مع تراجع هيمنة محور إيران.. ماذا ينتظر العراق من انتخابات 2025؟

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على مسافة شهر واحد عن إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، برزت العديد من التساؤلات الملحة بخصوص ما يميّز هذه العملية الانتخابية عن سابقاتها، وما الذي يمكن أن تنتجه من خارطة سياسية، خصوصا في ظل متغيرات كثيرة على الصعيدين المحلي والإقليمي.

الانتخابات المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، تأتي وسط تراجع كبيرة لمحور إيران في المنطقة، وغياب التوترات الأمنية في المدن السُنية، ومقاطعة التيار الصدري لها لأول مرة منذ عام 2005، إضافة إلى اعتمادها على البطاقة البايومترية حصرا.

"ميول للغرب"

وبخصوص مدى انعكاس هذه المتغيرات على الواقع السياسي في العراق، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي: إن "الجو العام في مجلس النواب الجديد سيكون متناغما مع الغرب، بمعنى صعود كتل نيابية بعيدة إلى حدّ ما عن التأثير الإيراني".

وقال المهداوي لـ"الاستقلال": إن "إيران ستقبل بتغيير في العراق لصالح أميركا نسبيا، لكن بشكل لا يمسّ كثيرا بنفوذها الاقتصادي والفكري والسياسي الحالي، إذ إنها ستتقبل فكرة حل نزع سلاح المليشيات مع بقائها سياسيا، وتوافق على هيكلة الحشد الشعبي ودمجه بالقوات النظامية".

ورأى الباحث أنّ "هذه الموافقات مقرونة بحجم الضغوط التي ستمارس على إيران، وأن عدم التجاوب ممكن يؤدي إلى تداعيات تضرها، وإذا حُسمت الأمور بالعراق لصالح بقاء هيمنتها الحالية، فإنها تدرك ما تستطيع واشنطن فعله في ظل حكومة أميركية تتبنى الصِّدام لتحقيق غاياتها".

وبحسب المهداوي، فإن "النائب الحالي والمكلف السابق برئاسة الحكومة العراقية، عدنان الزرفي، محتمل أن يكون رئيس الوزراء القادم، ولكن انحيازه الشديد إلى أميركا وعدم تمتعه بكتلة قوية تسانده تمثل نقطة ضعفه ما لم نتفاجأ بوضع يجري في الخفاء". 

ولفت إلى أن "حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق، يمثل حلا وسطا بالنسبة لحزب الدعوة الشيعي، وكذلك تيار الحكمة، حتى القوى السنية بشكل عام، لكن الأحزاب الكردية ستستجيب للطلب الأميركي، مع وجود احتمالية ظهور مفاجآت في الترشيح لهذا المنصب". 

أما عن غياب التيار الصدري لأول مرة ومدى تأثيره، قال المهداوي: إن "خطة الصدريين مازالت غير واضحة، لكنه غالبا سيشتري ولاءات نواب مرشحين على قوائم شيعية أخرى مقابل ترجيح فرصهم بالفوز بأصوات التيار".

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "التيار الصدري إذا أقدم على فعل هذه المناورة كونه حثَّ أتباعه على تحديث سجلاتهم الانتخابية حتى مع مقاطعة الانتخابات، فإنه سيكون بيضة القبان في حال دعم بأصواته صعود مرشحين، وكسب ولاء ٧٠ نائبا، ففي ذلك قلب للمعادلات".

في 15 يونيو/حزيران 2022، أعلن الصدر مقاطعة العملية السياسية "نهائيا" في البلاد، مؤكدا في الوقت نفسه عدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين".

وجاء ذلك خلال اجتماعه في النجف وقتها بنواب الكتلة الصدرية (73 نائبا) الذين قدموا استقالاتهم من البرلمان بعد ثمانية أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. 

"حسابات طائفية"

وعلى صعيد تغيير الأوزان البرلمانية المبنية على الأساس القومي والطائفي ومدى حصول تحولات جوهرية فيها، استبعد الباحث العراقي، إياد ثابت حصول تغيرات كبيرة في خارطة القوى؛ لأنه "ثمة مرشحون سنة في قوائم شيعية، وإذا حصلوا على أصوات ولم تمكنهم من الفوز بمقعد، فإن أصواتهم ستذهب لصالح القائمة".

وأضاف ثابت لـ"الاستقلال" أن "الحسابات الطائفية ستطغى في العملية الانتخابية، خصوصا من الطرف الشيعي، وأنه ربما قد تتغير أسماء قوائم وتظهر أخرى جديدة، لكن بالعمق للجميع ارتباطات مع إيران".

وتوقع الباحث أن "يبقى حجم الكتلة السنية بالبرلمان المقبل لن تتجاوز الـ 80 مقعدا، لأن الجمهور السني غير مقتنع بالعملية الانتخابية ولا يخرج بقوة للمشاركة، خصوصا في المحافظات المختلطة طائفيا وتحديدا ببغداد، كونهم يعتقدون أن إرادة خارجية تمنع أي شراكة حقيقية لهم في صناعة القرار السياسي والأمني بالبلد".

وفي السياق ذاته، أطلق زعيم تيار الحكمة الشيعي، عمار الحكيم، وَسْما على منصة "إكس" بعنوان "لا تضيعوها"، والذي فسره الكثيرون بأنه حثَّ جمهور الشيعة على المشاركة بالانتخابات البرلمانية وعدم التفريط بالسلطة التي تسلموها منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

وفسر هذه الدعوة، الناشط الشيعي القريب من الإطار التنسيقي، أحمد الذواق، أنها تحذير صريح بأن التجربة العراقية بعد 2003 تقف اليوم على حافة اختبار مصيري، وأن هذه الكلمة كشفت هشاشة خطاب الذين يسعون لإسقاط التجربة الديمقراطية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

وأضاف الذواق خلال تدوينة على "إكس" في 2 أكتوبر/ تشرين الثاني 2025، إنه "نحن نعيش أصعب ظرف أمني في المنطقة، والرهان على العزوف الشعبي أخطر من أي تهديد خارجي. إنها دعوة لحماية ما تحقق، وتثبيت أركان العراق الجديد، وصون صوته الوطني من محاولات الطمس والتشويه"، في إشارة إلى حثِّ الشيعة على المشاركة.

وفي نهاية شهر مايو، دعا رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية، زعيم التيار مقتدى الصدر إلى العودة عن قراره بالمقاطعة، وأن ‏يشارك في الانتخابات حفاظا على التوازن الطائفي في البرلمان‎.‎

وقبلها صرّح النائب الحالي عن "العزم" رعد الدهلكي، أن "الأحزاب السنية تطمح للحصول على 150 مقعدا نيابيا"، مؤكدا أنها "إذا ‏حصلتُ على الأغلبية، فمن حقي أن أطالب بمنصب رئيس الوزراء، وهذا استحقاق شعبي وليس هدية من أحد‎".

وأكّد الدهلكي خلال مقابلة تلفزيونية في 31 مايو، استقرار المحافظات السنية وغياب السلاح المنفلت فيها، ويرى أن "الفرصة مواتية الآن" ‏للسنة ليكون لهم صوت مؤثر في إدارة الدولة خلال المرحلة المقبلة.‏

"تغيّرات جذرية"

وبخصوص الظروف التي تجري فيها الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإنه تأتي في ظل تغيرات جذرية عصفت بالمنطقة وأعادت تشكيل خريطة القوى المهيمنة فيها، بينما جرت انتخابات عام 2005 في ظل فوضى أمنية منقطعة النظير، وفقا  لشبكة "نيريج" العراقية.

وذكر تقرير الشبكة في 30 مايو 2025، أن "الانتخابات اليوم تجرى في ظل تراجع واضح للنفوذ الإيراني في المنطقة والعراق، بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023 في غزة وسقوط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024، إضافة إلى تصاعد ضغط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على العراق لحلّ ملف المليشيات والنأي بالنفس عن إيران".

وأشار إلى أن الانتخابات تأتي هذا العام في جوّ أمني أفضل نسبيا من التجارب السابقة؛ إذ لم يشهد العراق أجواءً انتخابية مواتية أمنيا كما هو الحال عليه عام 2025.

وعن وضع الأحزاب، أكد التقرير أنه "بينما تشهد قواعد الأحزاب الشعبية حالات مدّ وجزر، يتميز التيار الصدري بثبات قاعدته وولائها القوي؛ حيث يلتزم أفراده بالمشاركة أو المقاطعة تبعا لتوجيهات زعيمهم مقتدى الصدر، في ظاهرة نادرة من الولاء السياسي".

رغم الانقسام الواضح بين القوى الشيعية، قد يعيد توحيدها الضغط الأميركي على إيران وظهور قوى سُنية جديدة في سوريا (حكومة الرئيس أحمد الشرع)، مع وجود خلافات بين حكومة السوداني، والإطار التنسيقي الشيعي الذي ينتقد أداءه، وفقا للتقرير.

أما بالنسبة للبيت الكردي، فإنه رغم ظهور أحزاب كردية معارضة علمانية وإسلامية، يبقى تمثيل الأكراد محصورا تقريبا في الحزبين التقليديين: الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل ودهوك وأجزاء من نينوى، والاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية وكركوك وأجزاء من ديالى.

من جانبه، يشهد الميدان السياسي السُني تشظيا وتغيّرا مستمرا، مع غياب وجوه قديمة مثل الحزب الإسلامي وطارق الهاشمي وآل النجيفي بعد 2014، وظهور قادة جدد مثل خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي بعد 2021.

وخلص تقرير الشبكة العراقية إلى أنّ "انتخابات تجري هذا العام في مناخ أمني وجيوسياسي مختلف، لكن أدوات الأحزاب وحظوظها لا تزال مألوفة. وحدها المفاجآت المقبلة قد تعيد رسم المشهد بالكامل".

وتجري الحملات الدعائية للانتخابات في العراق من خلال عرض المرشحين والكيانات لبرامجهم السياسية عبر وسائل الإعلام والساحات العامة، ويشهد هذا الاستحقاق تنافسا حادا بين 31 تحالفا، و38 حزبا، و75 قائمة منفردة، تتنافس جميعها لحجز مقاعدها في البرلمان ذي الـ329 مقعدا.

توزع المقاعد بين المرشحين الفائزين يجرى بناء على أعلى الأصوات الفردية التي حصلوا عليها، ضمن الكيانات الفائزة في الدائرة الانتخابية الواحدة (المحافظة)، وتذهب 25 بالمئة من المقاعد إلى النساء، فيما تحصل الأقليات أيضا على "كوتا" محددة تصل إلى نحو 10 مقاعد.