أميركا تضغط.. هل تقدم حكومة العراق على محاسبة الحشد الشعبي؟

يوسف العلي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة هي الثانية من نوعها خلال أسبوع واحد، تضغط الولايات المتحدة الأميركية بشكل صريح على الحكومة العراقية لاتخاذ إجراءات تجاه الحشد الشعبي والفصائل المنضوية فيه، لا سيما “كتائب حزب الله”.

وطالبت واشنطن بمحاسبة قادة كتائب حزب الله “من دون تأخير” في ضغوط مستمرة على حكومة محمد شياع السوداني، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات عن مدى إمكانية استجابة السلطات العراقية لها، خاصة أنها تستهدف أقوى الفصائل الشيعية الموالية لإيران.

حدثان متعاقبان

وجاءت تلك الدعوات على وقع اشتباكات مسلحة اندلعت في 27 يوليو/تموز 2025 بين القوات الأمنية، وعناصر من اللواءين "45" و"46" في الحشد الشعبي التابعين لـ"كتائب حزب الله".

وانتهت الاشتباكات بسقوط قتلين أحدهما مدني والآخر عسكري، وإصابة 15 عنصرا من الأمن، إضافة إلى اعتقال 14 من الفصيل المذكور.

وأتت على خلفية استبدال مدير عام إحدى دوائر وزارة الزراعة ببغداد، وينتمي إلى "كتائب حزب الله" بزعامة (أبو حسين) أحمد محسن المحمداوي، بشخصية أخرى تابعة إلى مليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي.

وأصدرت خلية الإعلام الأمني العراقية، بيانا أعلنت فيه تمكن القوات الأمنية من إلقاء القبض على 14 متهما، ولدى تدقيق هويات الملقى القبض عليهم تبين أنهم ينتمون إلى اللواءين المذكورين بالحشد الشعبي، وأحيلوا إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

وعلقت السفارة الأميركية ببغداد على الحادثة، بتعزية ذوي الضحايا “الذين قُتلوا على يد كتائب حزب الله" التي تمسك بقيادة الحشد الشعبي والمصنفة إرهابية من الولايات المتحدة. بحسب بيان على منصة "إكس" في 27 يوليو.

السفارة دعت في بيانها “الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات لتقديم هؤلاء الجناة وقادتهم إلى العدالة دون تأخير”، مبينة أن "المساءلة أمر أساسي للحفاظ على سيادة القانون ومنع تكرار أعمال العنف". 

وفي حادثة أخرى، أجرى وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، اتصالا هاتفيا مع السوداني، بشأن الهجمات الأخيرة على البنية التحتية للطاقة في إقليم كردستان، بما في ذلك تلك التي تديرها شركات أميركية.

"روبيو" شدد- وفق بيان نشرته السفارة الأميركية في 22 يوليو- على أهمية محاسبة الحكومة العراقية المتورطين ومنع وقوع هجمات مستقبلية، معبرا في الوقت نفسه عن مخاوف الولايات المتحدة بشأن مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي الذي ما يزال قيد المناقشة في البرلمان.

وشدَّد الوزير الأميركي على أن "تشريع هذ النوع من القوانين سيؤدي إلى ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق"، وفقا للبيان.

ومنذ مطلع يوليو وحتى يوم 27 من نفس الشهر 2025، يتعرّض إقليم كردستان إلى هجمات غير مسبوقة بطائرات مسيرة مفخخة تضرب مطارات وآبار نفطية، وسط اتهامات وجَّهتها أربيل إلى الحشد الشعبي، بالوقوف وراءها، واصفة موقف بغداد بـ"التستر" و "التهرّب" من المسؤولية.

ويُعد مشروع القانون الجديد الذي تطرق إليه روبيو، تعديلا لقانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016، ويهدف إلى دمج المليشيا ضمن المنظومة العسكرية الرسمية، مع منحه صلاحيات تنظيمية وأمنية واسعة.

ويقضي القانون بعَدّ الحشد الشعبي جزءا من القوات النظامية العراقية، ويرتبط مباشرة بالقائد العام، وهو ما ترفضه واشنطن؛ لأن “من شأنه أن يُرسخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة، مما يقوّض سيادة العراق”.

"دولة عاجزة"

وعن مدى إمكانية إقدام حكومة السوداني على محاسبة قادة "كتائب حزب الله" استجابة للطلب الأميركي، علق الباحث في الشأن العراقي، لؤي العزاوي، قائلا: "الأمر غير ممكن، بل إن عصب الوطنية سينتفض وسيهاجمون السفارة بحجة التدخل في الشأن الداخلي".

وأضاف العزاوي لـ"الاستقلال" أن "إلحاح الولايات المتحدة له نهاية، وبالتالي إذا لم تستجب الحكومة العراقية لها، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يعطي الضوء الأخضر لدولة أو طرف ما للتصرف، عبر استهداف الفصائل المسلحة".

ولفت إلى أن "الحشد الشعبي تقوده كتائب حزب الله منذ تشكيله وحتى اليوم؛ لأن رئيس أركانه والقائد الفعلي له، كان أبو مهدي المهندس (اغتالته واشنطن)، وهو مؤسس الكتائب في العراق، واليوم خلَفه في منصبه، عبد العزيز المحمداوي المعروف إعلاميا بأبو فدك".

وأردف العزاوي قائلا: "حين تطالب الولايات المتحدة بمحاسبة قادة الكتائب وترفض تمرير قانون الحشد في البرلمان العراقي، فإنها تقصدهم بالاسم وتؤكد أنهم مصنفون على لوائح الإرهاب لديها، وأنها ترفض أي خطوة حكومية أو برلمانية تمنحهم الصفة الرسمية".

لكن الباحث استبعد أن “تتدخل الولايات المتحدة عسكريا بشكل مباشر ضد المليشيات العراقية الموالية لإيران؛ لأن ترامب يختار دائما (في البداية) أي خيار غير عسكري لتحقيق ما يريد”. 

من جهته، حذر الخبير الأمني العراقي، أحمد الشريفي، من تداعيات حادثة الاشتباكات الأخيرة على تدويل الوضع في العراق وتدخل الولايات المتحدة لتوجيه ضربات جوية تستهدف قادة فصائل العراقية بعد عجز حكومة السوداني عن الالتزام بوعودها في حصر السلاح وإخضاع فصائل لنفوذها.

ونقلت شبكة "الساعة" العراقية في 28 يوليو عن الشريفي، قوله: إن “اقتحام أحد الفصائل المسلحة لمؤسسة حكومية واشتباكها مع القوات الأمنية المكلفة بإنفاذ القانون، يأتي في وقت حساس للغاية يتصاعد فيه الجدل بشأن سيطرة الدولة على الحشد”.

وأشار إلى أن "الرسالة التي أعقبت الحادثة كانت واضحة وتفيد بأن الفصائل لا تخضع لسلطة الدولة وهو ما يتفق مع موقف الإرادة الدولية".

وأوضح أن “العجز في الرد الحكومي يعطي إشارة واضحة للإرادة الدولية بأن حصر السلاح بيد الدولة هو شعار سياسي وإعلامي فقط، وأن السلطات عاجزة على تنفيذ الأمر”.

ونوَّه إلى أن "تلك الفصائل تستظل بالحشد الشعبي وتحاول استغلاله حال خروجها على القانون"، لافتا إلى أن "الحادثة وضعت الحكومة العراقية في موقف محرج أمام الرأي العام المحلي الذي ينتظر تنفيذها للدستور والقانون، وكذلك أمام المجتمع الدولي الذي يطالب بسيطرة الدولة على السلاح".

وخلص الشريفي إلى أن "استمرار الموقف العراقي الرسمي (الضبابي) تجاه السلاح المنفلت سيؤدي إلى طرح كل الاحتمالات من الجانب الدولي، والتي سيكون من بينها استهداف قادة الفصائل المسلحة في حال عجزت بغداد عن إخضاعها لسلطتها الفعلية".

"جمهورية موز"

ولاقت حادثة الصدام الأخيرة مع الأجهزة الأمنية، ردودا على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد علق الكاتب والمحلل السياسي العراقي، لقاء مكي، في 29 يوليو، قائلا: إنه "خلال بضعة أيام يكون الحشد الشعبي بطلا لحدثين مخزيين".

وأضاف مكي على إكس أن "الحادثة الأولى: مشاركة عناصر له تابعة لكتائب حزب الله في صراع على أراضٍ ثمينة في بغداد، تسببت في مواجهة مسلحة مع الشرطة وأسفرت عن مقتل ضابط ومدني وجرح آخرين".

وتابع: “الثانية: قيام أمن الحشد باختطاف محامية (زينب جواد) انتقدت إيران، وتسريب صور شخصية من هاتفها، الأمر الذي استدعى ردود فعل اجتماعية استنكرت هذا العمل اللا أخلاقي للحشد”.

في 29 يوليو كشفت المحامية والناشطة العراقية زينب جواد عن تعرضها للاختطاف والاحتجاز والابتزاز وتسريب صورها الخاصة من قبل عناصر تابعة لما أسمتهم "أمن الحشد الشعبي"، وذلك بعد وصولها إلى بغداد في 28 يونيو/حزيران 2025 قادمة من أربيل. 

ورأى مكي أن "الفضيحتين جاءتا في خضم جدل داخلي حول جدوى وجود الحشد الذي يمثل غطاء لفصائل مسلحة تعمل خارج الدولة، لكن ليس متوقعا حصول أي إجراء ذي مغزى لحل هذه الفصائل في الوقت الحالي".

وعزا الكاتب العراقي ذلك إلى أن "النظام السياسي أضعف من مواجهة قوى مسلحة، تشابكت معه بالمصالح والمصير، وهما اليوم كيان واحد، في جمهورية موز شرق أوسطية".

من جانبه، دعا الباحث العراقي المختص بالشؤون الأمنية، مهند سلوم، إلى "وضع آلية عراقية لحل جميع الفصائل المسلحة وعلى رأسها الحشد الشعبي وإعادة دمج عدد من أفرادها بالقطاع الأمني وآخرين في المؤسسات المدنية والخاصة".

وأضاف سلوم عبر تدوينة على "إكس" في 28 يوليو، أن ذلك يجري "من خلال خطة خمسية تتبناها الحكومة القادمة تُسن بقانون يصوت عليه البرلمان تهدف إلى استعادة الدولة لحق احتكارها للسلاح واستخدام القوة".

وشدَّد على أن "وجود مليشيات، الحشد الشعبي أو ما يسمى بفصائل المقاومة، أصبح خاصرة رخوة في جو جيوسياسي إقليمي ودولي معقد. العراق بحاجة إلى قيادة لديها رؤية وطنية وفهم معمق للتغيرات التي حدثت وتحدث في الإقليم والعالم". 

ورأى سلوم أن "ترك هذا الملف للزمن سيفضي إلى تعرض هذه الفصائل لضربات من الخارج، لأنه عندما تصف أميركا أي جماعة بالإرهابية فهذا يعني أنها ستستهدفها، إضافة إلى (إمكانية فرض) عقوبات اقتصادية على العراق يمكن أن تعيده إلى مربع الفوضى".

وأكد أنه "يمكن تجنب هذه الفوضى باتخاذ قرارات سيادية بطريقة مسيطر عليها وطنيا بلا دماء، وهذا القرار ليس استسلاما أمام التهديدات الأميركية، وإنما هو القرار الصحيح: يجب حل جميع الملشيات وحصر السلاح بيد الدولة".

ولخص النائب الشيعي المستقل في البرلمان العراقي، سجاد سالم، المشهد بالقول: "الأجهزة الأمنية العراقية تعيش حالة من الذعر والجُبن في الدفاع عن منتسبيها وتخشى كشف اسم العصابة التي اشتبكت معهم في منطقة الدورة (جنوب بغداد)".

وتابع سالم عبر تدوينة على "إكس" في 27 يوليو، بالقول: "العسكرية العراقية بتاريخها الحافل مُهانة ومنهزمة للأسف بسبب جُبن بعض قادتها وخشيتهم من عصابات بائسة ذليلة".