من الطرف اللبناني الذي يعرقل الإفراج عن الموقوفين السوريين ببيروت؟

"حل ملف الموقوفين سيقود لحل ملفات كثيرة وعلى رأسها تأمين الحدود"
ما يزال لبنان يتصلب في معالجة أوضاع المعتقلين السوريين في سجونه، على الرغم من سعي دمشق وبيروت لدفع العلاقات بينهما نحو الأمام عقب سقوط نظام بشار الأسد.
وكان يتوقع أن يتحرك هذا الملف بشكل أسرع بعد سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، لكنه ما زال يراوح مكانه، وسط انعقاد لجان وزيارات لوفود لبحث القضية.

ملف الموقوفين
وقال رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام: إن ملف الموقوفين السوريين "معقّد وشائك". مثنًيا في الوقت نفسه على عمل اللجان السورية اللبنانية من أجل الوصول لحلول مرتقبة في الملفات العالقة بين البلدين.
وأوضح سلام خلال لقاء وفد من جمعية "إعلاميون من أجل الحرية" في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2025 أن "بعض السجناء السوريين ارتكبوا جرائم وبالتالي تختلف آلية تسليمهم لسوريا عن معتقلي الرأي الآخرين داخل السجون اللبنانية".
وأشار إلى الحكومة اللبنانية ستواصل العمل مع دمشق لكشف حقيقة وجود لبنانيين في السجون السورية.
وذكر أن اللجان اللبنانية قدمت قائمة باللبنانيين الذين اغتيلوا في حقبة هيمنة نظام الأسد المخلوع من أجل تزويد لبنان بما تملكه سوريا من معلومات وأدلة عن تلك الاغتيالات.
وأكد سلام، حرص لبنان على أفضل العلاقات مع سوريا ووصف زيارته الأخيرة إلى دمشق (منتصف أبريل/نيسان) ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع بـ"الجيدة".
ويقبع السجناء السوريون في لبنان بسجن رومية شرق العاصمة بيروت ويقدر عددهم بنحو 2200.
وتختلف أنواع التهم الموجهة إليهم من المشاركة في الثورة السورية أو حتى لأسباب تتعلق باللجوء إلى لبنان.
وسمحت سطوة نظام الأسد البائد على لبنان آنذاك في الزجّ بهؤلاء في سجن رومية بعد أن جرى اعتقالهم على خلفية مشاركتهم بالثورة السورية.
وقد وثقت منظمات حقوقية مقتل نحو 29 مسجونا سوريا في سجن رومية، خلال السنوات السابقة؛ بسبب الإهمال الطبي بينهم سوري بقي يعاني من أمراض القلب لثلاثة أشهر قبل أن يموت داخل السجن.
وفي حادثة ليست بالجديدة، أقدم الشاب السوري محمد فواز الأشرف (40 عاما)، في 4 يوليو/تموز 2025 على إنهاء حياته شنقا داخل سجن رومية، وفقا لما أكّدته مصادر من داخل السجن.
كما توفي السوري أسامة محمود الجاعور (40 عاما) في سجن رومية بعيدا عن عائلته في 14 أغسطس/آب 2025.
وفي مؤشر على وجود مباحثات مكثفة بين دمشق وبيروت، وصل وفد سوري إلى لبنان، مطلع أكتوبر 2025 لمواصلة البحث في الملفات العالقة، والعمل على معالجة ملف الموقوفين، وضبط الحدود، وعودة اللاجئين السوريين.
وبحسب وسائل إعلام لبنانية، ضم الوفد السوري مسؤولين من وزارتي الخارجية والعدل، مشيرةً إلى أنّ النقاشات تجري في أجواء إيجابية، مع السعي لتذليل العديد من العقبات.
وأكد وزير العدل السوري مظهر الويس، في 22 سبتمبر/أيلول 2025، أن ملف المعتقلين السوريين في لبنان من القضايا الجوهرية التي تحظى باهتمام خاص من الحكومة السورية، نظراً لبعده الإنساني والوطني وارتباطه بحقوق المواطنين وظروف احتجازهم.
وقال الويس وفق ما نقلت الإخبارية السورية "إن وزارة العدل تتابع هذا الملف الحساس بشكل مباشر في إطار خطة وطنية شاملة تهدف إلى معالجته وفق القواعد القانونية المرعية".
كما سبق وأن أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في 19 مايو/أيار 2025 أنه بحث مع نواف سلام سبل تسريع إنهاء معاناة السجناء السوريين في سجن رومية اللبناني.
وأوضح الشيباني، حينها أنه توصل مع سلام إلى اتفاق على خطوات عملية بهذا الخصوص، مؤكدا حرص الحكومة السورية الكامل على إنهاء هذا الملف في أقرب وقت ممكن.

"رفع الصوت"
وأمام وجود عقبات لحل ملف الموقوفين السوريين في لبنان، فقد عمد هؤلاء إلى رفع صوتهم إعلاميا من داخل الزنازين؛ إذ أطلق الموقوفون السوريون بسجون لبنان في 8 سبتمبر 2025 وكالة إخبارية متخصصة تعمل على صناعة مواد إعلامية تتعلق بقضيتهم وتسلط الضوء عليها، وذلك بالتعاون مع فريق من الصحفيين المتطوعين، ومن خلال مجموعة من القوالب الصحفية المتنوعة.
وحملت الوكالة الإخبارية اسم SDNAL كاختصار لـ “وكالة أنباء الموقوفين السوريين في لبنان” أو Syrian Detainees News Agency in Lebanon.
وعرّفت عن نفسها عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي أنها “وكالة إعلامية متخصصة بإنتاج المحتوى الصحفي والإخباري المتعلق بالموقوفين السوريين في السجون اللبنانية”.
وأكّدت الوكالة في بيان صحفي أنها منصة “تعمل على إيصال صوت الموقوفين السوريين في لبنان لوسائل الإعلام بشكل مهني، بعيدا عن التضليل أو التهويل” مبينة أنها “تحكي قصصهم مباشرة من خلف القضبان، عبر شبكة من المصادر الخاصة”.
ونقلت قناة الإخبارية السورية عن المتحدث باسم السجناء السوريين في سجن رومية بلبنان عمر الأطرش قوله: "إن الموقوفين بحاجة إلى الإنصاف الإعلامي والحقوقي، ونأمل أن تمثّل هذه الوكالة الجديدة منبرا نزيها لمظلوميتهم من خلال الصحافة الموضوعية الرصينة".
وفي 16 أغسطس 2025 أكد الموقوفون السوريون في سجن رومية خلال بيان لهم رفضهم أي خطاب يهدد السلم الأهلي في لبنان، وعده خطابا لا يخدم قضيتهم العادلة والأخلاقية.
وأشار البيان إلى أن المعتقلين يرفضون استخدام قضيتهم العادلة كذريعة لخدمة الدعاية السياسية التي تمارسها بعض الأحزاب في لبنان لخدمة مصالحها وأجنداتها الخاصة.
وجاء بيان المعتقلين حينها على خلفية تداول عدد من الفيديوهات والبيانات التي تتضمن تهديدات بأعمال أمنية أو عسكرية تحت شعار حل قضية الموقوفين في سجن رومية، وبعد انتشار شائعات ووثائق اتصال أمنية مزورة أيضا تدعي نية أشخاص تنفيذ أعمال خطف واعتداء.
وخلال السنوات الماضية عمل عدد من المحامين على متابعة ملفات هؤلاء السجناء، وتخفيف الأحكام عليهم، إلا أن كل هذه الجهود لم تفلح في حل ملفهم.
وعقب سقوط نظام بشار الأسد، أكدت الإدارة السورية الجديدة على اعتبار ملف الموقوفين السوريين في لبنان، أولوية.
إلا أن هذا الملف بقي "شائكا" في نظر بيروت على الرغم من سيرها ودمشق نحو إعادة صياغة علاقاتهما من جديد ومحو آثار التدخلات من نظام الأسد البائد وأجهزته الأمنية في لبنان منذ ثمانينيات القرن العشرين.

"طرف مستفيد"
وضمن هذا السياق، قال الباحث الأمني السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان لـ "الاستقلال": إن ملف الموقوفين السوريين في لبنان ينبغي تقسيمه.
فهناك من عليهم قضايا جنائية، وهناك قضايا تتعلق بالنشاط الثوري في زمن نظام الأسد البائد؛ حيث جرت تلك التوقيفات في لبنان على خلفية الثورة السورية وملفات هؤلاء يجب ألا تكون شائكة. وفق تقديره.
وأضاف شعبان أن "هناك جهات لبنانية تعطل حل هذا الملف وقد يكون بحجة الاستفادة منه في ملفات أخرى عالقة بين لبنان وسوريا مثل قضية ترسيم الحدود بين البلدين".
وعدّ أن “السلطة اللبنانية كان بإمكانها عقب سقوط الأسد تسليم الموقوفين كافة إلى سوريا ومن عليه قضايا جنائية يتم متابعتها من قبل القضاء السوري”.
أو على الأقل تسليم الموقوفين على خلفية الثورة إلى الجانب السوري أو إنشاء لجنة قانونية قضائية مشتركة تتابع وضع من عليهم قضايا جنائية. وفق تقديره.
ورأى شعبان أن "هناك طرفا في لبنان مستفيد من تعثر حل ملف الموقوفين السوريين بل ويعمل على خلق عوائق وعقبات جديدة تأخر التوصل إلى اتفاق أو حل ينتج عنه بناء علاقة سورية لبنانية جديدة متينة".
واستدرك “أصابع الاتهام كلها تتجه إلى جهات مرتبطة بحزب الله؛ لأنه يعد أكبر المستفيدين من إبقاء العلاقة غير متينة بين الجانب السوري واللبناني”.
وخاصة أن الحزب المدعوم من إيران ما يزال ينشط على الحدود ويعمل على تهريب الأسلحة والمخدرات عبر سوريا. وفق شعبان.
وتابع أن "حل ملف الموقوفين سيقود حتما إلى حل ملفات كثيرة وعلى رأسها تأمين وترسيم الحدود ومسألة دخول وخروج للمواطنين إلى البلدين".
ورأى شعبان أن "حزب الله اللبناني ما يزال لديه القدرة على خلق الإشكاليات بين الحكومة اللبنانية وسوريا وإبقاء العلاقة معقدة؛ لأن هذا الحزب كيان لا يستطيع العمل إلا في بيئة غير متزنة".
وعقب سقوط نظام الأسد، دخل عشرات السجناء السوريين في رومية معركة إضراب عن الطعام في 11 فبراير/ شباط 2025 من أجل تحقيق مطلبهم في تسليمهم إلى الحكومة السورية الجديدة.
إلا أن هذا الإضراب فشل وانتهى بعد فقدان السجناء الأمل في أي تحرك رسمي لإنهاء معاناتهم.
وقد طالب حقوقيون سوريون ولبنانيون بتسريع حل ملف سجناء سجن رومية كونه إنسانيا بحتا، وتوفير العناية الطبية لهم بشكل عاجل، ونقل ملفهم إلى الحكومة السورية بشكل كامل.
وخاصة أن المحامين الذين زاروا السجن، بتكليف من أهالي المعتقلين لمتابعة ملفاتهم، قالوا: إن “رومية” نسخة مصغرة من سجن صيدنايا قرب دمشق الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ“المسلخ البشري” وقتل فيه الآلاف من السوريين تحت التعذيب على يد نظام الأسد.
المصادر
- نواف سلام: ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية معقد وشائك
- وزير العدل: ملف المعتقلين السوريين في لبنان يحظى باهتمام خاص من الحكومة
- لإيصال صوتهم ومعاناتهم.. الموقوفون السوريون في لبنان يطلقون وكالة أنباء مختصة بقضيتهم
- بيان لمعتقلي سجن رومية: نرفض أي خطاب يهدد السلم الأهلي
- وفاة أسامة الجاعور في سجن رومية.. من الثورة إلى العزلة