احتجاجات شعبية مغربية في معقل أخنوش الانتخابي... هل تنهي مساره السياسي؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

شهدت مدينة أكادير المغربية التي يرأس بلديتها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، غليانا شعبيا لمدة أسبوعين بسبب الفشل الحكومي في القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها الصحة، وبلغ ذروته يوم الأحد 14 سبتمبر/أيلول 2025.

حيث احتشد مئات المواطنين أمام المستشفى الجهوي الحسن الثاني بالمدينة، والذي صار يُوصف بـ"مستشفى الموت"، تنديدا بتزايد حالات "الوفيات الغامضة" داخله، وتدهور الخدمات الصحية، وغياب التجهيزات الأساسية.

ورفع المحتجون شعارات غاضبة أبرزها "الشعب يريد إسقاط الفساد"، إلى جانب هتافات أخرى من قبيل “هذا عيب هذا عار.. مقبرة أم مستشفى؟” مطالبين بتوفير الأطر الطبية والمعدات الضرورية، خاصة في ظلّ ارتفاع حالات الوفيات في صفوف النساء الحوامل.

وشهدت الاحتجاجات استنفارا أمنيا كبيرا، كما تدخلت القوات المساعدة لتفريق المحتجين.

ووجه المتظاهرون سهام النقد لوزير الصحة ولرئيس الحكومة نفسه، عزيز أخنوش، والذي تحدّث قبل أيام عبر القناتين العموميتين الأولى والثانية عن إنجازات وصفها بـ"غير المسبوقة" وقال: إن الشعب المغربي سعيد بأداء حكومته.

وكان العديد من الفاعلين قد دقّوا ناقوس الخطر، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بشأن توالي حالات الوفيات في المستشفى بالإضافة إلى تردّي الخدمات الصحية داخل هذا المرفق الحيوي.

وفي هذا الصدد أعلنت "الشبكة المغربية لحقوق الإنسان والدفاع عن الوحدة الترابية"، أن المستشفى الذي يعدّ وجهة رئيسة للجهات أقاليم الصحراء الثلاث إضافة إلى جهة سوس ماسة، يعيش ضغطا يفوق طاقته الاستيعابية.

وطالبت الشبكة الحكومة بتجويد العرض الصحي بشكل عاجل داخل المستشفى، مع تعزيز موارده البشرية وتجهيزاته وتأهيل مرافقه، داعية إلى فتح تحقيق قضائي شفاف ومسؤول حول وفيات النساء الحوامل، صونا لكرامة المرضى وضمانا لحقهم في العلاج.

صرخة شعبية

رأت النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية المعارض، نعيمة الفتحاوي، أن الوقفة الشعبية تمثل صرخة حقيقية في وجه تدهور الأوضاع الصحية داخل أكبر المراكز الاستشفائية بجهة سوس ماسة. مشيرة إلى أن هذا الاحتجاج كان من أجل التنديد بالسياسة الحكومية وبفشلها في تدبير القطاع الصحي.

وقالت الفتحاوي وهي نائبة برلمانية عن مدينة أكادير لـ "الاستقلال": إن هذا الأمر أكده المحتجون الذين رفعوا شعارات قوية تنتقد تدني مستوى الخدمات الصحية في المستشفى الذي أصبح يعرف بـ "مستشفى الموت".

ورأت أن إعفاء مدير المستشفى وتعويضه بآخر لا يحل مشكل الصحة بالجهة، ولا يعدو أن يكون معالجة جزئية إدارية لا تفي بالغرض، مشددة أن المطلوب هو إصلاح هيكلي شامل وعام.

وأبرزت المتحدثة ذاتها، أن هذه الأزمة تضع رئيس الحكومة الذي هو رئيس المجلس الجماعي لأكادير في موقف محرج، بالنظر إلى مسؤوليته المزدوجة وطنيا ومحليا، خاصة أن المدينة التي يسيرها "عن بُعد" تُعد واجهة جهوية وسياحية كبرى.

وانتقدت الفتحاوي غياب أخنوش المستمر عن دورات المجلس الجماعي لأكادير بمعدل بلغ 35 جلسة وهو رقم قياسي عالمي، وفق تعبيرها، مشددة أن هذا الغياب يطرح تساؤلات أوسع حول مدى قدرته على إيجاد حلول ناجعة ومقنعة في ظل تصاعد الاحتقان الاجتماعي.

وانتقدت الفتحاوي الحوار التلفزيوني الأخير لرئيس الحكومة بتاريخ 10 سبتمبر 2025، بقوله: إن "قطاع الصحة يعيش لحظة حاسمة تؤسس لتحول جذري"، في الوقت الذي يفتقد فيه المواطنون في المستوصفات وفي المستشفيات إلى خدمات أساسية عادية توجد في كل مستشفيات العالم، فكيف سيصدقون هذه الأحلام الكاذبة؟ تتساءل المتحدثة ذاتها.

وأكّدت الفتحاوي أن الحكومة فشلت في تنزيل الأوراش الكبرى التي يتحدث عنها رئيس الحكومة، مثل تعميم التغطية الصحية والدعم الاجتماعي، مشددة أن المواطن المغربي بفطنته يدرك أن الحوار غير صادق.

ورأت النائبة البرلمانية أن تصريحات أخنوش أججت احتجاجات المواطنين الذين يعرفون حقيقته، ويرون أن الواقع الصحي لا يعكس الصورة الوردية الحالمة التي قدمها في حواره المتلفز.

من جانبها، أكد نائبة الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب حليمة الشويكة، أن الاحتجاجات الشعبية في المدينة التي يرأسها أخنوش هي ضربة مباشرة له، بصرف النظر عن الظروف التي أجريت فيها انتخابات 8 سبتمبر 2021 والتي أوصلته إلى رئاسة الحكومة وجماعة أكادير.

وأوضحت الشويكة لـ "الاستقلال" أن أكادير ليست معقلا انتخابيا لأخنوش، رغم رئاسته للبلدية؛ لأن معقله هو الريع والفساد وتضارب المصالح والدعم الذي حظي به من السلطة، ولذلك فهو لا يمتلك أي معقل انتخابي؛ لأنه ليس برجل سياسة.

وشددت القيادية النقابية والفاعلة السياسية أنه لو كانت هناك ممارسة سياسية نزيهة تحترم إرادة المواطنين، وتزجر كل الوسائل المفسدة للانتخابات، لما وصل أخنوش لرئاسة جماعة أكادير أحرى أن يكون رئيسا للحكومة.

وذكرت الشويكة أن الاحتجاج الأكبر بأكادير جاء بعد اللقاء الإعلامي الباهت لأخنوش، والذي كان مليئا بالأكاذيب والمغالطات بشأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

وأبرزت المتحدثة ذاتها أنّ الأزمة الحالية كشفت حقيقة تدبيره الفاشل للمدينة وأيضا فشل حكومته في قطاع الصحة، مما أكَّد لعموم المواطنين أنه شخص لا مجال له للممارسة السياسية، بل ولا للممارسة التجارة نفسها؛ لأن الأخيرة لا يمارسها إلا بناء على الريع والنفوذ وليس بالاجتهاد الشخصي المستقل القائم على الكفاءة.

٢٠٢٤١٠٠٧_٢١٥٩٢٣.jpg

تفاعلات واسعة

تفاعلا مع الاحتجاجات، قال الأمين العام للحزب المغربي الحر، إسحاق شارية: إن ساكنة أكادير هم الأكثر دراية ومعرفة بحقيقة رئيس الحكومة ورئيس مجلسهم البلدي، لذلك سارعوا إلى الخروج للشارع جوابا على خرجته الإعلامية الأخيرة التي قال فيها بأن المغاربة سعداء بحكومته، وبمشاريعها التنموية في القطاعات كافة وعلى رأسها قطاع الصحة.

وأضاف شارية في تدوينة عبر فيسبوك بتاريخ 15 سبتمبر 2025، "احتجاجات أكادير الواسعة تدل بما لا يدع مجالا للشك أن شمس الفشل الحكومي أكبر من أن تغطى بغربال الخرجات الإعلامية وبروباغندا المؤثرين".

واسترسل، كما تدل أن "مشاريع التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر تحولت بفعل تضارب المصالح والفساد، إلى عامل توتر واحتقان، بدل أن تكون ورشا ملكيا نحو حماية المواطنين واستقرارهم الصحي والنفسي والاجتماعي".

بدورها، رأت الإعلامية والبرلمانية السابقة عن الاتحاد الاشتراكي حنان رحاب، أن الأمر لا يقتصر على أكادير لوحدها، محذرة من أن يكون الاحتجاج حالة عامة بكل مستشفيات البلاد.

وأضافت رحاب في تدوينة عبر فيسبوك، "ما حدث بأكادير من احتجاجات ضد الخدمات الصحية العمومية، وجشع جزء كبير من القطاع الخاص، والفساد في القطاع عموما على المستويات المحلية والإقليمية، لا يُستبعد أن يتحول إلى كرة الثلج التي كلما تدحرجت تكبر".

وعلى الجانب الآخر من الحركات السياسية، ردد القيادي في "جماعة العدل والإحسان" الإسلامية المحظورة، حسن بناجح، شعار الاحتجاج الشعبي بأكادير والذي قال فيه المحتجون: "أموال الصحة أين ذهبت؟ لمهرجان موازين والحفلات".

وأضاف بنجاح في تدوينة أخرى عبر حسابه على فيسبوك، "أول ما يؤكد تردي الخدمات الصحية بالمغرب هم المسؤولون أنفسهم، الذين يطيرون لمستشفيات الخارج عند أبسط وعكة".

فيما توقف الإعلامي عبد الله ترابي عند مسؤولية أخنوش في اقتراح وزير للصحة لا يتوفر على الكفاءة اللازمة لتدبير القطاع.

وذكر ترابي في تدوينة عبر فيسبوك بتاريخ 15 سبتمبر 2025، أن "المشكلة ليست في أمين التهراوي؛ حيث كان في غنى عن هذه المشاكل، بل في من اقترحه وزيرا للصحة".

وأضاف: "لقد اختار أخنوش شابا لا خبرة له تقنيا ولا سياسيا، اختاره بناء فقط على الولاء والقرب الشخص، لإدارة قطاع صعب ومليء بالمشاكل، حتى إن الأطر الكبرى وأصحاب التجربة (مثل الوزير الأسبق الحسين الوردي والوزير السابق خالد آيت الطالب..) عانوا في تدبيره وضبطه".

واسترسل: "بدون تحامل أو مزايدات، هذه هي حدود اختيارات رئيس الحكومة، الذي يبحث في محيطه الشخصي عن معاونين وليس عن وزراء".

جريدة "الصحيفة" رأت في مقال بتاريخ 15 سبتمبر أن مشهد الاحتجاجات الكبير بمدينة أكادير "محرج جدا لرئيس الحكومة".

ورأى الموقع أن تفاعل وزارة الصحة مع هذه التطورات بإعفاء مدير المستشفى وإعلان شغور المنصب أمر غير كافٍ، قائلة: إنه مجرد "معالجة إدارية وجزئية، في حين يطالب الشارع بإصلاحات عميقة وشاملة".

تفاعل برلماني

عدد من البرلمانيين تفاعلوا مع الاحتجاجات سواء من الأغلبية أو المعارضة، وفي هذا السياق، وجه النائب البرلماني خالد الشناق، عن "الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية" الأغلبي، سؤالا كتابيا لوزير الصحة أمين التهراوي بخصوص الوضعية الصحية المقلقة للمستشفى.

بدورها، وجهت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن "فيدرالية اليسار الديمقراطي" المعارضة، سؤالا كتابيا إلى الوزير نفسه حول ما وصفته بـ"الوضع الكارثي بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، واحتجاجات المواطنين على تردي الخدمات الصحية".

ووفق ما نقل موقع "تيل كيل"، 15 سبتمبر 2025، قالت التامني: إن "المستشفى يشهد وضعية متدهورة على جميع المستويات؛ إذ يعاني خصاصا حادا في المستلزمات الطبية واللوجستيكية، مثل المحاليل الوريدية، أنابيب التحاليل، المضادات الحيوية والقفازات الطبية".

وتابعت: "فضلا عن النقص الكبير في حاملي المرضى وغياب عربات النقل الضرورية، لدرجة أن التنقل بين الأقسام يتم أحيانا عبر المرور من الشارع، في مشهد يمس كرامة المرضى ويعرض حياتهم للخطر".

وذكرت البرلمانية أن "المستشفى يفتقر إلى المرافق الأساسية، من قبيل قلة المراحيض الخاصة بالموظفين والمرضى، وانعدام قاعات للاستراحة، وغياب الوجبات الغذائية خلال فترات الحراسة الليلية، فيما بلغت وضعية النظافة مستوى مثيرا للقلق، مع انتشار القطط الضالة داخل الممرات والغرف وحتى فوق الأسرة".

بدورهما، قال خالد السطي ولبنى علوي، عضوا مجلس المستشارين: إن مدينة أكادير تشهد على غرار مجموعة من المدن الأخرى كسلا وتاونات وأزيلال وبني ملال، احتجاجات غير مسبوقة بسبب تدني الخدمات الصحية.

وأكدا المستشاران في سؤال كتابي لرئيس الحكومة، بتاريخ 17 سبتمبر، أن هذا الوضع أدى إلى حالة من التسيب والفوضى داخل هذا المرفق العمومي الحيوي، وزيادة الكلفة على المرضى وذويهم.

وطالب السطي وعلوي بالكشف عن الإجراءات والتدابير التي يعتزم رئيس الحكومة اتخاذها من أجل تحسين الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية وضمان جودتها بمختلف جهات وأقاليم المملكة.

FB_IMG_1757875830784.jpg

محاسبة سياسية

أكدت نائبة الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن المغاربة اكْتَوَوْا بالتدبير السيئ لحكومة أخنوش بشكل غير مسبوق، وبما لم يعانوا مثله منذ الاستقلال.

وقالت الشويكة لـ "الاستقلال" إن هذا الأمر سيؤثر على أخنوش انتخابيا في استحقاقات 2026؛ لأن تدبيره للحكومة عرَّته تماما، وكشفت فشله وفشل حكومته ككل.

ومما يشير إلى أن مستقبل أخنوش قد انتهى، تقول المتحدثة ذاتها: إنه رجل لا يمتلك أي رصيد سياسي، ولا "بروفايل" رجل الدولة، بل برهن خلال تدبيره للحكومة أنه لا يحرص سوى على استغلال الموقع لتحقيق المزيد من الأرباح الشخصية، ولا يهمه الصالح العام في شيء.

وذكرت الشويكة أن انتخابات 2026 لن تمكن أخنوش من العودة لرئاسة الحكومة، لما عانه المغاربة معه خلال هذه الولاية، وأيضا لافتقاده للشعبية، ولا أدلَّ على ذلك عدم الاكتراث الكبير الذي تعامل به الشعب مع حواره التلفزيوني قبل أيام.

واسترسلت، تلك الخرجة الإعلامية كشفت أنه ليس برجل سياسية أو تدبير، وأنه يحفظ الأجوبة التي تُكتب له، ولا يجد حرجا في تمرير الأغاليط والأكاذيب.

وشددت القيادية النقابية أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون محطة أساسية لمراجعة الكارثة التي حلت بالمغاربة على المستوى الاقتصادي والحياة الاجتماعية وتراجع المستوى المعيشي في ظل حكومة أخنوش.

وعن شروط تحقق هذا الأمر، قالت الشويكة: يكفي احترام السلطة المشرفة على الانتخابات للقوانين، والانضباط لما ورد في آخر خطاب للملك محمد السادس بشأن الإعداد الجيد للانتخابات.

وعليه، ذكرت الشويكة أن احترام الحد الأدنى من النزاهة الانتخابية واحترام أصوات المواطنين سترمي بأخنوش خارج تدبير الشأن العام، بعد ولاية كاملة من بيع الوهم والنتائج الكارثية على حياة المغاربة.

تقارير دولية

رغم شعار الدولة الاجتماعية الذي ترفعه حكومة عزيز أخنوش، إلا أن "مؤشر الرعاية الصحية العالمي" لسنة 2025، الصادر في يوليو/تموز 2025 عن موقع “Numbeo” المتخصص في تحليل البيانات والاستطلاعات الدولية، أكّد زيف هذه الادعاءات.

ووفقا للتصنيف نصف السنوي، حلّ المغرب في المرتبة 94 من أصل 99 دولة شملها التقرير، محققا 47 نقطة في تقييم جودة الخدمات الطبية، و80.6 نقطة في ما يخص هيكلية نظام الرعاية الصحية.

هذا الترتيب وضع المغرب في ذيل قائمة الدول الإفريقية، خلف كل من جنوب إفريقيا (المرتبة 49 عالميا)، ثم كينيا، تونس، غانا، الجزائر، نيجيريا، ومصر. واللافت أن التصنيف شمل فقط ثماني دول إفريقية، ما يجعل تموضع المغرب مؤشرا مقلقا في السياق القاري.

وحسب بيانات التقرير، سجّل المغرب أدنى نسبة رضا في فئة الانتظار داخل المؤسسات الصحية بـ 33.88% فقط.

أما فيما يخص باقي المؤشرات، فجاء أداؤه كالتالي: كفاءة الطواقم: 49.4%، سرعة الإجراءات: 45.37%، توفر المعدات: 50.62%، دقة التقارير الطبية: 47.8%، جودة المعاملة: 46.89%، الرضا عن تكلفة العلاج: 46.09%، راحة المرضى: 56.75%.

وعلى مستوى المدن، لم يكن الوضع أفضل؛ إذ احتلت العاصمة السياسية الرباط المرتبة 303 عالميا، تلتها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء في المرتبة 310، من بين 314 مدينة عالمية شملها التصنيف، ما يبرز ضعف الخدمات حتى في أكبر الحواضر المغربية.