"إدارة المخاطر".. لماذا تتردد الصين في الاعتراف بالنظام السوري الجديد؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور نحو تسعة أشهر على سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد، لم تعترف الصين بعد رسميا بالنظام الجديد في البلاد، بقيادة الرئيس أحمد الشرع.

بكين التي كانت "شريكا إستراتيجيا" للنظام السابق، تبدي قلقا خاصا من بروز المقاتلين الإيغور الأجانب داخل هياكل الأمن والدفاع في سوريا.

ورغم أن بكين تواصلت مع الحكومة السورية الجديدة عبر سفيرها، إلا أن مخاوفها تعني أنها ستواصل على الأرجح التصرف بتحفظ، وقد تتردد في دعم أي تحركات لرفع العقوبات الأممية المتبقية عن الشرع ومسؤولين آخرين. وفق معهد بريطاني.

في المقابل، يبدو أن الشرع لن يتخذ إجراءات ضد المقاتلين الأجانب الذين يشكلون جزءا مهما من قاعدته الداعمة في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار والصراع مع مجموعات أخرى.

ويأتي هذا الجمود في شهر حاسم بالنسبة للشرع؛ إذ من المقرر إجراء انتخابات برلمانية في منتصف سبتمبر/أيلول، قبل أن يلقي الزعيم السوري الجديد كلمته الأولى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلى المدى البعيد، قد يقوض ذلك سياسة الموازنة التي تتبعها دمشق لتجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة.

وفي تقرير له، استعرض معهد "تشاتام هاوس" (Chatham House) الأسباب التي تقف خلف إحجام الصين عن دعم الحكومة السورية الجديدة، موضحا أن "بكين تتبع نهجا قائما على إدارة المخاطر".

المقاتلون الأجانب

وبحسب المعهد، فإن "نهج بكين تجاه النظام الجديد مدفوع بالدرجة الأولى بمخاوف أمنية، وليس بالمصالح التجارية"، "فـهناك قلق صيني من تعيين الحكومة الجديدة مقاتلين إيغور من "الحزب الإسلامي التركستاني" (TIP) ضمن قواتها الأمنية والدفاعية".

ويُعد الحزب جماعة إسلامية مسلحة قاتلت إلى جانب جماعة الشرع السابقة "هيئة تحرير الشام"، ضد نظام الأسد خلال الحرب التي استمرت 13 عاما. ويتكون الحزب أساسا من إيغور من تركستان الشرقية (إقليم شينجيانغ).

وتشير التقديرات إلى أن نحو 3500 مقاتل -معظمهم من الإيغور المنتمين للحزب- جرى دمجهم في وحدة مستحدثة بالجيش السوري تُعرف بالفرقة 84. وعُين زعيم الحزب في سوريا، عبد العزيز داوود خدابردي (المعروف بـ "زاهد")، برتبة عميد في الجيش.

وفي يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان ثم أغسطس/آب، حذر مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، مجلس الأمن علنا من أن "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" لا يزالون نشطين في سوريا، وحث دمشق على الوفاء بـ "التزاماتها في مكافحة الإرهاب"، مُشيرا بشكل مباشر إلى الحزب.

كما ربط "فو" بشكل صريح بين المقاتلين الأجانب وأعمال العنف في الساحل السوري الغربي في مارس/آذار، وفي السويداء في يوليو/تموز.

مخاوف بكين

وقال المعهد: إن "مخاوف الصين من وجود المقاتلين الأجانب تعكس رؤية متشائمة لمستقبل سوريا؛ إذ تخشى بكين من سيناريو يوجّه فيه المقاتلون الإيغور أنظارهم نحو الصين أو مصالحها".

وتستند هذه المخاوف إلى تصريحات الحزب نفسه، فقد بثّ شريطا مصورا عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 أكد فيه أن مهمته الأساسية هي "تحرير مسلمي تركستان الشرقية من الاحتلال الصيني".

وكانت تقارير سابقة للأمم المتحدة قد اتهمت بكين بارتكاب "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" ضد الإيغور في شينجيانغ، وهي تقارير تنفيها الصين بشكل قاطع.

وهناك سيناريو آخر يتمثل في استهداف المصالح التجارية الصينية في الشرق الأوسط، على غرار الهجمات التي نالت شركات ومواطنين صينيين في باكستان، وفق التقرير.

وقد تشمل الأهداف استثمارات مبادرة الحزام والطريق وإمدادات الطاقة من العراق. ولهذه الأهداف أهمية خاصة؛ إذ تستورد بكين نحو 35 بالمئة من إجمالي إنتاج النفط العراقي، فيما تمتلك شركات الطاقة الصينية الحصة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية في قطاعي النفط والغاز العراقيين.

نهج مزدوج

هذه المخاوف أسهمت في عدم اعتراف الصين رسميا بحكومة الشرع، وجدد السفير الصيني لدى دمشق، شي هونغ وي، التأكيد على احترام سيادة سوريا خلال سلسلة من الاجتماعات مع الشرع ومسؤولين آخرين. ومع ذلك، يبدو أن الصين مترددة في قبول القادة الجدد للبلاد بشكل كامل، وقيّدت مستوى مشاركتها الدبلوماسية.

وتؤكد بكين أن سوريا لا تزال في مرحلة انتقالية، وتدعم عملية سياسية "بقيادة سورية وإدارة سورية" وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

ويبدو أن نهج الصين الدبلوماسي المزدوج في سوريا يعكس إستراتيجيتها تجاه دول تعدها تهديدا أو قريبة جدا من الولايات المتحدة، وفق التقرير.

فبكين تحافظ على القنوات الدبلوماسية على المستوى الثنائي عبر سفيرها للبقاء على اتصال مع الحكومة السورية، بينما تتخذ في الوقت نفسه موقفا فاترا بشأن سوريا في مجلس الأمن لزيادة نفوذها.

وعلى عكس الرواية التي تصف هذا النهج بأنه مشابه لسياسات بكين تجاه طالبان، والتي قد تكون دقيقة خلال الأسابيع الأولى بعد سقوط الأسد، فإن هذا النهج يشبه بشكل أكبر نهج الصين المزدوج تجاه إسرائيل.

فمنذ العام الماضي 2024، سعت بكين إلى تهدئة العلاقات الثنائية بينما حافظت على الضغط الخطابي على إسرائيل بشأن غزة في الأمم المتحدة.

إدارة المخاطر

وبحسب المعهد، فمن غير المرجح أن تتخلى الصين عن نهجها الحالي الحذر ومنخفض التكلفة لصالح تعزيز نفوذها المستقبلي في سوريا بشكل جدي.

فمن الناحية التاريخية، لم تنظر بكين إلى سوريا كركيزة في مبادرة الحزام والطريق أو كساحة ذات عائد مرتفع للتنافس مع واشنطن.

وقال: "لم تكن سوريا أولوية إستراتيجية للصين، كونها دولة نائية ذات فرص اقتصادية محدودة واقتصاد سياسي ممزق. لذلك، تُفضل بكين البقاء على تحفظها".

وقد تتردد الصين الآن في الموافقة على رفع العقوبات الأممية المفروضة على أعضاء الحكومة السورية ما لم تُظهر دمشق استعدادا للتعامل بجدية مع مخاوف بكين بشأن المقاتلين الإيغور، بحسب تشاتام هاوس.

وعلى هذا، يرجح أن تمتنع بكين عن أي التزامات كبيرة لإعادة الإعمار، أو استثمارات ومشروعات تمويل ضمن مبادرة الحزام والطريق، وربما تحاول الضغط على دمشق عبر قنواتها الدبلوماسية مع تركيا ودول الخليج.

واستدرك المعهد بأن "الحوافز المختلفة التي تقدمها الصين قد لا تكون كافية لإحداث تغيير في سياسات دمشق، فالشرع يرى المقاتلين الأجانب جزءا ضروريا من قاعدة دعمه، لا سيما في سياق التنافس مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركيا، وفي ظل توترات طائفية أوسع تهدد بالانفجار".

كما أن الدعم الأميركي المزعوم لدمج المقاتلين الأجانب -الذي تقول التقارير إنه مرتبط جزئيا بإستراتيجية واشنطن الأوسع لموازنة النفوذ الصيني المستقبلي في سوريا- يشكل دافعا إضافيا لدمشق لمقاومة مطالب الصين.

وقال المعهد: "يمكن لسوريا البحث عن استثمارات من جهات أخرى، مثل الخليج وتركيا، لا سيما بعد رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات الاقتصادية".

"لكن العديد من المستثمرين المحتملين يترددون حاليا بسبب الحالة المستمرة من عدم الاستقرار، بما في ذلك معارضة الجماعات الدرزية والكردية للحكومة، بالإضافة إلى التدخلات العسكرية الإسرائيلية المُزعزعة للاستقرار".

وبشكل عام، يمكن فهم سياسة الصين تجاه سوريا على أنها إدارة للمخاطر أكثر من كونها إستراتيجية شاملة، وفق توصيف "تشاتام هاوس".

حيث تسعى بكين للحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة، وتجنب المنافسة الإستراتيجية مع واشنطن، ومنع سوريا من أن تصبح ميدان تدريب أو ممر للمقاتلين الذين تُعدهم تهديدا مستقبليا لمصالحها.

وهذا يشير -بحسب التقرير- إلى مسار ضيق لنهج بكين في سوريا: تعامل سياسي ودّي، وموقف معارض في الأمم المتحدة مع دعم مشروط، ومَحَافظ مالية مغلقة، على الأقل حاليا.