خبير سياسي: الإمارات قد تستخدم ملف اليمن كورقة ضغط إقليمي ضد الرياض (خاص)

السعودية لم تُنتج دولة حليفة مستقرة ولم تُنهِ خطر المليشيات

السعودية لم تُنتج دولة حليفة مستقرة ولم تُنهِ خطر المليشيات

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني أحمد الزرقة: إن ما جرى في محافظة حضرموت يتجاوز كونه حدثًا محليًا عابرًا، ويمثل ما يشبه الزلزال السياسي والمجتمعي الذي يهدّد ما تبقى من تماسك المعسكر المناهض لجماعة الحوثي.

وفي حوار مع صحيفة «الاستقلال»، أكد الزرقة أن هذه التطورات كشفت بوضوح هشاشة الحكومة ووزارة الدفاع وهيئة الأركان. مشيرًا إلى أن أدوات الدولة باتت في كثير من الأحيان شكلية ورمزية، بينما تتركز القوة الفعلية بيد التشكيلات المسلحة.

ولفت إلى أن الإحراج الذي تعرضت له السعودية في حضرموت ليس تفصيلًا عابرًا؛ إذ إن تمدد المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الوادي والصحراء تجاوز خطوطًا أمنية وسياسية حساسة، ورفع سقف التحدي بصورة علنية.

وحذّر الزرقة من استخدام الإمارات للملف اليمني كورقة ضغط إقليمي في حال حدوث تباين مع الرياض حول ملفات أخرى، مقدرا أن دفع السعودية إلى احتكاك عسكري مع المجلس الانتقالي في حضرموت أو المهرة يعني فتح جبهة جديدة قرب حدودها الشرقية، وهو سيناريو بالغ الخطورة.

وعن مصير الشرعية، شدد الزرقة على أنه إذا استمر الوضع على حاله، فإن الشرعية تتجه إلى أحد خيارين أحلاهما مرّ: إما تآكل تدريجي حتى تتحول إلى شرعية شكلية بلا أدوات سيادة، أو انفجار داخلي يعيد خلط الأوراق عبر صدامات بين مراكز القوى.

ويُعد أحمد الزرقة من أبرز الكتاب والمحللين السياسيين في اليمن، ويشغل منصب المدير العام لقناة «بلقيس» الفضائية، كما يُعرف باهتمامه البحثي بشؤون الجماعات الإسلامية والأحزاب السياسية، وله إسهامات ومقالات متعددة في صحف ومواقع عربية.

صراعات الحلفاء

هل تعتقد أن السعودية ليست على اتفاق مع الإمارات بشأن الإجراءات الجديدة في اليمن، أم أننا أمام تبادل أدوار لتفتيت البلاد؟

المشهد يحتمل القراءتين، غير أن الأقرب إلى الواقع هو وجود تفاهم على الأهداف الكبرى، يقابله تباين أو خلاف حول آليات التنفيذ وتوزيع النفوذ.

هناك إطار عام يجمع الرياض وأبوظبي يقوم على تحجيم الخصوم، وإدارة اليمن كساحة نفوذ، وضبط مسار الأزمة بما لا يفضي إلى قيام دولة يمنية قوية مستقلة القرار.

لكن ما يحدث في حضرموت والمهرة يُظهر أن الإمارات اختارت تسريع تنفيذ أجندتها الميدانية، خصوصًا تحت شعار «مكافحة الإخوان المسلمين»، وهو شعار تحوّل عمليًا إلى غطاء لإقصاء الخصوم السياسيين وبناء تشكيلات مسلحة موازية لمؤسسات الدولة، أكثر من كونه سياسة جادة لمكافحة التطرف.

الإحراج الذي تعرضت له السعودية في حضرموت ليس تفصيلا عابرا؛ فتمدّد المجلس الانتقالي إلى الوادي والصحراء تجاوز خطوطًا أمنية وسياسية حساسة، ورفع سقف التحدي علنًا.

وفي هذه اللحظة، بدا أن الرياض اكتشفت – ولو متأخرة – أنها فككت أدواتها التقليدية داخل الشرعية، في مقابل توسّع الاستثمار الإماراتي في المليشيات والواجهات السياسية داخل المجلس الرئاسي ومحيطه. وكانت النتيجة ميل كفة النفوذ ميدانيًا لصالح أبوظبي، بينما تحمّلت السعودية العبء السياسي والإقليمي للمشهد.

هل ما تزال السعودية أسيرة مقولة «قوة اليمن تُضعفها»، أم أنها باتت تدرك أن قوة اليمن تعني غياب المليشيات والتنظيمات الإرهابية؟

الإشكالية لا تكمن في الشعار بحد ذاته، بل في غياب إستراتيجية متماسكة وواضحة تجاه اليمن؛ فقد اتسمت السياسة السعودية منذ سنوات بمنطق إدارة الأزمة وردود الفعل، لا بمنطق صناعة مسار سياسي وأمني طويل الأمد.

أُدير الملف اليمني عبر دائرة ضيقة من الأدوات والخبرات، ما أفضى إلى تحركات متناقضة: من جهة إضعاف حلفاء الشرعية وتجميد مؤسسات الدولة، ومن جهة أخرى السعي إلى تسوية ثنائية مع الحوثيين بمعزل عن الدولة اليمنية ومبدأ استعادة السلطة.

والنتيجة أن السعودية لم تُنتج دولة حليفة مستقرة، ولم تُنهِ خطر المليشيات، بل أسهمت – بقصد أو من دونه – في توسيع اقتصاد السلاح والولاءات. وفي الوقت الذي قيّدت فيه الرياض حلفاءها الرسميين، كانت الإمارات تبني تشكيلات أكثر انضباطًا وولاءً لها، ثم تمنحها غطاءً سياسيًا لتتحول إلى أدوات سيطرة على المدن والموانئ والجزر.

ترددت أنباء عن تواصل سعودي–إماراتي لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في سيئون وحضرموت والمهرة. هل سينسحب المجلس الانتقالي منها؟

الانسحاب أو التراجع لا يحدث بالبيانات ولا بالوساطات الشكلية، وإذا لم تمارس السعودية ضغطًا حقيقيًا ومكلفًا على أبوظبي وأدواتها، فلن يتغير شيء جوهري على الأرض.

وقد تستخدم الإمارات الملف اليمني كورقة ضغط إقليمي عند أي تباين مع الرياض في ملفات أخرى، كما أن دفع السعودية إلى احتكاك عسكري مع المجلس الانتقالي في حضرموت أو المهرة يعني فتح جبهة جديدة قرب حدودها الشرقية، وهو سيناريو بالغ الخطورة.

ويمتلك المجلس الانتقالي اليوم قدرات بشرية وتسليحية وتمويلية قيّمة، ويُقدَّم ضمن سردية «الانفصال»، بينما يشير الواقع إلى إدارة نفوذ لا مشروع دولة قابلة للحياة. لذلك، فإن العودة إلى ما كان عليه الوضع تتطلب قرارًا سعوديًا واضحًا: إما شراكة منضبطة بقواعد محددة، أو وقف التمكين التدريجي الذي يبتلع الشرعية من الداخل.

مستقبل اليمن

كيف تقرأون تداعيات تمدد المجلس الانتقالي في حضرموت على المشهد اليمني العام؟

ما جرى في حضرموت يتجاوز كونه حدثًا محليًا، وهو أشبه بزلزال سياسي ومجتمعي يهدد ما تبقى من تماسك المعسكر المناهض للحوثيين. وقد كشفت هذه التطورات هشاشة الحكومة ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، وأكدت أن أدوات الدولة باتت في كثير من الأحيان رمزية، بينما تتركز القوة الفعلية بيد التشكيلات المسلحة.

الأخطر أن استخدام القوة في بيئات اجتماعية حساسة مثل حضرموت يُنتج ذاكرة نزاع طويلة الأمد، ويؤسس لمنطق أن الحقوق تُنتزع بالبندقية، وهو منطق مدمّر لأي مشروع دولة وطنية جامعة.

هل بات اليمن أقرب من أي وقت مضى إلى الانقسام إلى دولتين، شمالية وجنوبية؟

سيناريو الدولتين بصيغته الكلاسيكية ليس سهل التحقيق قانونيًا أو سياسيًا، ولا يحظى بإجماع مجتمعي حتى داخل الجنوب نفسه. ما نقترب منه اليوم هو أمر أخطر يتمثل في تفكك فعلي إلى كانتونات نفوذ تحكمها السلاح والتمويل الخارجي والهويات الجزئية.

هناك أوهام استعادة «دولة ما قبل الوحدة» لدى بعض القوى الانفصالية، وأوهام استعادة «ما قبل الجمهورية» لدى الحوثيين. وفي المقابل، توجد ممانعة اجتماعية وسياسية واسعة في الشمال والشرق والجنوب والغرب ضد مشاريع التشطير. وفي حضرموت والمهرة تحديدًا، يميل المزاج الشعبي والقبلي إلى رفض الإلحاق القسري ورفض تحويل المحافظات إلى ساحات إدارة خارجية.

الحل الواقعي، إذا أُريد تجنب انفجار شامل، يتمثل في نظام أقاليم أو فيدرالية ضمن دولة واحدة، بضمانات واضحة للسلطة والثروة والتمثيل، لا مشروع دولتين ينتج صراع حدود طويل الأمد.

تداعيات محتملة

في حال تحقق هذا السيناريو، هل سنكون أمام دولة جنوبية بنفوذ إماراتي، ودولة شمالية تحت هيمنة إيرانية؟

الصورة أدق إذا وُصفت كتعدد نفوذ لا كثنائية نفوذ. ففي مناطق الحوثيين هناك نفوذ إيراني واضح، وفي مناطق الشرعية نفوذ سعودي مباشر في ملفات وجغرافيا محددة، ونفوذ إماراتي مباشر في موانئ وجزر وتشكيلات بعينها إلى جانب تدخلات دولية انتقائية مرتبطة بأمن الملاحة والطاقة ومكافحة الإرهاب.

والنتيجة هي غياب مركز سياسي وطني قادر على فرض رؤية جامعة، وبقاء الدولة اليمنية في حدها الوظيفي الأدنى.

إلى أي مدى يمكن لجماعة الحوثي أن تستغل الانقسامات داخل مناطق الشرعية؟

الحوثيون هم المستفيد الأول من انقسام الشرعية. فكل صراع داخل هذا المعسكر يخفف الضغط العسكري والسياسي عليهم، ويمنحهم وقتًا لإعادة تنظيم قدراتهم وتعزيز السيطرة الأمنية والتعبئة الأيديولوجية. كما أن تآكل الشرعية الدستورية وتعدد مراكز القرار وفّرا للحوثيين فرصة لتقديم أنفسهم دعائيًا بوصفهم الطرف الأكثر تماسكًا.

هل تتوقعون تحركات عسكرية أو سياسية للحوثيين في المرحلة المقبلة؟

الاحتمال قائم على المدى المتوسط. الحوثي يوازن دائمًا بين التفاوض والتصعيد المحسوب وفق مستوى تشتت خصومه. وأي اضطراب إضافي في حضرموت أو المهرة يعيد ترتيب أولويات السعودية، وقد يمنح الحوثيين هامش مناورة أوسع.

ما انعكاسات هذه التطورات على أمن الممرات المائية الدولية؟

العالم يتعامل مع اليمن غالبًا من زاوية أمن الملاحة. فباب المندب وبحر العرب ليسا تفصيلًا اقتصاديًا، بل عقدة إستراتيجية في تجارة الطاقة والتجارة العالمية. كما أن الحسابات السعودية التاريخية لإيجاد مسارات آمنة لتصدير النفط عبر بحر العرب تزيد حساسية المهرة على وجه الخصوص.

وفي المقابل، فإن سيطرة غير منضبطة لتشكيلات محلية مرتبطة بأجندات خارجية على الموانئ والجزر تحوّل الساحل اليمني إلى ساحة تنافس إقليمي ودولي، لا إلى مورد سيادي يخدم اليمنيين.

هل يمكن أن يتحول اليمن إلى بؤرة تهديد دائم للأمن الإقليمي والدولي؟

نعم، إذا استمرّ نموذج «الدولة بلا دولة». فغياب الدولة، وتعدد السلاح، واقتصاد الحرب، وتضارب الأجندات الإقليمية، يحوّل اليمن إلى مصدر تهديد دائم، من تهريب وابتزاز ملاحي إلى تمدد تنظيمات متطرفة ونزاعات محلية قابلة للتوسع. والأخطر أن هذا الوضع يصبح مغريًا لبعض الأطراف بوصفه أداة ضغط ومساومة في ملفات إقليمية أوسع.

المجتمع الدولي

إلى أي حد يمكن أن يقبل المجتمع الدولي بانهيار الشرعية أو بانقسام اليمن؟

يميل المجتمع الدولي إلى إدارة اليمن عند حدّه الأدنى: لا انهيار شامل ولا حل جذري. فشرعنة الانقسام رسميا مسألة شديدة الحساسية، لذلك قد يُدار واقع التشظي عمليًا دون اعتراف قانوني، مع التركيز على ملفات الملاحة والإرهاب والطاقة، وترك الدولة اليمنية معلّقة بين الحياة والموت.

هل هناك ازدواجية دولية بين الخطاب الداعم لوحدة اليمن والسلوك العملي؟

بلا شك. فالخطاب الرسمي يتحدث عن وحدة اليمن، بينما السلوك العملي يتعامل مع وكلاء محليين، ويكافئ السيطرة المسلحة، ويتجاهل تآكل المؤسسات. هذه الازدواجية تُضعف فكرة الدولة وتغري أمراء الحرب بالتمدد، ثم تُحمّل اليمنيين وحدهم كلفة النتائج.

كيف تقيّمون دور دول الإقليم، لا سيما الخليجية؟

يمكن توصيف الدور الإقليمي بثلاثة مستويات:

الأول مرتبط بالأمن القومي والحدود، خصوصًا لدى السعودية، ويقوم على إدارة الخطر لا بناء الدولة.

الثاني يتعلق بالنفوذ البحري والاقتصاد السياسي للموانئ والجزر، وهو بارز في السياسة الإماراتية.

الثالث يرتبط بالتنافس الإقليمي الأوسع؛ حيث يُدار اليمن كساحة ضمن صراع أكبر على الممرات والطاقة والتموضع الدولي.

المشكلة أن هذه الأدوار لم تُصمَّم لخدمة استقرار اليمن كدولة، بل لخدمة مصالح الدول المعنية كما تراها، وهو ما يُبقي اليمن هشًا.

مستقبل الشرعية

هل ما زال المجلس الرئاسي قادرًا على أداء دوره؟

المجلس الرئاسي بصيغته الحالية يعاني خللًا بنيويًا يتمثل في تعدد مراكز القرار وغياب مرجعية تنفيذية موحدة. وهو أقرب إلى إطار لتجميع أطراف متنافسة منه إلى مركز قيادة فعلي. ومع تمدد التشكيلات المسلحة، تتقلص قيمته كمؤسسة، ويتحول إلى واجهة سياسية لقرارات تُتخذ خارج الدولة.

ما مستقبل الشرعية إذا استمر هذا المسار؟

إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الشرعية تتجه إلى أحد خيارين أحلاهما مرّ: إما تآكل تدريجي حتى تصبح شرعية شكلية بلا أدوات سيادة، أو انفجار داخلي يعيد خلط الأوراق عبر صدامات بين مراكز القوى.

والإصلاح الجذري يتطلب توحيد القرار العسكري، وإنهاء ازدواج الأجهزة، وإعادة تفعيل المؤسسات، وتجفيف اقتصاد الحرب، وبناء عقد سياسي وطني حقيقي.

ما مصير الكتلة السكانية الواسعة التي تعيش أوضاعًا إنسانية قاسية؟

هذه هي الكارثة الصامتة. فعندما تتحول الدولة إلى هياكل، يصبح المواطن الحلقة الأضعف: انهيار الخدمات، وتدهور العملة، وتفكك التعليم والصحة، واتساع الاقتصاد غير الرسمي. ومع الوقت يتغير المجتمع نفسه، بما يهدد أي فرصة حقيقية لاستعادة الدولة حتى لو توقفت الحرب عسكريًا.

هل تخشون من انزلاق اليمن إلى حرب أهلية أوسع؟

نعم، والخطر لا يأتي من الحوثيين وحدهم، بل من الصراعات داخل معسكر الشرعية نفسه. فانتشار السلاح وغياب مرجعية وطنية قادرة على فرض القانون يجعل أي احتكاك قابلًا للتحول إلى سلسلة مواجهات ممتدة.

وفي ختام الحوار، أوجّه رسالة إلى القوى السياسية اليمنية فأقول: “توقفوا عن إدارة اليمن بعقلية الغنيمة. الدولة ليست وظيفة ولا حصة. ومن دون مشروع وطني واضح يقوم على دولة وقانون وجيش واحد، أنتم لا تصدرون بيانات سياسية، بل تكتبون شهادة وفاة المستقبل”.

كما أوجّه رسالة إلى دول الإقليم: “مصالحكم لن تُحمى على المدى الطويل عبر يمن ضعيف ومليشيات متعددة. الدولة اليمنية القوية ليست تهديدًا لأحد، بل ضمانة للحدود والممرات والاقتصاد”.

وإلى المجتمع الدولي: “لا يمكن الحديث عن استقرار الملاحة مع التغاضي عن تفكيك الدولة التي يفترض أن تحميها. الكيل بمكيالين في اليمن لا يصنع سلامًا”.