هجوم الدوحة.. كيف أعاد نتنياهو الشرق الأوسط إلى المجهول؟

"لم يتمكن الهجوم على قطر من سحق هيكل حماس في المنفى"
يمثل الهجوم الإسرائيلي الفاشل ضد قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطر دليلا إضافيا على تحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "وفقا لأهوائه دون هدف واضح".
وبسبب الهجوم، رأت صحيفة الإندبندينتي الإسبانية أن الخريطة السياسية في الشرق الأوسط تعود مجددا إلى الانزلاق نحو المجهول، بالتزامن مع اقتراب مرور سنتين على بداية الحرب في غزة.
وشنّت إسرائيل هجوما جويا على قيادة "حماس" بالدوحة في 9 سبتمبر/أيلول 2025، وتوعدت بعدها بمهاجمتهم “في كل مكان”. ولاحقا أعلنت الحركة نجاة المستهدفين واستشهاد أشخاص من ذوي القيادات ومرافقيهم.
ونُفذ الهجوم بعد رفض جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي “الموساد” تنفيذ عملية اغتيال ميدانية، وفق ما تحدثت وسائل إعلام عبرية.

استعراض شخصي
وقالت الصحيفة الإسبانية: “استهدفت العملية المفاوض الرئيس في هذا الصراع، ودقت ناقوس الخطر في العواصم الأوروبية والعربية”.
ولكن، لم يتمكن الهجوم من تحقيق هدفه المتمثل في سحق هيكل حماس الموجود في المنفى والإطاحة بقيادته. وفق تعبيرها.
وقال أفيف بوشينسكي، المستشار السابق لنتنياهو، إن "هناك جدلا متواصلا حول ما إذا كانت عملية الدوحة ناجحة أم لا، لكن من الواضح أن توقيتها إشكالي للغاية"، مبينا أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي يؤدي استعراضا فرديا”.
وأضاف للصحيفة: نفّذت العملية في خضمّ مفاوضات مع حماس، مباشرة بعد عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
وأردف: “هذه الخطوة قد تعرض حياة الرهائن للخطر وتفسد المحادثات”، مبينا أن "مصير هؤلاء يمثّل أكبر نقطة ضعف بالنسبة للحكومة".
ويرى أن "الخطر السياسي واضح؛ لأنه دون إعادتهم أحياء، سيُحمّل الناس نتنياهو المسؤولية، خاصة أنهم يعدونه بالفعل الجاني الرئيس في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول (عملية طوفان الأقصى)".
على الجانب الفلسطيني، تصرّ حماس على أن الهجوم الفاشل في الدوحة، لا يُغيّر شروطها المتمثلة بوقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وتبادل الأسرى، وتدفق المساعدات بشكل كبير، وإعادة الإعمار.
وأوضح القيادي في حماس فوزي برهوم، أن الوفد كان يراجع اقتراحا أميركيا سلّمته قطر عندما وقع الهجوم، وأن "الموقف لا يزال كما هو" رغم استشهاد أعضاء من الحركة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجوم على قطر الذي أدانه المجتمع الدولي على نطاق واسع، أدى إلى تسليط الضوء مجددا على نتنياهو.
وذكرت أن نتنياهو هيمن على المشهد السياسي الإسرائيلي على مدى العقود القليلة الماضية، متمكنا دائما من تجاوز النكسات.
ويجادل بوشينسكي قائلا: “يتلاعب نتنياهو بالجيش، ويتخذ القرارات بمفرده، إنه عرض فردي وشخصي يزيد من المخاطر”.
وأردف: "في الديمقراطية العادية، يطلق على ما يفعله نتنياهو اسم الديكتاتورية، لكن في إسرائيل، يبرر رئيس الوزراء ذلك بخبرته".
وأضاف أن “نتنياهو يقدم على مخاطر هائلة ستتضح في النهاية رغم قصفه إيران وحزب الله”، مضيفا: “لا أحد يعلم إلى أين يأخذنا”.
ويتفق المحلل في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هاريل، مع هذا الرأي تماما، ويرى المحلل أن “غريزة نتنياهو للبقاء السياسي، تطيل أمد الحرب وتدفعه إلى اللعب بالنار”.
وواصل: "في الولايات المتحدة، ترى دائرة دونالد ترامب أن الهجوم الأخير على قطر، مناورة قد تعرقل المحادثات".

تداعيات خطيرة
وقالت الصحيفة: إن الدوحة التي تعد قناة الاتصال غير المباشرة بين إسرائيل وحماس منذ سنة 2023، قد أدانت الهجوم على عاصمتها، وتواصل محاولاتها للحفاظ على جسور التواصل.
وتضامنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكل الدول العربية والإسلامية مع قطر التي عقدت قمة طارئة في 15 سبتمبر لمناقشة الهجوم.
ودعا البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة جميع الدول المشاركة إلى اتخاذ جميع التدابير القانونية والفعالة الممكنة لمنع إسرائيل من مواصلة أعمالها ضد الشعب الفلسطيني، بما فيها مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها.
وكان للهجوم تداعياته في نيويورك أيضا، إذ أدان مجلس الأمن الدولي، بدعم من الولايات المتحدة، هجمات الدوحة في لفتة انتقادية غير مألوفة لإسرائيل.
وشدد المجلس على ضرورة التهدئة، واحترام السيادة القطرية، وإعطاء الأولوية لتسوية قضية الأسرى الإسرائيليين.
من جهتها، أعلنت المفوضية الأوروبية في 10 سبتمبر، أنها ستقترح إجراءات جديدة ضد إسرائيل، تشمل التعليق الجزئي لاتفاقية الشراكة وفرض عقوبات ضد الوزراء المتطرفين والمستوطنين العنيفين.
وكانت وثيقة داخلية صدرت في يوليو/تموز قد ناقشت بالفعل تعليقا كليا أو جزئيا وتخفيضات في برامج مثل إيراسموس بلس للتبادل الطلابي أو “هورايزون” للأبحاث الأكاديمية.
لكن الاتحاد لا يزال منقسما؛ إذ دعت إسبانيا علنا إلى وقف الاتفاقية في تكتل يضم أيضا أيرلندا وسلوفينيا.
بينما تعارض ألمانيا تعليقها بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل، النابع من عجزها عن تقبّل الفظائع التي ارتكبها النظام النازي ضد اليهود في القرن العشرين.
في الأثناء، يفسر بوشينسكي هذه العوامل الخارجية وتأثيرها داخليا بالقول: إن “العزلة مشكلة ضخمة في إسرائيل، وهي تتراوح من الأحداث الرياضية والموسيقية إلى العقوبات الاقتصادية".
وزعمت الصحيفة أن العلاقات بين واشنطن وتل أبيب تعيش على وقع أصعب لحظاتها منذ سنة 2023. وقد تحدثت صحيفة هآرتس عن استياء ترامب وعن محادثة "حادة" مع نتنياهو عقب هجوم الدوحة.
وفي دوائر إدارة ترامب، هناك حديث مفاده أنه "كلما أُحْرِز تقدم يعمل نتنياهو على قصف أحد الأطراف". ويحافظ البيت الأبيض علنا على دعمه لإسرائيل، لكنه يصف الهجوم على قطر بأنه ذو نتائج عكسية.

غزة إلى أين؟
وفي ظل هذا الوضع، يعتقد بوشينسكي أن الهجوم على غزة لن يستمر لأكثر من بضعة أشهر، ويتكهن بأنه مع نهاية العام 2025، سيتعين علينا التوصل إلى اتفاق.
وأردف: “لا تستطيع إسرائيل الحفاظ على سيطرتها المباشرة على غزة سياسيا أو اقتصاديا”. وبالإضافة إلى ذلك، هناك الميزانية والانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2026.
وفي 15 سبتمبر، حذّر نتنياهو نفسه من أن إسرائيل تواجه "نوعًا من العزلة" قد يستمر لسنوات، وليس لديها خيار سوى الاعتماد على نفسها.
وفي حديثه خلال مؤتمر لوزارة المالية، قال نتنياهو: إن اقتصاد إسرائيل سيحتاج إلى التكيف مع "خصائص الاكتفاء الذاتي" - أي أن يصبح أكثر اكتفاء ذاتيا وأقل اعتمادا على التجارة الخارجية.
وواصل القول: "إنها (العزلة) كلمة أكرهها"، مضيفًا أنه هو من أحدث "ثورة السوق الحرة في إسرائيل".
ويعي نتنياهو تأثيرات الجانب الاقتصادي جيدا، ويعلم أيضا أن ترامب دعا إلى إنهاء الحرب قبل نهاية السنة. وفي جميع الأحوال، يعد الحفاظ على هذه العلاقة أمرا حيويا بالنسبة له.
من ناحية أخرى، تفتح أصوات المعارضة الإسرائيلية، مثل نفتالي بينيت، الباب أمام أفق زمني طويل إذا ما عزمت إسرائيل السيطرة على غزة بعد هزيمة حماس.
وفي هذا السيناريو، يحذر الخبراء من أن التمرد والتكلفة الدولية ستعقدان مستقبل إسرائيل الحالي.
ونقلت الصحيفة أن الصورة التي تلوح من الدوحة هي مشهد حرب بلا أفق واضح ووسيط جريح، واتحاد أوروبي يتجه نحو إجراءات عقابية، حتى وإن كان ممزقا.
أما حماس، فتتمسك بخطوطها الحمراء وترفض التسليم بأن الانقلاب (على الوسيط وورقة ترامب) سيغير مسار مفاوضاتها.
في إسرائيل، يتكرر السؤال مرارا وتكرارا: إلى أين تتجه البلاد؟ بوشينسكي لا يتردد: "لا أحد يعلم إلى أين يأخذنا نتنياهو".
بين الأسرى الإسرائيليين ووعد "تدمير حماس"، اتخذ رئيس الوزراء من الغموض أسلوبه والمخاطرة سمة مميزة له.
لكن العد التنازلي ضده: فدون رهائن أحياء في الداخل، قد يتحول أي نصر عسكري إلى هزيمة سياسية. وفق تعبيره.