إسقاط المساعدات جوا فوق غزة.. جسر إغاثة إنساني أم مصيدة موت للمجوعين؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عقب إعلان عدد من الدول العربية والأوروبية عن تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات الغذائية والطبية لأهالي قطاع غزة، أثار ذلك انتقادات شديدة من منظمات الإغاثة الدولية، التي رأت أن هذا الجسر الجوي لا يعدو كونه "إجراء رمزيا".

وحذّر مدير عمليات الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، روس سميث، من أنّ المجاعة الحالية في قطاع غزة "لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر في هذا القرن".

وقال في مؤتمر صحفي بجنيف: إن "ما يحدث، يذكرنا بكوارث المجاعة في إثيوبيا أو بيافرا خلال القرن العشرين". مضيفا: "هذا ليس مجرد تحذير، بل نداء عاجل للتحرك".

أسوأ سيناريو 

ونقل موقع "دويتشه فيله" الألماني عن "مبادرة تصنيف الأمن الغذائي"، التي تراقب الوضع الغذائي في غزة بالتعاون مع منظمات أممية، تحذيرها من أن "أسوأ سيناريو للمجاعة بات يلوح في الأفق حاليا في القطاع".

وبحسب الموقع، خلص تقرير المنظمة إلى أن مدينة غزة "قد تجاوزت بالفعل عتبة سوء التغذية الحاد، بينما بلغت جميع المناطق الأخرى في القطاع عتبة المجاعة".

في المقابل، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيرا بأنه "لا وجود لمجاعة في قطاع غزة".

ونوَّه الموقع إلى أنه "في ظل منع إسرائيل دخول الصحفيين إلى القطاع بشكل شبه كامل منذ بدء الحرب، يظل التحقق المستقل من الأوضاع هناك أمرا مستحيلا".

وأشار التقرير الألماني إلى أن "بعض الدول بدأت في تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات الإنسانية، في محاولة للتخفيف من حدة الأزمة".

فقد قامت طائرات عسكرية من الأردن والإمارات، في  27 يوليو/ تموز 2025، بإسقاط 25 طنا من المساعدات فوق القطاع، كما قامت ألمانيا وفرنسا بتنفيذ عمليات إسقاط مماثلة في الأول من أغسطس/ آب 2025. 

ومع ذلك، ذكر الموقع أن منظمات الإغاثة قابلت تلك الجهود بـ"انتقادات لاذعة"؛ حيث قال منسق الطوارئ الإقليمي لمنظمة "أطباء بلا حدود"، يان فيتو: إن "إسقاط المساعدات الإنسانية من الجو هو مبادرة عديمة الجدوى تفوح منها رائحة السخرية".

أما مركز برلين للعمل الإنساني، فقد اعتبرها "أكثر الجسور الجوية عبثا في التاريخ"، واصفا إياها بأنها "سياسة رمزية وهدر للمال".

وبحسب مدير المركز، رالف زودهوف، فإن "تكلفة إيصال المساعدات جوا تزيد بنحو 35 مرة عن تكلفة إيصالها عبر القوافل البرية".

شديدة الخطورة 

بدوره، قال خبير مساعدات الطوارئ في الجمعية الألمانية لمكافحة الجوع، مارفن فورديرر: إن عمليات الإسقاط الجوي الجارية في قطاع غزة هي مجرد "عمليات رمزية تفتقر إلى الفاعلية".

وفي مقابلة مع "دويتشه فيله"، أوضح فوردرر أن المشكلة الأساسية تكمن في أن "المساعدات تُلقى في بيئة شديدة الخطورة دون تنسيق، أو مناطق إسقاط محددة، أو هياكل أمنية تضمن سلامة التوزيع".

"ونتيجة لذلك، لا تصل المساعدات غالبا إلى الأشخاص الأكثر احتياجا، بل إلى من لا يزالون قادرين على التنقل عبر الأنقاض والشوارع المزدحمة للوصول إلى مواقع الإسقاط والتنافس عليها"، وفقا  لفورديرر.

من جانب آخر، أشار خبير مساعدات الطوارئ، إلى أن "الإسقاطات الجوية المخطط لها تتطلب إعادة تخطيط لوجستي كامل، مما يترتب عليه تكاليف إضافية".

وأضاف: "من المثير للاهتمام أن يتم التفكير في هذا الأسلوب حاليا، في وقت تخطط فيه الحكومة الألمانية لخفض ميزانية المساعدات الإنسانية بنسبة 53 بالمئة".

واستطرد: "إنفاق ملايين اليوروهات على إسقاطات رمزية غير فعالة في مثل هذه الظروف أمر صعب".

ولفت الموقع إلى أن "سلاح الجو الألماني كان قد نفذ بالفعل عمليات إسقاط جوي في غزة خلال ربيع عام 2024، حيث قامت طائرات النقل العسكرية من طراز A400M بتنفيذ مهمات استمرت عشرة أسابيع، وأسفرت عن إيصال 315 طنا من المساعدات".

واستدرك: "لكن بالمقارنة مع الحد الأدنى المطلوب يوميا لتلبية الاحتياجات الإنسانية في القطاع، والمُقدر بنحو 500 شاحنة يوميا، فإن هذه الكمية تكفي بالكاد لتغطية احتياجات السكان لمدة ثماني ساعات فقط".

وضع مهين

من جهتهم، يتفق سكان غزة مع رأي المنظمات الدولية، ففي حديث هاتفي مع الموقع، عبرت مروة، إحدى سكان المدينة، عن استيائها من الجسر الجوي، قائلة: "معظم المساعدات لا تصل إلى الناس".

وأضافت المواطنة الفلسطينية: "جزء منها يُلقى في المناطق الحمراء، حيث لا يمكننا الوصول إليها". 

وتُشير "المناطق الحمراء" إلى مناطق الاشتباك والقصف المباشر، وهي مناطق تصنف كمناطق قتال شديدة الخطورة، حيث تحذر القوات الإسرائيلية السكان من دخولها وتوجههم للبقاء فقط في المناطق ذات اللون الأبيض.

"إلا أنه مع ذلك، لا تُخفف المساعدات التي تسقط في المناطق البيضاء من معاناة سكان القطاع، بل تزيد من تفاقم الوضع"، بحسب مروة.

وقالت: "تُلقى المساعدات فوق المناطق الساحلية الشمالية، وهي مناطق مكتظة بالسكان". 

وأضافت: "بعض الطرود تسقط على مناطق مأهولة"، مشيرة إلى أن "الدفعة الأولى من الإسقاطات الجوية سقطت على خيمة، مما تسبب بإصابة 11 شخصا". 

وتابعت: "في ظل الاحتياج الشديد، يتهافت الناس على الطرود، مما يؤدي إلى نزاعات واشتباكات.. إنه وضع مهين وغير إنساني".

وفي هذا السياق، أكدت منظمات الإغاثة أن "إيصال المساعدات عبر الطرق البرية هو السبيل الوحيد الفعال لتلبية الاحتياجات المتفاقمة في غزة".

وأضاف الموقع الألماني: "حيث تطالب بالعودة إلى النظام السابق الذي كان يعتمد على توزيع المواد الغذائية بشكل لامركزي عبر حوالي 600 نقطة توزيع حتى ربيع 2025".

وفي مؤتمر صحفي عقد في برلين، قال مسؤول ملف الشرق الأوسط في منظمة "ميديكو إنترناشونال"، رياض عثمان: "قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت ما بين 500 إلى 600 شاحنة يوميا تدخل قطاع غزة يوميا لتزويد السكان والاقتصاد بالاحتياجات الأساسية".

واستطرد: "أما اليوم، فإن هذا العدد لم يعد كافيا؛ لأن البنية التحتية الحيوية والنظام الصحي وحتى الزراعة، قد دُمرت بشكل منهجي".

وأوضح أن "حمولة الشاحنة الواحدة كانت تبلغ عادة نحو 20 طنا من المساعدات، وتشمل إلى جانب الأغذية، مستلزمات طبية أساسية ومياه صالحة للشرب".