قمة منظمة الدول التركية.. من التعاون التقليدي إلى الشراكة الإستراتيجية

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بهدف استعراض الجهود الرامية إلى تعزيز بنيتها المؤسسية، انعقدت القمة الـ12 لمنظمة الدول التركية في مدينة قابالا الأذرية في 6 و7 أكتوبر 2025، وذلك بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان وعدد من قادة الدول الأعضاء.

وجاءت القمة هذا العام تحت شعار "السلام والأمن الإقليميان"، وهو عنوان يعكس بوضوح التحول الذي تشهده المنظمة من كونها إطارا ثقافيا رمزيا إلى فاعل سياسي وإستراتيجي في محيطها الإقليمي.

ونشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب نبي ميش، قال فيه: “رغم أن الشعار قد يوحي في ظاهره بالتركيز على الأمن والدفاع، فإن المضمون الحقيقي يتجاوز ذلك، ليشمل الأمن الشامل بمفهومه الواسع". 

وأوضح أنه “يضم ملفات الاقتصاد والطاقة والرقمنة والنقل والبنية التحتية، وذلك في إطار رؤية تهدف إلى بناء توازن واستقرار إقليمي يعتمد على التعاون بين الدول ذات الجذور الثقافية والتاريخية المشتركة”.

تحول إستراتيجي

وذكر الكاتب أن “منظمة الدول التركية تأسست قبل 16 عاما، كمنصة تهدف إلى تعزيز الروابط الثقافية واللغوية بين الدول الناطقة بالتركية”.

واستدرك: “لكنها، خلال السنوات الأخيرة، شهدت تحولا تدريجيا نحو بناء شراكة إستراتيجية تجمع بين الأبعاد الثقافية والاقتصادية والأمنية”.

وقد عبّر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف عن هذا التحول في كلمته الافتتاحية للقمة بقوله: "لقد أصبحت منظمة الدول التركية أحد المراكز الجيوسياسية المؤثرة التي يزداد نفوذها على الساحة العالمية".

وعلق ميش: “هذا التصريح يعكس وعيا أذربيجانيا وتركيا متزايدا بدور المنظمة كإطار إقليمي يمكن أن يوازن القوى الكبرى، ويعبّر عن مصالح مشتركة في منطقة تشهد تنافسا دوليا متصاعدا”.

من جانبه، شدد الرئيس أردوغان على ضرورة أن تلعب المنظمة "دورا أكثر فاعلية في القضايا الدولية، في ظل تراجع فعالية المؤسسات متعددة الأطراف مثل مجلس الأمن الدولي".

ودعا أردوغان الدول الأعضاء إلى تبني موقف موحد تجاه القضايا العادلة، مستشهدا بالمجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، ومؤكدا أن إسرائيل تمثل اليوم "أكبر تهديد لاستقرار المنطقة".

بهذا الخطاب، وجّه أردوغان رسائل متعددة؛ أولها للداخل التركي، حيث يعزز صورته كمدافع عن القضايا العادلة، ثانيها للعالم الإسلامي؛ حيث يطرح منظمة الدول التركية كمنصة يمكن أن تعبّر عن الموقف الإسلامي-التركي المشترك. 

وثالثها للعالم الغربي، وهو بأن تركيا “لن تكتفي بدور التابع في النظام الدولي القائم، بل هي تعمل على بناء شبكات نفوذ بديلة”.

تكامل فعلي

ولفت ميش إلى أن “منظمة الدول التركية تشرف اليوم على أكثر من 40 مجالا من مجالات التعاون المؤسسي بين الدول الأعضاء؛ حيث تشمل الاقتصاد والتعليم والطاقة والنقل والدفاع”.

ومن أبرز محطات تطورها قمة إسطنبول عام 2021، التي مثّلت "نقطة تحول نحو مزيد من الهيكلة والعمق المؤسسي". 

فقد حققت المنظمة منذ ذلك الحين نتائج اقتصادية لافتة؛ حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي لدولها أكثر من 2.1 تريليون دولار، وارتفعت نسبة التجارة البينية من 3 بالمئة إلى 7 بالمئة خلال سنوات قليلة. 

كما تم تأسيس صندوق الاستثمار التركي، الذي يهدف إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والطاقة المشتركة. 

بالإضافة إلى ذلك، يُعَدّ مشروع الممر الأوسط -الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى وتركيا- أحد أهم المبادرات الاقتصادية التي تعزز التكامل بين دول المنظمة.

وقال الكاتب: إن “هذه الأرقام تعكس انتقال المنظمة من التنسيق الرمزي إلى التكامل الفعلي، وهو تطور يعزز مكانتها كمحور اقتصادي إقليمي صاعد”.

وتابع: “في القمة الأخيرة بمدينة قابالا طُرحت مبادرات لافتة في المجال الأمني، أبرزها اقتراح الرئيس علييف بإجراء مناورات عسكرية مشتركة لدول المنظمة عام 2026”. 

وقد جاء هذا الاقتراح بعد أن ذكّر بقيام تركيا وأذربيجان بإجراء أكثر من 25 تدريبا عسكريا مشتركا في السنوات الماضية.

وأشار الكاتب التركي إلى أن هذه الفكرة تحمل أبعادا إستراتيجية متعددة، أولا، تعكس رغبة في بناء قدرات ردع جماعية ضد التهديدات الإقليمية. 

وثانيا، تمثل خطوة نحو تأسيس تعاون مؤسسي في مجال الصناعات الدفاعية.

وأخيرا، تؤكد أن المنظمة بدأت تتحول تدريجيا إلى إطار أمني جماعي يشبه في بعض ملامحه التجمعات الإقليمية الكبرى مثل حلف الناتو أو منظمة شنغهاي.

ومن اللافت أيضا طرح فكرة "صيغة منظمة الدول التركية+"، التي تهدف إلى توسيع نطاق المنظمة عبر التعاون مع شركاء من خارج العالم التركي، بما يعزز حضورها الدولي ويمنع انغلاقها على ذاتها.

وقال الكاتب: إن “القمة تولي أهمية خاصة لمشروع ممر زنغزور، الذي سيربط أذربيجان بجمهورية نخجوان وتركيا عبر الأراضي الأرمينية”. 

ورأى أن “بدء تشغيل هذا الممر من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة أمام التجارة والنقل بين آسيا الوسطى وأوروبا، ويجعل من منظمة الدول التركية محورا جغرافيا رئيسا في حركة الاقتصاد العالمي”.

ومن المتوقع أنه مع تفعيل هذا الممر، ستزداد رغبة دول جديدة في الانضمام إلى المنظمة أو تعزيز علاقاتها بها، لما يمثله المشروع من أهمية إستراتيجية في ربط الشرق بالغرب.

التحديات والفرص

وأردف الكاتب التركي بأنه "رغم الإنجازات الواضحة، لا تزال المنظمة تواجه عدة تحديات؛ مثل تفاوت مستويات التنمية الاقتصادية بين أعضائها، واختلاف أولويات السياسات الخارجية من دولة إلى أخرى". 

بالإضافة إلى ذلك، فقد حذرت بعض الدول من المضي في مشاريع أمنية مشتركة قد تُفسر بأنها موجهة ضد قوى إقليمية أخرى مثل روسيا أو الصين.

لكن في المقابل، تمتلك المنظمة فرصا كبيرة، فهي تمثل تجمعا سكانيا يفوق 170 مليون نسمة، وتملك موقعا جغرافيا إستراتيجيا يربط بين ثلاث قارات، وتتمتع بثروات طبيعية ضخمة، خاصة في مجالات الطاقة والمعادن.

وشدد ميش على أن “كل هذه العوامل تجعلها مؤهلة لتكون قطبا سياسيا واقتصاديا جديدا في النظام الدولي المتعدد الأقطاب”.

وأكد أن "منظمة الدول التركية منذ تأسيسها تجاوزت فكرة أن تكون فقط منصة ثقافية رمزية تجمع شعوبا تربطها اللغة والتاريخ، فأصبحت تسعى؛ لأن تكون تحالفا إستراتيجيا متعدد الأبعاد يجمع الاقتصاد بالأمن والسياسة بالثقافة.

واستطرد: “إذا استطاعت الدول الأعضاء الحفاظ على وحدة الرؤية وتجنب التأثيرات الخارجية التي تشتت تركيزها، فإن المنظمة قادرة على أن تتحول في السنوات القادمة إلى قوة إقليمية مؤثرة في معادلات الأمن والتنمية والطاقة العالمية”.

ويرى ميش أن “ما بدأ قبل عقد ونصف كـ(مشروع هوية ثقافية)، قد يتحول في المستقبل القريب إلى تكتل تركي-آسيوي يملك القدرة على صياغة سياسات مستقلة، ويكون له وزنه في تحديد ملامح النظام الدولي الجديد”.