لاري إليسون.. يد خفية تقود حرب واشنطن الرقمية لصالح المشروع الصهيوني

ارتبط اسم إليسون بتمويل مشروعات استيطانية إسرائيلية مثيرة للجدل
في زمن تتقاطع فيه التكنولوجيا بالسياسة، والمال بالنفوذ، يطل اسم لاري إليسون كأحد أكثر الوجوه إثارة للجدل في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا الأميركية.
الملياردير الأميركي ومؤسس شركة "أوراكل"، وأحد أكبر أثرياء العالم، لم يعد مجرد إمبراطور برمجيات، بل تحول إلى لاعب سياسي مهم، يقف عند نقطة التماس بين البيت الأبيض وتل أبيب.
فمن خلال دوره المحوري في صفقة الاستحواذ على "تيك توك" داخل الولايات المتحدة، يطرح إليسون نفسه بوصفه مهندسا لإعادة تشكيل الوعي الأميركي والعالمي.
فهو عراب مشروع يحمل بصمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويتناغم مع مصالح إسرائيل التي تعاني من عزلة دولية غير مسبوقة بسبب عدوانها على غزة.
فمن هو لاري إليسون؟ وكيف صعد إلى قمة وادي السيليكون؟ وما سر علاقته الوثيقة بترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ وكيف أصبح خادما لمصالح تل أبيب؟

إليسون و"تيك توك"
تقوم خطة الاستحواذ على منصة "تيك توك" التي يقودها إليسون، ويدفع بها ترامب، على إجبار الشركة الأم الصينية "بايتدانس" على التخلي عن حصتها المسيطرة، وفتح الطريق أمام تحالف من رجال الأعمال الأميركيين.
هذا التحالف يقوده إليسون، ويضم أسماء مثل مايكل ديل، رجل الأعمال الأميركي ومؤسس شركة "ديل تكنولوجيز"، إحدى أكبر شركات الحواسيب والتقنيات في العالم.
وأيضا قطب الإعلام اليهودي الأميركي وروبرت مردوخ، الذي يملك إمبراطورية إعلامية ضخمة تشمل شبكة "فوكس نيوز" وصحيفة "وول ستريت جورنال" و"ذا تايمز" البريطانية.
وفي هذا التصور، تلعب "أوراكل" المملوكة لإليسون دور العمود الفقري لـ “تيك توك”، المنصة التي يتجاوز عدد مستخدميها النشطين حول العالم قرابة مليار مستخدم شهريا، و170 مليون داخل الولايات المتحدة.
وستتحكم “أوراكل” في إدارة البنية التحتية، وتأمين الخوارزميات، والإشراف على تدفق المحتوى.
وقد أعلن ترامب في 25 سبتمبر/ أيلول 2025، توقيع أمر تنفيذي يؤكد أن الصفقة المقترحة تلبي متطلبات الأمن القومي الأميركي، بحسب ما أوردت وكالة رويترز البريطانية.
وتبلغ قيمة الصفقة نحو 14 مليار دولار، وتشمل مجموعة استثمارية بقيادة "أوراكل" إلى جانب صناديق مثل "سيلفر ليك" و"إم جي إكس".
ووفق التصور الجديد، سيجرى تقسيم المنصة إلى ثلاث وحدات، "تيك توك أميركا"، و"تيك توك الصين"، ونسخة ثالثة لبقية العالم.
ولم تكتمل الصفقة بعد، وتنتظر مراجعات قانونية معقدة في واشنطن وبكين، فيما تكمن أبعاد أعمق خلف خطاب الأمن القومي الذي يتبناه ترامب، بحجة حماية بيانات 170 مليون مستخدم أميركي.
فالمشروع ينسجم مع مسعى أوسع لإعادة هندسة المجال الرقمي والعالمي على نحو يخدم أولويات السياسة الأميركية الجديدة، ويعيد رسم حدود ما يعرض على شاشات المراهقين والشباب.
لكن البعد المهم في صفقة الاستحواذ، أن دخول إليسون على خط ملكية "تيك توك" يمنح إسرائيل، التي تواجه عزلة غير مسبوقة جراء العدوان على غزة واتهامات بارتكاب إبادة، نافذة جديدة للتأثير عبر أداة رقمية عابرة للحدود.
وبينما يصر المسؤولون الأميركيون على أن الصفقة مدفوعة حصرا بمخاوف أمنية، يرى مراقبون أن حضور إليسون، بما يحمله من خلفيات سياسية وشبكات دعم مرتبطة باللوبيات المؤيدة لإسرائيل يربط هذه العملية بإستراتيجية أوسع.
وهذه الإستراتيجية تكمن في تحويل "تيك توك" من ساحة مفتوحة للخطاب العالمي إلى منصة تخضع لإعادة برمجة تخدم مشروع واشنطن وحلفائها.

من إليسون؟
ولد لاري إليسون في 17 أغسطس/ آب 1944 بمدينة نيويورك، لأم يهودية غير متزوجة تدعى فلورنس سبلمان، بينما كان والده البيولوجي طيارا أميركيا من أصل إيطالي في فيلق الجو.
انتقل الرضيع، بعد إصابته بالتهاب رئوي وهو في عمر تسعة أشهر، إلى كنف خالته وزوجها اللذين تبنياه وربياه في حي ساوث شور بمدينة شيكاغو، أحد أحياء الطبقة المتوسطة آنذاك.
ولم يعرف إليسون والدته البيولوجية مجددا إلا حين بلغ الثامنة والأربعين من عمره.
نشأ في بيت يهودي إصلاحي اعتاد ارتياد الكنيس، لكنه ظل متشككا في المسائل الدينية منذ صغره، ورفض إقامة شعائر البار متسفاه (طقس يهودي يقام للفتى الذي يبلغ 13 عاما)، ليبدأ بعدها الانتظام في العبادة.
وقال لاحقا: "أرى نفسي متدينا بطريقة ما، لكنني لا أؤمن بالعقائد اليهودية تحديدا، أراها قصصا مثيرة للاهتمام أكثر من كونها حقائق إيمانية".
ويوضح أن تعاطفه مع إسرائيل لم يكن بدافع ديني، بل لإعجابه بما وصفه بروح الابتكار لدى الإسرائيليين، خصوصا في مجالات التكنولوجيا.
على صعيد التعليم، التحق بمدرسة ساوث شور الثانوية، ثم بجامعة إلينوي حيث درس الطب ونال لقب "طالب العلوم للعام".
لكن وفاة والدته بالتبني دفعته لترك الدراسة قبل الامتحانات النهائية في سنته الثانية.
عام 1966، انتقل إلى كاليفورنيا، والتحق لفصل واحد بجامعة شيكاغو، حيث درس الفيزياء والرياضيات، وهناك اكتشف للمرة الأولى عالم تصميم الحواسيب.
بعد ذلك استقر في بيركلي بولاية كاليفورنيا، وبدأ مسيرته المهنية كمبرمج لدى عدد من الشركات، فاتحا أولى صفحات رحلته إلى عالم التكنولوجيا والثراء.
إمبراطورية "أوراكل"
بدأت رحلة لاري إليسون المهنية عام 1973 في شركة الإلكترونيات "Ampex"، قبل أن ينتقل عام 1976 إلى شركة "Precision Instruments"، والتي أصبحت لاحقا "Omex"؛ حيث تولى منصب نائب الرئيس للبحث والتطوير.
وفي 1977، خطا إليسون خطوته الأكثر أهمية بتأسيس شركة مختبرات تطوير البرمجيات "SDL" مع شركاء آخرين، لتقديم خدمات برمجية للشركات.
وهناك بدأ العمل على مشروع طموح لتطوير برنامج لإدارة البيانات قائم على نظرية الكود العلائقي.
وسرعان ما حصلت الشركة على عقد مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) لتطوير قاعدة بيانات خاصة، لتتحول الفكرة إلى منتج تجاري كان الأول من نوعه في العالم.
وفي عام 1979 أطلقت الشركة أول نسخة من برنامجها تحت اسم "أوراكل" ليكون أقدم برنامج تجاري لإدارة قواعد البيانات.
وبعد تغيير اسمها إلى "Oracle Systems Corporation" في 1982، بدأت رحلة توسع هائلة، وبحلول عام 1987، أصبحت أوراكل أكبر شركة لإدارة قواعد البيانات في العالم.
وقد أسهمت موجة الإنترنت في التسعينيات بتعزيز مكانة الشركة، ومع مطلع الألفية الجديدة اعتمد إليسون إستراتيجية عدوانية تقوم على الاستحواذ على المنافسين.
وبناء عليه، نجحت أوراكل في ابتلاع شركات كبرى مثل "PeopleSoft" عام 2005، و"Siebel" في 2006، و"BEA" عام 2008، و"Sun Microsystems" في 2010.
وجعلها هذا التوسع لاعبا محوريا في سوق البرمجيات العالمي، وفي سبتمبر/أيلول 2014، أعلن إليسون استقالته من منصب الرئيس التنفيذي مع بقائه في الشركة كرئيس لمجلس الإدارة وكبير مسؤولي التقنية، محتفظا بدوره المركزي في رسم سياسات الشركة وتوجهاتها الإستراتيجية.

إلى قمة الأثرياء
خارج عالم البرمجيات، عاش إليسون حياة حافلة بالإنفاق على المشاريع الترفيهية والتجارية الكبرى.
ففي عام 2010 أسس فريقا فاز بكأس أميركا لسباقات اليخوت، واشترى في 2012 حوالي 98 بالمئة من جزيرة لاناي في هاواي، ليحولها إلى وجهة للنخبة العالمية.
كان يستقطب إلى الجزيرة ضيوفا بارزين مثل رجل الأعمال إيلون ماسك، والنجم السينمائي الأميركي توم كروز، وحتى نتنياهو، في صورة تعكس تزاوج المال بالنفوذ السياسي.
وفي عام 2012 قدرت ثروته بـ 40 مليار دولار، ما جعله حينها سادس أغنى شخص في العالم. لكن صعود أوراكل المستمر، خاصة قفزتها السوقية بين 2023 و2025، دفع ثروة إليسون إلى مستويات قياسية.
فقد ارتفعت القيمة السوقية للشركة من 289 مليار دولار عام 2023 إلى 592 مليار دولار في يونيو/ حزيران 2025، لتدخل نادي العشرة الكبار عالميا.
وبحسب مؤشر وكالة "بلومبيرغ" الأميركية للمليارديرات، وصلت ثروة إليسون في أغسطس/ آب 2025 إلى 251 مليار دولار. وبذلك أصبح ثاني أغنى رجل في العالم بعد أن زادت ثروته 59 مليار دولار منذ بداية العام المذكور وحده.
وفي الآونة الأخيرة لم يكتف إليسون بتوسيع نفوذ "أوراكل" في أسواق البرمجيات، بل أصبح جزءا من مشروع ضخم للبنية التحتية في مجال الذكاء الاصطناعي.
والمشروع الذي عرف باسم "ستارغيت"، وروج له ترامب شخصيا مطلع عام 2025. تقدر قيمته بـ 500 مليار دولار.
ومن هنا، يسعى إليسون إلى مد نفوذه نحو قطاع الإعلام والترفيه، مع خطط للاستحواذ على مؤسسات عملاقة مثل "باراماونت"، المالكة لقنوات "سي بي إس" و"سي إن إن" و"إتش بي أو".
وإذا تمكن من إنجاز هذه الخطوة، فسيصبح إليسون أحد أقوى الرجال تأثيرا في صناعة الإعلام الأميركية.
كما يعلن صراحة أن الخصوصية لا تمثل عائقا أمام طموحاته الكبرى، فهو يسعى لدمج آلاف قواعد البيانات في مستودع ضخم يغذي أنظمة الذكاء الاصطناعي، في خطوة تثير مخاوف المدافعين عن حرية التعبير.
ويرى كثيرون أن ما يفعله إليسون اليوم قد يعيد تشكيل تدفق المعلومات عالميا، تماما كما فعل روبرت مردوخ قبل عقود حين أسس "فوكس نيوز" وغير المشهد الإعلامي الأميركي.

إليسون وإسرائيل
ولا يقتصر دعم لاري إليسون لإسرائيل على المواقف العلنية أو التصريحات السياسية، بل يمتد إلى مبادرات مالية مباشرة تعكس حجم التزامه بالمشروع الصهيوني.
ففي عام 2007، قدم نصف مليون دولار لتعزيز تحصينات مركز مجتمعي في مستوطنة "سديروت" بعد أن تبين افتقار المبنى للحماية من صواريخ المقاومة الفلسطينية أو "حزب الله" اللبناني.
وبعدها بسنوات، وتحديدا عام 2014، تبرع بعشرة ملايين دولار لجمعية "أصدقاء الجيش الإسرائيلي"، قبل أن يقدم في 2017 أكبر تبرع فردي بتاريخ المنظمة ذاتها، بلغ نحو 16.6 مليون دولار خلال حفلها السنوي في لوس أنجلوس.
لم يتوقف حضوره عند هذا الحد، فقد ارتبط اسمه بتمويل مشروعات استيطانية مثيرة للجدل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واجهت انتقادات حادة من الفلسطينيين وناشطي سلام إسرائيليين وحتى علماء آثار.
وقد بلغ الأمر حد مقاضاته، إذ رفعت مجموعة من الفلسطينيين والفلسطينيين الأميركيين، بقيادة الناشط باسم التميمي، دعوى قضائية جماعية عام 2016 عرفت باسم "Al-Tamimi et al v. Adelson et al"، مطالبين بتعويض قدره 34.5 مليارات دولار.
شملت الدعوى أسماء بارزة من أبرز الداعمين للمستوطنات الإسرائيلية مثل لاري إليسون، واتهمتهم بالتآمر على تهجير الفلسطينيين والمشاركة في جرائم حرب.
ورغم أن الدعوى رفضت في بداياتها، فإن محكمة الاستئناف الأميركية في واشنطن أعادت إحيائها عام 2019، ما أبقى الجدل مفتوحا حول دور إليسون في تمويل الاستيطان.
وزادت علاقة إليسون الشخصية بنتنياهو من حدة الانتقادات الموجهة إليه، فقد وصلت إلى درجة ممارسة الملياردير الأميركي ضغوطا على رجل الأعمال الإسرائيلي أرنون ميلشان لإقالة محامٍ معين.
وهو ما كان سيتيح لنتنياهو اختيار محام آخر في واحدة من قضايا الفساد التي يواجهها رئيس الوزراء داخل إسرائيل.
بهذا، لا يظهر إليسون فقط كرجل أعمال عالمي الثروة والنفوذ، بل كأحد أبرز الداعمين الماليين لمشروع الاحتلال الإسرائيلي، مسخرا أمواله وشبكاته في خدمة أجندة سياسية تتجاوز حدود التكنولوجيا والاقتصاد إلى قلب الصراع في الشرق الأوسط
المصادر
- Trump signs order declaring TikTok sale ready and values it at $14 billion
- Palestinian American Lawsuit Targets Philanthropists, Corporations Backing Israel Settlements
- TikTok's recommendations skewed towards Republican content during the 2024 U.S. presidential race
- لاري إليسون.. إمبراطور برمجيات يسعى لإعادة تشكيل الوعي الأميركي
- "إيكونوميست": إسرائيل ملعب خلفي لحيتان المال اليهود في العالم لتبييض الأموال
- US officials attend opening at controversial Jerusalem dig
- Netanyahu on vacation at island owned by Larry Ellison, a witness in graft trial
- Larry Ellison Offers Netanyahu Lucrative Oracle Post