صفعة جديدة من قمة شنغهاي لأميركا.. ما خياراتها لحماية الأحادية القطبية؟

استضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة أكثر من 20 زعيما عالميا
أكدت مجلة أميركية أن الأحادية القطبية في أفول، غير أن أمام الولايات المتحدة فرصة -بل وحاجة- إلى ابتكار سبيل غير القوة العسكرية كي تظل لاعبا مؤثرا في المشهد الدولي.
وفي تقرير للباحث في "معهد كوينسي"، سارانغ شيدور، سلطت مجلة “ريسبونسبل ستيتكرافت” الضوء على ما وصفته "قمة شنغهاي الكبرى لخصوم الولايات المتحدة"، مؤكدة أنها أرسلت رسالة واضحة لواشنطن.
وانعقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون (31 أغسطس/آب - الأول من سبتمبر/أيلول)، وهي تجمعٌ للدول الآسيوية والأوراسية، في مدينة تيانجين الصينية، حيث تسعى بكين إلى تعظيم المكاسب من هذا الحدث الذي يُعد أكبر تجمع تشهده المنظمة منذ تأسيسها.

نظام اقتصادي جديد
واستضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ أكثر من 20 زعيما عالميا، من بينهم قادة كوريا الشمالية والهند وإيران ودول آسيا الوسطى وتركيا وروسيا، الشريك الوثيق للصين.
ويشارك في القمة كل من الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وكان من المقرر أن يحضر الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، لكنه ألغى مشاركته في اللحظة الأخيرة بسبب احتجاجات مناهضة للحكومة اندلعت خارج عاصمة بلاده.
وخلال القمة قال "شي": "يجب علينا تعزيز منظور تاريخي للحرب العالمية الثانية ومعارضة عقلية الحرب الباردة ومواجهة الكتل وسياسات الترهيب" التي تنتهجها بعض الدول، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
وتعود جذور منظمة شنغهاي التي تأسست عام 2001 إلى كونها إطارا أمنيا، لكنها باتت تتجه باضطراد نحو أجندات اقتصادية ومشاريع للترابط الإقليمي.
وخلال هذه القمة، دفعت الصين باتجاه إنشاء بنك تنمية خاص بالمنظمة وترتيبات تمويل جديدة لاستخراج المعادن الحيوية.
وكانت الصين طرحت لأول مرة فكرة تأسيس البنك عام 2010 بهدف تعزيز التجارة الإقليمية واستخدام العملات المحلية.
كما حثّ الرئيس الصيني أعضاء المنظمة على الاستفادة من "سوقهم الضخمة"، معلنا عن طموحه لبناء نظام أمني واقتصادي عالمي جديد يشكل تحديا للولايات المتحدة.
وقال: "يتعين أن ندعو إلى عالم متعدد الأقطاب متوازن ومنظم، مع تعزيز العولمة الاقتصادية الشاملة وبناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلا وإنصافا".
وكشف عن أن بلاده بصدد تقديم ملياري يوان (حوالي 280 مليون دولار) من المساعدات للدول الأعضاء خلال العام 2025، و10 مليارات يوان أخرى من القروض لتحالف بنوك تابع لمنظمة شنغهاي.

استغلال الاضطرابات
واستدركت المجلة: "مع ذلك، ستكتسب الاجتماعات الثنائية أهمية خاصة، لا سيما تلك التي تجمع الصين بالهند، والصين بروسيا، وروسيا بإيران".
ولاحظت أن القمة تنعقد في وقتٍ تقيم فيه الولايات المتحدة حواجز جمركية مع معظم دول العالم، وبشكل متزايد، تنظر إليها العديد من القوى التجارية على أنها شريك غير موثوق.
وقد سعت بكين إلى استغلال هذه الاضطرابات لتقدّم نفسها كعامل استقرار ومحور للتجارة والتكنولوجيا في آسيا والجنوب العالمي.
وقال الباحث شيدور: "يقابل تقلب السياسة الأميركية وحالة الضبابية المرتبطة بها قدرا أوسع من الاستقرار والحيوية الاقتصادية في مناطق رئيسة من آسيا".
"ورغم أن جزءا كبيرا من المنطقة قدم تنازلات كبيرة لواشنطن بشأن قضية الرسوم الجمركية، فإن قمما مثل قمة تيانجين تُمكّن الدول المشاركة من مواصلة تعزيز التنوع الاقتصادي والتوافق متعدد الأطراف".
ويبرز هذا خصيصا خلال هذه القمة بالنسبة للهند وإندونيسيا؛ إذ إن نيودلهي التي تشهد علاقاتها مع واشنطن أسوأ أزمة منذ أكثر من ربع قرن، تسعى إلى تهدئة علاقتها المعقدة مع الصين وتعزيز روابطها القوية أصلا مع روسيا.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أعلن في 6 أغسطس/آب 2025، فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على البضائع القادمة من الهند، بسبب شرائها للنفط الروسي.
وفي المقابل، أعلنت الحكومة الهندية، عن تعليق إرسال طرود البريد إلى الولايات المتحدة بدءا من 25 أغسطس/آب.
ومن جانبه، وصف وزير الخارجية الهندي، سوبراهمانيام جايشانكار، الرسوم الجمركية الأميركية بأنها "غير عادلة وغير منطقية"، مبينا أن للهند الحق في تقرير مصالحها الوطنية، وأنها تواصل المفاوضات مع الولايات المتحدة رغم التوتر.

تراجع الأحادية القطبية
أما إندونيسيا، فما زالت تواصل سياسة اللعب على جميع الأطراف؛ فبعد أن أبرمت اتفاقا تجاريا مع الولايات المتحدة عقب مفاوضات شاقة، تعمل في الوقت نفسه على تعميق علاقاتها مع كل من الصين وروسيا.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، خلال زيارة الرئيس سوبيانتو إلى بكين، أصدرت إندونيسيا والصين بيانا مشتركا ملتزما بالتنمية في المنطقة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وخاصة حول جزر ناتونا.
ووضع الطرفان أسسا للتعاون عام 2024، فقد ركَّزا على مكافحة الإرهاب، مع تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمن السيبراني.
وفي مايو/أيار، أجرى رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، زيارة لإندونيسيا شهدت توقيع سلسلة من بروتوكولات الاتفاقات تناولت خصوصا التنمية الاقتصادية، فضلا عن 8 اتفاقات أخرى في مجالات السياحة والصحة والاستثمار ووسائل الإعلام.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإندونيسيا ومستثمرا رئيسا في قطاعات السلع الأساسية والبنية التحتية، بما في ذلك مشروع القطار السريع بين جاكرتا وباندونغ ومشروعات معالجة النيكل.
وعلى هذا، قالت المجلة: "إن اللجوء المتزايد إلى التحوط والانحياز المتعدد الأطراف في النظام الدولي لن يؤدي إلا إلى تسريع تراجع الأحادية القطبية على المدى البعيد".
وأكد أنه لكي تظل الولايات المتحدة فاعلة ومؤثرة، عليها أن تجد طرقا لتقديم نفسها كشريك مستقر وموثوق، ولا يمكن تحقيق ذلك بمحاولة استعادة الهيمنة، لا سيما عبر تعميق الطابع العسكري.
ويرى أن "الطريق الأفضل قد يتمثّل في تحديد المصالح المشتركة والسعي لتحقيقها بشكل مشترك مع القوى الوسطى الرئيسة في آسيا ومناطق أخرى".