من كولومبيا إلى السودان.. قصة المرتزقة والطائرة الإماراتية التي لم تصل

"أكثر من 300 كولومبي وصلوا إلى السودان منذ 2024"
بعد نقلها مرتزقة من دول إفريقية، لدعم مليشيا الدعم السريع بقيادة المتمرد محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتأجيج الحرب الأهلية في السودان، لنهب ذهبه وموانئه، تكشّفت فضيحة جديدة للإمارات وهي نقل مرتزقة أجانب من كولومبيا إلى السودان.
الفضيحة أعلنت عنها وزارة الخارجية السودانية عبر بيان في 5 أغسطس/آب 2025، ثم التلفزيون الرسمي في 7 أغسطس.
وأكدا أن الجيش دمر "طائرة إماراتية تحمل مرتزقة كولومبيين" أثناء هبوطها في مطار يقع غربي البلاد تسيطر عليه مليشيا الدعم السريع، ما أسفر عن سقوط 40 قتيلا على الأقل، بحسب "وكالة الأنباء الفرنسية".
ورغم النفي الإماراتي المستمر، اعترف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بالواقعة، معلنا أن حكومته تسعى لمعرفة عدد الكولومبيين الذين قضوا في الغارة، وكتب على منصة "إكس" قائلا: "سنرى إن كان بإمكاننا استعادة جثثهم" و"منع الارتزاق".
وكشفت صحيفة "لا سيلا فاسيا" الكولومبية في 8 أغسطس، عن مشاركة أكثر من 300 عسكري كولومبي سابق جُندوا في عملية تُعرف باسم "ذئاب الصحراء"، في حرب السودان.
وأكدت أن عقيدا كولومبيا متقاعدا يقود عملية المرتزقة الكولومبيين، جنوب مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وهي التي قصفها الجيش السوداني وقتل فيها المرتزقة الكولومبيين.
رعاية وتمويل
في 4 أغسطس 2025 اتهم السودان الإمارات، بإرسال مرتزقة كولومبيين للقتال إلى جانب الدعم السريع في الحرب الأهلية.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية في بيان، أن الحكومة لديها "أدلة دامغة" تؤكد رعاية وتمويل السلطات الإماراتية لمرتزقة من كولومبيا وبعض الدول الإفريقية المجاورة.
وأكدت الخارجية أن الإمارات قامت باستئجار مئات الآلاف من المرتزقة من جميع أنحاء القارة الإفريقية ليحاربوا الجيش السوداني بجانب "الدعم السريع".
وأوضح تقرير للتلفزيون السوداني، في 7 أغسطس 2025، أن الطائرة العسكرية الإماراتية التي تم تدميرها، أقلعت من إحدى القواعد الجوية في منطقة الخليج وكانت تنقل "شحنات من العتاد والسلاح" إلى الدعم السريع.
وأشار التلفزيون إلى أن "الغارة الجوية أسفرت عن هلاك ما لا يقل عن 40 مرتزقا كولومبيا كانوا على متن الطائرة".
وقال مصدر عسكري: إن الطائرة العسكرية الإماراتية "تعرضت للقصف ودُمرت بالكامل" في مطار نيالا بدارفور الذي شهد أخيرا غارات جوية متكررة للجيش السوداني في خضمّ حربه المستمرة ضد الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان 2023.
ورغم النفي الإماراتي، أكد تقرير لمنظمة العفو الدولية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن الجيش السوداني استولى على مركبات مدرعة من صنع إماراتي ومجهزة بأنظمة دفاعية فرنسية.
كما عرض جنود سودانيون وثائق لهويات أسرى مرتزقة عسكريين من كولومبيا كانوا يحاربون بجوار قوات حميدتي وتم قتلهم.
وشككت صحف وحسابات إماراتية وأخرى تعود لموالين لمليشيا حميدتي، في إسقاط الطائرة الإماراتية أو مقتل 40 من المرتزقة، رغم تأكيد حسابات سودانية تسليم جثامين المرتزقة الكولومبيين، في حضور السفارة الكولومبية.
صحيفة "دبنقا"، المعارضة للحكومة السودانية والتي تصدر من أمستردام، قالت في 7 أغسطس 2025، إن تقرير تلفزيون السودان حول إسقاط الطائرة الإماراتية وقتل 40 مرتزقا كولومبيا لا يستند الى أي مصدر رسمي.
ونقلت عن مواطنين من نيالا اتصلت بهم أنهم لم يسمعوا أي أصوات قصف في المطار خلال اليومين الماضيين، ونفى قيادي في الدعم السريع، صحة الخبر.
لكن نفس الصحيفة أكدت في 8 أغسطس وقوع انفجارين في مطار نيالا ما يشير إلى سلسلة هجمات مستمرة كما قالت حكومة الخرطوم.
وفي 2 أغسطس 2025، أعلنت القوات المشتركة التي تحارب مليشيا حميدتي في مدينة الفاشر صد هجوم للدعم السريع، مؤكدة مقتل قائد كولومبي كان ضمن أكثر من 80 مرتزقا من كولومبيا، يقاتلون إلى جانب الدعم السريع.
وأظهرت صور ومقاطع مُسرّبة من هاتفه مشاركته في تشغيل مسيّرات وتدريبات عسكرية.
وتعود أول التقارير التي تحدثت عن وجود مقاتلين كولومبيين في دارفور إلى نهاية 2024، وقد أكدها خبراء في الأمم المتحدة.
ونشرت صحيفة "لا سيلا فاسيا" الكولومبية سلسلة تحقيقات في نوفمبر 2024، وأغسطس 2025 تؤكد قيام مرتزقة كولومبيين، أرسلتهم الإمارات من أجل دعم مليشيات التمرد في السودان، بتدريب قوات حميدتي.
وأكدت أن الضباط الكولومبيين السابقين أجبروا على ملء نموذج السيرة الذاتية والتوقيع على بند السرية من شركة "مجموعة الخدمات الأمنية الدولية"، وهي أول شركة أمنية خاصة في الإمارات تحصل على رخصة أمنية مسلحة.
كيفية التجنيد
وعند وصول الجنود الكولومبيين إلى محطتهم الأولى في دبي أو أبو ظبي يتم التعاقد معهم برواتب شهرية تتراوح ما بين 2600 دولار للجندي إلى 3400 دولار لضباط الصف ومن ثم ينقلون إلى بنغازي.
وحسب شهادات لعسكريين سابقين، تحدثوا لصحيفة "لا سيلا فاسيا"، فإن الشركة تعمل على أن يصل عدد الجنود الكولومبيين في السودان إلى ما بين 1500 إلى 1800.
ونقلت عن قائد من المرتزقة الكولومبيين الذين يدربون الأطفال ويدعى "سيزار" قوله: "ندرب الأطفال لكي يُقتَلوا"، وأظهر صورا لشبان سودانيين (طفلان) قال إنه تم تدريبهما من قبله ومن قبل مرتزقة كولومبيين آخرين".
وقالت الصحيفة: إن معسكرات تدريب الدعم السريع من قبل الكولومبيين تضم من 1000 إلى 2000 أو حتى 3000 سوداني، وهناك أطفال في سن 10 و11 و12 سنة، وفي العشرينيات والثلاثينيات أيضا.
وكشفت "لا سييا"، أن أكثر من 300 جندي كولومبي سابق، تم خداع بعضهم، بحجة العمل في الإمارات، وصلوا إلى السودان منذ 2024 لدعم حميدتي ضمن عملية مرتزقة عابرة للحدود تُعرف باسم "ذئاب الصحراء".
ويقود هذه العملية الكولونيل المتقاعد من الجيش الكولومبي، ألفارو كيخانو، بالتعاون مع شركة أمنية إماراتية تُدعى “غلوبال سيكيوريتي سيرفيس كروب” (GSSG)، يملكها محمد حمدان الزعابي، إماراتي الجنسية.
أيضا أكد صحفيون من كولومبيا، منهم دانييل باتشيكو، وسانتياغو رودريغيز، وجود أكثر من 300 جندي كولومبي سابق يعملون كمرتزقة داخل السودان إلى جانب مليشيا الدعم السريع المدعومة من الإمارات.
وأكدوا أن العديد من هؤلاء المرتزقة متورطون بشكل مباشر في تدريب أطفال سودانيين على القتال في 4 معسكرات، يضم كل منها بين 1000 إلى 3000 مجند سوداني (أغلبهم بين 12 و18 عاما)، ويدربهم ما بين 50 إلى 70 مرتزقا كولومبيا.
وأشاروا إلى أن التجنيد غالبا ما يتم بالإكراه؛ حيث تُجبر القرى على تقديم أطفالها للمليشيات، في ظل حملة عسكرية تستخدم المجاعة كأداة حرب، كما تفعل إسرائيل في قطاع غزة.
وقال رودريغيز: إن أبو ظبي تدير حربا بالوكالة في السودان من خلال تمويل مليشيا الدعم السريع، وتوظيف المرتزقة من كولومبيا عبر شبكة شركات، مستفيدة من نفوذها المالي في المنطقة، وفي كولومبيا نفسها، عبر صندوق الإمارات السيادي.
بحسب مجلة "ميليتري ووتش" في يناير/ كانون الثاني 2025، تم تمويل المرتزقة الكولومبيين من قبل الإمارات المتحالفة مع الدعم السريع، للقتال في السودان.
وتشرح “منصة سودانيات” كيف يصل المرتزقة الكولومبيون إلى السودان، نقلا عن مصادر كولومبية، مؤكده أنه يتم تجنيد الجنود الكولومبيين السابقين من خلال شركات أمن خاصة، تحت غطاء مضلل.
وتُقدم لهم عروض عمل مغرية كحراس أمن في الإمارات، برواتب عالية تتجاوز بكثير ما يمكنهم الحصول عليه في كولومبيا، ويتم نقلهم في مجموعات صغيرة إلى الإمارات كنقطة التجمع، لتوقيع عقود تتضمن بنودا سرية تمنعهم من الكشف عن تفاصيل عملهم.
وبعدها يتم ترحيلهم الي قاعدة عسكرية تابعة للإمارات في أرض صومالي لاند ومنها يتم ترحيلهم إلى ليبيا جوا وتحديدا مدينة بنغازي، ومنها نقلهم برا عبر الصحراء في رحلة طويلة وشاقة تستغرق عدة أيام، حتى يصلوا إلى الحدود السودانية ليشاركوا مع الدعم السريع في قتال الجيش السوداني.
ويتم استخدام خبراتهم العسكرية في حرب العصابات والعمليات التقنية كتشغيل الطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة.
قانون منع المرتزقة
تعود قصة مشاركة مرتزقة من كولومبيا في حرب السودان، إلى عام 2024، حين تم الكشف عن قتل بعضهم على يد الجيش.
واعترفت الحكومة الكولومبية في ديسمبر/كانون الأول 2024، بتورط جنود سابقين منها في الحرب واعتذرت للسودان عن مشاركة مواطنين كولومبيين كمرتزقة ضمن مليشيا الدعم السريع.
حينها، تقدمت سفيرة كولمبيا لدى القاهرة باعتذار خلال لقائها بنظيرها السوداني عماد الدين مصطفى عدوي، وقالت: إنهم مرتزقة تعارض حكومتها مشاركتهم في الحرب.
وكانت المفاجأة التي نسفت نفي الإمارات تجنيد ونقل مرتزقة من كولومبيا للسودان، هي اعتراف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بالواقعة، ومطالبته حكومته بالتحقيق في الأمر وحديثه عن قانون يمنع ويُجرم عمل هؤلاء المرتزقة.
وقال: إن حكومته تسعى لمعرفة عدد الكولومبيين الذين قضوا في الغارة، وكتب بيترو عبر منصة "إكس" "سنرى إن كان بإمكاننا استعادة جثثهم"، ووصف الارتزاق بأنه "اتجار بالبشر".
وأكد تكليف سفيرة بلاده في مصر بالتحقق من الحادث، والسعي لإعادة الجثامين، مشيرا إلى ضرورة الاستعجال في سن قانون كان قد اقترحه سابقا لمكافحة الارتزاق وتجريمه.
وكان الرئيس الكولومبي قد غرد بمواقف مماثلة في نوفمبر 2024، عند نشر تقارير موثقة عن مشاركة مرتزقة كولومبيين في الحرب في السودان وقتل بعضهم ونشر وثائق هوياتهم.
وتعد كولومبيا مركزا عالميا لصناعة المرتزقة، المدفوعين بعوامل مثل الأوضاع الاقتصادية، وقد شاركوا في عدة صراعات منها السودان وهايتي واليمن وأوكرانيا، وقد استعانت الإمارات ببعضهم لتنفيذ عمليات في اليمن والخليج، بحسب "نيويورك تايمز" في 25 نوفمبر 2015.
ودأب الجيش السوداني على اتهام الإمارات بتزويد الدعم السريع بأسلحة، خصوصا المسيّرات، عبر مطار نيالا في دارفور، لكن أبو ظبي نفت ذلك، رغم تقارير عدة لخبراء في الأمم المتحدة ومنظمات دولية أكدت هذه المعلومات.
أهداف مشبوهة
لدى أبو ظبي أجندة مشبوهة في السودان تستهدف تأجيج عدم الاستقرار، بغرض نشر الفوضى التي تصب في صالحها، حيث ترغب في السيطرة على موارد السودان من ذهب وأراض ومواني، بحسب محللين سودانيين.
وقد نشطت مع حميدتي في استخراج وتهريب الذهب من السودان وبيعه بعيدا عن الرقابة الحكومية السودانية، كما حاولت السيطرة على موانئ أبرزها ميناء بورتسودان.
لذا لعبت بحميدتي كورقة سياسية وإثنية لإعداد الملعب للاقتصاد الذي تعتقد الإمارات أنها ستكون هي اللاعب الأوحد الذي يتحكم بالممرات ويريحها من المنافس السعودي ويعيق مصر لصالح إثيوبيا، بحسب آراء المحللين.
وتساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 29 سبتمبر/ أيلول 2023: "لماذا اختارت الإمارات مضاعفة جهودها لدعم حميدتي، رغم الأدلة المتزايدة على الفظائع التي ارتكبت في زمن الحرب، ما يحير المسؤولين والمحللين الغربيين".
وأجابت الصحيفة: "ترى الإمارات، مثل العديد من دول الخليج، السودان كمصدر محتمل للغذاء، وتطمح إلى موقع على ساحل البحر الأحمر".
وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 10 فبراير/شباط 2020 تفاصيل مثيرة عن سيطرة الدعم السريع على مناجم الذهب في البلاد ودور الإمارات في هذا القطاع واستحواذها على معظم صادرات الذهب السوداني.
وقالت: إن “من يشتري هذا الذهب، الذي يسيطر عليه وينهبه حميدتي، هي الإمارات ومرتزقة فاغنر الروسية التي تتولى عمليات نقله وحمايته، عبر عمليات مشبوهة”.
وقالت الصحيفة: إن الإمارات تعد أكبر مستورد للذهب السوداني في العالم، حيث تُظهر بيانات منظمة التجارة العالمية لعام 2018 أنها استوردت 99.2 بالمئة منه.
وكشف تحقيق لوكالة "بلومبيرغ" في 28 ديسمبر 2021، أنه يجرى تهريب أطنان من الذهب من 9 دول، أبرزها السودان، للإمارات ثم تُحول إلى مجوهرات وسبائك لطمس مصدرها.
وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" في 5 يونيو/حزيران 2022، في تحقيق تتبعت فيه مسار ذهب السودان الذي يبيعه حميدتي، أن معظم إنتاج السودان من الذهب، يتم تهريبه عبر الإمارات.
وقالت: إن الإمارات هي "المركز الرئيس للذهب الإفريقي غير المصرح به" أي المنهوب بواسطة حميدتي، في وقت تعلن في وزارة التعدين السودانية أن 80 بالمئة من الذهب يخرج من البلاد بطريقة غير قانونية.