تعهدات مالية ومؤتمر بالسعودية.. ما سر الاهتمام بتأمين السواحل اليمنية؟

"المجتمع الدولي كأنه يريد إعفاء نفسه من مهام التصادم المباشر مع الحوثيين"
أثار مؤتمر "شراكة الأمن البحري اليمني" (YMSP)، الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض، بمشاركة 40 دولة، العديد من التساؤلات بخصوص أسباب هذه الخطوة وسر توقيتها ومدى انعكاسها على أرض الواقع.
المؤتمر الذي عقد في 16 سبتمبر/ أيلول 2025، نظمته السعودية والمملكة المتحدة بالتعاون مع حكومة الشرعية اليمنية (المعترف بها دوليا)، شاركت فيه خمس منظمات دولية، من أجل تشكيل خطة إستراتيجية أمدها عقد كامل لتعزيز الأمن البحري في اليمن.

تعهدات مالية
وبخصوص تفاصيل المؤتمر، فإنه يهدف إلى جمع تعهدات مالية من الدول لإعادة بناء القدرات الأمنية البحرية المدنية في اليمن، وسيشهد الإعلان عن الأمانة العامة المشتركة لأمن الملاحة البحرية في اليمن، حسبما ذكرت صحيفة "عكاظ" السعودية في 16 سبتمبر.
وأفادت الصحيفة بأن المؤتمر يعد مبادرة إستراتيجية تسعى إلى مكافحة التهريب والقرصنة والاتجار بالبشر، وتعزيز قدرة اليمن على حماية سواحله وممراته البحرية الحيوية.
ويناقش المؤتمر إستراتيجية طويلة الأمد تمتد لعقد كامل، لإعادة بناء وتطوير قدرات خفر السواحل اليمني، بما يرفع من مساهمة اليمن في تأمين مسارات التجارة الدولية وضمان سلامة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
وأكد نائب الممثل الدائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة السفير جيمس كاريوكي أن الشراكة البحرية اليمنية تعد آلية أساسية للتعاون الدولي، معربا عن فخر بلاده بتنظيم المؤتمر مع السعودية، مثمناً انضمام شركاء دوليين لدعم هذه المبادرة.
من جانبه، ذهب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي إلى أن بلاده ترى في المؤتمر تدشينا لشراكة نوعية تعزز أمن الممرات المائية، وتجديدا لالتزام الحكومة اليمنية بحماية مصالح الشعب اليمني وأمنه القومي.
وفي السياق ذاته، رحّب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني عبر تدوينة على "إكس" في 16 سبتمبر، بإطلاق مبادرة الشراكة اليمنية للأمن البحري، واصفا إياها بأنها تمثل "خطوة إستراتيجية تعكس التزام الشركاء الدوليين بدعم اليمن في مواجهة التحديات والتهديدات المتنوعة".
وأشار الإرياني إلى أنها ستسهم في تعزيز الأمن البحري وحماية طرق التجارة الدولية، فضلا عن مكافحة القرصنة والتهريب، ودعم التنمية الاقتصادية المستدامة في اليمن والمنطقة.
وثمّن الوزير اليمني هذا الجهد الدولي، موجها شكره للسعودية والمملكة المتحدة على قيادتهما لهذه المبادرة، التي وصفها بأنها تجسد شراكة مسؤولة واستشرافا لمستقبل أكثر أمنا واستقرارا لليمن والمنطقة والعالم.
ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في ظل اتهامات حكومية يمنية باستمرار عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين الذين يشنون هجمات على السفن في المياه الدولية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وذلك في ظل "مساندة" غزة التي تتعرض إلى إبادة إسرائيلية منذ عامين.

"خطوة تكتيكية"
وعن انعقاد المؤتمر وانعكاسه على أرض الواقع، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي: إنها "خطوة مفاجئة لكنها لن تغطي الثغرة الأمنية القائمة حاليا والمتمثلة في استمرار تدفق الأسلحة إلى جماعة الحوثي التي تمكن الأخيرة من التأثير في الملاحة البحرية، وهو ما يهم المجتمع الدولي".
ورأى التميمي في حديث لـ"الاستقلال" أنه "رغم أهمية الخطوة في تقوية خفر السواحل اليمني، لكنه في نهاية المطاف فإن الأخير لا يعكس وحدة القرار اليمني، ولا الذراع الأمنية للدولة اليمنية، بقدر ما يوزع منافع المنح التي تقدم إليه بين قوات الخفر التي تخضع إلى سيطرة قوى يمنية مختلفة".
وتابع: "لهذا لاقت هذه الخطوة ترحيبا من الجميع سواء من رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وعيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن جهات يمنية أخرى".
ولفت إلى أن "دعم خفر السواحل يشير للوهلة الأولى، أنه سيكون عوضا عن الرقابة الدولية التي كانت تعتمد على أساطيل جبارة وقدرات تكنولوجية عالية لمتابعة تهريب السلاح للحوثيين، وأن المسألة اليوم تحال إلى القوى والدولة اليمنية التي لم يتوحد قرارها السياسي في الداخل".
وأردف، التميمي، قائلا: "هذه الخطوة بنيت ربما على اعتراض خفر السواحل في البحر الأحمر الذي يخضع إلى العميد طارق صالح في المخا لسفينة كانت تحمل أسلحة للحوثيين تزن تقريبا 70 طنا في منتصف يوليو 2025".
ورجح الكاتب أن "هذه المهمة، ربما قد مهدت إلى انعقاد مؤتمر المانحين هذا، والذي عقد بتمثيل دبلوماسي منخفض كونه كان على مستوى السفراء، وتمت رئاسته من السفيرين السعودي (محمد آل جابر) والبريطاني (عبدة شريف) لدى اليمن".
وبناء على ذلك، يضيف التميمي: "هذا المؤتمر يرى أن خفر السواحل اليمني يمكن أن يقوم بمهمات الرقابة على الأمن البحري، لكنني أعتقد أن هناك مبالغة في هذه المسألة، وربما القضية ستتمثل في تعزيز قدرة خفر السواحل، ومسألة الأسلحة التي قد تذهب إلى الحوثيين".
التميمي استبعد أن "خفر السواحل هو الذي سيؤمن الممرات البحرية خصوصا في المياه التابعة للدولة اليمنية، وإنما تقتصر نتائج المؤتمر على الدعم المالي المنخفض أساسا؛ إذ قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 2 مليون يورو، والسعودية قدمت 4 ملايين دولار، وهذه المبالغ ليست بمستوى الطموح".
ورأى الكاتب أنه "حتى يقوم خفر السواحل بمهمة اعتراض شحنات أسلحة، فإنه إما أن يمتلك قدرات تكنولوجية وسفنا قادرة على الاعتراض وتنفيذ هجمات بحرية وفرض السيطرة على المراكب التي تهرب الأسلحة، إضافة إلى أنها تحتاج إلى قوات بشرية مدربة ومؤهلة، وكل ذلك بحاجة إلى مبالغ أكبر من التي جرى التعهد بتقديمها، وليس حتى تخصيصها مباشرة".
وتبيّن التميمي أن "المجتمع الدولي كأنه يريد إعفاء نفسه من مهام التصادم المباشر في مسألة الاعتراض وتأمين الملاحة البحرية، رغم أن هذه الخطوة لا تعني على الفور أن مهمة الاتحاد الأوروبي والأميركية قد انتهت، لذلك لا يمكن أن يكون خفر السواحل اليمني بديلا، وإنما سيحظى بدعم لكن كلا سيبقى يعمل بشكل منفصل".
وخلص الكاتب إلى أن "انعقاد المؤتمر هو خطوة تكتيكية يراد منها إيصال رسائل أن المهمة سيتم إيكالها إلى قوات خفر السواحل اليمني بصفتها الجهة الشرعية التي لها الحق ضمن القانون للقيام بهذا الأمر".

هجمات مستمرة
لم تتوقف الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن سوى لشهرين عندما توصلت لاتفاق مع واشنطن في مطلع مايو/ أيار 2025، ثم استأنفت عملياتها في يوليو، وأغرقت سفينتي شحن يونانية في مياه البحر الأحمر، وذلك على خلفية "توجههما إلى موانئ إسرائيلية".
وعلى ضوء هذه التطورات، أدانت الولايات المتحدة استهداف الحوثيين للسفينتين، ووصفتها بـ"الإرهابية وغير المبررة"، وترى أن هذه الأفعال تبرز "التهديد المتواصل الذي يشكله الحوثيون المدعومون من إيران على أمن الملاحة والتجارة في المنطقة".
وقالت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، دوروثي شيا: إن “الولايات المتحدة ملتزمة بحرمان الحوثيين من الموارد التي تموّل أنشطتهم الإرهابية”. مطالبة مجلس الأمن بضرورة العمل على إنهاء العراقيل التي تعيق عمل فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة والمعني باليمن.
واتهمت دوروثي شيا خلال بيان لها في 10 يوليو، طهران باستمرار التنسيق مع الجماعة اليمنية، بالقول: "الهجمات الحوثية الأخيرة في البحر الأحمر وتنسيقهم مع إيران لضرب إسرائيل يبرهن على الحاجة إلى يقظة مستمرة من جانب مجلس الأمن".
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز" في 11 يوليو، فإن الحوثيين أغرقوا سفينتي شحن في البحر الأحمر (إترنيتي سي، وماجيك سيز)، في أول تصعيد منذ سبعة أشهر في الحملة التي تشنها الجماعة المتحالفة مع إيران منذ سنتين تقريبا لخنق حركة الملاحة العالمية.
وتسبب الهجوم على "إترنيتي سي" بمقتل أربعة بحارة قتلوا خلال الهجمات، وجرى إنقاذ 10 بحارة في حين فقد 11 آخرون، بينما جرى إجلاء جميع أفراد طاقم "ماجيك سيز" إلى جيبوتي على متن سفينة تجارية عابرة.
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، شن الحوثيون أكثر من 100 هجوم على السفن، وأغرقوا أربع سفن واستولوا على أخرى وقتلوا ثمانية بحارة على الأقل، وفقا للتقرير.
ففي 21 أغسطس/آب 2024، تعرضت الناقلة اليونانية المسجلة "سونيون"، والتي تحمل 150 ألف طن من النفط الخام، لضربة بعدة صواريخ وطائرات مسيرة واشتعلت فيها النيران، وإن الأمر استغرق شهورا لحين إعلان سلامة السفينة وإزالة الشحنة.
وقبلها غرقت ناقلة الفحم اليونانية "توتور" في يونيو 2024، بعد أيام من قصفها بصواريخ وقارب محمل بالمتفجرات يتحكم فيه الحوثيون عن بعد قرب ميناء الحديدة اليمني.
ولم يُعثر قط على أحد أفراد الطاقم الذي يُعتقد أنه كان يعمل في غرفة محرك السفينة، بينما أجلي الباقون وأعيدوا إلى أوطانهم.
وفي مارس/ آذار 2024 أدى هجوم صاروخي للحوثيين إلى مقتل ثلاثة بحارة على متن السفينة اليونانية (ترو كونفيدنس) التي ترفع علم باربادوس، في أول حصيلة وفيات معروفة جراء هذه الهجمات.
وتعرضت السفينة "روبيمار" المملوكة لبريطانيا إلى ضربة بصواريخ متعددة في فبراير/ شباط 2024، لتصبح أول سفينة يغرقها الحوثيون، وغرقت في الثاني من مارس من العام نفسه.
وتعرضت السفينة اليونانية "زوغرافيا" التي كانت تبحر من فيتنام إلى إسرائيل وعلى متنها طاقم من 24 فردا، إلى الهجوم قبالة ميناء الصليف اليمني في يناير/ كانون الثاني 2024، وفقا للتقرير.
وكانت أول سفينة هاجمها الحوثيون هي (جالاكسي ليدر) البولندية، والتي ترفع علم جزر الباهاما، واحتجاز طاقمها (25 فردا) في المياه الدولية في نوفمبر 2023، لكن لم يفرج عنهم إلا في يناير 2025، أي بعد أكثر من عام من احتجازهم.
في 12 يناير/كانون الثاني 2024، بدأت الضربات الغربية على الحوثيين، وذلك بعدما شكّلت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا قبلها بشهر واحد تحالفا يضم أكثر من 20 دولة أُطلق عليه اسم "حارس الازدهار"، بدعوى الرد على هجمات الجماعة اليمنية.
بعدها وبشكل مفاجئ، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحفي في 6 مايو 2025 "استسلام" الحوثيين في اليمن، وإيقاف استهدافهم للسفن في البحر الأحمر مقابل توقف سلاح الجو التابع لبلاده عن مهاجمة الجماعة، بعد شنه أكثر من ألف غارة جوية ضدهم.
المصادر
- تحالف دولي يتشكل في الرياض بمشاركة 30 دولة لمناقشة دعم اليمن.. والحكومة الشرعية: خطوة استراتيجية
- الرياض تحتضن مؤتمر «شراكة اليمن لأمن الملاحة» بمشاركة 40 دولة
- ترامب يُعلن النصر ويترك الحلفاء.. استسلام حوثي أم انسحاب أميركي؟
- الرياض تشهد إعلان شراكة دولية لدعم خفر السواحل اليمنية
- التفاف دولي لحماية خليج عدن والبحرين العربي والأحمر.. الرياض تضخ 4 ملايين دولار لدعم خفر السواحل اليمني