمل في إثبات حضوره السياسي مبكرا عبر المشاركة في الانتخابات المحلية التي ستجرى في بريطانيا عام 2026، لا سيما أن الإعلان عن تأسيس الحزب الجديد يتزامن مع ظل استطلاعات رأي تشير إلى تراجع كبير في شعبية كل من حزب العمال وحزب المحافظين".
وذلك "في مقابل صعود لافت لحزب (الإصلاح) بزعامة نايجل فاراج، والذي يصنف كحزب يميني شعبوي، ويتصدر حاليا نتائج استطلاعات الرأي".
في هذا السياق، تشير "يديعوت أحرونوت" إلى تقرير نشرته صحيفة "التلغراف" البريطانية أخيرا، قدر أن "حزب كوربين، قد (يسرق) أصواتا كثيرة من حزب العمال، على غرار ما يفعله حزب فاراج مع القاعدة الشعبية لحزب المحافظين".
كما أشارت الصحيفة العبرية إلى "استطلاع رأي أجري في يونيو/ حزيران 2025، والذي افترض سيناريو يخوض فيه كوربين الانتخابات عبر حزب جديد".
وكشف هذا الاستطلاع أن حزب كوربين الجديد "قد يحصد نحو 10 بالمئة من الأصوات، في حين يحصل كل من حزب العمال والمحافظين على نسبة 20 بالمئة لكل منهما، أما حزب (الإصلاح) فقد تصدر الاستطلاع بنسبة 27 بالمئة من الأصوات".
في غضون ذلك، أظهر استطلاع رأى آخر، نشر في يوليو/ تموز 2025، أن نحو 18 بالمئة من الناخبين البريطانيين عبروا عن استعدادهم للتصويت لحزب جديد بقيادة كوربين.
وهي نسبة تعتقد الصحيفة العبرية أنها "مرتفعة خصوصا بين الفئة العمرية من 18 إلى 24 عاما، وبين سكان العاصمة لندن".
ومع ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن "عددا من الخبراء حذّروا من أن النظام الانتخابي البريطاني قد يصعب على هذا الحزب الجديد تحويل الدعم الشعبي إلى مقاعد فعلية في البرلمان، حتى مع تحقيقه نسب تأييد مرتفعة".
أما عن الخطوة التالية المتوقعة للحزب، فقد رجّحت الصحيفة أن "يسجل كوربين وسلطانة الحزب رسميا بحلول نهاية عام 2025، على أن يطلقا بعد ذلك حملة لضم الأعضاء، وتنظيم حملات محلية، وإعداد برامج سياسية تمهيدا للانتخابات العامة المقبلة، التي يُتوقع إجراؤها في أقرب تقدير عام 2029".
وفي الأثناء، "يركز كل من كوربين وسلطانة على حشد الدعم الشعبي وبناء قاعدة ميدانية صلبة، لا سيما بعد إعلان أكثر من 200 ألف شخص رغبتهم في الانضمام إلى الحزب خلال أقل من 24 ساعة من الإعلان عن تأسيسه".