دعوات للاستفتاء على النظام بإيران.. ماذا فعل بزشكيان في أولى سنوات ولايته؟

يوسف العلي | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قدم وعودا كثيرة للشعب عند تشكيل حكومته، لكن بعد مرور سنة كاملة على توليه السلطة والتي واجهت فيها أكثر الحقب تقلبا وتحولا بتاريخ إيران، أخفق في تنفيذ وعوده، بحسب مراقبين، وصارت مهمّته تتمثّل بإدارة البلاد في زمن الحرب.

وفي 28 يوليو/ تموز 2024، سلّم المرشد الإيراني علي خامنئي، مقاليد السلطة للرئيس الإيراني الإصلاحي، مسعود بزشكيان لتبدأ رسميا الدورة الـ14 لرئاسة الجمهورية في إيران، في حين تعهد الأخير بتعزيز قدرات بلاده الدفاعية، وأن تكون لها علاقات بناءة مع دول العالم.

وبعدها بيومين أدى بزشكيان اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، وقال في وقتها إنه "سيسعى إلى رفع الحظر الاقتصادي عن إيران، وسيعمل على تطوير العلاقات مع دول الجوار من أجل تحسين حياة شعوب المنطقة"، وفق تعبيره.

"إصلاحات جذرية"

وعن مدى إجراء تغييرات في حكومة بزشكيان بعد مرور عام كامل على تولي الأخير السلطة في البلاد، رأى الكاتب الإيراني، قادر بستاني تبريزي، أنّ "الحكومة في إيران وصلت إلى مرحلة حرجة تستلزم التحوّل من البُنى المغلقة إلى نهج تشاركي يشمل شريحة أوسع من المجتمع".

وأضاف تبريزي خلال مقال نشرته صحيفة "اعتماد" الإصلاحية في 4 أغسطس/ آب 2025، أنّ "التجربة القاسية للحرب الأخيرة أظهرت أنّ شرعية النظام لا يمكن الحفاظ عليها من خلال النواة الصلبة فقط، بل عبر إشراك الشعب في الحوار وصنع القرار".

وأشار إلى أن الحوار الصادق والشفاف بين الحكومة والمجتمع هو المدخل لإعادة بناء الثقة، وهذا لا يتطلب إقصاء القوى المهيمنة، بل التوصل لاتفاق جديد مع قطاعات واسعة من الشعب، وتجاوز التصنيفات التقليدية، مثل: "الولاء والمعارضة"، لتحقيق الفهم المشترك والانطلاق نحو إصلاحات جذرية.

وشدد تبريزي على أن هيمنة أقلية على مفاصل الحكم، أدّى إلى إضعاف فاعلية الشعب، وتهميشه في المحطات المفصلية، مؤكدا أن الحكم بحاجة إلى سردية واضحة تطمئن الشعب وتمنحه أفقا إيجابيا.

وأكد الكاتب الإيراني أن "الإصلاحات أصبحت حاجة حيوية لا يمكن تأجيلها"، مطالبا بفتح المجال أمام الكفاءات والنخب الجديدة لإحداث التغيير، وأن إيران تملك طاقات داخلية ضخمة.

وفي السياق ذاته، قال الكاتب اللبناني، يوسف بدر، خلال مقال نشرته صحيفة "النهار" اللبنانية في 4 أغسطس، إنه "بعد مرور عام على حكومة بزشكيان الإصلاحية، لم يتقن الجناح المتشدد كما هو مألوف عنه في أي بلد، سياسةً أفضل من وضع "العصا في العجلة".

وأوضح الكاتب قائلا: "بينما يحذر إصلاحيون من تكرار السياسة نفسها التي عَرّضتْ سلامة الأراضي الإيرانية للخطر إذا ما تمت إعادة فرض العقوبات الدولية، كانت ردود الجناح الذي يرفض المفاوضات مع الغرب، أن إيران طالما اعتادت على تلك العقوبات وكذلك المعارك والضربات العسكرية".

ولفت إلى أن هذا الجناح لم يأخذ في الحسبان أن "الأجيال الجديدة لم تعش أيام الثورة ولا ويلات الحرب مع العراق، وبالتالي هي تتوق إلى التغيير ومواكبة التحولات الجارية في محيطها". 

وأردف: "بل ذهب المحافظون إلى إزاحة التهمة عن أنفسهم، بأنهم لم يجلبوا الخراب لإيران، متهمين الإصلاحيين بذلك، فأشاعوا على منصاتهم أن أنصار بزشكيان الذين حذروا خلال حملته الانتخابية من خطورة خسارته على أمن إيران وسلامة أراضيها".

وبحسب الكاتب فإن "المحافظين، يرون أن انتخاب بزشكيان، جلبَ الحرب إلى إيران، بعدما شعر الغرب أنها ضعيفة لا تملك سوى المسار الديبلوماسي، إذ روّج الإصلاحيون لذلك باسم إستراتيجية تجنب (فخ الحرب)، معتقدين أن جهود إسرائيل هدفها تخريب مساعي طهران للانفتاح على العالم الخارجي".

"خيار الاستفتاء"

وفي المقابل، دعا المعارض الإيراني الإصلاحي البارز، مير حسين موسوي، الذي يعيش تحت الإقامة الجبرية في منزله منذ عام 2011، إلى إجراء استفتاء شعبي لتشكيل مجلس تأسيسي وإعادة صياغة الدستور، وذلك حسب بيان له في 31 يوليو 2025.

ووصف رئيس الوزراء الإيراني الأسبق، النظام السياسي القائم بأنه "فاقد للتمثيل الشعبي"، مطالبا بـ"انتقال سلمي" عبر استفتاء وطني يقود إلى تأسيس مجلس لصياغة دستور جديد، يُنهي هيمنة المؤسسات غير المنتخبة، ويمنح الشعب حق تقرير مصيره.

وشدد على أن الوضع المرير الذي وصلت إليه البلاد هو نتيجة سلسلة من الأخطاء الكبرى، مؤكدا أن "تجربة الحرب التي استمرت 12 يوما أظهرت أن السبيل لإنقاذ البلاد يكمن في احترام حق تقرير المصير لجميع المواطنين، وأن تجاهل تطلعات الشعب لا يخدم سوى العدو".

وشدّد موسوي على ضرورة القيام بـ"إجراءات سريعة ورمزية، مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين وتغيير واضح في نهج الإعلام الوطني على المدى القصير"، عادّاً ذلك "الحد الأدنى من المطالب".

وتفاعل الأكاديمي والباحث الإيراني المختص في التاريخ والسياسة، علي بيكدلي مع دعوة موسوي، وأكد أهمية تفعيل مبدأ الاستفتاء المنصوص عليه في المادة 59 من الدستور الإيراني، معتبرا أنّ الشعب قادر على اتخاذ القرار الصائب إذا أُعطي الحق في المشاركة المباشرة.

وفي حوار له مع صحيفة "ستاره صبح" الإصلاحية نشرته في 4 أغسطس، أضاف بيكدلي أنّ "الاستفتاء يمكن أن يكون وسيلة لحل الخلافات السياسية والاجتماعية، كما يحدث في دول ديمقراطية مثل سويسرا وفرنسا وتركيا"، محذّرا من "تداعيات الحرب الأخيرة (الإيرانية- الإسرائيلية)".

وشدّد الباحث بيكدلي على أهمية "الحفاظ على الوحدة الوطنية التي باتت مهدّدة نتيجة تصاعد الفجوة بين الشعب والحكومة، لافتا إلى أنّ "بعض المسؤولين يفتقرون إلى الكفاءة في تحليل الأزمات، حيث يزيد تجاهل مطالب الناس من تلك الفجوة".

وخلص الأكاديمي الإيراني المختص في مجال التاريخ علي بيكدلي إلى أن إيران تمر بمرحلة "لا حرب ولا سلم"، مما يستدعي مبادرات عاجلة لرأب الصدع بين المجتمع والسلطة.

لكن هذه الدعوات، جوبهت بردة فعل شديدة من مجلس صيانة الدستور، وذلك على لسان متحدثه هادي طحان نظيف، الذي وصف المطالبين بالاستفتاء بأنهم "لم يرضخوا أصلا لنتائج الانتخابات"، متسائلا: "من يضمن أنهم سيلتزمون بنتائج استفتاء يطالبون به؟".

ورأى طحان نظيف خلال تصريح صحفي في 2 أغسطس، المطالبة بتغيير النظام السياسي تأتي من "أشخاص لم يلتزم بالقانون في السابق، في انتخابات عادية، لا يمكنه أن يدّعي احترامه لإرادة الشعب"، في إشارة ضمنية إلى موقف موسوي من نتائج الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009، التي فجّرت احتجاجات واسعة عُرفت بالحركة الخضراء.

"منسّق لوجستي"

وعلى الصعيد ذاته، وجه الكاتب الإيراني المعارض، مراد ويسي، انتقادات حادة إلى بزشكيان، وأكد أن فترة عام من رئاسته لم تفشل فقط في تحقيق الوعود الانتخابية، بل أخفقت بشكل واضح في ثلاثة مجالات رئيسة: السياسة الخارجية، الاستجابة لمطالب الشعب، وحل الأزمات الاقتصادية.

وأضاف ويسي خلال مقال نشره موقع "إيران إنترناشيونال" في 31 يوليو، أن "غالبية المجتمع، أدرت بناءً على تجارب الانتخابات السابقة الفاشلة، أن رئاسة الجمهورية في إيران بلا صلاحيات فعلية، وأن كل شيء ينحصر في بيت المرشد والحرس الثوري.

وتابع: "حتى مجلس صيانة الدستور وآليات الرقابة خلقت فضاءً مغلقًا بحيث لم يعد هناك شيء اسمه "انتخابات حقيقية"، بل بقيت مجرد مسرحية انتخابية، لكن مع ذلك، ذهبت أقلية إلى صناديق الاقتراع".

وأردف الكاتب، قائلا: صوت الكثير منهم لبزشكيان بدافع تحليل مفاده أن "مجيء سعيد جليلي (منافسه الأصولي) سيؤدي إلى الحرب". لكن سرعان ما اتضح مدى سذاجة وخطأ هذا التحليل.

ولفت الكاتب إلى أن مقربين من بزشكيان ادعوا أنه "خيار النظام" ويحمل مهمة مزدوجة: التواصل مع العالم، والاستجابة للمطالب الداخلية، بينما رأى آخرون أنه إذا كان جادا بالتغيير، فعليه "إعادة بناء العلاقات مع أميركا وأوروبا. والالتفات إلى المطالب السياسية والاجتماعية للشعب. وحل الأزمات الاقتصادية".

لكن مرّ عام ولم يتحقق هذا المسار، بل دخلت البلاد في حرب شاملة. وبدلاً من التغيير، تحول بزشكيان إلى مجرد منسق لوجستي لحرب خامنئي والحرس الثوري، وفقا للكاتب الإيراني.

وعلى عكس ما ادعي، يضيف الكاتب، لم يكن لبزشكيان أي دور في السياسة الخارجية. فالملف النووي، والعلاقة مع أميركا، وقرارات الحرب كانت جميعها في يد خامنئي وقادة الحرس. واقتصر دور الرئيس على مراقبة الأحداث وتأمين موارد الحرب.

ورأى الكاتب أن الكارثة لم تقتصر على الحرب مع أميركا وإسرائيل، وإنما فقد وصلت العلاقات مع أوروبا، التي كانت دائما ملاذًا آمنا للنظام الإيراني، إلى أسوأ حالاتها. 

وتوصل ويسي إلى أن هذه الأزمة التي تمر بها إيران هي ثمرة النظرة الأيديولوجية لخامنئي للعلاقات الخارجية، ففي يوم مراسم التنصيب (بزشكيان)، كان المرشد واضحا حين قال صراحةً إن "توسيع العلاقات مع أوروبا ليس أولويتنا".

وبعد عام، أصبحت نتيجة هذا التوجه واضحة: مواجهة شاملة مع أوروبا والبلاد على أعتاب مرحلة جديدة من العزلة الدولية. وداخليا، لم تُنفذ وعود بزشكيان بالحريات الاجتماعية ورفع الحجب عن مواقع التواصل، بل ساءت الأوضاع، وفقا للكاتب.

وفي المجال الاقتصادي، يضيف الكاتب، أن سجل حكومة بزشكيان كان فاشلا تماما، لأن تضخم ارتفع، وزادت أسعار الخبز، وأزمة غير مسبوقة في المياه والكهرباء في العديد من المحافظات، وسخط شديد من المتقاعدين، والفلاحين، والموظفين وغيرهم من الفئات على الأوضاع المعيشية، وهذه كلها دلائل على أن هذه الحكومة لا تملك حلولا، بل هي جزء من المشكلة.

حددت الترويكا الأوروبية بالاتفاق مع الولايات المتحدة، نهاية أغسطس/ آب 2025 موعدا نهائيا لإعادة تطبيق آلية "كبح الزناد" على إيران، ما لم تُظهر الأخيرة تعاونا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وترجع إلى المسار الدبلوماسي.

المهلة المحددة لإيران من الترويكا الأوروبية جاءت باتفاق بين رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، وذلك باتفاق مسبق جرى بين هذه الدول والولايات المتحدة.