عودة باسم يوسف للشاشة بمصر.. مكايدة في إسرائيل أم استعادة بريق السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٧ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في لجوء جديد إلى "المركونين على الرف" من الإعلاميين المستبعدين وأصحاب الصوت العالي، أعادت "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" في مصر المذيع باسم يوسف بعد 11 عامًا من وقف برنامجه.

"المتحدة" التابعة للمخابرات المصرية، سيقدم "يوسف" من خلالها فقرة تلفزيونية تستهدف إسرائيل، من مقره في أميركا، وسط تأكيدات إعلامية أنه محظور عليه التطرق لأوضاع مصر والنظام برئاسة عبد الفتاح السيسي.

العودة للإعلام المصري أكدها باسم يوسف عبر حساباته على مواقع التواصل، وقال إعلاميون: إن الهدف منها هو استغلال شهرته ومنازلاته الإعلامية الشهيرة مع الإسرائيليين في الفضائيات الغربية، نصرة لفلسطين.

وأكدوا أنها نوع من المكايدة لتل أبيب التي توترت علاقات القاهرة بها بسبب حرب الإبادة المستمرة في غزة منذ عامين.

قصة العودة

وقبل الاستعانة به مجددا، أوقفت القاهرة، قبل انتخابات الرئاسة مايو/أيار 2014 التي فاز بها السيسي، برنامج "البرنامج"، والذي كان يقدمه يوسف ووقتها يذاع على قناة "MBC مصر" السعودية.

وقال "يوسف": إن "المناخ الذي تحياه مصر الآن غير مناسب لوجود نوعية البرامج الساخرة التي أقدمها، وأعلن عن وقف برنامجي؛ لأنني تعبت من المعافرة (الدخول في مشكلات) من أجل استمرار بقائه".

وبعدما أعلن توقف برنامجه بشكل نهائي في الثاني من يونيو/حزيران 2014، قال: إنه قرر عدم الحديث في السياسة مرة أخرى حال تقديمه برامج أخرى.

وبين وقتها أنه سيكتفي بالحديث عن السياسة في مقالاته الصحفية ببعض الصحف، ثم غادر مصر إلى أميركا.

وحاول باسم يوسف الربط بين منع برنامجه من الظهور والسيسي، مستعينا ببعض عباراته، قائلا: إنه سيدشن هاشتاج باسم "يحيا البرنامج" عقب الإعلان عن عدم عودته، في إشارة لشعار رئيس النظام الانتخابي وقتها "تحيا مصر".

وقال "باسم" ردا على من طالبوه بعودة البرنامج: "أنا مش قادر أديك"، في إشارة لنفس العبارة التي استخدمها السيسي ردا على الإعلاميين، وهو يعلن مبكرا عن عجزه عن تحسين أحوال المصريين الاقتصادية.

وأوضح السيسي في حوار مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسى في برنامج "الطريق إلى الاتحادية"، مايو 2014، قبل الانتخابات الرئاسية، عن الاحتجاجات الفئوية: "أنت مش محتاج تقولي هات.. أنا لو أقدر أديك هديك بس أنا مش قادر.. هتاكلوا مصر يعني".

وكان أول من كشف استعانة مصر بـ "يوسف" إعلاميا، هو المذيع محمد علي خير الذي كان يعمل، حتى فبراير/شباط 2025، في قناة CBC، التابعة للشركة المتحدة، مؤكدا أنه سيقدم "فقرة في برنامج".

وأوضح أن عقده مع شركة المخابرات سيكون بمقابل 22 مليون جنيه مصري شهريا (أقل قليلا من نصف مليون دولار)، وبإجمالي عقد سنوي 264 مليون جنيه (أكثر قليلا من خمسة ملايين دولار).

وبين أنه جرى الاتفاق على أن تكون إطلالة يوسف متعلقة بالشأن الفلسطيني، دون تدخل في الشأن المصري الداخلي.

وقد أكد يوسف قصة تعاقده مع الشركة المتحدة وظهوره "ضيفا" في برنامج المذيع أحمد سالم على قناة "ON"، يوم 7 أكتوبر 2025، ذكرى انطلاق عملية طوفان الأقصى، من مقره في لوس أنجلوس، ولكنه سخر من أنباء تقاضيه 33 مليون جنيه.

كما أكدت "الشركة المتحدة" وقناة "ON" أنها ستضيف باسم يوسف في سلسلة حوارات عبر برنامج "كلمة أخيرة"، وذلك "في سلسلة حلقات خاصة"، وحاولت تبرير ظهوره بـ "تقديم محتوى نوعي يجمع بين الجرأة والمصداقية".

ما الهدف الحقيقي؟

وتراجع الإعلام المصري أخيرا مع غياب التنوع أو الآراء المختلفة فيه واعتماده على التلقين عبر تعليمات ما اصطلح على تسميته "إعلام سامسونج"، ليترتب على ذلك خسائر باهظة للشركة المتحدة وفساد.

وبعدها، عين السيسي رئيسا جديدا للشركة هو "طارق نور" إمبراطور الإعلان، وتم طرح خطط لتطوير الإعلام.

وكلف السيسي، أغسطس 2025، الهيئة الوطنية للإعلام بتطوير هذا القطاع وقال صحفيون وإعلاميون: إن الهدف هو السماح ببعض التنوع.

وفي هذا السياق جرى إعادة مذيعين موقوفين مثل محمود سعد ولميس الحديدي وأخيرا باسم يوسف للواجهة.

وقد شرح الإعلامي أحمد سالم، مقدم برنامج كلمة أخيرة على شاشة أون الفضائية، الهدف من عودة باسم يوسف إلى الشاشات المصرية بأنه "مثابة جرعة جديدة من التنوع والمحتوى المختلف".

أكد لموقع "مصراوي، 27 سبتمبر/أيلول 2025، أن "الفكرة جاءت من الرغبة في طرح جميع الآراء من خلال المنصات المختلفة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من أجل استيعاب واحتواء جميع الآراء"، وهو هدف التطوير المعلن.

ويقول إعلامي كان يعمل في قنوات "المتحدة للإعلام": إن عودة باسم يوسف، مجرد ديكور لإظهار أن هناك تطويرا في الإعلام المصري وانفتاحا نسبيا على الأصوات المعارضة؛ لأنه سبق أن هاجم السيسي وهو في أميركا وسخر منه.

وأوضح لـ "الاستقلال" أن الحديث لا يدور عن برنامج كامل ساخر ليوسف كما كان يفعل سابقا، وإنما ظهور سيتم التحكم فيه عبر المونتاج، ومن خلال فقرة في برنامج، بهدف إعطاء انطباع أن هناك تغييرا في قنوات "المتحدة" وجذب الجمهور.

وأشار إلى أن باسم يوسف لمع نجمه مجددا في الدفاع عن غزة، في حواراته ولقاءاته مع عدة فضائيات غربية ومذيعين أجانب، وتحول لصوت قوي مسموع ضد إسرائيل.

 لذا جرت الاستعانة به لزيادة الزخم ضد إسرائيل وإرضاء المصريين الغاضبين على حصار غزة.

وبحسب المصادر الإعلامية، وما أكده "يوسف" عبر مواقع التواصل، فإنه لن يعود للقاهرة وإنما سيتواصل مع البرنامج عبر الإنترنت من لوس أنجلوس وسيكون ظهوره متقطعا عبر حلقات محدودة يظهر فيها كضيف لا مذيع.

كما لفتت إلى أن المفاوضات تركزت على القضايا التي سيطرحها يوسف، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي دافع عنها بقوة خلال العامين الماضيين عبر ظهوره في كبرى القنوات الأميركية والأوروبية.

وقد نقل موقع "القاهرة 24"، القريب من السلطات المصرية عن "مصدر مسؤول"، 27 سبتمبر 2025 أن الهدف من استضافته يكمن في "قيمة باسم يوسف وتأثيره العالمي"، ونفى ما يتردّد عن أنه سيحصل على 22 مليون جنيه شهريا.

وقال: إن "الاستفادة الحقيقية من انضمام باسم يوسف لا تتوقف عند الجانب المادي، وإنما تكمن في كونه إعلاميا له حضور وتأثير عالمي، وعودته عبر شاشة مصرية تعكس توجهًا مهمًا لفكرة الرأي والرأي الآخر، وفتح مساحات أوسع للنقاش العام".

لكن مؤثرين وناشطين مصريين، نفوا أن تكون الاستعانة بـ "باسم يوسف" جزء مما يسمى "انفتاح إعلامي"، مؤكدين أن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك.

وبينوا أن الانفتاح الحقيقي يعني فتح المجال أمام الجميع، من مختلف الاتجاهات، وترك الجمهور يختار من يشاهد، لا فرض أسماء بعينها تحت لافتة التعددية.

ونصح الإعلامي محمد علي خير المسؤولين في مصر أن يسمحوا لباسم يوسف أن يعود كما كان عبر برنامجه لأن هذا سيحقق لهم جماهيرية يفتقدونها وإلا فسيفقدون ما ينفقونه عليه من أموال، مؤكدا أن الجمهور المصري لا يحتاج لمن يحدث عن قضية فلسطين؛ لأنه يحفظها.

في المقابل، هاجم موالون للنظام المصري الاستعانة بيوسف أو غيره من المعارضين محذرين من عودة من دعموا الإخوان المسلمين وهاجموا الجيش.

لماذا باسم يوسف؟

واستطاع باسم يوسف خلال فترة غيابه عن مصر أن يرسخ حضوره على الساحة الدولية، مستثمرا إتقانه للغة الإنجليزية وخبرته الإعلامية للدفاع عن القضية الفلسطينية وإيصال صوتها إلى منصات عالمية كبرى. 

ويأتي ظهوره في إطار تغطية القضية الفلسطينية التي يحتل باسم يوسف دورا كبيرا ومهما في تصديه له، وقيامه بمواجهة إسرائيليين ومؤيدين للدولة العبرية في برامج أميركية وأوروبية شهيرة والانتصار للرواية الفلسطينية.

وسبق أن كشف "يوسف" تفاصيل مشاركته مع المجموعة الشهيرة التي تُعرف بمحتواها الموجه لشريحة Frat Boys "فرات بويز"، وهم شباب الجامعات في أميركا ممن ينجذبون لأسلوب الحياة الصاخب المليء بالحفلات.

وأوضح، عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن ظهوره لم يكن بدافع الإعجاب أو القرب من هذا النوع من المحتوى، بل نتيجة رغبة حقيقية في تفكيك سردية الدعاية الإسرائيلية الموجهة عبر المؤثرين العالميين.

وذلك بعد أن لاحظ تورط المجموعة في حملات دعائية لصالح إسرائيل، بما في عقدهم لقاء مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وأكد باسم يوسف أنه رفض الهجوم المباشر عليهم، وفضل الظهور في البرنامج لتقديم وجهة نظره بهدوء، وشرح لهم خطورة التورط في دعم نظام احتلال مثل إسرائيل.

وأشار إلى أن ما يحدث الآن من تحول في الرأي العام، لدرجة أن دعم إسرائيل – لا فلسطين- قد يُهدد مستقبل بعض المؤثرين، هو أمر جديد وغير مسبوق في أميركا.

ونبَّه يوسف إلى أن "إسرائيل بتصرف صرف رهيب في موضوع المؤثرين العالميين سواء شباب زي دول أو رياضيين مثل بطل الملاكمة السابق فلويد مايويذر ونجوم ومشاهير كثير"، بهدف دعم سرديتها في العالم.

وكان لافتا حرص نتنياهو على لقاء مؤثرين على مواقع التواصل خلال زيارته أميركا لإلقاء خطابه في الأمم المتحدة ولقاء الرئيس دونالد ترامب.

كما أكد نتنياهو أن "منصات التواصل سلاح بيد إسرائيل لضمان نفوذها"، ودعمها في الولايات المتحدة، وسط تصاعد الإدانات الدولية للإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وخلال اجتماعه مع المؤثرين الأميركيين في القنصلية العامة لإسرائيل بنيويورك 26 سبتمبر/أيلول 2025، ظهر في مقطع فيديو يصف فيه وسائل التواصل الاجتماعي بأنها "السلاح الأهم… لضمان قاعدتنا في الولايات المتحدة". 

نتنياهو المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أخبر المؤثرين الأميركيين أن عليهم أن يركزوا على تيك توك بصفته "السلاح الأهم" في المعركة لتأمين قاعدة إسرائيل لدى اليمين الأميركي.

وقال: "الأسلحة تتغير بمرور الوقت.. ولكن أهمها على منصات التواصل الاجتماعي"، ودعاهم للتأثير أيضا عبر منصة إكس التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك الذي وصفه بأنه "ليس عدوًا" لإسرائيل ويجب التواصل معه.

وزعم نتنياهو أنه إذا ما أمكن تأمين النفوذ على "تيك توك" و"إكس"، فإن إسرائيل "ستكسب الكثير".

وتزامنت تصريحات نتنياهو مع توقيع الرئيس الأميركي 26 سبتمبر 2025، أمراً تنفيذياً بشأن صفقة تنقل عمليات "تيك توك" في الولايات المتحدة إلى اتحاد شركات أميركي، يضم ثلاثة من اليهود وهم أصحاب شركة أوراكل، ومايكل ديل، وروبرت مردوخ. 

وقد كشف موقع "تروث أوت" Truthout، في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024، أن لاري إليسون مالك شركة "أوراكل" من كبار المانحين العسكريين وداعمي الجيش الإسرائيلي.

كما أنه من أبرز المتبرعين لإسرائيل والقضايا اليهودية، وأسهم في تقديم دعم كبير بملايين الدولارات لجمعية "أصدقاء الجيش الإسرائيلي" FIDF.

أما "مايكل ديل" مالك شركة Dell Technologies، وهي شركة يهودية أميركية، فقد ضخّ استثمارات ضخمة بإسرائيل في الحوسبة والأمن السيبراني وفازت شركته بعقود مع وزارة الحرب الإسرائيلية لتوريد خوادم ومعدات تكنولوجية عسكرية.

ويعد روبرت مردوخ وابنه لاكلان مردوخ اللذان يملكان شبكة فوكس نيوز اليمينية من الداعمين بقوة لإسرائيل، ويمتلكان مجموعة "نيوز كورب" الإعلامية، وصحيفة "نيويورك بوست" التي اعتادت مهاجمة المؤيدين لفلسطين وتلميع صورة جيش الاحتلال.