"المجلس السياسي" بالعراق.. مظلة حقيقية للسنة أم تحالف لتقاسم الحصص؟

بيان تأسيس المجلس السني أكد أنه سيستمر طيلة الدورة البرلمانية الجديدة
في خطوةٍ وُصفت بأنها محاولة لإعادة إنتاج القرار السني في العراق بعد أعوام طويلة من الانقسام والتشتت، أعلنت جميع القوى والأحزاب السنية الفائزة في الانتخابات تشكيل "المجلس السياسي الوطني" بوصفه مظلة موحدة، على غرار "الإطار التنسيقي" لدى القوى الشيعية.
ويضمّ المجلس الجديد خمس قوى فائزة تمتلك مجتمعةً نحو 75 مقعدا في البرلمان، وذلك باستثناء ما يقرب من عشرة نواب سُنة ما زالوا ينضوون ضمن ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

مظلة جامعة
في بيان صادر بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أكدت قوى المجلس أنه "انطلاقا من المسؤولية الوطنية، واستشعارا لحجم التحديات التي تواجه البلاد في هذه المرحلة المفصلية، عقد قادة التحالفات والأحزاب السنيّة الفائزة بالانتخابات (تقدم، عزم، السيادة، الحسم، الجماهير) اجتماعا موسعا في بغداد، بمبادرة ودعوة من خميس الخنجر".
وبحسب البيان، فقد ناقش القادة المجتمعون مختلف التطورات السياسية، ووقفوا على طبيعة التحديات التي تواجه البلاد عموما ومحافظاتهم على وجه الخصوص، مؤكدين أهمية توحيد الجهود والعمل برؤية مشتركة للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي، وضمان الحقوق الدستورية، وتعزيز مستوى التمثيل في مؤسسات الدولة.
وجرى الاتفاق على تشكيل "المجلس السياسي الوطني" بوصفه مظلة جامعة لهذه القوى، يتولى تنسيق المواقف وتوحيد الرؤى والقرارات إزاء مختلف الملفات الوطنية الكبرى، إضافة إلى تعزيز العمل المشترك بين القيادات والكتل السياسية بما يخدم مصالح الجمهور ويرتقي بالأداء السياسي. كما شدد البيان على استمرار الاجتماعات الدورية للمجلس بشكل منتظم طوال الدورة النيابية السادسة.
وأكد القادة المجتمعون أن "المجلس سيكون منفتحا على جميع الشركاء الوطنيين، ومتمسكا بالثوابت الجامعة التي تصون وحدة العراق واستقراره، وتحفظ حقوق جميع مكوّناته دون استثناء، انطلاقا من رؤية وطنية تهدف إلى بناء دولة قوية عادلة تتسع للجميع".
وفي ختام البيان، دعا المجتمعون أبناء المكوّن السني إلى "دعم هذه الخطوة الوطنية المسؤولة، الهادفة إلى توحيد الجهود والارتقاء بالعمل السياسي، وتحقيق تطلعاتهم نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والبناء".
وفي تصريح عقب الاجتماع، قال زعيم تحالف "السيادة" خميس الخنجر: إن "هذه التحركات تأتي ضمن سعي الكتل السنيّة لتنسيق مواقفها مع إقليم كردستان العراق وترتيب استحقاقاتها السياسية، بما في ذلك تسريع اختيار الرئاسات وتحديد شكل المشاركة في المرحلة المقبلة". وأضاف: "اتفقنا على استمرار الحوار بيننا، وقد قطعنا شوطا كبيرا في تذليل العقبات والمشاكل. المجلس سيواصل اجتماعاته الدورية". مؤكدا أن الحوار المشترك سيستمر لمعالجة ما تبقى من إشكالات.
من جهته، بارك رئيس حزب "تقدم" محمد الحلبوسي تشكيل المجلس. مؤكدا أن "أمامنا تحديات كبيرة، وعلينا أن نعي أهمية المرحلة، ونوحّد صفوفنا وتطلعاتنا، وأن يأخذ كل ذي حق حقه".
أما رئيس تحالف "عزم" مثنى السامرائي، فقال: إن "المسؤولية اليوم كبيرة، وهناك تحديات جسيمة تتطلب منا التوحّد، وأن نأخذ دورنا ومشاركتنا في الحكومة المقبلة. ونتمنى أن يستمر المجلس طوال الدورة الانتخابية".

وعلى خلفية توحّد القوى السنيّة، أعلن المجمع الفقهي العراقي، وهو أكبر مرجعية دينية لأهل السنة في البلاد، مباركته لتشكيل "المجلس السياسي الوطني"، عادّا هذه الخطوة "إيجابية لتعزيز وحدة الصف وتنسيق الجهود بما يخدم المصلحة العليا للبلاد". وذلك بحسب بيان رسمي صدر في 24 نوفمبر.
وثمّن المجمع ما وصفه بـ"كل جهد وطني" يهدف إلى جمع الكلمة وتشكيل حكومة مهنية كفوءة، داعيا في الوقت نفسه "جميع الأطراف السياسية إلى الالتزام بالمصلحة العامة وتحمل مسؤولياتها في خدمة العراق وأبنائه".
ومقابل توحّد القوى الشيعية ضمن الإطار التنسيقي، رأى المحلل السياسي العراقي عبد القادر النايل أن توحّد القوى السنيّة تحت مظلّة واحدة كان ضرورة لمواجهة مساعي بعض الأطراف داخل الإطار لتمزيق البيت السني وإضعاف استحقاقه في العملية السياسية.
ونقلت منصة "الساعة" العراقية في 24 نوفمبر عن النايل قوله: إن "تشكيل مظلّة سياسية موحّدة للكتل السنيّة الفائزة في انتخابات الدورة السادسة يأتي في إطار مواجهة التحديات التي تستهدف وجودهم، ولمنع الإطار التنسيقي من الاستفراد بكل كتلة على حدة، الأمر الذي يضعف موقفها في استحقاقات العملية السياسية".
ويضيف النايل أن الساحة السنيّة تمتلك مطالب أساسية يجب أن تُدرج ضمن المنهج الحكومي المقبل، في إطار الورقة التي ستشكل خارطة عمل الحكومة. وتشمل هذه المطالب ملفات حساسة، منها ملف المغيّبين، وملف إعادة المهجّرين السُنّة قسرا في جرف الصخر وخمسين مدينة سنيّة أخرى.
كما شدّد على ضرورة "معالجة حقيقية للطريقة التي تعاملت بها حكومة السوداني ووزارة الداخلية، التي منعت ــ تحت ذرائع واهية ــ إصدار جوازات السفر والأوراق الثبوتية للمهجّرين العراقيين في الخارج، لا سيما في دول الجوار".
وأضاف أن من بين المطالب أيضا تحقيق "توازن حقيقي في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية؛ إذ لا يوجد اليوم رئيس جهاز أمني من المكوّن السني العربي أو الكردي".
وأكد الخبير العراقي ضرورة حل "قضايا أخرى مهمة تتعلق بتوزيع المناصب الرئيسة، ومنها رئاسة البرلمان والوزارات الستّ المخصّصة للمكوّن السني، بعد التفريط بمنصبي وزارة الرياضة والشباب ووزارة المالية في الدورة البرلمانية الماضية (2021–2025)".
وأشار النايل إلى أن "هذه الخطوة تحتاج إلى وضع آلية عمل مشتركة حتى لا تنهار أمام تقاسم المناصب، وأن يكون هناك معيار ثابت لاختيار الوزراء وشاغلي الدرجات الخاصة، مع ضرورة تشكيل وفد مفاوض يتمتع بكامل الصلاحيات لتجاوز أي خلاف حقيقي بين قادة الكتل السياسية السنية".
وختم بالتحذير من أن "إنجاح هذه المظلّة أمر حاسم، وإلا فإن الكتل ستفقد بوصلتها بالكامل. كما أن خطوة إعلان المجلس السياسي الوطني لم ترق لبعض القوى الداخلية، فضلا عن أطراف إقليمية ستعمل على إفشال هذا المشروع الفتي". على حد تعبيره.

تكتيك مرحلي
وفي المقابل، رأى الباحث السياسي العراقي مؤيد الدوري أن "فكرة تشكيل هذا المجلس لا شك أنها خطوة جيدة، لكن هناك تخوّفا حقيقيا من أن ينتهي دوره بمجرد تقاسم المناصب. خصوصا أن الحلبوسي سبق أن أجهض مبادرات سابقة كانت تهدف إلى إنشاء تكتلات مشابهة".
وأضاف الدوري في حديثه لـ"الاستقلال" أن "التوقعات تشير إلى أن الحلبوسي ربما يكون هو من دفع الخنجر لاتخاذ هذه الخطوة، بهدف استباق أي محاولة لتشكيل تكتل سني يستهدف إقصاءه من المشهد، وذلك بدعم أو تنسيق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تشهد علاقاته معه توترا واضحا".
ولفت الباحث العراقي إلى أن "اجتماع هؤلاء الفرقاء يحمل رسالة مفادها المشاركة في اقتسام الحصة السنيّة، على غرار ما حدث داخل الإطار التنسيقي الشيعي بعد انضمام السوداني إليه. وحتى الحلبوسي الذي تلقّى إشارات حول احتمال حرمانه من رئاسة البرلمان، قد يكون هو نفسه من يقف وراء تشكيل هذا المجلس كخطة بديلة لمنع تهميشه والبقاء في دائرة التأثير".
وتوقع الدوري أن "ينفرط عقد المجلس السياسي السني في حال لم يحصل الحلبوسي على رئاسة البرلمان؛ لأن دخوله هذا التشكيل – أو سعيه لتشكيله – يهدف بالأساس إلى ضمان المنصب عبر اتفاق جميع القوى السنية على ترشيحه".
وعلى النسق نفسه، قال زعيم حزب الحل السني، جمال الكربولي، عبر منصة "إكس" في 23 نوفمبر: إنه "لا شك أن لجميع أعضاء الإطار التنسيقي السني نوايا سياسية طيبة أو على الأقل معقولة، إلا واحدا منهم لا يمكن الوثوق به، ولا بنواياه، ولا بكلامه، ولا بعهوده.. وما اجتمع معهم إلا ليفرّقهم".
ورأى مراقبون أن الكربولي يقصد في تدوينته هذه غريمه محمد الحلبوسي؛ إذ يتهمه منذ سنوات بـ"نكران الجميل" لمن كان سببا في وصوله إلى المشهد السياسي وصعوده المتسارع داخل هرم السلطة. فالحلبوسي كان أحد أعضاء حزب "الحل" عام 2014 عندما فاز بعضوية مجلس النواب، ثم تولّى منصب محافظ الأنبار عام 2017 بترشيح من الحزب نفسه، قبل أن تتفاقم الخلافات بين الطرفين ويتحوّلا إلى خصمين لدودين.
ويُتهم الحلبوسي كذلك بالضلوع في إبعاد الكربولي عن سباق الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك عبر نفوذه داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بعدما كان الأخير مرشحا عن محافظة الأنبار غرب البلاد.
من جانبه، رأى الكاتب العراقي رعد البيدر، في مقال نشرته وكالة "الحدث" العراقية بتاريخ 23 نوفمبر، أن إعلان المجلس السياسي الجديد يمثل محاولة أخرى- وربما الأخيرة- لتجاوز حالة الضعف السياسي التي لازمت المكوّن السني منذ عام 2003.
وأشار البيدر إلى أن "المجلس ليس مجرد ائتلاف عابر، بل هو اعتراف مؤسسي ضمني بعجز القيادات المنتخبة عن التفاهم والتوحد بالطريقة التقليدية، الأمر الذي يهدد قدرتها على الإدارة وتحقيق الشعارات الأساسية المرتبطة بقضايا المناطق السنية، وفي مقدمتها: تشريع قانون العفو العام، وعودة النازحين، وإعادة إعمار المدن المحررة".
وأوضح الكاتب أن هذه الخطوة تأتي امتداداً لمحاولة سابقة لتشكيل "ائتلاف القيادة السنية الموحدة"، وهو مشروع لم يكتب له النجاح وفشل في جمع القوى السنية تحت سقف واحد.
وخلص البيدر إلى أن "ذلك الفشل رسَّخ الانقسام داخل الساحة السنية، وكرّس وجود قطبين متنافسين، أبرزهم تيار حزب الحلبوسي وخصومه، ما يعني استمرار الهوة التي أضعفت موقع السنة داخل العملية السياسية. وقد تسلل بنتيجة ذلك الوهن إلى طاولة التفاوض، لتصبح حقوق المكون فريسة سهلة تُنتزع في ظل غياب موقف موحّد، وتتحول الساحة إلى مجال مفتوح لتمرير أجندات الشريكين الشيعي والكردي".














