أرسل وفدا إلى دمشق.. ماذا يسعى العراق لفعله بشأن ملف النازحين ومخيماتهم؟

يوسف العلي | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تحاول السلطات العراقية إغلاق ملف النزوح داخل وخارج البلاد، ففي وقت ترسل فيه وفدا رفيعا إلى دمشق لإنهاء مخيم "الهول"؛ فإنها تضع خططا لطي ملف النزوح الداخلي وتسوية قضية القاطنين في المخيمات منذ اجتياح "تنظيم الدولة" للعراق عام 2014.

ورغم إقرار الحكومة مطلع عام 2021، خطة وطنية لإعادة النازحين في الداخل إلى مناطقهم الأصلية، والتي وضعت مدة أقصاها 6 أشهر تنتهي أواخر عام 2022 تغلق فيها جميع المخيمات، لكن ذلك لم يحصل وبقيت مئات الآلاف من العوائل تعيش أزمة النزوح.

"قلق عراقي"

وأوفدت الحكومة العراقية رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى دمشق في 28 أغسطس/ آب 2025، للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، من أجل إجلاء العائلات العراقية من مخيم الهول في سوريا، عبر تنظيم دفعتين شهريا. حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية.

وقالت صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 2 سبتمبر/ أيلول 2025: إن حكومة بغداد تحث الخطى لاستعادة العائلات من مخيم الهول "في ظل تحذيرات من استخدامه كورقة لزعزعة الأمن، بهدف تجنب أي تهديدات إرهابية محتملة عبر حدوده".

وأكّدت أن الخطوة جاءت بعد زيارة الشطري إلى دمشق؛ إذ حصل على تأكيدات من الرئيس السوري بتسهيل الإجراءات، مشيرة إلى أن المسؤول العراقي أبلغ الشرع رغبة بغداد الملحة بإجلاء العائلات العراقية من مخيم الهول “بأسرع وقت ممكن”.

وأشارت الصحيفة إلى أن "الحكومة ترى أن استمرار الدفعات عبر الحدود قد يسهم في إدخال بعض الجهات الإرهابية إلى البلاد"، لافتة إلى أن العراق يريد غلق صفحات النزوح في المخيمات الداخلية والخارجية، والتركيز على إعادة تأهيل ودمج النازحين في المجتمع وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية أو مناطق لا تشكل خطرا على حياتهم.

وبيّنت أن الخطة العراقية تقضي باستقبال دفعتين من النازحين كل شهر، مؤكدة أن “الأوساط السياسية والأمنية في العراق تتخوف من استخدام الجهاديين في مخيم الهول كورقة لخلخلة الوضع الأمني من جديد”.

وأسست المفوضية السامية للأمم المتحدة، مخيم الهول، بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 على مشارف بلدة الهول السورية، وأعيد فتحه لاحقا بعد غزو العراق عام 2003 لاستيعاب موجات من النازحين، وفي أبريل/ نيسان 2016، تولت قوات "قسد" إدارة المخيم وجعلته مكانا لاحتجاز عائلات تنظيم الدولة.

ويقدر عدد القاطنين في "الهول" بنحو 43 ألف شخص، يشكل العراقيون أكثر من نصف سكانه، فيما يأتي السوريون بالدرجة الثانية، وبعدهم الأجانب الذين ينتمون إلى 45 دولة على الأقل، منها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا، وفق بيانات إدارة المخيم مطلع عام 2024.

ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا، في اليوم الأول من تسلمه ولايته الثانية بالبيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2024، نصّ على تجميد كل المساعدات الأميركية الخارجية وكان من بينها مخيم الهول.

تغيير ديموغرافي

على الصعيد الداخلي، أثار مقترح من وزارة الهجرة والمهجرين في العراق، جدلا واسعا كونه تضمن إيجاد مناطق بديلة للنازحين في المخيمات داخل الأراضي العراقية، الأمر الذي اعتبره البعض بأنه مساعٍ لإجراء تغييرات ديموغرافية وعدم إعادتهم إلى مناطقهم نهائيا.

ووصف هذا المقترح بأنه تمهيد لتغيير ديمغرافية بعض المناطق، بعد العجز عن معالجة مشكلة النازحين، كما ينظر المعارضون لهذا المقترح على أنه يؤكد عدم حل مشكلة النازحين العراقيين في الفترة القريبة المقبلة رغم الوعود الحكومية بإعادة النازحين لمناطقهم.

وقالت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية عبر بيان في 21 أغسطس: إن "اللجنة العليا لإغاثة ودعم النازحين ناقشت عدّ العوائل الساكنة في المخيمات مندمجة ومستقرة، وذلك تمهيدا لغلق ملف النزوح مع نهاية عام 2025".

وأفادت بأن "هذا التوجه جاء انسجاما مع مقتضيات المصلحة العامة، وبهدف إنهاء ملف النزوح في العراق ومساعدة هذه العوائل على الاستقرار والعودة والاندماج المجتمعي".

لكن  وكيل وزير الهجرة كريم النوري، صرح بأن هذا الأمر مقترح قيد الدراسة ولم يصدر عن الوزارة أي قرار رسمي بهذا الخصوص، لافتا إلى أن "المقترح يتضمن توطينهم في مناطقهم الحالية لتسهيل اندماجهم في المجتمع كخطوة أولى تمهد لعودتهم إلى مناطقهم في المرحلة اللاحقة".

ونقلت شبكة "الساعة" في 31 أغسطس عن النوري قوله: إن "وزارة الهجرة لا تتحمل المسؤولية عن عدم عودة النازحين لمناطقهم كجرف الصخر وسنجار وغيرها من المناطق، على تقدير أنها جهة مشرفة فقط على إعادتهم وتتولى عمليات إغاثتهم وتقديم المساعدات الإنسانية لهم خلال فترة النزوح".

وشدد على أن "الكثير من المناطق يمنع أهلها من العودة تحت بند التدقيق الأمني ولا دخل للوزارة في هذا الموضوع وإنما يتعلق بالسلطات الأمنية".

في المقابل، وصفت النائبة الإيزيدية في البرلمان العراقي، فيان دخيل، هذه التوجهات بأنها "تجاوز خطير للدستور العراقي ومساس مباشر بالحقوق الأساسية للمواطنين".

وذكرت دخيل عبر بيان لها في 21 أغسطس، أن "اللجنة العليا، وبإشراف وزيرة الهجرة إيفان فائق، أقدمت على إصدار قرارات غير قانونية، بينها عدّ العوائل الساكنة في المخيمات مدمجة ومستقرة، في وقت ما زال فيه مئات الآلاف يعيشون في المخيمات محرومين من أبسط مقومات الحياة".

وأضافت أن "هذا القرار يمثل محاولة لفرض واقع ديموغرافي جديد في مناطق النازحين، خصوصا مناطق الإيزيديين والمسيحيين، ويتناقض مع الدستور والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تكفل حق العودة الطوعية والآمنة والكريمة بعيدا عن أي ضغوط".

"خاصرة رخوة"

وبخصوص توقيت مطالبة بغداد من دمشق إنهاء مخيم الهول، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري: إن "السلطات العراقية لديها خشية من تحول الأطفال القاطنين هناك إلى عناصر إرهابية محتملة، خصوصا أن من يدير سوريا اليوم تتوجس منه الطبقة الشيعية الحاكمة".

وأضاف المساري لـ"الاستقلال" أن "نقل ملف المحتجزين من سوريا إلى سطوة المليشيات وعين الحكومة العراقية يجعلهم أكثر اطمئنانا، خوفا من أن يستخدموا في المستقبل ورقة للضغط على العراق".

ولفت إلى أن "القوى الحاكمة في العراق تخشى من تكرار كارثة اجتياح تنظيم الدولة، وأن الحدود مع سوريا في ظل نظام يدير السلطة في دمشق غير موالي لإيران، يبقيها خاصرة رخوة تخشاها الأحزاب والمليشيات الشيعية بالعراق".

واستبعد أن "يجري حل ملف الهول في القريب العاجل، لأنه لا يتعلق بسوريا والعراق فحسب، وإنما جهات دولية سواء دول أوروبية وحتى الولايات المتحدة سيكون لها الرأي الحاسم في مصيره".

وبشأن ملف النزوح الداخلي، يرى المساري أن "السلطات العراقية تخشى الطلب من المليشيات تسليم المناطق التي أخلتها من أهلها وحولتها إلى مصانع للسلاح، خصوصا في جرف الصخر، لكنها تتبجح بكل وقاحة بالحديث عن دراسة توطين سكان هذه المناطق في أماكن نزوحهم".

من جانبه، قال الناشط العراقي قصي خضر: إن “إعلان وزارة الهجرة إغلاق ملف النزوح بشكل نهائي، بإبقاء مئات الآلاف من النازحين العراقيين في أماكن نزوحهم، بينهم أكثر من مئتي ألف نازح إيزيدي، يعني فشل حكومتي بغداد وأربيل في احتواء أزمة النازحين بصفتهم مواطنين عراقيين”.

ولفت في منشور عبر "إكس" في 21 أغسطس إلى أن "قرار إغلاق ملف النزوح لمئات الآلاف من النازحين، بحصارهم في مخيماتهم، يعني باختصار، إسقاط حقهم كمواطنين في وطنهم، وعرضهم للبيع في أسواق السياسة بالجملة والمفرق".

وأكد عشرات النازحين خلال وقفات احتجاجية داخل مخيم "بزيبز" بمحافظة الأنبار ومخيمات النازحين في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق رفضهم المطلق لإغلاق ملف النزوح بهذه الطريقة، كونها ستغير ديمغرافية مناطقهم وتبعدهم عنها بشكل رسمي وبرعاية الدولة.

ويضم "بزيبز" في الأنبار أكثر من ألفي عائلة نازحة غالبيتهم من مدينة جرف الصخر بمحافظة بابل التي تحتلها مليشيات موالية لإيران منذ عام 2014 ومنطقة العويسات بين المحافظتين، ويواجهون مأساة إنسانية وعدم تقديم أي مساعدات لهم من الجهات الحكومية.

وبحسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن العراق ما زال يواجه أزمة ممتدة، بوجود أكثر من مليون نازح عراقي داخليا، وأن نحو 109 آلاف منهم يقيمون في 21 مخيما داخل إقليم كردستان، فيما يعيش البقية في مدن وقرى خارج المخيمات غالبا بظروف صعبة.