"فخ ومناورة".. ماذا تعني خريطة الانسحاب الإسرائيلية الجديدة من غزة؟

"على حماس التحرك بسرعة وإلا ستصبح كل الاحتمالات واردة"
في مخالفة لما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن ضرورة وقف إطلاق النار بينما تجرى المفاوضات، يواصل جيش الاحتلال قصف قطاع غزة بأطنان من القنابل، موقعا عشرات الشهداء والجرحى، ومواصلا تدمير المزيد من المنازل والمنشآت المدنية.
وبعد موافقة حركة المقاومة الإسلامية حماس على خطة ترامب لوقف إطلاق النار في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عبر الأخير عن اعتقاده بأن بيان الحركة يشير إلى استعدادها لسلام دائم.
وشدد على ضرورة وقف القصف الإسرائيلي فورا “حتى نتمكن من إخراج الرهائن بأمان وبسرعة”، لكن دون استجابة إسرائيلية.
وقالت حماس خلال بيانها في 3 أكتوبر: إنها سلمت ردها على خطة ترامب بشأن غزة للوسطاء، معلنة موافقتها على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات.
كما جددت حماس موافقتها على تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) بناء على التوافق الوطني الفلسطيني، واستنادا للدعم العربي والإسلامي. لكنها أكَّدت أن مستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب تناقش في إطار فلسطيني.
وفي 29 سبتمبر/ أيلول، أعلن ترامب عن خطة تتألف من 20 بندا، من بينها: الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة خلال 72 ساعة من موافقة إسرائيل على الخطة، ووقف إطلاق النار ونزع سلاح حركة حماس.
وخلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الأميركي بالبيت الأبيض، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه "يدعم خطة ترامب"، معتبرا أنها "تحقق الأهداف الإسرائيلية من الحرب".
وتقدر تل أبيب وجود 48 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها نحو 11 ألفا و100 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، قتل العديد منهم. حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
في الأثناء أعلنت مصر أنها ستستضيف وفدين من إسرائيل وحماس في 6 أكتوبر؛ لبحث تفاصيل تبادل الأسرى وفقا لخطة ترامب.
ورغم موافقة حماس وعدّ ترامب ردها إيجابيا، عاد الرئيس الأميركي وكتب تفاصيل أثارت الجدل على حسابه بمنصة تروث سوشيال.
وقال الرئيس الأميركي: إن وقف إطلاق النار في غزة سيدخل حيز التنفيذ فور موافقة حماس على خط انسحاب الجيش الإسرائيلي الأولي من القطاع.
وأشار إلى أن "إسرائيل" وافقت بعد المفاوضات على خط الانسحاب الأولي، الذي عرض على حماس واطلعت عليه.
وفي إطار المرحلة الأولى لتنفيذ عملية تبادل الأسرى والمحتجزين ضمن الخطة الأميركية لوقف إطلاق النار، نشر ترامب خريطة خط الانسحاب الأولي لقوات الجيش الإسرائيلي من القطاع.
وتظهر الخط الأول الذي سبق أن كشف عنه البيت الأبيض قبل نحو أسبوع، ضمن خطة الرئيس المكونة من 20 نقطة لحل الأزمة، وتوضح أن مدينة رفح لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية، وبالطبع محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر.
أما في شمال قطاع غزة، فتُدرج الخريطة بشكل صريح وواضح مدينة بيت حانون ضمن المنطقة التي ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، حتى تنفيذ جميع مراحل الاتفاق والانسحاب بشكل كامل لاحقا.
وأكَّد ترامب، أن هذا "انسحاب أولي"، وأن خطته المكونة من 20 نقطة تتضمن انسحابا تدريجيا للجيش الإسرائيلي من غزة.
وبعد هذا الانسحاب الأولي لإتاحة إطلاق سراح الأسرى، ستنقل إسرائيل تدريجيا السيطرة على أراضٍ إضافية إلى قوة دولية عربية-إسلامية سيتم إنشاؤها، وتضمن نزع السلاح من القطاع.
وقال ترامب: "على حماس التحرك بسرعة وإلا فستصبح كل الاحتمالات واردة". محذرا الحركة من أنه لن يتهاون مع أي تأخير من جانبها.
وأعرب الرئيس الأميركي عن تقديره لـ"إيقاف إسرائيل القصف مؤقتا لمنح فرصة لإتمام عملية إطلاق سراح الرهائن واتفاق السلام"، وفق زعمه، مؤكدا أنه سيعامل الجميع بإنصاف، ولن يسمح بأي تأخير أو بأي نتيجة تشكل فيها غزة تهديدا مجددا.
ووفقا لخريطة الانسحاب الأصلية المنشورة كجزء من الخطة، سيواصل الجيش الإسرائيلي السيطرة على محيط أمني على طول حدود القطاع، وكذلك على حدوده مع مصر في فيلادلفيا، “حتى التأكد تماما من عدم وجود أي تهديد إرهابي من قطاع غزة. وفق تعبيره.
وأعرب ناشطون على منصات التواصل عن استيائهم من تصعيد الاحتلال عملياته على غزة واستمراره في شن الغارات ومواصلته مخططاته الاستيطانية وعرقلة دخول المساعدات رغم طلب ترامب وقف القصف، فى ظل خلافات حول خطوط الانسحاب.
ونددوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ترامب، #غزة_تباد، #حماس، #إسرائيل، وغيرها بخريطة الانسحاب التي أعلنها الرئيس الأميركي، موضحين أنها تعني إبقاء 70 بالمئة من إجمالي مساحة القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية.
أكاذيب ترامب
وتحت عنوان "كذب ترامب.. وكذب النتن…"، قال الباحث في مركز حوار للدراسات محمد عبدالعزيز الرنتيسي: إن عملية غزة مستمرة، والدمار والمجازر لم تتوقف لحظة، والشهداء بالعشرات منذ الليلة الماضية. مؤكدا أن “السوشيال ميديا في وادٍ والواقع في واد آخر”.
وأشارت رشا فؤاد إلى أنه برغم إعلان ترامب وطلبه من إسرائيل وقف إطلاق النار فورًا، لم يتوقف القصف فيما واصلت الأحزمة النارية العنيفة استهداف مدينة غزة حتى خلال ساعات الفجر.
ولفتت إلى أنه في اللحظة التي كانت فيها طائرات الاحتلال تمزّق حيّ التفاح شرق مدينة غزة وتحيله إلى كتلة من الركام فوق رؤوس ساكنيه، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة بشعة بقصف منزل مكوَّن من عدّة طوابق يؤوي 60 إنسانًا.
وأوضحت فؤاد أنه تمَّ انتشال عشرة شهداء منهم، ولا يزال عدد كبير من المفقودين والمصابين تحت الأنقاض، وأغلب الشهداء والمفقودين والمصابين من الأطفال.
واستنكرت أن مع ذلك خروج ترامب بتغريدة يتحدث فيها عن «تقديره لوقف القصف مؤقتًا» وعن «فرصة السلام وصفقة الرهائن» وكأن المشهد في غزة مجرد استراحة تفاوضية، لا مجزرة بشرية.
وتساءلت فؤاد: “هل سمع ترامب بما جرى في شارع يافا قبل دقائق من تغريدته؟” مرجحة أنه سمع لكنه اختار أن يتجاهل.
وأكدت أن في قاموس السياسة الأميركية، دماء الفلسطينيين لا تُحدث ضجيجًا كافيًا لتعطيل صفقة أو تأجيل تغريدة. مشيرة إلى أن التغريدة التي تحدثت عن "الإنصاف للجميع" جاءت بينما كانت الأمهات تبحث بأيديهن عن أطفالهن تحت الركام.
وقالت فؤاد: "هكذا يُكتب المشهد: الدم في غزة.. والكلمات في واشنطن.. وما بينهما، صمت دولي يوازي في بشاعته صوت الطائرات".
ولفت الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج إلى أن ترامب شكر نتنياهو على "وقف إطلاق النار" لإتاحة الفرصة لاستعادة الأسرى، في اليوم الذي قتلت فيه قوات الاحتلال عشرات الفلسطينيين في غزة (بعض التقارير ذكرت 70 شهيدا).
وتهكم قائلا: هذا هو ترامب.. وهذا هو "ضغطه" على نتنياهو و"إجباره" إياه على قبول الخطة، وفق بعض التحليلات.!!
وأكد الكاتب رضوان الأخرس، أن ما قاله ترامب عن أن "إسرائيل" أوقفت القصف، غير صحيح وفيه تضليل، مشيرا إلى أنه لم يتوقف وارتكب الاحتلال مجزرة بشعة في حي التفاح بمدينة غزة استشهد وجرح فيها العشرات معظمهم من النساء والأطفال.
وأشار المحلل السياسي ياسين عزالدين إلى أن ترامب قال كلمة جوهرية أن مبادرته جاءت لإنقاذ إسرائيل من ورطتها، لافتا إلى أن الاحتلال ما زال يواصل قصف غزة وارتكاب الجرائم بكل وحشية، رغم إعلان الرئيس الأميركي والتزام نتنياهو بخفض العمليات "الهجومية".
وقال: "لهذا يجب تكثيف الضغط على دولة الاحتلال وأميركا وعملائهم؛ لأن كل ما يهمهم تحسين صورة دولة الاحتلال".
وعطفا على ذلك، لفت عزالدين أن جيش الاحتلال ما زال يواصل عدوانه على غزة بنفس الوتيرة تقريبًا، وقام صباح اليوم بنسف جامعة الأزهر، متسائلا: "أي هدف عسكري تمثله الجامعة؟ علمًا بأنها تتبع لفتح والسلطة ولا علاقة لها بالأخضر".
وأشار إلى أن ترامب تراجع عن طلبه بوقف قصف غزة وعادوا لألاعيبهم الأولى وواضح أن كل ما يريدونه هو تبادل الأسرى ثم استئناف الحرب بمسميات عديدة.
وأضاف عز الدين: "الناس اعتقدوا أن هذه المرة أكثر جدية لتدخل الدول العربية والإسلامية لكن واضح أن تدخلها فشنك حتى الآن، وأنا لا أتأمل منهم الكثير للأسف".
واستنكر الصحفي إسلام بدر، أن غزة تُذبح من الوريد للوريد بينما العالم مشغول بالتصفيق لترامب، قائلا: إن رغم ادعاء جيش الاحتلال بالتزامه بوقف العمليات الهجومية والاكتفاء بما سماها عمليات دفاعية في مدينة غزة.
وأشار إلى أن 10 شهداء جراء قصف منزل مأهول في شارع يافا بحي التفاح شرقي مدينة غزة.
فخ الانسحاب
وعن خريطة الانسحاب التي نشرها الرئيس الأميركي وقال: إن "إسرائيل" وافقت عليها وأنه ينتظر رد حماس لبدء المرحلة الأولى، أوضح وليد عبدالحميد، أن ما عرضه ترامب هو حرفيًا ما تسيطر عليه إسرائيل قبل بدء عملية احتلال مدينة غزة، أي نحو 70 بالمئة من مساحة القطاع.
وأشار إلى أن خريطة الانسحاب المعروضة هي ذاتها التي عرضت فيها إسرائيل صفقة قبل شهر مع الاحتفاظ بهذه المناطق، ورفضتها حماس حينها.
وأفاد عبدالحميد بأن بمعنى آخر، لم تتنازل إسرائيل عن سنتيمتر واحد، وكل ما يجري حتى الآن هو مطالبة بإطلاق جميع الأسرى دون أي تنازل إسرائيلي.
ولفت إلى أنه حتى في الوقت الذي يتحدث فيه ترامب عن "وقف إطلاق نار" من أجل المفاوضات، استُشهد 70 إنسانًا بالأمس نتيجة القصف وإطلاق النار في قطاع غزة، متسائلا: "عن أي إنصاف وعدل يتحدث".
وعرض الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، صورة الخريطة التي نشرها ترامب، مشيرا إلى أن الأخير يقترح إبقاء احتلال إسرائيل لأكثر من نصف مساحة غزة، مقابل تسليم جميع الأسرى. وذكر بأن هذا العرض رفضته حماس مقابل نصف الأسرى آنفاً.
وسخر بو مازن علي من قول ترامب أنه سيحل أزمة غزة، وأن إسرائيل وافقت على خريطة انسحاب، قائلا: "ده عندنا في الحارة ضحك عالدقون بالهوليود ستايل، الانسحاب اللي بيقوله ده نفس اللي كان زمان في فيلم مهمة مستحيلة، بالعكس الاحتلال بيزيد والضحك على العالم بيتجدد".
وأوضح أن معنى انسحاب أولي التي قالها ترامب أن "إسرائيل هتسيب شوية تراب في النص كده عشان الصورة، بس هتفضل ماسكة مفاتيح الشقة رفح ممر فيلادلفيا بيت حانون".
وقال لؤي ديب: إن الأماكن التي ينوي الجيش الإسرائيلي البقاء فيها لسنوات قادمة هي “المنطقة العازلة المحيطة بالقطاع، ومحور فيلادلفيا على الحدود المصرية، تلة السبعين (المعروف باسم تلة المنطار)”.
وعلق أبو محمد الطائي، على خريطة الانسحاب في المرحلة الأولى قائلا: إن "العدو يناور ليأخذ الأسرى وبعدها ينقض على المقاومة ويبدو أن حماس أيضاً تناور بخطواتها ".
تحليلات وقراءات
وفي تحليلات وقراءات للمشهد، رأى الكاتب إبراهيم حمامي، أن خطة ترامب كشفت بما حملته من محاولة لتصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء إنساني، هشاشة الاصطفاف الداخلي الفلسطيني.
فبينما سعت حماس وباقي الفصائل سريعًا إلى مد اليد لفتح وفتح قنوات تواصل معها لتشكيل موقف موحّد، فضّلت فتح الصمت وانتظار ما ستؤول إليه الأمور.
وقال: إن القراءة التي سيطرت على قيادتها في تلك اللحظة كانت أن حماس غارقة في أزمة وجودية، وأنها ستضطر في النهاية إمّا للانحناء أمام شروط التسوية، أو ليدفعها الرفض نحو مواجهة مكلفة مع الاحتلال، مؤكدا أن هذا التقدير جعل فتح تراهن على الوقت بدل أن تخوض غمار اللحظة.
وقال يحيى موسى: "حتى لا تضيع الحقائق الكبرى وسط الضجيج، عجزت إسرائيل والولايات المتحدة عن فرض إرادتهما على القطاع المحاصر والمقاومة الباسلة بعد عامين من القتال، لم يأخذوا أسراهم، لم تلقِ حماس السلاح، لم يترك أهل غزة أرضهم".
وأضاف أن الجيوش/ الأمم / الشعوب تُهزم حين تفنى أو حين تفقد إرادة القتال، قائلا لن نفنى، لذا يبقى النصر والهزيمة إرادة وقرار.
وأكد موسى، أن هذا هو الدرس الأهم وأعظم مكاسب هذه الحرب وهو التهديد الإستراتيجي على إسرائيل الذي يسعى نتنياهو لإزالته ومحوه بكل قوته.
وحث الصحفي محمد أبو نصيرة، على تذكر أن ترامب ونتنياهو وقسما كبيرا من الغرب السياسي يحاربون ويفاوضون ويضغطون من أجل عشرات الأسرى الأحياء والأموات، لا من أجل مليونين ونصف مليون فلسطيني جائع ومتعب في غزة.