"بنتاغون" في قلب لبنان.. ماذا يخفي المبنى الأميركي الضخم ببيروت؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في مقارنة لافتة، تبدو السفارة الأميركية بالقدس التي ارتبطت بشكل وثيق بإدارة الرئيس دونالد ترامب، ضئيلة الحجم والأهمية أمام المشروع الضخم الذي يشيد حاليا في بيروت.

ففي شمال شرق العاصمة اللبنانية، يجري منذ سنوات بناء مقر جديد للسفارة الأميركية من المتوقع افتتاحه رسميا خلال عام 2026.

ويرى موقع "القناة الـ 12" الإسرائيلية أن السفارة الجديدة ليست مبنى زجاجيا آخر يحمل العلم الأميركي، بل مشروع غير مسبوق من حيث الحجم والتكلفة؛ إذ يمتد المجمع على مساحة تُقدر بنحو 43 دونما، أي ما يعادل مساحة عشرة ملاعب كرة قدم، وتُقدر تكلفته بأكثر من مليار دولار.

قاعدة عسكرية

ووصف الموقع المشروع الجديد بأنه "مدينة أميركية حقيقية"؛ إذ يتكون من 19 مبنى، ويضم مسبحا ومركزا رياضيا وحدائق مصممة بعناية، ومجمعات سكنية، ومستشفى صغيرا مزودا بإمكانية هبوط طائرات الهليكوبتر.

وتابع: "من الخارج يبدو المكان كواحة خضراء آمنة، لكن خلف الأسوار العالية، يتشكل مجمع محصن بتجهيزات وبنية تحتية أقرب إلى قاعدة عسكرية منها إلى بعثة دبلوماسية".

من جانب آخر، تثير القوة البشرية الهائلة التي ستعمل في المجمع، التساؤلات حول طبيعة مهام هؤلاء الموظفين.

وعادة ما تضم السفارات الكبيرة بضع مئات من الموظفين، يتراوح عددهم بين 300 إلى 400 شخص، أما في هذا المشروع، فتشير التقديرات إلى أن عدد العاملين قد يصل إلى 5 آلاف.

وهو وفق الموقع "رقم غير مألوف أثار موجة من التساؤلات داخل لبنان وخارجه".

وتساءل: هل الهدف الحقيقي هو تعزيز العلاقات الثنائية وخدمة المواطنين الأميركيين؟ أم أن المجمع يشكل مركزا استخباراتيا إقليميا يهدف إلى مراقبة المعلومات الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط بأسره؟

وما يثير الريبة بشكل أكبر أن عددا من كبار المسؤولين السابقين في أجهزة الاستخبارات وصفوا المجمع بأنه "بنتاغون مصغر"، في إشارة إلى مقر وزارة الحرب الأميركية.

فضلا عن ذلك، أشار إلى أن "بعضهم يعتقد أن السفارة ستعمل كمركز عمليات متطور، مزود بأحدث تقنيات جمع المعلومات الاستخباراتية، وببنية تحتية تتيح تنفيذ عمليات عسكرية عند الحاجة".

انقسام داخلي 

على الصعيد الداخلي، ذكرت "القناة الـ 12" الإسرائيلية أن الآراء في لبنان منقسمة بشأن المشروع. 

وقال: "يرى بعض الأطراف المؤيدين للغرب في السفارة الجديدة دليلا على استمرار الدعم الأميركي الذي قد يسهم في دفع عجلة الإصلاحات الاقتصادية ويعزز موقف الجيش اللبناني في مواجهة حزب الله".

لكن يحذر آخرون من أن "هذا الحضور الأميركي المكثف قد يؤدي إلى تعميق التبعية لدولة أجنبية ويقوض السيادة اللبنانية".

أما حزب الله، فهو يهاجم المشروع بشدة، ويرى أن "المجمع الجديد يمثل رمزا للإمبريالية الأميركية، ومحاولة لزعزعة الاستقرار السياسي في البلاد".

ومع ذلك، لفت إلى أن "الحزب تجنب حتى الآن أي صدام مباشر مع المشروع، خشية أن يؤدي ذلك إلى تصعيد إقليمي واسع قد يرتد عليه سلبا".

من وجهة نظر إسرائيلية، يقدر الموقع أن “ما يوصف بالسفارة العملاقة قد ينطوي على فرص ومخاطر في آن معا”؛ إذ أشار إلى أن "المجمع قد يسهم في تعزيز التعاون الاستخباراتي بين تل أبيب وواشنطن بشأن ملفي حزب الله وسوريا".

وأردف: "ومن جهة أخرى، فإن منشأة بهذه الضخامة والتحصين قد تتحول إلى بؤرة توتر، خصوصا إذا تصاعدت المخاوف من أنها قد تحد من حرية الحركة العسكرية لإسرائيل في الساحة الشمالية".

ومنذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفا متبادلا بين إسرائيل و"حزب الله" بدأ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024.

إعلان إستراتيجي 

وأوضح الموقع أن "المشروع الأميركي في بيروت يقام في ظل واقع أمني وسياسي بالغ الاضطراب".

ففي يونيو/ حزيران 2025، أصدرت السفارة الأميركية بيانا استثنائيا أمرت فيه بإجلاء الموظفين غير الأساسيين وعائلاتهم، مبررة ذلك بـ "الوضع الأمني المتفجر وغير المتوقع في المنطقة". 

كما دعت السفارة جميع المواطنين الأميركيين في لبنان إلى توخي الحذر الشديد والالتزام بالتعليمات.

وقد علقت بعض شركات الطيران الدولية رحلاتها إلى بيروت، رغم أن المجال الجوي والمطار لا يزالان مفتوحين.

أما على الحدود الشمالية لإسرائيل، فوصف الوضع قائلا: "يسود هدوء هش؛ إذ يواصل الجيش الإسرائيلي شن غارات على أهداف تابعة لحزب الله في الجنوب ووادي البقاع، وأحيانا تنال الضربات مواقع قريبة من قوات الأمم المتحدة".

وتابع: "رغم أن وقف إطلاق النار الذي أُعلن في وقت سابق من العام لا يزال ساريا، فإن استقراره يبقى محل شك".

بالتوازي مع ذلك، "أقرت الحكومة اللبنانية، مطلع سبتمبر/ أيلول 2025، خطة وُصفت بالتاريخية، تهدف إلى المضي في نزع سلاح حزب الله وتسليم السيطرة الكاملة على السلاح إلى الجيش اللبناني".

“غير أن الخطة ما تزال غامضة وتفتقر إلى جدول زمني واضح، مما جعل ردود الفعل عليها منسقة”.

فقد غادر الوزراء الشيعة اجتماع الحكومة، فيما نظم عناصر من حزب الله مسيرات بالدراجات النارية في شوارع بيروت، لكن الاحتجاجات بقيت محدودة نسبيا.

وعقّب الموقع العبري على هذا المشهد قائلا: "على أي حال، بدءا من سبتمبر 2025، بات لبنان يقف عند مفترق طرق حساس".

فمن جهة، هناك تحركات سياسية طموحة تهدف إلى الحد من نفوذ حزب الله، ومن جهة أخرى، هناك واقع أمني يتدهور بين الحين والآخر.

وفي خضم هذا المشهد، يقدر الموقع أن “السفارة الأميركية المقرر افتتاحها عام 2026 تبدو أكثر بكثير من مجرد مشروع معماري”.

فهي تمثل إعلانا إستراتيجيا ورمزا لوجود واشنطن المستمر في قلب إحدى أكثر الساحات اشتعالا في العالم، وفق تعبيره.