تهديد أكثر إرباكا.. ماذا سيفعل "الناتو" حال اندلاع مواجهة بين تركيا وإسرائيل؟

منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

خلال عام 2024، ازداد وصف تركيا بـ "إيران الجديدة" في الخطاب العام الإسرائيلي. ورغم أن هذا الوصف مُثير للجدل من عدة جوانب، إلا أنه يعكس مخاوف بشأن تحركات أنقرة بالمنطقة.

وتُبدي إسرائيل مخاوف خاصة من الوجود العسكري التركي في سوريا، وانخراط تركيا في القضية الفلسطينية، وإمكانية الاحتكاك في شرق البحر المتوسط.

وإلى جانب ذلك، تزداد تركيا قوةً من الناحية العسكرية، وتعبر عن مواقف شديدة الانتقاد لإسرائيل، وتستخدم حتى خطابا يُقوّض شرعيتها.

وفي الوقت نفسه، يُتوقَّع أن يُسهم الانخراط الأميركي في خفض التوتر بين إسرائيل وتركيا، وهو مسار قائم الآن وسيكون مطلوبا في المستقبل، في مساعدة الطرفين على مواصلة تجنّب مواجهة عسكرية مباشرة، وربما التقدّم نحو تحسين علاقاتهما الثنائية.

هكذا قيّم معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) العلاقات التركية-الإسرائيلية، في مقال بقلم الباحثة المتخصصة في السياسة الخارجية التركية، غاليا لندنشتراوس.

خطاب شديد اللهجة

وقالت الباحثة: "في قطاع غزة، يرتبط التوتر الرئيس بين إسرائيل وتركيا بموقف أنقرة الذي يرى أن حماس ما تزال فاعلا أساسيا في مرحلة ما بعد الحرب، حتى لو من وراء الستار".

"وخلال الحرب، عارضت إسرائيل منح تركيا دورا مهما في المحادثات الهادفة إلى التوصل لوقف إطلاق النار، استنادا إلى إدراكها أن تركيا، إلى جانب قطر، تُعدّ من داعمي حماس، وأنه لا توجد أي مؤشرات على إعادة تقييم تركيا لموقفها الداعم للحركة بعد 7 أكتوبر"، بحسب الباحثة.

بل على العكس، كرر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تأكيده أن حماس "حركة تحرر" وليست منظمة “إرهابية”. 

وكانت تصريحات بلاده خلال الحرب شديدة الانتقاد لإسرائيل، حتى بالمقارنة مع الدول التي تبنّت خطابا شديد اللهجة.

وفي أغسطس/آب 2024، انضمت تركيا إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، متهمةً إياها بارتكاب إبادة جماعية.

وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أصدر مكتب المدعي العام في إسطنبول مذكرات توقيف بحق 37 مسؤولا إسرائيليا رفيع المستوى، بمن فيهم رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الأمن القومي، ورئيس أركان الجيش، بتهم ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية.

وقالت الكاتبة: "في الساحة السورية، تنبع المخاوف الإسرائيلية بالأساس من الوجود العسكري التركي في وسط وجنوب سوريا ومن القيود المفروضة على سلاح الجو الإسرائيلي داخل الأجواء السورية".

"وعلى الرغم من أن التدخل العسكري التركي في شمال سوريا بدأ مع العمليات التي أطلقتها أنقرة عام 2016، فإن سقوط الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024 جعل طموحات تركيا في أجزاء أخرى من سوريا أكثر واقعية".

“ولو كان الأمر بيد أنقرة وحدها، لكانت القواعد العسكرية التركية قد أُقيمت بالفعل داخل سوريا، إلا أن سلوك الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يسعى إلى تنويع مصادر دعمه الخارجية، إلى جانب الإجراءات الوقائية التي اتخذتها إسرائيل، قد حالا حتى الآن دون تحقيق تلك النوايا”. وفق المقال.

"أما فيما يتعلق بالاستثمارات الاقتصادية المتوقعة في سوريا، فهناك قلق من أن بعض طرق التجارة والطاقة التي تسعى تركيا إلى تعزيزها قد تلتف حول إسرائيل بما قد يهدد مشاريع كانت إسرائيل تأمل دفعها قُدما، مثل المشاريع المرتبطة بتطوير ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC)".

وأضافت الكاتبة: "إلى جانب المخاوف المتعلقة بسلوك تركيا، تجدر الإشارة إلى أن التطورات الأخيرة في الساحة السورية تُبرز فعليا أن كلا من تركيا وإسرائيل تخشيان من مواجهة جوية مباشرة".

"ويُعد استعداد الطرفين للعمل عبر خط ساخن جرى إنشاؤه عقب محادثات بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين في باكو (بدعم أميركي) دليلا واضحا على أن الجانبين ما زالا ينفران من الانزلاق إلى صدام مباشر".

"وفضلا عن ذلك، فإن التقدّم نحو اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا من المتوقع أن يُسهم أيضا في تهدئة التوترات في الساحة السورية، بما في ذلك تلك القائمة بين إسرائيل وتركيا"، وفق الباحثة.

توترات شرق المتوسط

وأوضحت أن "في شرق المتوسّط، برزت التوترات بين إسرائيل وتركيا بوضوح خلال عام 2024، في قضيتين أساسيتين، قبرص الرومية والأساطيل المتوجّهة إلى غزّة".

فيما يتعلّق بقبرص الرومية، أثار نشر منظومة الدفاع الجوّي (Barak MX) في سبتمبر/ أيلول، والتي جرى شراؤها من إسرائيل، ردود فعل سلبية في تركيا؛ إذ ذهب بعضهم إلى مقارنة الوضع بأزمة عام 1997 حين ضغطت أنقرة على قبرص الرومية لنقل منظومة (إس-300) -التي اشترتها من روسيا- إلى اليونان.

أمّا فيما يخصّ الأساطيل، فقد شكّلت هذه المسألة نقطة احتكاك متكرّرة بين إسرائيل وتركيا منذ حادثة "مافي مرمرة" عام 2010. 

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2025، شارك نوّاب أتراك في "أسطول الصمود العالمي"، بينما صرّح أردوغان للصحفيين بأنّه تابع عن كثب اللقطات الواردة من الطائرات المسيّرة التركية التي كانت تُرافق الأسطول.

وبخصوص العلاقات التجارية، ما زال الحظر الاقتصادي الذي أعلنت عنه تركيا ضدّ إسرائيل في مايو/ أيار 2024 قائما، وتواصل أنقرة تطبيقه بصرامة بين حين وآخر، بما في ذلك بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، استمرّت السلع في الوصول إلى إسرائيل عبر دولٍ ثالثة وعبر التجّار الفلسطينيين، وفق الباحثة الإسرائيلية. 

ويشير استمرار حجمٍ كبير من التبادل التجاري -وفي بعض الأشهر وصل إلى نحو نصف ما كان عليه قبل الحظر- إلى وجود مصلحة كبيرة لدى رجال الأعمال لدى الجانبين في الحفاظ على الروابط التجارية.

أمّا فيما يتعلّق بروابط الطيران، فقد أوقفت شركات الطيران لدى الجانبين رحلاتها إلى الدولة الأخرى منذ بداية الحرب، ولم تُستأنف الخدمات حتى الآن.

فيتو تركي

وبالإضافة إلى نقاط التوتر هذه، تؤكد الباحثة على أنه لا يمكن تجاهل التعزيز العسكري التركي. 

فقد حدّدت أنقرة ثلاث نقاط ضعف رئيسة في القوات المسلحة التركية، وتعمل على معالجتها بقوة، ولا سيما في ضوء الدروس المستخلصة من حرب الـ 12 يوما بين إسرائيل وإيران.

ومن أبرز نقاط الضعف تقادم أسطول الطائرات المقاتلة في سلاح الجو التركي والحاجة إلى طائرات جديدة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، وقّعت تركيا صفقة مع المملكة المتحدة لشراء 20 طائرة يوروفايتر تايفون، وهي على وشك الحصول على حوالي 24 طائرة تايفون مستعملة من الإمارات وسلطنة عمان لتجنب فترات التسليم الطويلة المرتبطة بشراء الطائرات الجديدة.

كما تتقدم تركيا في مجال الدفاع الجوي، وتهدف إلى بناء نظام "القبة الفولاذية". علاوة على ذلك، وسّعت بشكل كبير اللوائح المتعلقة ببناء الملاجئ في البلاد.

وأخيرا، خلال الحرب بين إسرائيل وإيران، تحدّث أردوغان عن حاجة تركيا إلى امتلاك صواريخ متوسطة وطويلة المدى لأغراض الردع، وذكرت تقارير صحفية أن تركيا تعمل على بناء منشأة لاختبار الصواريخ في الصومال.

وقالت الكاتبة: "لإسرائيل مصلحة واضحة في تدخل الولايات المتحدة في تخفيف التوترات مع تركيا. 

ففي الواقع، ربما يكون تدخل الرئيس ترامب وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية فعالا في هذه المرحلة".

"في هذا الصدد، تُعد الملاحظات التي أدلى بها السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك في حوار المنامة، مهمة. 

فقد توقع أن تتجنب إسرائيل وتركيا الصراع العسكري المباشر، وأن تتعاون الدولتان في نهاية المطاف من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط".

"ومع ذلك، انتقدت أصوات في تركيا هذا التقييم ووصفته بأنه سوء فهم للوضع. وفي الوقت نفسه، من المهم أن تُدرك الولايات المتحدة أن إسرائيل لن تُخفف من معارضتها لنشر قوات عسكرية تركية ضمن قوة الاستقرار الدولية المُشكّلة في غزة، نظرا لانعدام الثقة العميق بين الجانبين"، وفق الباحثة.

وأردفت: "إلى جانب الولايات المتحدة، يجب على أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) الآخرين العمل على تخفيف التوترات بين إسرائيل وتركيا، سواء علنا أو سرا".

وشددت على أن "هذا أمرٌ ضروري لأن الفيتو التركي لا يزال يُعيق التعاون الضروري بين إسرائيل وحلف الناتو، ويُقوّض الجهود المبذولة في مواجهة روسيا في سياق الحرب في أوكرانيا".

"كما تؤثر التوترات بين إسرائيل وتركيا على نزاعات تركيا مع قبرص الرومية واليونان، نظرا لتوطيد العلاقات بين هذه الدول الثلاث لأكثر من عقد منذ حادثة مافي مرمرة".

وقالت الكاتبة: "على أي حال، ينبغي على الدول الغربية مراعاة التوترات بين تركيا وإسرائيل عند النظر في مبيعات الأسلحة والتعاون الصناعي والدفاعي مع أنقرة".

“من جانبها، ينبغي على إسرائيل مواصلة تعزيز علاقاتها مع الدول التي تُشاركها بعض مخاوفها بشأن تركيا، مثل اليونان وقبرص الرومية والإمارات والهند”. وفق الباحثة.