مبادرة أميركية لاستعادة الديمقراطية في تونس.. هل تنجح في إقصاء قيس سعيد؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

حالة التقهقر السياسي والديمقراطي في تونس لم تعد محل نظر وانتقاد محلي فقط، بل توالت دعوات دولية لاستعادة الديمقراطية والحريات في البلاد، آخرها ما صدر عن سياسيين أميركيين.

وتعيش تونس على وقع جدل صاخب بشأن المبادرة البرلمانية الأميركية "لاستعادة الديمقراطية"، تقدم بها النائبان عن الحزبين، الجمهوري، جو.ولسون، والديمقراطي، جي.يلسون كرو، في الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول 2025.

المبادرة المقدمة إلى رئاسة مجلس النواب الأميركي، من المنتظر إحالتها على لجنتي العلاقات الخارجية والقضائية لمناقشتها، تمهيدا لإقرارها وعرضها على جلسة عامة، قبل إحالتها لاحقا إلى مجلس الشيوخ، ومن ثم وضعها على مكتب الرئيس دونالد ترامب، من أجل التوقيع عليها.

انتهاكات مسجلة

وانطلقت المبادرة من أن حكومة الرئيس التونسي قيس سعيد، "حكومة استبدادية، تنتهك حقوق الإنسان، وتقوم بأعمال مخالفة للدستور".

وهي تدعو- تبعا لذلك- إلى استعادة الديمقراطية وإجراء انتخابات وفقا لدستور 2014، الذي ألغاه سعيّد واستبدله بدستور خطه بيديه.

وإذا ما تم إقرار مشروع القرار هذا، ستخضع تونس لعقوبات تستمر لـ4 سنوات، تتضمن "تدابير قاسية"، كما وصفتها قناة "فرنسا 24" في 4 سبتمبر 2025، تشمل بالأساس عقوبات صارمة وإجراءات دقيقة ضاغطة.

ومن بين هذه الإجراءات، قطع المساعدات عن المؤسسة العسكرية والأجهزة المتورطة في عملية "الانتكاس الديمقراطي"، وفي الانتهاكات المسجلة في مجال حقوق الإنسان، كما يسميها النائبان.

إضافة إلى "حجز الممتلكات والأرصدة التونسية الموجودة بالولايات المتحدة الأميركية".

ومن الإجراءات أيضا “رفض تأشيرات الدخول للولايات المتحدة، بالنسبة للمسؤولين المتورطين في الانتهاكات الحقوقية”، أو ما يسميه مشروع القانون "المسار الاستبدادي"، منذ انقلاب يوليو/تموز 2021.

وكان سعيّد، قد قاد هذا الانقلاب مدعوما من مؤسسات الدولة، وما يعرف بـ"الدولة العميقة (الجيش، والأمن، والإدارة البيروقراطية…)".

كما حلَّ المجلس الأعلى للقضاء وعددا آخر من المؤسسات الدستورية كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وجاء بدستور جديد في 25 يوليو 2022، غيَّر بمقتضاه النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، يتمتع فيه بصلاحيات مطلقة.

وفي نهاية 2022، دعا سعيّد لانتخابات تشريعية لم تشارك فيها إلا نسبة قليلة من الناخبين، وقاطعتها أحزاب المعارضة، ليتم تنصيب برلمان موالٍ له ذي مهمة وظيفية، ولا يتمتع بأي صلاحيات قوية أمام الرئيس.

وعلى مستوى الحريات، قام سعيد في فبراير/شباط 2023 بحملة أمنية واسعة ضد عشرات المعارضين الذين اعتقلوا وزج بهم في السجون، ثم حوكموا ابتدائيا بتهمة التآمر على أمن الدولة بموجب قانون الإرهاب، وحكم عليهم بأحكام قاسية.

مسائل خطيرة

ووصف الصحفي والكاتب السياسي التونسي صالح عطية، المبادرة البرلمانية الأميركية بأنها "تتضمن مسائل خطيرة".

وذكر عطية في مقال رأي نشره موقع "رأي سياسي" التونسي في 16 سبتمبر 2025، أن قرارا من هذا القبيل، قد يسري لاحقا إلى بلدان أخرى، وهو ما يفسر خطورة القرار الأميركي وتبعاته على مستقبل العلاقات الثنائية.

وأوضح أن "مشروع القرار الأميركي، الذي عرضته مختلف القنوات الأميركية قبل العربية، يأتي مع تطورات لافتة، شهدتها العلاقات التونسية الأميركية خلال الأسابيع القليلة الماضية".

وتابع: "فقد قام كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون الإفريقية والعربية، مسعد بولس، بزيارة إلى تونس في يوليو 2025، التقى خلالها قيس سعيد وحثه- وفق بعض المعلومات الموثوقة- على استئناف الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة، ودعاه إلى تسليم السلطة للشباب".

وقال عطية: إن "سعيد، أبدى امتعاضه من مطلب المسؤول الأميركي، ونشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية بيانا، أوضحت فيه أن تونس شددت على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة"، وأنها شرعت في "إعادة صياغة تحالفاتها الدولية"، في إشارة إلى إيران وروسيا والصين".

وأردف: "بعد ذلك بأيام قليلة حلت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني بشكل مفاجئ بتونس، في زيارة لم يكشف عن فحواها ومضمونها، لكن التسريبات أشارت إلى أن ميلوني حاولت إقناع سعيد بضرورة أخذ (الملاحظات) الأميركية على محمل الجد، وبأن ترامب جاد في مسعاه باستعادة تونس ديمقراطيتها".

ويرى عطية أن الولايات المتحدة ستحرص على "استعادة الديمقراطية التونسية"، من خلال الاختراق الدبلوماسي والسياسي، تماما مثلما فعلت مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي رفض عام 2009 "نصائح" وزيرة الخارجية آنذاك كوندوليزا رايس.

واسترسل: “وذلك عندما طالبته بفتح حوار وطني، وإطلاق سراح المساجين السياسيين، وتمكين المعارضة الإسلامية من منابر إعلامية، وإجراء انتخابات شفافة وديمقراطية لتحقيق الانتقال الديمقراطي في البلاد، مقابل دعم مالي خيالي للموازنة التونسية، للخروج من عنق الأزمة الاقتصادية آنذاك”.

وخلص الكاتب إلى أن تونس تتجه تدريجيا نحو أفق أشد غموضا مما هي عليه حاليا، إذا استمر نظام سعيد في تعنته، ورفع شعار "التحرير الوطني" الكامل، بلا معنى أو مضمون، والتشدق بـ"السيادة الوطنية"، ضمن مفهوم فضفاض، لا يوفر للتونسيين قوتا، ولا يصوغ تحالفات مثمرة، ولا يحقق استقلالا للقرار الوطني.

وتابع: "فيما نصف النخب والطبقة السياسية في السجون والمنافي، وما تبقى منها خائف ومرتعد من سجن محتمل، ما دام أسهل الطرق في تونس اليوم، الطريق إلى السجن".

وقت المحاسبة

وأعرب أنصار سعيد عن رفضهم للمبادرة الأميركية ومضمونها، مقدرين أنها تمثل تدخلا مباشرا في الشأن الداخلي التونسي.

وفي هذا الصدد، أدان النائب ياسين مامي مشروع القانون المقترح، واصفا إياه بأنه "تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة كاملة، وانتهاك لمبادئ العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل".

ورأى مامي خلال تصريحات صحفية في 5 سبتمبر، أن المشروع "يعكس رغبة في فرض إملاءات خارجية من خلال ربط المساعدات الاقتصادية بشروط سياسية انتقائية".

بدوره، أعرب النائب البرلماني طارق مهدي عن "دهشته العميقة ورفضه القاطع" للمبادرة الأميركية.

وأعلن مهدي "رفض النواب القاطع لمحاولات الوصاية أو فرض تفسيرات خارجية على التجربة الوطنية التونسية".

وأفاد بأن "الديمقراطية ليست صيغة جاهزة، بل هي مسار وطني يتطور وفقا لإرادة الشعب وتطلعاته".

من جانبهم، وصف أنصار حركة "الوطن" التونسية التدخل الأميركي بأنه "فصل جديد من محاولات فرض الوصاية بشعارات كاذبة"، بهدف "عرقلة مسيرة الإصلاح وتفكيك مؤسسات الدولة".

ودعوا في بيان إلى تشكيل "جبهة وطنية واسعة وميثاق يرتكز على الدفاع عن السيادة، ومكافحة الفساد، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي والسياسي".

في قراءته للخطوة الأميركية، قال المحلل السياسي التونسي أمين أيوب، إن "المبادرة في غاية الأهمية، لأنها تفتح نافذة حقيقية لإمكانية تغيير الأوضاع في تونس في اتجاه استعادة الديمقراطية والحريات في البلاد".

وأضاف أيوب لـ"الاستقلال"، أن “المشرعين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري يسعون إلى ربط المساعدات الأميركية بالإصلاحات الديمقراطية ومنع انهيار النجاح الوحيد للربيع العربي”.

ولفت إلى أن “تونس التي عدت قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي، تقف الآن عند مفترق طرق حاسم، والحلم الديمقراطي الذي ازدهر عام 2011 يتلاشى الآن في ظل حكم قيس سعيد”.

واستطرد: "لقد حوّل استيلاؤه على السلطة في يوليو 2021 -بحل البرلمان، وترسيخ كل السلطات، والحكم بالمراسيم- ديمقراطية ناشئة إلى نظام استبدادي".

وعليه، يضيف أيوب، ما كان يُعد في السابق النموذج الوحيد للتحول الديمقراطي في المنطقة، "أصبح قصة تحذيرية أخرى من العودة إلى الاستبداد".

ورأى أن “رد فعل واشنطن كان بطيئا، لكن إجماعا واضحا بين الحزبين بدأ يبرز، مضمونه أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تقف مكتوفة الأيدي بينما ينزلق حليف إستراتيجي أكثر فأكثر نحو الديكتاتورية”.

وشدد أيوب على أن “الأمر لا يتعلق هنا بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة، بل يتعلق بتعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، التي تُشكل ركائز السياسة الخارجية الأميركية”.

وتابع: “كما يتعلق الأمر بحماية المصالح الأميركية؛ حيث إنه، وعلى مدى أكثر من عقد، استثمرت الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات في تونس”، عادة إياها شريكا رئيسا في جهود مكافحة الإرهاب، وجزيرة استقرار نادرة في منطقة مضطربة.

وزاد: "هذا الاستثمار -المالي والإستراتيجي- مُعرَّض للخطر حاليا، فبلدٌ يفتقر إلى الضوابط والتوازنات السياسية، ويُقمع فيه الرأي المخالف ويُجرَّم، ليس شريكا مستقرا".

وأضاف: "إنه قنبلة موقوتة قد تُسفر عن مزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن، ليس فقط للتونسيين، بل لمنطقة البحر الأبيض المتوسط ​​وشمال إفريقيا على نطاق أوسع".

وشدد أمين على أن "خطاب الرئيس سعيد حول السيادة الوطنية ضد التدخل الأجنبي ما هو إلا حيلة ساخرة لصرف الانتباه عن إخفاقاته".

وأوضح: "إنها نفس الحجة البالية التي يستخدمها المستبدون حول العالم لإسكات المنتقدين وتبرير أفعالهم غير الديمقراطية".

ورأى المحلل السياسي أن "السيادة الحقيقية لا تأتي من قبضة حاكم واحد، بل من الإرادة الجماعية لشعب حرّ ومتمكن".

وخلص إلى أن "الشعب التونسي الذي ضحّى بالكثير من أجل ثورته، يستحق الحق في محاسبة قادته، والتعبير عن آرائه دون خوف، والعيش في ظل دستور يحمي حقوقه، لا دستورا مصمما فقط لتوسيع صلاحيات رئيسه".

قراءة سياسية

في مقابل هذه القراءة، يرى المحلل السياسي والخبير الأمني ​​التونسي، خليفة الشيباني، أن "هذه مبادرة فردية ولا تعكس السياسة الرسمية الأميركية".

وأضاف الشيباني لموقع "ذي عرب ويكلي" في 9 سبتمبر 2025، أن "ترامب أكد أخيرا عمق العلاقات الأميركية التونسية".

وأفاد بأنه “رغم الخلافات السياسية في تونس، فإن جميع الأحزاب والمنظمات أدانت هذا التدخل، ما يعكس موقفا تونسيا موحدا، حتى بين أحزاب المعارضة المنتقدة للحكومة والرئيس سعيد”، وفق قوله.

وشدد الشيباني على أنه "لا يمكن تجاهل دور حركة النهضة، أحد التيارات الإسلامية الرئيسة، في إنشاء لوبي داخل الولايات المتحدة يعمل ضد مصالح تونس"، وفق تعبيره.

غير أن المحلل السياسي أمين أيوب يرى أن “النقاد الذين يزعمون أن المبادرة تعكس نفاقا غربيا أو تدخلا في الشأن الداخلي، بالنظر إلى صراعات عالمية أخرى، يغفلون عن جوهر المسألة”.

وتابع أيوب لـ"الاستقلال"، ذلك أن “الالتزام الأميركي بالديمقراطية لم يكن مثاليا قط، لكنه يبقى حجر الزاوية في هوية الولايات المتحدة وسياستها الخارجية، فالأدوات الدبلوماسية، بما فيها المساعدات الخارجية، ليست صدقة، إنها استثمارات في الاستقرار والقيم المشتركة".

ورأى أن “ربط المساعدات بالإصلاح الديمقراطي ليس تدخلا، بل هو انعكاس لكيفية عمل الشراكات: الاحترام المتبادل، والمساءلة، والثقة”.

وشدد المحلل السياسي على أنه "يقع على عاتق الولايات المتحدة التزام أخلاقي وإستراتيجي بدعم نضال الشعب التونسي من أجل مستقبل ديمقراطي".

وأشار إلى أن “المخاطر تتجاوز حدود تونس بكثير، ذلك أن تونس الحرة والمفتوحة ستكون نموذجا يُحتذى به للمنطقة في وقت تتصاعد فيه السلطوية، من مصر إلى الجزائر”.

واستطرد: “في المقابل، فإن تونس التي تنهار في القمع والأزمة الاقتصادية قد تصبح بسهولة أرضا خصبة للتطرف والهجرة غير الشرعية وعدم الاستقرار، مما قد يُهدد أوروبا والولايات المتحدة بشكل مباشر”.

وخلص أيوب إلى أن الديمقراطية في تونس "لا تتعلق فقط بالمثل العليا، بل تتعلق أيضا بمصالح الأمن القومي الجوهرية".