ترامب يُعلن النصر ويترك الحلفاء.. استسلام حوثي أم انسحاب أميركي؟

ترامب أكد أن الحوثيين لا يرغبون في استمرار القتال مع أميركا
في تطور مفاجئ، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "استسلام" الحوثيين في اليمن، وإيقاف استهدافهم للسفن في البحر الأحمر مقابل توقف سلاح الجو الأميركي عن مهاجمة الجماعة.
وبتوجيه من ترامب، شنَّت الولايات المتحدة منذ 15 مارس/ آذار 2025، أكثر من ألف غارة جوية على اليمن ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات، متوعدا بالقضاء عليهم تماما في حال لم يتوقفوا عن استهداف السفن في المياه الدولية بمنطقة البحر الأحمر.
إعلان ترامب، لم يوضح ما إذا كان الاتفاق بين بلاده والحوثيين سيشمل إيقاف استهداف كل السفن التي تمر عبر البحر الأحمر أم يقتصر الأمر على الأميركية منها فقط، لكن قيادات حوثية بارزة أكدت أن الأمر يتعلق بالجانب الأميركي فقط، ولن يشمل إسرائيل بأي شكل من الأشكال.
دور عُماني
وقال ترامب خلال مؤتمر صحفي في 6 مايو/أيار، إن العملية العسكرية على اليمن توقفت. مشيرا إلى أن الحوثيين وافقوا على وقف هجماتهم في البحر الأحمر.
وقال ترامب، بالنص: "أعلن الحوثيون (...) أنهم لم يعودوا يريدون القتال. ببساطة لا يريدون القتال بعد الآن. وسنكرم ذلك. سنوقف القصف، وقد استسلموا".
يأتي هذا الإعلان بعد ساعات من غارات جوية إسرائيلية دمّرت بشكل كامل مطار صنعاء الدولي، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص، وذلك بعد يوم واحد من استهداف الحوثيين لمطار بن غوريون الإسرائيلي في تل أبيب بصاروخ باليستي، وإعلانها فرض حظر عليه.
وتابع ترامب: "يقولون إنهم لن يفجروا سفنا بعد الآن، وهذا هو... الهدف مما كنا نفعله"، موضحا أن المعلومات جاءت من "مصدر جيد جدا".
وبعيد حديث ترامب عن انتهاء الضربات الأميركية على اليمن، أعلن وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي، أن الحوثيين والولايات المتحدة قد توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأوضح الوزير العماني خلال بيان رسمي، أنه "بعد المناقشات والاتصالات التي أجرتها سلطنة عمان أخيرا مع الولايات المتحدة الأميركية والسلطات المعنية في صنعاء (...) بهدف تحقيق خفض التصعيد، فقد أسفرت الجهود عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين".
وأضاف البوسعيدي: "في المستقبل لن يستهدف أي منهما الآخر بما في ذلك السفن الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وبما يؤدي لضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي".
من جهته، قال رئيس "اللجنة الثورية العليا" للحوثيين في اليمن محمد علي الحوثي، إن وقف الولايات المتحدة "للعدوان" على اليمن "سيتم تقييمه ميدانيا أولا".
وأضاف خلال منشور على منصة "إكس" في 6 مايو، أن "عمليات اليمن كانت ولا تزال إسنادا لغزة لإيقاف العدوان"، مشيرا إلى أن وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة لا يشمل وقف هجمات الجماعة على إسرائيل.
وعلى الوتيرة ذاتها، نقل المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع عن رئيس "المجلس السياسي الأعلى" التابع للحوثيين في اليمن مهدي المشاط أن جماعته ستواصل هجماتها دعما لغزة.
وأضاف المشاط: “ردنا بإذن الله سيكون مزلزلا، مؤلما، ولن يكون بمقدار العدو الإسرائيلي والأميركي تحمله".
وخاطب الإسرائيليين، قائلا: “من الآن وصاعدا، الزموا الملاجئ، أو غادروا إلى أوطانكم فورا، فلن يكون بمقدور حكومتكم الفاشلة حمايتكم بعد اليوم”.
وأكد المشاط: "أي عدوانٍ لن يثني اليمن عن قراره المحق في مساندة الأشقاء في فلسطين، حتى يتوقف العدوان ويرفع الحصار الظالم عن قطاع غزة"، حسبما نقل سريع عبر منصة "إكس" في 6 مايو.
من جهته، نفى متحدث باسم جماعة الحوثي اليمنية، تصريحات ترامب بأن الجماعة تعهدت بوقف (جميع) الهجمات على السفن في البحر الأحمر.
وقال المتحدث الحوثي محمد البخيتي لـ"بلومبيرغ" في 6 مايو: إن تصريحات ترامب "ليست دقيقة". مضيفا أن الجماعة لن توقف هجماتها على السفن في البحر الأحمر، التي تقول إنها تأتي دعما للفلسطينيين في قطاع غزة.
وفي هذه النقطة أيضا، نقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام في 7 مايو، قوله: "إن الاتفاق لا يشمل إسرائيل بأي شكل من الأشكال".
وأوضح "الذي حصل هو مع الجانب الأميركي بوساطة عمانية، والتوقف سيكون عن استهداف السفن الأميركية.. طالما أعلنوا التوقف والتزموا فعلا فموقفنا دفاعي وسيتوقف الرد".

"إنقاذ الوكيل"
وبخصوص توقيت إعلان وقف إطلاق النار، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان: إن "سلطنة عمان حليفة إيران أنقذت الحوثيين الوكيل المهم لطهران؛ لأنه إذا جرى استهدافهم من قبل أميركا وبريطانيا وإسرائيل، فإن إنهاءهم وتدمير قدراتهم حتما سيكون سريعا ومؤلما"، وفق وصفه.
وأضاف شمسان لـ"الاستقلال" أن "ما جرى هو تحرّك عُماني لإنقاذ الحوثيين والحفاظ على مقدراتهم ومواردهم، لذلك أعتقد أنه تكتيك مؤقت بسبب المحادثات الإيرانية الأميركية بخصوص البرنامج النووي".
وأشار إلى أن “دور عُمان الكبير في إنقاذ وكيل إيران في اليمن، جاء تجنبا لأن يلقى الحوثي مصير حزب الله اللبناني، وربما أسوأ”.
وأردف: "في لبنان لا يوجد رفض (مقاومة) مسلحا للحزب، لكن في اليمن الجيش يتعامل معهم على أنهم جماعة انقلابية ويواجههم بالسلاح، كما أن هناك مقاومة وطنية تقاتلهم أيضا".
ورأى شمسان أن "وقف إطلاق النار فيه رسائل إلى إيران، ولكن مع ذلك تم إنقاذ هذا الوكيل (الحوثي)، والاستفادة من المحادثات الأميركية الإيرانية التي ستطول وتمتد إلى جولات عديدة".
وأعرب الخبير اليمني عن اعتقاده بأن "ما حصل ليس استسلاما؛ لأن الاستسلام يجب أن يكون فيه شروط، مثلا تسلم السلاح وتحمل المسؤولية وغيرها، لكن ما سمعناه هو التوصل إلى اتفاق لوقف الهجمات والطرف الآخر يوقف ضرباته أيضا، وبالتالي هذا تكتيك مؤقت".
وتوقع أن “يستمر الحوثيون في استهداف إسرائيل، لذلك فإنهم سيدخلون في اتفاق آخر، وفي هذه الحالة عزلوا الولايات المتحدة عن الأخيرة”.
وبالتالي "سيكون هناك استهداف أحادي، حتى يقول الحوثي إنه يواجه القوى الصهيونية ويدافع عن المقدسات".
واستدرك أن "المعادلة الحوثية تأتي في إطار الإستراتيجية الإيرانية التي تتفاوض حول ملفاتها، وعبر ما يحدثه الوكلاء في المنطقة، وتتعامل مع التحديات الزمنية في وقتها، لكن الإستراتيجية ثابتة ومستمرة، لذلك لا نقرأ ما حصل على أنه استسلام".
وبحسب شمسان، فإنه “من المفترض أن السلطة الشرعية اليمنية هي من يحمي الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر، وبالتالي هي الطرف الذي كان يجب دعمه لحماية الملاحة”.
لكن الأميركيين هم من أعلن أنهم يضمنون سلامة الملاحة في البحر الأحمر، وفق قوله.
ولفت إلى أن "إسرائيل لم تخسر في هذا الاتفاق، وإنما جعلها ترامب صاحبة اليد الطولى في تدمير غزة و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس وحزب الله وقصف لبنان وسوريا واليمن متى شاءت، وبالتالي حققت أهدافها، وأصبحت المنطقة مكشوفة وضعيفة، في ظل غياب مخجل للدول العربية".
وأكد الخبير اليمني أنه "من المعيب أن لا تمتلك هذه المنطقة إستراتيجية رغم امتلاكها القدرة والموارد للتفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا والعالم برمته بأنها صاحبة الحق، وتستطيع أن تفرض أجندتها بكل ما تمتلكه من قوة وعلاقات".

"مهمة قذرة"
من جهته، قال رئيس مركز "أبعاد" اليمني للدراسات الإستراتيجية محمد عبد السلام، في تغريدة على "إكس" في 6 مايو، إنه "قبل الصفقة الكبيرة التي ستتزامن مع زيارته للمنطقة، ترامب يعلن إيقاف الهجمات على الحوثيين، بعد استسلامهم".
وأضاف عبد السلام، أن "المهمة ستوكل إلى إسرائيل في حال قام الحوثيون بهجمات على سفن في البحر الأحمر، وهي المهمة القذرة التي لا تريد واشنطن القيام بها؛ لأنها ستستهدف مقدرات مدنية مثل المطارات والموانئ".
وبحسب الباحث، فإن "واشنطن ضمنت إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، إضافة إلى أن الهجمات أعطت الأميركيين فرصة اختراق معلوماتي عن هيكلة وسلاح الجماعة وقدراتها العسكرية".
ورأى عبد السلام أنه "في حال كان هناك صفقة إقليمية ودولية، تحقق لواشنطن هدف إضعاف الدور الصيني المتنامي، لا يستبعد دعم الولايات المتحدة للعملية البرية (باليمن)، التي أصبحت ناضجة بعد إيقاف الإمدادات وإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين".
وفي هذا السياق، لا يستبعد عبد السلام أن “تنتهي قصة الحوثيين بضربة على إيران يقابلها استسلام كامل من الحوثي، والخروج من السيطرة على الدولة اليمنية”.
وأردف: "إلى ذلك الحين قد تشهد الحكومة المعترف بها دوليا تغيرات كبيرة في بنيتها وبنية قيادة المجلس الرئاسي، الذي فشل فشلا ذريعا في استغلال الفرص المتاحة".
وفسر عبد السلام التوصل لاتفاق بين الحوثي وواشنطن، بالقول: إنه "بعد تدمير كل المقدرات اليمنية ستتوقف الهجمات الأميركية الإسرائيلية.. كانت رسالة واضحة لإيران ثمنها المنشآت اليمنية، خضعت طهران ومنعت أي استهداف لمنشآتها، وقام بالمهمة الحوثي".
وتابع: "لم يعد في اليمن من أهداف سوى كذب الحوثي وتدليسه، وهذا الكذب لا تكسره هجمات على المطارات والموانئ والمصانع، بل على اليمنيين كسره، حتى لا يستمر استدعاء الخارج لضرب مقدرات اليمنيين".
وأكد عبد السلام أن “اليمنيين خسروا ثلاثة موانئ ومطار ومصانع الإسمنت في البلاد، وثلاث طائرات مدنية مقابل استعراض كاذب بصاروخ لم يحدث أي خسائر في إسرائيل”.
من جانبه، قال المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، إن "الإقليم تحرك لتأمين زيارة هادئة ومشرفة لرئيس أقوى دولة في العالم إلى المنطقة.. لكن هذه الصفقة توجه المزيد من الإهانة للمنطقة، وضربة قاتلة لجهود استعادة اليمن كدولة موحدة وكاملة السيادة وموفورة الكرامة".
وأضاف عبر "إكس" في 6 مايو، أن “الحوثيين ورعاتهم الإقليميين منحوا ترامب ما أراده وهو الاستسلام والشعور بالنصر، رغم فارق القوة الهائل”.
لكن "هناك جائزة يتحصل عليها الحوثي وهي صيغة الاتفاق الثنائي مع الأميركيين حتى لو كان بطعم الاستسلام".
ورأى التميمي أن "هذا الاتفاق، يهمش الحكومة الشرعية والسعودية معا في المدى المنظور، ويحرر الحوثيين من أي التزام بشأن الحرب اليمنية، ويمنحهم الفرصة للمضي قدما نحو بناء سلطتهم على أنقاض الحرب".
وأردف: “العالم لن يتوقف عند عبارة -استسلام الحوثيين-، كما أن الاتفاق مع الأميركيين لا يتضمن ظاهريا التزاما بعدم مهاجمة إسرائيل”.
لكن "لا يعني ذلك سوى توقف الحوثي عن معركة الإسناد التي اعتمدت بصورة أساسية على مهاجمة السفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية أو التي تخدم تل أبيب".
وزاد، قائلا: "من الواضح أن الاشتباك مع تل أبيب في طريقه إلى التوقف لحماية آخر أذرع إيران من الزوال، ثم إن رصيد الحوثيين من المقدرات الوطنية التي بناها الشعب من عرقه ومن المساعدات والقروض الخارجية قد نفد تحت وقع الضربات التي نفذها الصهاينة الإسرائيليون والأميركيون".
وختم التميمي حديثه بالقول، إن "نهاية الحرب الأميركية على الحوثيين بهذه الطريقة، تمثل كارثة إضافية على مستقبل الدولة اليمنية أكبر بكثير من تلك التي أنتجتها سياسة التحالف وهيمنته على السلطة الشرعية طيلة السنوات الماضية".