في زمن الحرب.. كيف زادت شركات فلسطينية أرباحها رغم تراجع الخدمات؟

خالد كريزم | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من تذبذب وانقطاع خدماتها في قطاع غزة، سجلت شركات وطنية فلسطينية قفزة غير متوقعة في أرباحها، مما أثار تساؤلات وجدلا حول أسباب هذا النمو في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

وكان يتوقع أن تتراجع أرباح شركة الاتصالات الفلسطينية "جوال" التي تقدم خدمات متذبذبة في قطاع غزة، وبنك فلسطين الذي دمر الاحتلال الإسرائيلي فروعه وسرق أمواله، لكن المفاجأة كانت عكس ذلك.

نمو لافت

فخلال النصف الأول من العام 2025، حققت شركة جوال إجمالي إيرادات بلغت 131.8 مليون دينار أردني، مقارنة مع 118.1 مليون دينار أردني في العام 2024، بنسبة ارتفاع بلغت 11.6 بالمئة (1 دينار أردني = 1,41 دولارا).

كما حققت صافي ربح بقيمة 21.5 مليون دينار أردني للنصف الأول من العام 2025، مقارنة مع 18.9 مليون دينار أردني للفترة ذاتها من عام 2024 بارتفاع نسبته 13.4 بالمئة، وفق بيان رسمي صدر عن الشركة في 17 أغسطس/آب.

وجوال، تأسست في العام 1995 كشركة مساهمة عامة، ضمن مجموعة الاتصالات الفلسطينية “بالتل”.

تربط الشركة فلسطين بشبكة متطورة في مجالات الاتصالات الخلوية والثابتة والإنترنت، وحلول تكنولوجيا المعلومات التي تخدم أكثر من 3.5 ملايين مشترك من جميع القطاعات.

وجاء الارتفاع في أرباح الشركة على الرغم من تذبذب الخدمة وانقطاعها لفترات طويلة خلال 23 شهرا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ولطالما أعلنت “بالتل” عن انقطاع جميع خدمات الاتصالات والإنترنت داخل قطاع غزة بفعل القصف الإسرائيلي. 

وفي حال عدم القطع الكلي، لا يمكن أيضًا التواصل في كل حين، حيث تغيب الشبكة طوال الوقت ويكون زمان وصلها نادرًا ومعقدًا.

وللتغلب على هذه الحالة، يستخدم بعض الغزيين شرائح هاتف دولية أو إسرائيلية، وهذا يتطلب أيضًا الصعود إلى طوابق مرتفعة للتمكُّن من تشغيل الإنترنت والتواصل، مما يعني ندرة استخدام الخدمة في القطاع الذي يبلغ عدد ساكنه نحو 2.4 مليون.

وعلى نفس المنوال، أفصحت مجموعة بنك فلسطين (BOP) عن نتائجها المالية المرحلية عن النصف الأول من عام 2025، بإجمالي إيرادات بلغت 186.5 مليون دولار أميركي مقابل 172.4 مليون دولار  للنصف الأول من عام 2024.

وبحسب بيان نشرته المجموعة في 14 أغسطس، ارتفع صافي الربح بعد المصاريف والمخصصات من 1.40 مليون دولار أميركي للنصف الأول من عام 2024 إلى صافي ربح بمبلغ 29.56 مليون دولار لنفس الفترة من عام 2025.

وجاء هذا على الرغم من سرقة نحو 70 مليون دولار خلال أسابيع من فروع بنك فلسطين بقطاع غزة، وفق ما نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية في أبريل/نيسان 2024.

وأشارت الصحيفة إلى وثيقة للبنك أرسلها إلى "شركاء دوليين" تفصّل السرقات، ووصفت كيف اكتشف موظفون في 16 أبريل فجوة في سقف غرفة الأمانات في أحد الفروع في غزة.

وقالت “لوموند”: إن فرعين للبنك في مدينة غزة تعرضا لثلاث عمليات سطو بين 17 و18 أبريل. وبلغ إجمالي المبالغ المسروقة في العمليات الثلاث 66 مليون يورو، بعملات متعددة.

وإضافة إلى عمليات السطو، قالت صحيفة معاريف العبرية في فبراير/شباط 2024: إن الجيش الإسرائيلي استولى على 200 مليون شيكل من داخل بنك فلسطين في حي الرمال بمدينة غزة ونقلها إلى إسرائيل.

وأقرّت الهيئة المستقلة التي تشرف على النظام المالي في الأراضي الفلسطينية بأنّ المصارف في قطاع غزة واجهت "تحديات متعاظمة" بعد أن نال التدمير الكامل والجزئي معظم فروعها من جرّاء الحرب.

من جهتها، أكدت سلطة النقد في أبريل/نيسان 2024 استمرار الجهود لتقييم أضرار الحرب على موجودات الجهاز المصرفي في قطاع غزة، بما يشمل تدمير المقرات والمباني بفعل القصف، والسرقات التي نالت عددا من فروع البنوك.

لكنها شددت على أن توفير المعطيات الدقيقة لحقيقة ما جرى يتطلب توقف الأعمال العسكرية بشكل كامل.

ما التفسير؟

وبينما لم يقدم بنك فلسطين أي تفسير للنمو في أرباحه، فقد قالت شركة جوال: إن "الارتفاع المستمر بالنتائج يعكس المستوى العالي بالكفاءة التشغيلية، وتحسن الإيرادات مقارنة بنفس الفترة من العام 2024 بالرغم من مرور 22 شهراً للعدوان على قطاع غزة".

وبينت أن "طواقم الشركة تواصل جهودها الكبيرة لتمكين أكثر من مليوني مواطن بالقطاع من الاتصال بأهلهم ومحيطهم في ظل العدوان والحصار".

وأكدت أن الطواقم تعمل بشكلٍ متوازٍ للحفاظ على اتصال مئات المؤسسات الخدماتية والطبية والإغاثية، لتمكينها من تقديم خدماتها لأهلنا في غزة، من خلال حلول تكنولوجية مرنة ومبتكرة.

كما “استمرت جهود الشركة في تطوير خدماتها بالضفة الغربية ورفد السوق الفلسطيني بالعديد من الحلول التكنولوجية المتقدمة أهمها خدمات الألياف الضوئية و3G، لتصل لكل بيت ومنشأة”.

وذلك لإيمانها بمسؤوليتها في بناء اقتصاد وطني تقني وقادر على التكيف مع التحديات وتجاوزها، ما يؤكد مكانة الشركة الرائدة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني، وفق البيان.

وتطرق المواطن الغزي رائد فارس إلى قضية الكفاءة التشغيلية، قائلا: إن الخدمة في أسوأ أحوالها وهي شبه مقطوعة منذ بداية العدوان الإسرائيلي.

وأردف فارس لـ"الاستقلال" أن “شركة جوال تبيعنا هواء، وتحتكر السوق الفلسطينية ولم تعمل على إدخال أي بدائل تشغيلية أو إطلاق أي ابتكار لتجاوز الانقطاع المتكرر للخدمة”.

وفي غزة، تعمل شركتا الاتصالات الفلسطينية وجوال اللتان تقدمان خدمات الهاتف الثابت والمتنقل والإنترنت، وشركة أوريدو فلسطين التي تقدم خدمة الهاتف المتنقل، إضافة إلى شركتي مدى العرب وفيوجن نت للإنترنت.

واستهدف الاحتلال عشرات المرات البنية التحتية المغذية للاتصالات وقصف المنشآت الفنية والمعدات اللوجستية الخاصة بعمل الاتصالات في غزة.

ونالت الاستهدافات المقاسم الرئيسة والفرعية، وأدت إلى تعطيل وتدمير أبراج التقوية وشبكات الألياف الضوئية بالإضافة الى المسارات والخطوط الناقلة الرئيسة التي تربط قطاع غزة مع بعضه ومع العالم الخارجي. 

كما يعد نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات وانقطاع الكهرباء أسبابا إضافية لانقطاع الاتصال والإنترنت عن قطاع غزة.

وأشارت بيانات وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي الى أنه قبل العدوان كان هناك 841 برجاَ تابعاً لشركات الاتصالات الخلوية. 

ولكن حتى منتصف أبريل 2024، خرج نحو 75 بالمئة من هذه الأبراج عن الخدمة، وفق ما نشر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني منتصف مايو 2024.

كما وصلت قيمة خسائر البنى التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد خلال الستة شهور الأولى للعدوان إلى حوالي 223 مليون دولار ، دون وجود إحصاءات حديثة.

ولكن يرى فارس أن أقدمية شركة جوال وانتشار شبكة خطوطها بشكل واسع، واحتكارها السوق مع انهيار الشركات الأخرى خلال العدوان، قد يكون سببا في ارتفاع أرباحها، "خاصة أنها لم تخفض الأسعار ولم تدشن آلية لتعويض المستهلكين".

وبين أنه رغم انهيار الاتصالات وصعوبتها، فقد تزايدت الحاجة إلى الإنترنت لاعتماد أغلب المواطنين على التطبيقات البنكية في عمليات الشراء والتحويل عبر المحافظ الإلكترونية بسبب انعدام السيولة، وهو ما قد يكون سببا في ارتفاع أرباحها.

عوامل الربح

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح أنه رغم استمرار الحرب في غزة وما سببته من شلل لقطاعات عديدة، تمكنت تلك الشركات من زيادة أرباحها بفعل الحاجة الماسة لخدماتها.

وأوضح مصبح لـ"الاستقلال" أن شركة "جوال" على سبيل المثال، زادت أرباحها نتيجة عدة عوامل، أهمها أن الاتصالات والإنترنت تعد خدمات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها حتى في الأزمات.

وفي النظر إلى الأسباب، تطرق إلى ضرورة عدم إغفال الضفة الغربية حيث الظروف أكثر استقرارًا، مبينا أن جزءًا كبيرًا من إيرادات الشركة يأتي منها.

كما ساعدت الكفاءة التشغيلية العالية وخفض التكاليف في رفع هامش الربح، إلى جانب زيادة الطلب على البيانات والخدمات الرقمية والحلول المخصصة للمؤسسات الطبية والإغاثية.

وأكد مصبح أن “هذه العناصر مجتمعة عوضت التراجع في غزة، وأدت إلى تحقيق نمو ملحوظ في الإيرادات والأرباح”.

وعليه أوضح الخبير الاقتصادي أن ازدياد إيرادات وأرباح شركة جوال بالرغم من استمرار الحرب تعود إلى طبيعة الاتصالات كخدمة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها.

وأيضا توزيع المخاطر جغرافيًا (إيرادات الضفة عوّضت غزة)، تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف، ارتفاع الطلب المؤسسي والإغاثي خلال الحرب، والتحول الرقمي وزيادة استهلاك البيانات.

وبالمجمل، رأى مصبح أن معظم القطاعات الاقتصادية في غزة تعاني من توقف الإنتاج والتجارة، وضعف القوة الشرائية، وانكماش الاستهلاك.

ولكن في حديثه عن البنوك، أوضح أنها تكون بالعادة أكثر مرونة، لأنها تقدم خدمات مالية أساسية (إيداع، تحويل، قروض، خدمات دولية) والتي يظل الطلب عليها قائمًا حتى في الأزمات، بل قد يزداد أحيانًا.

وعن بنك فلسطين، ذكر أنه لا يعتمد على غزة وحدها؛ بل لديه شبكة كبيرة في الضفة الغربية وأسواق خارجية ومنها أخيرا افتتاح مكتب في القاهرة، وخطط للتوسع في أبوظبي، وفق ما تظهر البيانات الرسمية له.

ولذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي أن إيرادات الضفة الغربية والتوسع الخارجي للبنك ساعدا في تعويض الخسائر أو التراجع في غزة.

وأضاف أن “ارتفاع أرباح بنك فلسطين بالرغم من الحرب يُفسَّر بقدرته على تنويع مصادر دخله جغرافيًا وقطاعيًا، ونجاحه في جذب السيولة كملاذ آمن، إلى جانب زيادة التسهيلات الائتمانية والشراكات الدولية، وتحسن إدارة المصاريف والمخصصات”.

وفي المقابل، فإن اعتماد معظم أعمال غزة على النشاط التجاري والاستهلاكي المباشر جعلها أكثر عرضة للتراجع والخسارة، بينما قطاع البنوك ظل في موقع أقوى خلال الأزمة، وفق تقديره.