ما السيناريوهات المتوقعة لشكل الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل؟

"المتاح حاليا هو مفاوضات ينتج عنها وقف الانتهاكات الإسرائيلية بسوريا"
تسير دمشق نحو صياغة اتفاق أمني جديد مع تل أبيب، لا تبدو ترتيباته سهلة أو جاهزة للتنفيذ في ظل تشابك الملفات جنوب سوريا بعد جملة من الخروقات الإسرائيلية فور سقوط نظام بشار الأسد.
وكانت العلاقة بين سوريا وإسرائيل تحكمها اتفاقية فض الاشتباك الموقعة مع نظام حافظ الأسد عام 1974 قبل أن تعلن تل أبيب في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 وقف العمل بها.

مفاوضات سورية إسرائيلية
ومنذ ذلك الحين صبَّت القيادة السورية الجديدة غالبية جهدها الدبلوماسي على تحديد شكل العلاقة مع إسرائيل ووقف خروقاتها وقصفها واحتلالها أراضي جديدة.
وأمام ذلك، أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر محادثات كانت أولاها بالعاصمة باريس في 19 أغسطس/آب 2025 “لبحث الترتيبات الأمنية على الحدود بين سوريا وإسرائيل”.
وفي خطوة جديدة، أكد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع أن سوريا تجري مفاوضات مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني تخرج بموجبه قوات الاحتلال من مناطق احتلتها بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وقال الشرع في مقابلة أجرتها معه قناة الإخبارية السورية وبثت في 12 سبتمبر/أيلول 2025: "نحن الآن في طور مفاوضات ونقاش".
وأضاف: "رأت إسرائيل مع سقوط النظام، أن سوريا خرجت من هذا الاتفاق" (فض الاشتباك)، وذلك “رغم إبدائها التزامها به من أول لحظة”.
ونوَّه الشرع إلى أنه "الآن يجرى التفاوض على الاتفاق الأمني حتى تعود إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل الثامن من ديسمبر 2024".
ولا تقيم إسرائيل وسوريا علاقات دبلوماسية، ولا يزال البلدان في حالة حرب رسميا منذ العام 1948.
وتوغل الجيش الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة المنزوعة السلاح في الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، والواقعة على أطراف الجزء الذي تحتله إسرائيل من الهضبة السورية.
وعقب إلغاء اتفاقية "فض الاشتباك"، احتلت إسرائيل جبل الشيخ وأراضي وقرى بعمق يزيد عن 25 كم داخل سوريا، لتضاف إلى هضبة الجولان المُحتلة.
وجبل الشيخ أو “جبل حرمون” يقع بين سوريا ولبنان يطل على الجولان المحتل ويمكن رؤيته من الأردن.
وكان لافتا أن دوريات جيش الاحتلال تتحرك في مسارات محددة في ريف القنيطرة، وذلك أشبه بخطّ عسكري محدد تسلكه تلك القوات بين القرى هناك.
كما أقام الاحتلال نقاطا عسكرية في ريف القنيطرة، مع بدئه سياسة ترهيب بحق السكان جنوب سوريا.
وشنّت إسرائيل أيضا مئات الغارات الجوية على أهداف في سوريا، وتوغلت في عمق الجنوب، ولم تردّ السلطات السورية الجديدة على هذه الهجمات.
وقد أسفرت هذه التعديات عن تدمير ما يقارب 85 بالمئة من القدرات العسكرية الإستراتيجية للجيش السوري الجديد الموروثة عن نظام الأسد البائد.
وقال الشيباني، في 25 أغسطس 2025: إن إسرائيل تنتهك اتفاقية فصل القوات الموقعة مع بلاده عام 1974، من خلال "إنشاء مراكز استخبارية ونقاط عسكرية بمناطق محرمة خدمة لمشروعها التوسعي والتقسيمي".
وأكد أن "الانتهاكات تهدف إلى تمزيق النسيج الوطني السوري وإحياء الفتن الطائفية، وتحويل الهضبة السورية المحتلة إلى قاعدة لابتلاع المزيد من الأرض، لكن سوريا ستبقى عصية على التقسيم".

"ترتيب أمني"
وفي الآونة الأخيرة، كثفت دمشق تحركاتها الدبلوماسية من خلال وساطات من أذربيجان وفرنسا والولايات المتحدة لمنع فرض واقع عسكري أمني جديد من قبل إسرائيل جنوب سوريا.
إذ عقدت سوريا وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة لقاءات وجها لوجه بهدف تهدئة التوترات الأمنية ومنع التصعيد في المنطقة العازلة بين الجانبين.
وقدّرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، في 12 سبتمبر 2025 أن الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقيق تقدم ملموس نحو اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا قبل انعقاد الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة من 22 إلى 26 من الشهر المذكور.
وهذه القمة يفترض أن يشارك فيها كل من الرئيس السوري الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد: إن "الترتيب الأمني بين سوريا وإسرائيل سيكون مستندًا على نقطتين؛ الأولى تتعلق بالفترة من توقيع اتفاقية فض الاشتباك عام 1974 حتى سقوط الأسد، والثانية منذ عام 2024 وما بعده".
وأضاف الأسعد لـ"الاستقلال": "تقدم القوات الإسرائيلية لما بعد نقطة الفصل بين الحدود أصبح عبارة عن أمر واقع فرضته إسرائيل على سوريا نتيجة إلغاء اتفاقية عام 1974 فور سقوط نظام الأسد".
وأردف أن "إسرائيل في الوقت الراهن لا تريد أن تناقش ملف احتلال الجولان السوري والأراضي التي تتبع لسوريا والموثقة لدى الأمم المتحدة".
ولفت الأسعد إلى أن "الترتيب الأمني سيكون صعبا جدا؛ لأن إسرائيل لن توافق على التفاوض بشأن الجولان المحتل بل ستعمل على الاستفادة من المعادلات الجديدة التي خلّقتها في الجنوب السوري منذ ديسمبر 2024".
ونوه إلى أن “أي اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل سيكون له رعاة لتنفيذه، خاصة أن قوات الأندوف الأممية (حفظ السلام) عند الحدود هي ليست قوات قتالية بل مهمتها المراقبة”.
ولهذا ينبغي أن تكون هناك دول ضامنة من تركيا والولايات المتحدة كي تتقيد إسرائيل بالانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها عقب سقوط الأسد، وفق تقديره.
وذهب الأسعد للقول: إن "التزام إسرائيل بإنهاء الاختراقات البرية والجوية تجاه سوريا، أمر مهم ويجب أن يدرس ويكون حاضرا في الترتيبات الأمنية الجديدة إضافة إلى حجم وطبيعة القوات التي ستوجد على طرفي الحدود".
ولا تزال إسرائيل ترسم إستراتيجيات جديدة في الأراضي السورية، وتدير وجهها لأي اتفاق يمنع التصعيد ويبقي طرفي الحدود منطقة هادئة.
فخلال لقاء جمعه مع زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف وعدد من قيادات الطائفة، قال نتنياهو نهاية أغسطس 2025: إن "مناقشات تجرى" لإقامة منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا وإنشاء ممر إنساني لإيصال المساعدات إلى مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية بشكل رئيس.
وبرزت نزعات انفصالية من السويداء ذات الغالبية الدرزية والتي قادها رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، حكمت الهجري، الذي طلب بشكل علني مساعدة إسرائيل في هذا المشروع.
من جانبها، نقلت القناة 12 العبرية عن وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر قوله في 16 يوليو 2025: “مصالحنا واضحة؛ أولا الحفاظ على الوضع الراهن في جنوب سوريا، المحاذي لمناطقنا، ومنع تطور التهديدات ضد إسرائيل في هذه المنطقة”.
وثانيا، "منع إلحاق الضرر بالدروز، الذين تربطنا بهم في إسرائيل علاقة قوية وشجاعة". وفق تعبيره.

الخيارات المتاحة
وفي ظل هذا الوضع، يؤكد الخبراء أن القيادة السورية لا تملك خيارات كثيرة للتعامل مع الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية.
ولهذا يبقى التعويل على الحل الدبلوماسي، كونه السبيل الوحيد المتاح حاليا في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي.
وكثيرا ما أدانت تركيا الهجمات الإسرائيلية على سوريا، في وقت تفضل فيه أنقرة الحفاظ على مساعٍ دبلوماسية لتفادي أي مواجهة واسعة قد تزيد من تعقيد المشهد السوري والإقليمي.
وقد تحدث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، عمّا سماه "توسعا إقليميا" ملحوظا لإسرائيل، مؤكدا أن عودة سوريا إلى حالة غياب الاستقرار ستمثل مشكلة كبيرة.
وبين في مقابلة تلفزيونية في 11 مايو/أيار 2025 أن تركيا لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ذلك.
كما أكد فيدان في 12 سبتمبر 2025 أنه "ينبغي الضغط على خطط إسرائيل في سوريا، فهي تريد أن ترى جيرانها مشتتين ومنقسمين سياسيا وضعفاء اقتصاديا".
وقال خلال مؤتمر صحفي عُقد في معهد العلاقات الدولية (IAI) في روما: إن "استقرار سوريا له أهمية أساسية بالنسبة لأمن وسلام أوروبا، ويجب تقديم كل الدعم الممكن للحكومة السورية حتى تتمكن من النهوض وتوفير الخدمات الأساسية، بما في ذلك الأمن والأمان لشعبها".
وفي هذا الإطار قال الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان إن "هناك ما يمكن أن نسميه الاتفاق المناسب أو المتاح أو الأمثل بين سوريا وإسرائيل، ويتمثل في الوقت الحالي، بالعودة إلى خطوط فض الاشتباك لعام 1974".
وأضاف شعبان لـ “الاستقلال”: "المتاح في الوقت الراهن يتمثل في الحد من الانتهاكات الإسرائيلية في المرحلة الأولى لخلق أرضية مناسبة للانتقال إلى مرحلة ثانية هي التفاوض".
وواصل في نفس السياق: “المتاح حاليا هو مفاوضات ينتج عنها وقف الانتهاكات الإسرائيلية بسوريا وليس فقط الاستهدافات الجوية”.
وأشار هنا إلى الانتهاكات المتمثلة في تجريف للأراضي واعتقال السكان في الجنوب وتنفيذ عمليات تفتيش للمنازل ونصب الحواجز في القنيطرة وكذلك التدخل الإسرائيلي في السياسات المحلية عن طريق ملف السويداء".
واستدرك “بعد الانتهاء من هذه المعضلات يمكن الانتقال إلى مرحلة تفاوض على أرضية صلبة تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها عقب سقوط الأسد”. مستبعدا أن تفعل ذلك بسهولة بعد تصاعد عدوانها على دول المنطقة.
ولفت شعبان إلى أن "تغير المناخ الإقليمي في المنطقة عامل مهم لبدء تفاوض بين سوريا وإسرائيل يفضي في نهاية المطاف لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية".













