"عملاء الاحتلال".. قصة العائلات الخائنة التي تنظم مليشيات جديدة في غزة

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

كثف الاحتلال خلال الأشهر الأخيرة من تشكيله مليشيات مسلحة محلية من عائلات وعصابات إجرامية في مناطق واسعة من قطاع غزة، تركزت في المناطق التي ينشط فيها عسكريا، ليوكل لها مهام استخبارية وعملياتية في الميدان، لمواجهة المقاومة الفلسطينية.

وعرض الاحتلال على مجموعة من العائلات الغزية كبيرة العدد أن تشكل كل عائلة مليشيا خاصة بها، وأن تبسط سيطرتها الأمنية على مناطق سكناها وتحارب أي وجود لحركة المقاومة الإسلامية حماس، بجانب تنفيذ خدمات أمنية لجيش الاحتلال، في مقابل دعم لوجستي ومادي، وهو الأمر الذي رفضه العدد الأكبر من هذه العائلات. 

فانتقل جيش الاحتلال لتهديد العائلات الرافضة للتعاون معه ومع إصرارها على الرفض، نفذ تهديداته واستهدف منازل لهذه العائلات مسببا مجازر كبيرة بحق أبنائها.

فضلوا الموت

وكشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في 27 سبتمبر/أيلول 2025، أن الجيش الإسرائيلي ارتكب مجازر بحق عائلات فلسطينية رفضت التعاون الأمني معه، ضمن حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ نحو عامين. 

وقال المرصد في بيان له: إنه وثق "ارتكاب جيش الاحتلال مجزرة بحق عائلة بكر في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة". 

جاء ذلك بعد يوم واحد فقط من رفض العائلة الانخراط في مليشيا محلية تعمل لصالح الجيش وتنفذ مهام غير مشروعة، حسب البيان.

ونقل المرصد عن معتصم بكر، أحد أفراد العائلة، قوله: إن الاحتلال عرض عليهم البقاء مقابل ضمان الأمان، شريطة أن يعمل أبناء العائلة كمليشيا تابعة للجيش على غرار مجموعة "أبو شباب" العاملة جنوبي القطاع.

ومليشيا أبو شباب هي عصابة شكلها مجرم هارب من سجون الداخلية في غزة، يدعى ياسر أبو شباب، ظهرت للعلن في مايو/آيار 2024، وتعاونت مع الاحتلال في البداية في منع وصول المساعدات للقطاع، لتعزيز المجاعة، ثم انتقلت لمواجهة المقاومة وقوى الأمن.

 وتنفذ المليشيا عمليات بتوجيه من جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، واتخذت من مناطق شرق رفح مقرا لها، تحت حماية جيش الاحتلال، وتُعد بداية مرحلة مليشيات العملاء.

وأشار بكر إلى أن العائلة رفضت عرض الاحتلال وفضلت الرحيل والنوم في الطرقات على الانخراط في "درب الخيانة" بعد أن كانت سابقا قد قررت رفض أوامر النزوح الجماعي تجاه الجنوب، والصمود في منازلها وخيامها غرب غزة.

فكان انتقام الاحتلال من عائلة بكر عبر قصف منزل للعائلة فجر يوم 26 سبتمبر / أيلول 2025، ما أسفر عن استشهاد 9 فلسطينيين وإصابة آخرين، وفق وزارة الصحة.

 وفي هذا السياق، أفاد المرصد الأورومتوسطي بأنه تلقى معلومات من عائلتي "الديري ودغمش" بشأن تعرضهما لعروض إسرائيلية مماثلة، وعندما قوبل ذلك بالرفض كثف الجيش الإسرائيلي تفجير العربات المفخخة في حي الصبرة، حيث توجد منازل العائلتين.

 وأعقبها قصف واسع استهدف عدداً من المنازل، بما فيها مربع سكني لعائلة دغمش، ما أسفر عن استشهاد أكثر من ستين فردًا من العائلة، مع أعداد من المفقودين تحت الأنقاض، حسب المرصد.

من جانبه، أوضح محمد دعمش أن قوات الاحتلال حاولت مرارا التواصل مع العائلة في أكثر من مناسبة، في مساعٍ لاستمالتها وتجنيد بعض أفرادها لتشكيل مليشيات محلية تخدم مصالحه، حتى قبل ظهور مليشيا "أبو شباب". 

وأشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن الاحتلال استغل الخلافات القديمة بين العائلة وحركة حماس والتي تعود لعامي 2007 و2008، حيث كانت عائلة دغمش من العوائل المركزية في حركة فتح وينشط الكثير من أبنائها في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، ما أدى لسلسة من الاشتباكات مع الحكومة في غزة.

وكذلك حاول الاحتلال استغلال ثقل العائلة الاجتماعي وتعدادها الكبير، في محاولة لتوظيف هذه العوامل لصالحه. 

ومع ذلك، أكد أن العائلة رفضت على الدوام الانحياز إلى صف الاحتلال أو الانخراط في أي مسار من شأنه الإضرار بالشعب الفلسطيني ومقاومته.

وأضاف دغمش ، "خلال العرض الأخير الذي جرى في الفترة في مطلع أغسطس 2025، ترافقت محاولات الاحتلال مع تهديدات مباشرة، تضمنت تهديدًا بتفجير منازل العائلة المأهولة، وفي المقابل، قدم الاحتلال عرض امتيازات، شملت السماح ببقاء العائلة في منازلها شرق مدينة غزة والحصول على حمايته". 

وأشار إلى أن هناك عددًا من العائلات التي قبلت الاستفادة من هذه الحماية، بينما رفضت عائلته الانخراط في هذا المسار أو التعاون مع الاحتلال، محافظين على موقفهم الرافض لأي تقاطع مع مصالح الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني.

وأوضح دغمش أن قوات الاحتلال قامت بنشر عدة روبوتات متفجرة في التجمعات السكنية للعائلة، حيث تم وضع روبوت متفجر في كل مربع سكني. وعقب تكرار العرض الذي قدمه الاحتلال ورفض العائلة له، شرعت القوات في تفجير هذه الروبوتات، ما أدى إلى تدمير جزء كبير من المنازل وإخراج سكانها قسرًا. 

وأكد أن الجرائم لم تقتصر على تدمير المساكن، بل شملت استهداف منازل مأهولة بالسكان، ما أسفر عن سلسلة مجازر راح ضحيتها مئات الشهداء من أفراد العائلة.

وتابع دغمش: "على الرغم من الدماء الزكية التي سالت، ومقتل مئات الأطفال والنساء وكبار السن الذين ما زالوا تحت الأنقاض، فإن العائلة لم تندم على موقفها الوطني، وإن جميع أبناء العائلة موحدون حول الموقف الذي عبّرت عنه، ولن يخونوا بلادهم أو مقاومتهم أو شعبهم مهما كانت التضحيات".

مليشيات جديدة

في مقابل تضحيات هذه العائلات لرفضها الخيانة، انخرطت عائلات أخرى في تشكيل مليشيات تعمل تحت توجيه الاحتلال، موزعة على مناطق مختلفة في القطاع.

 وكشف موقع أور فيالكوف العبري، نقلاً عن مصادر في  الشاباك، أن هناك 6 مليشيات تعمل تحت رعاية جيش الاحتلال، وهي مليشيا ياسر أبو شباب شرق رفح، ومليشيا حسام الأسطل شرق خان يونس جنوب القطاع.

وأشار الموقع أيضا إلى مليشيا رامي حلس شرق الشجاعية، ومليشيا أحمد جندية شرق الشجاعية، ومليشيا في شمال قطاع غزة بمنطقة القرية البدوية، ومليشيا في منطقة المستشفى الأردني جنوب غزة.

وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية 17 سبتمبر / أيلول 2025، إن شهادات جديدة كشفت أن جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام (الشاباك) ينسقان الآن مع مليشيات غزية منظمة في أدوار قتالية نشطة.

وأوضحت الصحيفة أن كل مليشيا تضم عشرات المسلحين، معظمهم ينتمون إلى عشائر معروفة في غزة، وعلى رأسها عائلة أبو شباب، وأضافت أن الجيش وسع خلال الأسابيع الأخيرة عمليات تجنيد المليشيات المحلية لتعمل بالتنسيق مع جنود إسرائيليين في الميدان.

وكشفت هآرتس أن مليشيا أبو شباب تتألف من 100 إلى 300 عنصر، وقد أقر مسؤولون إسرائيليون بتزويدها بالأسلحة كجزء من "عملية لتسليح الجماعات المحلية لمواجهة حماس".

ثم تبعتها مجموعات مسلحة جديدة في الشجاعية يرأسها رامي حلس، وفي خان يونس يرأسها ياسر حنيدق، حسب ما كشفت عنه صحيفة يديعوت أحرنوت 20 أيلول سبتمبر 2025.

ووفقًا للصحيفة، فإن مجموعتين مسلحتين جديدتين محسوبتين على حركة "فتح" تنشطان حاليًا في قطاع غزة بتنسيق ودعم مباشر من الجيش الإسرائيلي، بهدف العمل ضد حماس. 

تعمل إحدى المجموعتين في مدينة غزة، وتحديدًا في حي الشجاعية ويقودها رامي حلس، بينما تنشط الأخرى في مدينة خان يونس ويقودها ياسر حنيدق، وهما منطقتان تنتشر فيهما قوات الاحتلال بشكل مكثف حاليا.

وأشارت الصحيفة إلى أن مجموعتي ياسر حنيدق ورامي حلس تتلقيان السلاح والمساعدات من الاحتلال، ويعملان ضد حماس.

مهام قذرة

وفي حديث حصري لصحيفة "الاستقلال"، كشف مصدر أمني أن أمن المقاومة رصد خلال الأشهر الأخيرة توجهًا عميقًا وأساسيًا لدى الاحتلال لتشكيل أكبر عدد ممكن من المليشيات. 

وأوضح المصدر أن هذه المليشيات تركزت في شمال القطاع، تحديدًا في بيت لاهيا ومخيم جباليا، بالإضافة إلى مناطق مختلفة في مدينة غزة، بما في ذلك شرق المدينة وشمالها جنوبها. 

كما أشار إلى وجود مليشيات جديدة في مدينة خان يونس وفي الجانب الشرقي منها، فضلاً عن وجود مليشيات في مدينة رفح، ما يعكس إستراتيجية الاحتلال في محاولة نشر نفوذه من خلال إنشاء أذرع محلية متعددة داخل القطاع.

وأضاف المصدر الأمني أن الاحتلال قام تزود هذه المليشيات بأسلحة ومعدات متنوعة، شملت عربات دفع رباعي وكاميرات وعتاد كامل، بالإضافة إلى ما يلزمهم من مواد لتنفيذ مهامهم. 

وأوضح أن أنشطة هذه المليشيات تتنوع بين تفتيش المنازل، والبحث عن الأنفاق، وجمع المعلومات حول المقاومة، واختطاف مقاومين وكوادر، فضلاً عن بث الإشاعات وتنفيذ عمليات تهدف إلى زعزعة المجتمع وتغذية الخلافات المجتمعية. 

وتُشير هذه التجهيزات والمهام إلى أن الاحتلال يسعى عبر هذه المليشيات إلى تعزيز نفوذه والسيطرة على المدينة وتسهيل تنفيذ سياساته ضد السكان والمقاومة.

وشدد المصدر الأمني على أن هذه المليشيات تمثل المفتاح الأساسي للعمليات التي يقوم بها الاحتلال حتى داخل مدينة غزة.

 وأوضح أن المقاومة رصدت أن الاحتلال يزج بأعضاء هذه المليشيات في أكثر من 90% من المهام داخل المدينة، مستغنيًا بذلك عن جنوده لتجنب كمائن المقاومة واستهدافاتها، مستغلا ما وصفه بـ"أداء هذه المليشيات الرخيصة والخائنة" التي لا يهمها الموت أو الخطر. 

وأكد أن النشاط الأكبر لهذه المليشيات تم رصده في مناطق الصفطاوي، والزيتون، والشجاعية، وتل الهوى، حيث تعرضت في أكثر من عملية لاستهداف من قبل المقاومة، وكذلك تنفذ عمليات بتوجيه من الاحتلال في وسط المدينة، حسب المصدر.

وأشار المصدر إلى تطوّرٍ خطير شهدته الأشهر الماضية، تمثل في سياسة اختطاف المقاومين وتسليمهم لجيش الاحتلال. واصفًا التطور الأخطر بأنه شمل اختطاف نساء لاستخدامهنّ كوسيلة ضغط قذرة للنيل من المعتقلين أو انتزاع اعترافات خلال التحقيقات.

وحذر المصدر من عواقب حتمية في حال استمرار هذه الأفعال، مؤكّداً أن من يشاركون في هذه الجرائم "ينتظرهم مصير محتوم وانتقام مؤكد" وفق تعبيره.

وأوضح أن الاحتلال أنشأ مصادر اقتصادية لتغذية هذه المليشيات ذاتيًا، إذ اعتمدت على السرِقات وتجارة المخدرات وبعض أنواع التجارة، وشرع في تسليمها خيام النازحين المخصصة كمساعدات لبيعها بأسعار مرتفعة. 

وفي حالات أخرى مكنّها من دور تأمين المساعدات والبضائع، ما جلب لها مبالغ مالية ضخمة، بهدف منحها قدرة مالية على استقطاب عدد أكبر من المجرمين والعملاء وتوظيفهم في خدمة الاحتلال، وجعل هذه الأداة الرخيصة غير مكلفة ماديًا للحفاظ على استمراريتها.

لا مستقبل للخونة

واختتم المصدر الأمني حديثه قائلاً: "بالرغم من التمدد الكبير لهذه العصابات ودعم الاحتلال لها، إلا أنها تعرضت خلال الفترة الأخيرة لسلسلة ضخمة من العمليات، كانت نتيجتها مقتل العشرات منهم وإصابة أعداد كبيرة. 

"كما تمكنّا من تفكيك مليشيا شكّلها الاحتلال، واعتقلنا أعدادًا كبيرة منها، وحققنا معهم، ووصلنا أيضًا لأشخاص آخرين كانوا على تواصل وعلى صلة داخل مناطق وسط القطاع بعصابات مثل عصابة أبو شباب".

 "كذلك، نفذت المقاومة في مدينة غزة عمليات قاتلة بحقهم، ونعاملهم كما نعامل الاحتلال. لذلك، فإن هذه الظاهرة، رغم خطورتها الحالية، إلا أنها لا مستقبل لها، بفضل وعي شعبنا وعائلاته، وقوة مقاومتنا، والتفاف الشعب حول مقاومته."

من ناحية أخرى، عبر أمن المقاومة في غزة، في 28 سبتمبر/أيلول 2025، عن تقديره لموقف عائلة المختار بكر في غرب غزة، الذي رفض عروض الاحتلال بالبقاء في المنازل مقابل تحويل أبنائه إلى ميليشيا عميلة على غرار "أبو شباب". 

وذكرت منصة "الحارس" التابعة لأمن المقاومة أن هذا الموقف، الذي وصفته بالمشرف، "سجل كصفحة بيضاء في تاريخ العائلة الكريمة، حيث اختار المختار الكرامة والعزة، ورفض أن يُسجَّل اسم العائلة في سجل الخيانة، مفضّلًا مواجهة المغريات التي عرضها الاحتلال وتحمل كل الضغوط والتعب وافتراش الطرقات".

وفي السياق ذاته، شدد علاء الدين العكلوك، القيادي في التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية، 28/ سبتمبر أيلول 2025، على أن الاحتلال حاول استمالة العائلتين لتشكيل مليشيات تعمل تحت إمرته، لكن الرد كان حاسمًا: "لن نكون أدوات في يد الاحتلال ضد وطننا".

 وأوضح أن العائلات التي انجرف بعض أبنائها نحو التعاون "تبرأت منهم وعملت على عزلهم"، مشيدًا بمواقف الشعب الفلسطيني التي وصفها بأنها متجذرة في الأرض وراسخة في مسيرة النضال.

ومع تقدم المحادثات حول خطة ترامب، تشير مصادر في جهاز الشاباك إلى ضبابية مستقبل المليشيا المدعومة من إسرائيل في غزة، حسب ما كشفته صحيفة هآرتس في 6 أكتوبر / تشرين الأول 2025.

وتنقل ذات المصادر الأمنية خبر وجود اضطراب داخل مليشيا أبو شباب وخوف لدى عناصرها، بسبب لجوء بعض العناصر إلى الاستعانة بوساطات للتصالح مع حماس والحصول على العفو منها، فيما بات يهدد وجود المليشيا.

الكلمات المفتاحية