صراع النفط والولاءات والحدود في اليمن.. من يشعل فتيل الحرب بحضرموت؟

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

على وقع الاشتباكات التي شهدتها محافظة حضرموت اليمنية بين مليشيا "المجلس الانتقالي الجنوبي" بقيادة عيدروس الزبيدي والمدعوم إماراتيا، وبين "حلف قبائل حضرموت" القريب من السعودية، حذر مراقبون يمنيون من احتمال انزلاق الأوضاع في هذه المحافظة النفطية إلى حرب أهلية مفتوحة.

وتأتي هذه التطورات بعد أسبوع من إطلاق أبو علي الحضرمي، قائد مليشيا الدعم الأمني التابعة للانتقالي، تهديدات مباشرة ضد عمرو بن حبريش، رئيس “حلف قبائل حضرموت”. مؤكدا أنه لن يسمح له بالتمدد داخل المحافظة. وفي المقابل، واجه بن حبريش هذه التهديدات بالدعوة إلى "المقاومة بكل الطرق والوسائل" دفاعا عن حضرموت وثرواتها.

وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أعلن "حلف قبائل حضرموت" في بيان رسمي أن وحدات من قواته تولت تأمين منشآت حقول نفط المسيلة بالمحافظة، "من أي اعتداء أو تدخل خارجي"، وذلك بعدّ هذه المنشآت "ثروة للشعب وتحت غطاء الدولة الشرعية".

وفي اليوم نفسه، اندلعت اشتباكات بين "الحلف" و"الانتقالي" بالقرب من منشأة نفطية إستراتيجية في المحافظة التي تمثل 36 بالمئة من مساحة اليمن، وتضم موانئ محورية مثل المكلا والشحر والضبة. وتُعد حضرموت المنتج الأكبر للنفط اليمني بنسبة تصل إلى 80 بالمئة، إضافة إلى امتلاكها أكبر احتياطي نفطي في البلاد.

احتمالات مفتوحة

وبخصوص ما يجرى في حضرموت، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي إن "ما حدث يمثل تطورًا خطيرًا يهدف إلى تمكين المجلس الانتقالي من استعادة السيطرة المطلقة على المحافظة، وهي السيطرة التي قطع شوطًا كبيرًا نحو تحقيقها عبر الأدوات العسكرية التي وضعت بين يديه بتمويل إماراتي".

وأوضح التميمي لـ"الاستقلال" أن "هذه الأدوات تتمثل في قوات النخبة الحضرمية والتشكيلات العسكرية الأخرى التي جرى استدعاؤها من جنوب غرب البلاد، من المناطق التي ينتمي إليها عيدروس الزبيدي في محافظة لحج، وذلك بغرض إحكام القبضة العسكرية على حضرموت".

وأكد أن "الأمور وصلت، في إحدى المراحل، إلى استعراض واضح لقوة الزبيدي داخل حضرموت، وهو ما دفع السعودية للتحرك سريعًا نحو تشكيل مجلس حضرموت الوطني، رغم أن هذا المجلس لم يُفعّل عمليًا".

وخلال فترة التجاذبات هذه، كان "حلف قبائل حضرموت" يعتمد على أسس مادية وعسكرية اكتسبها منذ مرحلة سيطرة تنظيم القاعدة على المحافظة بدعم من الرئيس السابق علي عبد الله صالح عام 2011، وظل هذا الحلف يتولى مهمة حماية المنشآت النفطية في حضرموت. وفق التميمي.

وأضاف أن "هذا الأساس العسكري ظل قائمًا لدى الحلف، كما بقي هذا التشكيل يحظى باحترام واسع بين أبناء حضرموت، لكن يبدو أنه تعرض للاستهداف من السعودية والإمارات خلال المرحلة الماضية".

وبيّن التميمي أنه "في المرحلة الأخيرة، قررت السعودية استبدال أدواتها، فتم استدعاء عمرو بن حبريش إلى الرياض، وظهر في لقاء مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، ثم عاد مباشرة إلى حضرموت ليؤسس معسكرات جديدة ويشكل ألوية عسكرية".

وأشار إلى أن "هذا التحرك أثار انزعاج المجلس الانتقالي والإمارات، وربما دفعهما إلى محاولة حسم الموقف عسكريًا في حضرموت، رغم أن ذلك يشكل حالة تصادم محتملة إذا افترضنا وجود مواجهة أو خلاف حقيقي بين الطرفين داخل المحافظة".

وأكد التميمي أن "التصعيد العسكري يظل مفتوحًا على عدة احتمالات؛ فقد يتطور إلى حرب أهلية داخل حضرموت، وهذا الأمر يعتمد على موقف الإمارات والسعودية، وما إذا كانتا ستعملان على تغذية هذا الصراع أم لا. لكن الواضح هو وجود استماتة كبيرة من المجلس الانتقالي للدفاع عن مشروعه الانفصالي".

وفيما يتصل بموقف الشرعية، قال التميمي: إن "مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي لم يعد ذلك الكيان الذي يمكن النظر إليه بوصفه يمثل إرادة سياسية موحدة؛ إذ جرى تصميمه عام 2022 من قبل السعودية والإمارات ليكون بمثابة شركة مساهمة تجمع أطرافًا متناقضة".

وأضاف: "لذلك فإن الشرعية حاضرة في حرب حضرموت من خلال النصف الجنوبي منها، والمتمثل في عيدروس الزبيدي وعبد الرحمن المحرمي وفرج البحسني، وهؤلاء الثلاثة أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي يدعمون حرب المجلس الانتقالي داخل حضرموت".

ووصف التميمي الشرعية بأنها "ضحية مبكرة" للأزمة السياسية والتدخل الخارجي الواسع. مؤكدًا أنها ستظل إما محيّدة أو مستثمرة في الصراع، كما أنها تحولت إلى أحد الروافد المغذية لمشروع الانفصال وإحدى مظلاته السياسية.

تمزيق اليمن

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل اليمني عادل الشجاع: إن "حضرموت ليست مجرد محافظة، بل هي آخر ما تبقى من جغرافيا مستقرة يمكن أن تُبنى عليها الدولة اليمنية مستقبلا".

وأضاف الشجاع، في سلسلة تغريدات نشرها على منصة "إكس" في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أن "التلاعب بالتوازن في حضرموت هو لعب بالنار داخل مخزن وقود. نحن أمام جماعات مسلحة تعبث بمصير وطن كامل، وقد حان الوقت لملاحقة الإمارات دوليًا".

ورأى الشجاع أن ما يجرى في حضرموت لا يمكن فصله عن مسار تمزيق اليمن، ويرى أن الإمارات تعمل بشكل متسارع على توسيع نفوذها عبر دعم المجلس الانتقالي الجنوبي. ووفق رؤيته، يظهر الانتقالي في العلن كطرف محلي يطالب بحقوق الجنوب، لكنه في الواقع جزء من مشروع أوسع يستهدف تفتيت البلاد وفرض واقع جديد يخدم الأجندة الإقليمية لأبوظبي.

وشدد على أن "المجلس الانتقالي لم يعد مجرد طرف سياسي، بل تحول إلى جرافة عمياء تحاول سحق كل ما يعترض طريقها، حتى لو كانت الدولة نفسها. يتحدث عن الشرعية ويطعنها، وينادي بالنظام وهو يمزقه، ويتشدق بالجنوب بينما يدوس إرادة أهله إن لم تتوافق مع مشاريعه. والمفارقة أن من يتمرد على الدولة يتهم أبناء حضرموت بالتمرد".

وفي السياق ذاته، نشر الكاتب اليمني عادل الحسني مقالا على حسابه في منصة "إكس" بتاريخ 30 نوفمبر، أكد فيه أن محافظة حضرموت تتحول شيئًا فشيئًا إلى ساحة تنافس خارجي مفتوح.

وأضاف الحسني أن "هناك أطماعًا إماراتية مدعومة بذراع عسكرية وبولاءات ضيقة تُضخّمها آلة إعلامية واسعة، مقابل ثقل سعودي لا يبدو مستعدًا للتفريط بعمقه الأمني والإستراتيجي. وبين هذين الطرفين، يبرز اهتمام أميركي متزايد بحضرموت لاعتبارات بعضها ظاهر وبعضها الآخر مستتر".

وبيّن الكاتب أن حضرموت كانت دائمًا محافظة ذات أهمية مضاعفة على الخارطة اليمنية؛ فمساحتها تمتد من الصحراء إلى الساحل، ولها حدود مزدوجة مع السعودية وسلطنة عُمان، كما تمتلك أطول شريط ساحلي في اليمن، فضلًا عن ثروات النفط والذهب والأسماك وغيرها.

وأكد الحسني أن "هذه العناصر مجتمعة جعلت من حضرموت هدفًا مبكرًا لمشاريع النفوذ السعودي والإماراتي، وفق تقسيم واقعي غير مكتوب؛ حيث ترسخ الرياض حضورها في الوادي وسيئون، بينما تبسط أبوظبي نفوذها في الساحل والموانئ والقواعد البحرية".

وخلص الكاتب إلى أن "المشهد الراهن في حضرموت يمكن فهمه بوصفه صراعًا بين نموذجين: نموذج يسعى لانتزاع سيادة المحافظة عبر تجريف الثروات وإخضاع القبائل وإدارة المحافظة من الخارج".

أما النموذج الثاني، وفق الحسني، فهو "نموذج يحاول فرض معادلة مختلفة تقوم على أن القرار الحضرمي يجب أن يصدر من الداخل، وأن ثروات المحافظة ينبغي أن تنعكس مباشرة على حياة سكانها، وأن وجود أي طرف خارجي يجب أن يخضع لضوابط واضحة ومحددة".

واتهم رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، قوات ومجاميع قبلية مسلّحة قادمة من محافظتي الضالع ويافع بـ"اجتياح" حضرموت والسيطرة بالقوة على ميناء الضبة النفطي. مؤكدا أن المحافظة تواجه "غزوا خارجيا منظّما" يستهدف السيطرة على أرضها وثرواتها.

وقال بن حبريش، في مقابلة مع قناة "بي بي سي" في الأول من ديسمبر: إن الحشود القادمة إلى حضرموت "مدعومة من الخارج" ولا تحمل أي صفة رسمية في الدولة، وإنها دخلت المحافظة بقوة السلاح.

واتهم رئيس الحلف "المجلس الانتقالي الجنوبي" بالسعي لفرض سيطرته على المحافظة وثروتها النفطية. مشيرا إلى أن مشروع "الجنوب العربي" الذي يطرحه الانتقالي "لا يحظى بأي قبول في حضرموت"، وأن أبناء المحافظة متمسكون بخيار الحكم الذاتي.

وأوضـح بن حبريش أن أبناء حضرموت يدافعون عن مناطقهم بإمكانات محدودة ومن دون أي دعم خارجي، لكنه دعا السعودية والمجتمع الدولي إلى التدخل وفهم حقيقة ما يجري. مؤكدا أن المحافظة تتعرض لـ"غزو قبلي مسلّح لا يستند إلى أي صفة رسمية".

صمت سعودي

من جهته، قال حسن بن عبيد الله، مدير الدراسات في مركز "مداد حضرموت"، إن ما تشهده المحافظة "ليس حدثًا طارئًا، بل خطوة مخطط لها منذ أكثر من أربع سنوات، يسعى خلالها المجلس الانتقالي الجنوبي إلى التمدد نحو حضرموت التي تُعدّ أكبر وأهم محافظات اليمن".

وأضاف عبيد الله في حديثه لـ"الاستقلال" أن حضرموت "تحمل أهمية استراتيجية كبيرة لكونها تضم موارد نفطية ومعادن، وأن أي مشروع سياسي للمجلس الانتقالي لا يمكن أن ينجح دون وجود المحافظة ضمنه، ولكن في إطار تابع لا قائد، وبصورة تُملَى عليها فيها التوجهات".

وأكد أن المجلس الانتقالي "فشل في استقطاب أبناء حضرموت ومشايخها سياسيًا، وظلت المحافظة عصية عليه، الأمر الذي دفعه، وفق تقديره، إلى وضع خطة لإدخال حضرموت في دوامة العنف عبر استقدام قوات تحت غطاء الشرعية اليمنية".

ورجّح عبيد الله وجود "تواطؤ من المجلس القيادي الرئاسي" في ما يجري، مشيرًا إلى أن المحافظة "تعاني منذ عام ونصف تقريبًا حالة احتقان سياسي بين حلف القبائل ومحافظ حضرموت السابق مبخوت بن ماضي، ولم ينجح المجلس في معالجة الأزمة".

وتابع موضحًا أن المجلس القيادي "اكتفى بإصدار قرارات لتطبيع الأوضاع السياسية في حضرموت منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2025، لكنها لم تُنفّذ بسبب خلل بنيوي داخل المجلس الذي يضم أمراء حرب غير قادرين على صياغة رؤية سياسية موحدة لمواجهة الانقلاب الحوثي".

وأشار إلى أن أعضاء المجلس القيادي "يحافظون على مكاسبهم الشخصية ومواقعهم في ظل وضع سياسي شديد التعقيد في اليمن، غير أن ذلك لا يعفيهم من مسؤولياتهم تجاه المواطن ومستقبل البلاد".

وشدد عبيد الله على أن "الإمارات هي الداعم الرئيسي للمجلس الانتقالي، ولها أهداف توسعية في اليمن، وخصوصًا في المناطق الساحلية الممتدة من المخا مرورًا بعدن وصولًا إلى الساحل الحضرمي، وتسعى إلى استكمال نفوذها على مدن حضرموت المطلة على البحر".

وفي المقابل، أكد أن "السعودية تدعم القوى المجتمعية والقبلية في حضرموت لوقف المشروع الإماراتي"، لكنه أشار إلى أنه "لم يصدر عن الرياض أي موقف واضح يوقف تدفق القوات نحو المحافظة، ما يعمق حالة صراع النفوذ".

وأوضح الباحث أن السعودية تدعم "ألوية درع الوطن"، وهي القوات التي يعدها المجلس الانتقالي "عقبة أمام استكمال مشروعه التوسعي باتجاه المحافظات الشرقية، لا سيما حضرموت والمهرة".

وتوقع عبيد الله "مآلات خطيرة" لما يجري، معتبرًا أن استمرار الوضع "سيُربك المشهد السياسي، وقد يعيد طرح مسار الحل السياسي الشامل في حال تفاقمت الأحداث، كما قد ينسف شرعية المجلس القيادي الذي فشل في حماية المناطق المحررة من الصراعات".

وأضاف أن المشهد قد يشهد "ارتدادات واسعة" تدفع اليمن إلى "التحول إلى كانتونات يديرها أمراء حرب، مما يغلق الباب أمام أي حل سياسي ويجعل البلاد عرضة لموجات جديدة من العنف والاستغلال من قبل جماعات مختلفة".

وحذر من أن غياب الاستقرار في اليمن "سيضر بدول الإقليم، وخصوصًا السعودية وسلطنة عُمان، لأن أمن حضرموت جزء من أمنهما القومي"، مؤكدًا أن الفوضى وانتشار الجماعات المسلحة "سينعكس على أمن الخليج والجزيرة العربية بأكملها".

وختم عبيد الله بالإشارة إلى أن حضرموت "تمتلك امتدادا ساحليا واسعا على شط العرب، ما يجعل أي توتر فيها مؤثرًا على طرق إمداد الطاقة العالمية وحركة الملاحة البحرية البديلة، خاصة في ظل استمرار الحوثيين في استهداف الملاحة في البحر الأحمر".