فضيحة إعلامية.. اندماج دموي بين منصة تدعم إبادة غزة مع شبكة أميركية كبرى

"الدعوات لإغلاق المؤسسة تتسع"
تتركز الأنظار على الصفقة المحتملة لبيع منصة "فري برس" (The Free Press)، الداعمة لإبادة غزة والتي تديرها الكاتبة الأميركية باري وايس، لشبكة "سي بي إس نيوز" (CBS News) بمقابل ما بين 200 و250 مليون دولار.
وتكشف هذه الخطوة عن ازدواجية المعايير في الإعلام الأميركي، حيث يُتغاضى عن ممارسات تفتقر للمهنية وتروج لمعلومات مضللة، طالما أنها تدعم إسرائيل في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، بحسب مجلة أميركية.
وقال الكاتب برانكو مارسيتش، في مقال نشرته مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت": "إليك مسألة ذهنية: هل يمكن أن توظف أي شبكة إخبارية كبرى شخصا يصف مقتل خمسين يهوديا -بينهم أطفال ومدنيون أبرياء- بأنه "ثمن لا مفر منه"، وخطوة لتحقيق حلم التحرر الفلسطيني؟"
ازدواجية معايير
وتساءل: "هل يمكن أن تعرض على منصتهم الإخبارية صفقة اندماج مع شبكة كبرى مقابل أكثر من 200 مليون دولار؟"
وأجاب: "بالطبع لا، ولأسباب وجيهة. لكن هذا بالضبط ما يحدث الآن، مع فارق واحد صغير لكنه جوهري، وهو أن "وايس" ومنصتها "The Free Press"، لم يكونا يتحدثان عن قتل حماس لإسرائيليين، بل عن قتل إسرائيل لخمسين فلسطينيا، حيث وصفت الأمر عام 2021 بأنه "تحقيق حلم الصهيونية إلى واقع تقرير المصير".
وأردف: "حاليا، تجري وايس مفاوضات لبيع المنصة لشبكة "CBS News" مقابل ما بين 200 و250 مليون دولار، بعد أن نجحت -وفقا لصحيفة فاينانشال تايمز- في كسب ود مالكها الجديد، ديفيد إليسون، من خلال تبني موقف داعم لإسرائيل".
وقال مارسيتش: "إذا حدث ذلك، فسيكون تطورا جديدا مهما يعكس ازدواجية المعايير المستمرة التي نشهدها منذ ما يقارب العامين، فـ "وايس" ومنصتها الإعلامية؛ حيث مارستا خطابا وسلوكا لا يمكن أن يمر في أي غرفة أخبار محترفة، لكنه يُعد مقبولا طالما أنه يدعم حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين".
فعلى سبيل المثال، دأبت منصتها على نشر معلومات مضللة. ففي مايو/أيار 2024، زعمت المنصة أن الأمم المتحدة "أقرت" بأن عدد القتلى المدنيين في غزة أقل بنسبة 50 بالمئة مما كان يُعلن.
وهو ادعاء ثبت سريعا أنه قراءة خاطئة -وربما متعمدة- لوثيقة أممية، سارعت الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى تصحيحه، وهي حقيقة تجاهلتها المنصة في تقريرها.
وبعد عام، وصفت المنصة القول بأن إسرائيل تتعمد التسبب في مجاعة داخل غزة بأنه "خرافة"، رغم أن إسرائيل كانت في شهرها الثالث من منع دخول الغذاء والوقود والدواء إلى القطاع، ورغم وفاة 57 مدنيا جوعا بالفعل، معظمهم من الأطفال.
وفي مقال نشر قبل أيام، زعمت المنصة بأنه "لا توجد مجاعة واسعة كما تصوّر دعاية حماس"، في تناقض صارخ مع الواقع، وشهادات الأطباء، وتقارير كبريات وسائل الإعلام التي يعمل مراسلوها على الأرض، وحتى مع استنتاج الرئيس دونالد ترامب، الداعم للحرب.
وفي يونيو/حزيران 2025، زعمت المنصة أنه لم تقع أي مجزرة بحق الفلسطينيين الذين كانوا يسعون للحصول على المساعدات، وأنه حتى لو حدثت، فقد تكون حركة حماس هي المسؤولة عنها.
لكن منذ ذلك الحين، لم يقتصر الأمر على اعتراف جنود إسرائيليين بإطلاق النار على طالبي المساعدات، بل بدأ متعاقدون أميركيون أيضا في سرد روايات مروعة تؤكد ما جرى.
هذه الحوادث باتت شبه يومية، حيث قُتل أكثر من ألف فلسطيني في غزة عند مواقع توزيع المساعدات أو بالقرب منها خلال الشهرين الماضيين.
وفي أواخر مايو/أيار، نشرت "The Free Press" مادة ترويجية لجهة تدير ما وُصف لاحقا بـ "المسالخ"، وهي "مؤسسة غزة الإنسانية"، وقدمتها كقصة نجاح غير مُقدّرة، رغم الجدل الواسع حينها حول اعتمادها على مرتزقة وافتقارها للاستقلالية.
وبعد شهرين من سفك الدماء، باتت الدعوات لإغلاق المؤسسة تتسع، إذ صرح موظف سابق فيها -وهو ضابط متقاعد في القوات الخاصة الأميركية- بأنه لم يشهد في حياته مثل هذه الوحشية والعنف العشوائي ضد "سكان عُزّل يتضورون جوعا" كما رآه في مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية.

دعاية صهيونية
وبحسب الكاتب، فإن جميع هذه المواد ما زالت منشورة على موقع "The Free Press" دون أي تصحيح، وهذه القائمة ليست سوى جزء من سجل أطول بكثير.
وعندما لا تنشر معلومات مضللة بشكل مباشر، تنخرط "The Free Press" في دعاية أكثر خبثا، وفق وصفه، إذ تتنقل، وفقا لضرورات العلاقات العامة في تلك اللحظة، بين تجاهل الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات غزة، أو إنكارها بغضب، أو تبريرها.
فعلى سبيل المثال، عندما تسبب انفجار في مستشفى الأهلي (مستشفى المعمداني) خلال الشهر الأول من الحرب بمقتل المئات وأثار موجة غضب عالمي، سارعت المنصة إلى تبني رواية تفيد بأنه ربما كان صاروخا طائشا أطلقته حماس.
وكررت المنصة هذه الرواية مرارا وتكرارا -حتى قبل يومين فقط من يوم كتابة المقال- متهمة الإعلام العالمي بتشويه صورة إسرائيل عبر نشر "أخبار كاذبة" عن جرائم لم ترتكبها قط.
ومنذ ذلك الحين، تجاهلت "The Free Press" تماما الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات، التي جرت في كثير من الأحيان بشكل علني وباعتراف كامل من الجيش الإسرائيلي.
والتي أدت إلى تضرر أو تدمير 94 بالمئة من مستشفيات غزة، بما في ذلك استهداف مستشفى المعمداني مرتين على الأقل هذا العام 2025.
وفي الواقع، انتقلت المنصة و"باري وايس" شخصيا بسرعة من إنكار إمكانية أن تُقدم إسرائيل على فعل كهذا، إلى تبرير استهداف المستشفيات بشكل علني.
وأضاف مارسيتش: "بطبيعة الحال، فإن الغالبية العظمى من جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة لا تتطرق إليها المنصة مطلقا على المنصة، وكذلك الحال بالنسبة لمعاناة الفلسطينيين بشكل عام، وأعداد القتلى الفلسطينيين الهائلة والمتزايدة"، مشيرا إلى أن مجموعة من الخبراء خلصت العام الماضي 2024 إلى أن عدد الفلسطينيين قلّ بمئات الآلاف.
وعادةً، لا تُناقش الصحيفة هذه المواضيع إلا لإنكارها والتعبير عن أسفها لتأثيرها السلبي على إسرائيل.
وأضاف الكاتب أن هناك "موضوعا آخر يكاد يكون غائبا تماما، وهو معاداة السامية، الاتهام الذي تخصصه "The Free Press" حصريا للمتظاهرين المناهضين للحرب، وحرم الجامعات، ونقابات المعلمين، والكاتب بيتر بينارت، وأيرلندا، وكل من يعبر عن موقف مؤيد للفلسطينيين".
"في حين تتجاهل تماما اتهامات معاداة السامية التي تُوجَّه لمناصري ترامب المعينين والمرشحين وحلفائه الذين يدعمون أيضا حرب إسرائيل".
وهذا يقودنا -بحسب الكاتب- إلى سلوك باري وايس نفسها، فلديها تاريخ شخصي من التلاعب بالحقائق، وما يمكن وصفه بـ "درجة عالية من قبول التعصب المعادي للعرب والإسلاموفوبيا".
وأفاد المقال بأن "وايس برزت لأول مرة بسبب جهودها لإقالة أساتذة مسلمين وعرب في جامعة كولومبيا، متهمة إياهم بالعنصرية".
لكن التحقيق الذي تلا ذلك لم يعثر على أي تصريحات من أعضاء هيئة التدريس يمكن تفسيرها على أنها معادية للسامية، وبعد ذلك، حاولت تضليل الجمهور عبر الادعاء بأنها لم تحاول أبدا إقالتهم.

كراهية المسلمين
وقال الكاتب: إن "موضوع كراهية المسلمين هو من المواضيع المفضلة لدى وايس، التي ألقت سابقا باللوم على تزايد معاداة السامية في أوروبا بسبب وجود المسلمين هناك، وحذَّرت من أن لدى اليهود الأوروبيين "أسبابا للقلق" بسبب ذلك.
وبعد أحداث 7 أكتوبر بقليل، شاركت بإعجاب مقالا من "The Free Press" كان حجته الرئيسة أن الاحتجاجات ضد حرب إسرائيل -التي وُصفت زورا بأنها تجمعات معادية للسامية تحتفل بالقتل الجماعي في الشوارع- كانت بسبب مهاجرين من دول الشرق الأوسط يمكن أن يكونوا إما "متقاعدين أرمن في الثمانين من العمر أو إرهابيين جهاديين يخططون لهجوم مثل 11 سبتمبر".
ونشرت المنصة لاحقا مقالا مليئا بالأغاليط يعد زيادة معاداة السامية في كندا سببه هجرة المسلمين.
في الوقت ذاته، روجت وايس كثيرا -غالبا من خلال منصتها- لـ "صديقتها" آيان حرسي علي، التي تؤمن بأننا "في حرب مع الإسلام"، ووصفته بأنه "عقيدة موت مدمرة وعدمية"، وأنه "لا يوجد إسلام معتدل"، وأنه يجب "هزيمته" و"سحقه"، بما في ذلك إغلاق جميع المدارس الإسلامية.
وأفاد بأنه منذ "الحرب العالمية على الإرهاب"، كانت "حرسي علي" من الأسماء المفضلة لدى مراكز الفكر المعادية للإسلام والناشطين المحافظين الجدد.
فقد كتبت أن "كل مسلم متدين" يوافق على الأقل على هجمات القاعدة في 11 سبتمبر، وألفت كتابا تزعم فيه أن هجرة المسلمين تهدد حقوق النساء في الغرب، جزئيا بسبب ما وصفته بشهية الرجال المسلمين الجامحة لممارسة العنف الجنسي.
بدورها، روّجت وايس بحماس لكتابات صديقتها، وقضت ساعة كاملة في جلسة أسئلة وأجوبة تمنح فيها "حرسي علي" مساحة مطلقة للحديث عن مخاطر الرجال المسلمين العاديين، دون أن تتحداها بأي سؤال أو معلومة.
وفي مناسبات أخرى، عبّرت وايس بإسهاب عن فخرها بارتباطها بـ "حرسي علي"، معتبرة أن مناصرتها بمثابة ميزان لفرز المواقف.
وقال مارسيتش: "لو عبّرت وايس أو روّجت لأي من هذه الآراء نفسها تجاه المهاجرين اليهود أو الديانة اليهودية، لوجدت نفسها على الأرجح في القوائم السوداء للإعلام الأميركي، لأسباب وجيهة. لكن، ولأن هذه الآراء موجّهة ضد المسلمين، فإنها تُكافأ بسخاء الآن".
وأضاف: "إن مجرّد تفكير شبكة كبرى مثل "CBS" في منح وايس ومنصتها مساحة أوسع، وغطاء شرعيا من التيار السائد، رغم سجلها في الترويج لخطاب معادٍ للمسلمين ونشر معلومات كاذبة دون تصحيح، لهو انعكاس مؤسف لتدهور معايير الصحافة".
وختم قائلا: "يبدو أن السبب الوحيد وراء ذلك هو أن أحد كبار التنفيذيين في المجال الإعلامي يضع دعم وايس لحروب إسرائيل فوق أي اعتبار، حتى فوق تاريخها المليء بالصحافة الرديئة".