لعبة معقدة.. لماذا يطالب ترامب باستعادة قاعدة "باغرام" في أفغانستان؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور أربع سنوات على الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان، يعود اهتمام واشنطن من جديد إلى المواقع التي تركتها وراءها.

وفي قلب هذا الاهتمام المتجدد تبرز قاعدة "باغرام" الجوية، التي كانت يوما أكبر قاعدة عسكرية خارج الولايات المتحدة، وأصبحت اليوم رمزا لتراجع النفوذ الأميركي.

موقع إستراتيجي

وخلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في 18 سبتمبر/ أيلول 2025، صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مباشر أن حكومته “تعمل بجدية لاستعادة قاعدة باغرام”، مؤكدا أنها "سُلمت مجانا". 

وبعد يومين فقط، صعد لهجته عبر منصته “تروث سوشيال”؛ حيث وجه تهديدا صريحا مفاده أنه "في حال الرفض سيحدث أمر سيئ".

وبحسب صحيفة "إم كيه" الروسية، فإن “إدارة ترامب تضغط بقوة على حركة طالبان من أجل تسليم هذا الموقع الإستراتيجي لواشنطن”. 

ورأت أن “هذه التصريحات لا تعكس مجرد حنين إلى الماضي، بل ترتبط بحسابات إستراتيجية واقعية، أهمها تصاعد النفوذ الصيني في المنطقة، إلى جانب الرمزية العميقة التي تحملها القاعدة في الذاكرة العسكرية والسياسية الأميركية”.

جدير بالذكر أن قاعدة باغرام الجوية تقع على بعد خمسين كيلومترا شمال العاصمة كابل، وتضم مدرجين إسمنتيين ضخمين أحدهما بطول 3.6 كيلومترات والآخر 3 كيلومترات. 

وقالت الصحيفة الروسية عن القاعدة: إنها "تعد سجلا حيا لتاريخ التدخلات العسكرية للقوى العالمية في أفغانستان".

وأشارت إلى أن "الاتحاد السوفيتي أنشأها في خمسينيات القرن الماضي، لتكون بداية تورط البلاد في دوامة الحرب الباردة". 

وتابعت: "بعد دخول القوات السوفيتية عام 1979، تحولت القاعدة، على مدى عقد كامل، إلى أهم معاقل الاتحاد السوفيتي في المنطقة". 

وأردفت الصحيفة: "مع تغير موازين القوى، تعاقبت عليها سلطات مختلفة، من تحالف الشمال -تحالف سياسي ضم عددا من الفصائل الأفغانية، تشكل بعد سيطرة حركة طالبان عام 1996 على مدينة كابل- إلى حركة طالبان، ما عزز مكانتها الإستراتيجية".

وأكملت: "ومع وصول قوات الناتو عام 2001، تحولت باغرام إلى المركز الرئيس للوجود العسكري الأميركي، وبلغت ذروة أهميتها عام 2009 حين بلغ عدد قاطنيها نحو عشرة آلاف شخص". 

ولفتت الصحيفة إلى أن “باغرام لم تكن مجرد قاعدة عسكرية فحسب، إذ ضمت قوات ومقاتلات أميركية، وسجنا كبيرا ارتبطت بسمعته العديد من انتهاكات حقوق الإنسان". 

إضافة إلى "مستشفى حديث، بل وحتى مطاعم تابعة لسلاسل الوجبات السريعة الأميركية، في محاولة لخلق أجواء حياة طبيعية في قلب صراع دموي طويل الأمد".

النفوذ الصيني

وفي هذا السياق، يرى خبراء أن مساعي ترامب الحالية لاستعادة قاعدة باغرام تعود إلى سببين رئيسين.

الأول، وفق الصحيفة، "يتمثل في البعد الرمزي القوي؛ فالسيطرة على قاعدة بُنيت في الأصل على يد خصم جيوسياسي للولايات المتحدة -الاتحاد السوفيتي- كانت دائما تحمل لواشنطن دلالة أيديولوجية خاصة، تذكرها بانتصارها على روسيا في مواجهة امتدت عقودا".

وأضافت: "أما السبب الثاني، وهو الأهم، فيتعلق بتنامي النفوذ الصيني في آسيا الوسطى".

وأكملت: "فالطبيعة الجبلية الوعرة لأفغانستان لا تتيح أماكن كثيرة لنشر قدرات جوية ضخمة، ما يجعل قاعدة باغرام موردا نادرا وإستراتيجيا لا يقدر بثمن".

من جانبه، أكد الباحث في قضايا الأمن بمركز دراسات الصراع والسلام في كابل، حكمت الله أعظمي، أن "تغير أولويات الولايات المتحدة، التي باتت ترى في الصين التهديد الأكبر، أعاد لباغرام أهميتها، خصوصا لقربها الجغرافي من الحدود الصينية، حيث لا تفصلها عنها سوى نحو 800 كيلومتر".

ونوهت الصحيفة إلى أن “ترامب كرر في خطاباته هذا البعد الجغرافي”، مشددا على أن "القاعدة تقع على بُعد ساعة فقط من مواقع إنتاج السلاح النووي الصيني".

في المقابل، رد المسؤولون الصينيون على ذلك، حيث صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية، لين جيان: "يجب أن يقرر شعب أفغانستان مستقبله".

وشدد جيان على أن "إثارة التوتر وخلق مواجهات في المنطقة لن يكون أمرا مقبولا".

رفض قاطع

لكن، ورغم كل هذه التصريحات الصاخبة، تعتقد الصحيفة أن احتمالات عودة باغرام إلى السيطرة الأميركية ”تبدو ضئيلة للغاية في نظر الخبراء".

وعزت ذلك إلى أن "حركة طالبان التي تأسست أيديولوجيتها على مقاومة الاحتلال الأجنبي، ترفض رفضا قاطعا هذا السيناريو".

واستشهدت بتصريح نائب المتحدث باسم الحركة، حمد الله فطرت، الذي شدد فيه على أن "مطالب ترامب تتعارض بشكل مباشر مع اتفاق الدوحة الموقع عام 2020، والذي تعهدت بموجبه الولايات المتحدة باحترام وحدة أفغانستان وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".

علاوة على ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن "أي تنازل من طالبان في قضية القاعدة سيضعف من شرعيتها أمام أنصارها، وقد يؤدي إلى انقسامات داخلية في صفوف الحركة".

ولذلك، أكد كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية والمقيم في كابل، إبراهيم باهيس، أن "وجود قوات أجنبية على الأراضي الأفغانية يعد خطا أحمر بالنسبة لطالبان، ولن تسمح بتجاوزه تحت أي ظرف".

وفي ظل هذا المشهد المعقد، ترى الصحيفة أن "مطالبة ترامب باستعادة قاعدة باغرام قد لا تكون الهدف النهائي بحد ذاته، بل ورقة تفاوضية في إطار صفقة أوسع".

وتابعت: "فإدارة ترامب، المعروفة بنهجها غير المتوقع، قد تستخدم هذا الملف كورقة ضغط لانتزاع مكاسب أخرى".

وأشارت المديرة المشاركة لمركز دراسة الجماعات المسلحة، آشلي جاكسون، إلى أن "واشنطن ربما تطرح مطلب استعادة القاعدة في البداية، لتتراجع لاحقا نحو تسوية أقل، مثل استرجاع جزء من الترسانة العسكرية التي تركتها خلفها في أفغانستان وتقدر قيمتها بنحو سبعة مليارات دولار".

وبالنسبة لحركة طالبان، التي تسعى إلى نيل اعتراف دولي، تعتقد الصحيفة أن "مجرد الدخول في مفاوضات مع واشنطن يعد إنجازا في حد ذاته".

واختتمت قائلة: "وهكذا، تتحول قضية قاعدة باغرام إلى لعبة دبلوماسية معقدة، تتداخل فيها الرمزية مع الإستراتيجية والسياسة الواقعية، لتعيد تشكيل موازين القوى في منطقة آسيا الوسطى المضطربة".