مرحلة جديدة.. ما سر الإقبال الدولي على الاستثمار في صناعة الإسمنت بسوريا؟

مصعب المجبل | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

في ذروة تصاعد العروض الاستثمارية في سوريا الجديدة، يبرز قطاع إنتاج الإسمنت كأحد المجالات الذي تتزايد رغبة الشركات الدولية في الحصول على مناقصات فيه.

وبينما تبحث الشركات الدولية عن الربح من خلال الاستثمار في مجال الإسمنت الذي تحتوي الأرض السورية على بيئة خصبة لإنتاجه، يعدّ هذا القطاع المساهم الأبرز في مرحلة إعادة الإعمار المرتقبة.

الوجه الحقيقي

ورغم أن إنتاج الإسمنت في سوريا تراجع خلال السنوات السابقة بسبب نقص التمويل وتقادم المصانع وغياب قطع التبديل وإغلاق الكثير منها نتيجة العقوبات الغربية، إلا أن مرحلة جديدة قد تخرج هذا القطاع من سباته.

فقد أكد المدير العام للشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء "العمران"، محمود فضيلة، أن الحكومة تلقت أكثر من 15 عرضا من شركات عربية وأجنبية للاستثمار في صناعة الإسمنت ومواد البناء.

وأوضح فضيلة خلال تصريحات في 30 يوليو/ تموز 2025 أن وزارة الاقتصاد والصناعة، بالتعاون مع شركة الإسمنت، أعدتا منذ مطلع يوليو دفتر شروط خاصا باستثمار مطاحن الإسمنت في معمل إسمنت طرطوس، يتضمن المعايير الفنية والقانونية والمالية. 

ولفت إلى أن إدارة الشركة عقدت جلسة تعريفية في مقر شركة إسمنت عدرا بريف دمشق، بحضور مديري وممثلي الشركات المهتمة.

وشارك في الجلسة ممثلون عن 15 شركة من سوريا والسعودية والأردن ولبنان والعراق وتركيا وألمانيا، وأبدوا اهتمامهم بالاستثمار، ليس فقط في مطاحن معمل طرطوس، بل أيضا في معامل أخرى تابعة للشركة سيتم طرحها لاحقا.

وقررت الحكومة السورية وقف إنتاج الكلنكر (المادة الأولية للإسمنت قبل الطحن) محليا نتيجة ارتفاع تكاليفه وارتفاع أسعار الفيول، وتقادم خطوط الإنتاج في المعامل القائمة.

وكإجراء علاجي يتم في الوقت الراهن استيراد الكلينكر من السعودية، ومصر، والجزائر، والعراق، وبتكلفة منخفضة عن كلف إنتاجها في معامل الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء “عمران”، ما يخفض تكلفة المنتج النهائي.

وكشف سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2025، حجم الدمار الحقيقي في المدن والأحياء بفعل الآلة العسكرية التي اتبعت سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع المناطق الثائرة.

فقبل سقوط النظام، لم تكن عدسات الكاميرا تظهر الوجه الحقيقي لحجم الدمار، كما أن تحرير البلاد سمح للجان الهندسية بإعطاء تقييمات أولية عن طبيعة الدمار في المحافظات، لا سيما أن مدنا في جميع أنحاء سوريا في حالة دمار شامل، واستُنفدت فيها الخدمات الأساسية. 

وسبق أن أصدر معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) عام 2026 دراسة مسحية للدمار الحاصل في نحو 16 مدينة وبلدة سورية، إثر الأعمال العسكرية التي كان نظام الأسد وحلفاؤه مسؤولين عن معظمها.

وذكرت الدراسة أن حلب أكثر المدن المتضررة من جراء القصف، حيث وصل عدد المباني المدمرة فيها إلى نحو 36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بريف دمشق بـ35 ألفا.

وجاء في المرتبة الثالثة مدينة حمص التي تدمر فيها 13 ألفا و778 بناء، ثم الرقة 12 ألفا و781، ومن ثم حماة 6405، ودير الزور 6405، بالإضافة لمخيم اليرموك 5489 بناء.

"مواكبة الاتفاقيات"

وفي الوقت الراهن، تتجه الحكومة إلى استثمار مواقع إنتاج الإسمنت التي تعاني من نقص في المواد الخام بالشكل الأمثل، خاصة أن هناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب في مادة الإسمنت، نتيجة منع الاستيراد واقتصار الإنتاج على معامل القطاع العام ومعمل خاص واحد، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

ومعامل الإسمنت القائمة تتوزع على منطقة عدرا بريف دمشق، والرستن في حمص، والمسلمية في حلب، إضافة إلى معمل الإسمنت في طرطوس.

ويباع الإسمنت عبر أكياس بسعر 107 دولارات للطن، أو بطريقة غير مغلفة، وسعر الطن 105 دولارات، وذلك عبر موزعين لجميع المحافظات.

وهناك 60 بالمئة من الكميات المتوفرة حاليا من الإسمنت بسوريا مصدرها الاستيراد، بينما يتم بيع كامل الإنتاج المحلي دون أن يؤثر ذلك على عمل المعامل السورية.

وكان معمل إسمنت حماة عاد للعمل، في 23 فبراير/ شباط 2025، وبدأ في بيع منتجه بالدولار، بأسعار وصفتها إدارة المعمل بأنها "مناسبة ومنافسة" للإسمنت المستورد.

وبلغت طاقة المعمل الإنتاجية حاليا 3300 طن يوميا، وينتج أكثر من نوع منها إسمنت بورتلاندي، وآباري، ومقاوم للكبريتات.

ومع ذلك، لا يزال إقبال الأهالي على إعادة إعمار منازلهم ضعيفا، بسبب التكاليف المرتفعة؛ إذ يعيش أكثر من 90 بالمئة من الأسر تحت خط الفقر. 

بينما يعاني ما لا يقل عن 13 مليون شخص (أي أكثر من نصف السكان) من عدم القدرة على الوصول إلى غذاء كافٍ أو تحمل تكلفته. وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش“.

وبحسب ما قال نائب رئيس مجلس إدارة اتحاد مصنعي الأسمنت في تركيا، عبد الحميد أكجاي، في 25 ديسمبر 2024 فإن بلاده ستلعب دورا رئيسا في تلبية حاجة سوريا من الإسمنت.

وقدر المجلس حاجة سوريا من الإسمنت خلال العقد المقبل بنحو 60 مليون طن، ما يعني طلبا سنويا يصل إلى نحو ستة ملايين طن.

ووفق الخبراء فإن وضع معايير فنية لكل موقع على حدة، بهدف رفع كميات وجودة الإنتاج وخفض تكاليفه، عبر تخفيف استيراد مستلزمات ومواد الإنتاج وخفض الضغط على الخزينة العامة من القطع الأجنبي.

وتدرك كثير من الشركات أن بناء معامل إسمنت حديثة في مواقع إستراتيجية بسوريا وفق أعلى المعايير الفنية، سيسمح بالتصريف المحلي في المرحلة المقبلة من إعادة الإعمار، تصدير فائض الإنتاج نحو دول الجوار والأسواق العالمية، مستفيدة من موقع سوريا الجغرافي.

وهناك دراسة يجرى العمل عليها لإنشاء معمل إسمنت جديد في حلب بطاقة إنتاجية، تصل إلى 10 آلاف طن يوميا، ليكون رافدا حيويا في مرحلة إعادة الإعمار.

وتحتاج المشاريع المستقبلية بسوريا التي تشمل بناء المنازل والبنية التحتية، وتجهيز المطارات، ومحطات توليد، والجسور، والفنادق، والمراكز الصناعية والسياحية إلى كميات كبيرة من الإسمنت ما يتطلب السعي لتحقيق التوازن بين الإنتاج والطلب.

وضمن هذا السياق، يؤكد الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، أيمن الدسوقي، أن "الشركات الدولية تنظر إلى قطاع الإسمنت بصفته إحدى الفرص الاستثمارية المربحة في سوريا، لا سيما في ظلّ توجه الحكومة لتسهيل الاستثمارات الأجنبية".

وأوضح الدسوقي لـ"الاستقلال" أن "تهافت الشركات الدولية يأتي لأن الإنتاج المحلي لا يواكب الطلب الراهن على المادة في ظل مرحلة إعادة الإعمار".

ولفت إلى "وجود فجوة متزايدة بين الطلب والعرض جراء التوقع بتنامي الطلب على الإسمنت مع البدء بتنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة أخيرا، لا سيما في قطاع الإنشاءات والبنية التحتية، وربما التفكير باستخدام مزايا الجغرافية السورية الوسيطة وتحويلها لمركز لتصدير هذه المادة بوقت لاحق".

وأشار الدسوقي إلى أن "قطاع الإسمنت بسوريا يواجه نقصا في العمالة الخبيرة بسبب تقاعد أغلب العمال وتسرب البعض وعدم تعيين عمال أو مهندسين بشكل كافٍ وقلة العمالة الشابة والمختصة من حملة الشهادات العلمية والعمالة الفنية والإنتاجية والإدارية".

تطوير القطاع

وتعمل الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء “عمران” على وضع خريطة جديدة لصناعة الإسمنت وتطويرها، بالاعتماد على خبرات محلية واستشارات دولية، بحسب ما قال المدير العام للشركة، المهندس محمود فضيلة في 22 يوليو 2025 لوكالة الأنباء الرسمية "سانا".

ولفت فضيلة إلى أن حجم الطلب على الإسمنت قبل عام 2011 كان يبلغ نحو ثمانية ملايين طن سنويا، في حين لم يتجاوز الإنتاج المحلي آنذاك خمسة ملايين ونصف مليون طن، وكان الفرق تتم تغطيته عبر الاستيراد.

أما اليوم، فقد بلغ متوسط الاستهلاك اليومي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، حوالي 20 إلى 25 ألف طن، أي ما يعادل نحو 7 ملايين طن سنويا، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي الفعلي الحالي، أربعة ملايين ونصف مليون طن، في حال تشغيل المعامل الحكومية بكامل طاقتها، في حين لا ينتج القطاع الخاص في الوقت الحالي سوى 5ر1 مليون طن سنويا.

 وهناك 11 رخصة لإنشاء معامل إسمنت كانت قد منحت لمستثمرين قبل العام 2010، ولم يتم إنشاؤها، وقد جرى إبلاغ أصحاب هذه الرخص، بضرورة وضع جدول زمني واضح لإنشاء المعامل، التي ستصل طاقتها الإنتاجية حين دخولها مرحلة الإنتاج إلى 40 مليون طن سنويا.

ووقعت شركة إسمنت الجوف السعودية في 20 يناير/ كانون الثاني 2025 عقدا مع مؤسسة محمد شاهي الرويلي للمقاولات لبيع أنواع الأسمنت والكلنكر كافة لغرض التصدير إلى سوريا.

وتعمل شركة "عمران" السورية على توقيع اتفاقيات تعاون فني وتدريب كوادر مع عدد من الدول، إلى جانب السعي لتطوير المعامل القائمة وتزويدها بالتقنيات لمواكبة التطورات الكبيرة التي شهدها قطاع الإسمنت عالميا.

كما وقعت "عمران" اتفاق التعاون المشترك مع مجموعة “الشمالية” لصناعة الإسمنت السعودية في 24 يوليو 2025.

ويهدف الاتفاق إعداد آلية إصلاح شاملة للمعدات، ورفع الكفاءة الفنية للكوادر السورية العاملة في مجال صناعة الإسمنت، وتعزيز آليات التعاون التقني ونقل الخبرات.

وكذلك التركيز على جوانب الحماية، والأمن الصناعي، والسلامة المهنية، إلى جانب التدريب على أحدث تقنيات الحد من التلوث البيئي، ونقل التكنولوجيا الحديثة إلى أرض الواقع، عبر برامج تطبيقية تشمل طحن المواد والكشف الفني على المعدات الصناعية.

وكان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، أعلن خلال منتدى الاستثمار السوري السعودي، في يوليو 2025 عن إنشاء أكثر من 3 مصانع إسمنت في سوريا، باستثمارات تتجاوز 11 مليار ريال سعودي.

وأطلق وزير الاقتصاد والصناعة السوري محمد نضال الشعار ووزير الاستثمار السعودي، في 23 يوليو 2025، مشروع مصنع “فيحاء” للإسمنت في مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق كأول مشروع لصناعة الإسمنت الأبيض في سوريا.