رغم مرور عام على رحيل الشيخة حسينة.. لماذا لا تتوجه بنغلاديش للانتخابات؟

"كانت المهمة الأساسية ليونس هي توجيه البلاد نحو الانتخابات، لكنه يتقدم بوتيرة بطيئة"
في 5 أغسطس/آب 2024 وعلى إثر احتجاجات واسعة ضد حكومتها، فرَّت رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة من العاصمة دكا إلى الهند؛ حيث ما زالت في منفاها.
وتواجه حسينة اتهامات في بنغلاديش تشمل جرائم ضد الإنسانية والفساد وازدراء القضاء، وقد طالبت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش بتسليمها وألغت جواز سفرها، بينما لم ترد الهند -التي كانت تعدها حليفة- على هذا الطلب.
وبحسب مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، شهدت بنغلاديش حالة من الفوضى السياسية عقب رحيل حسينة؛ إذ تولى رئاسة الحكومة الحائز على جائزة نوبل، محمد يونس، الاقتصادي البالغ من العمر 85 عاما والمعروف بريادته في مجال القروض الصغيرة، والذي سبق أن هاجمته حسينة.
وشكّل يونس ائتلافا يضم نشطاء من المجتمع المدني، وخبراء تقنيين، وإداريين، وسياسيين لإدارة شؤون البلاد، وقد ساد قدر من التفاؤل بين المواطنين؛ إذ شعروا بأمل حقيقي في حدوث تغيير سياسي.

عام على الثورة
وقال الكاتب المقيم في نيويورك، سليل تريباثي: "على مدى عقود، جرى تناوب السلطة السياسية في بنغلاديش بين سلالتين".
الأولى: سلالة حسينة، التي قاد حزبها "رابطة عوامي" البلاد من 1996 إلى 2001، ثم من 2009 حتى العام الماضي، ووالدها زعيم الاستقلال الشيخ مجيب الرحمن، الذي حكم من 1972 حتى 1975، حين اغتيل أثناء توليه منصب الرئيس.
وسلالة "الحزب الوطني" (BNP)، التي قادتها خالدة ضياء وشغلت منصب رئيسة الوزراء من 1991 إلى 1996، ثم من 2001 إلى 2006، وقبلها زوجها ضياء الرحمن، الذي تولى الرئاسة من 1977 إلى 1981، قبل أن يُغتال هو الآخر أثناء وجوده في المنصب.
ولطالما تاق البنغلاديشيون إلى ما يُعرف بـ "حل دون الاثنين"، أي حكومة لا يقودها لا "رابطة عوامي" ولا "الحزب الوطني".
وقال تريباثي: "منذ أن تولى يونس منصبه قبل عام، تدهورت الأحوال، فلا تزال انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة، وبعض خصومه السياسيين يقبعون في السجون".
"كما عاد التهديد الذي يشكله الإسلاميون ليطفو على السطح، مهددا الديمقراطية الليبرالية وحقوق المرأة، وتباطأ النمو الاقتصادي، وتلوح الرسوم الجمركية الأميركية كخطر على صادرات البلاد من الملابس الجاهزة". بحسب زعم الصحيفة.
"وقد أجلت الحكومة الانتقالية الانتخابات، التي من المحتمل أن تُجرى ما بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2026. ومع حظر حزب "رابطة عوامي" واحتمال عدم قدرته على المشاركة في الانتخابات، فإن الاستحقاق المنتظر سيكون على الأرجح منافسة غير متكافئة".
وقال الكاتب: "تشهد السياسة في بنغلاديش انقساما حادا، فالبلاد يهيمن عليها حزبان متناحران، وهما عاجزان عن العمل معا، بل إن بعد عقد ونصف من حكم رابطة عوامي، يسعى العديد من سياسيي المعارضة إلى الانتقام".
وفي الواقع، وجّه المدعون العامون في بنغلاديش اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد حسينة على خلفية أعمال العنف التي وقعت الصيف الماضي في محكمة خاصة.
ولا تعتزم حسينة العودة إلى البلاد لمواجهة التهم، والهند لن تُسلّمها؛ فإذا ما أُجريت المحاكمة، فستكون غيابية، وبالتالي تفتقر إلى الشرعية، وفق المقال.
وأضاف تريباثي أنه بعد عام على الإطاحة بحسينة، لا تزال الآمال في استعادة الديمقراطية مجرد تطلعات لم تتحقق، فبالرغم من أن إصلاح الفوضى التي خلفتها 15 سنة من حكم حسينة يحتاج إلى وقت، إلا أن إدارة يونس مضت بوتيرة بطيئة، وفق المقال.
فالتقارير التي توصي بإعادة تنشيط الجهاز البيروقراطي تُركت دون متابعة، والإصلاحات الديمقراطية تسير ببطء، ويخشى النشطاء أن يفرض الأصوليون الدينيون إرادتهم، إذا ما زاد حزب الجماعة الإسلامية من عدد مقاعده في البرلمان وأصبح قوة مؤثرة في الحكومة المنتخبة المقبلة.
وأشار إلى أن أعضاء حركة "حفظة الإسلام" وجماعات إسلامية أخرى بدأوا بالفعل في الاحتجاج على توصيات صادرة عن هيئة حكومية تدعو لمنح النساء حقوقا متساوية في الميراث.
وأردف: "لم يسبق لحزب الجماعة الإسلامية أن حصد أكثر من 13 بالمئة من الأصوات في الانتخابات البنغلاديشية، لكنه يزداد شعبية أخيرا، ويقيم تجمعات جماهيرية ضخمة".
في الوقت نفسه، خرج أعضاء "حفظة الإسلام" في مسيرات يطالبون فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية.

جمود سياسي
وأكد تريباثي أن "مثل هذه التحديات السياسية يُفضّل أن تُواجَه مباشرةً من قِبل قادة يتمتعون بتفويض شعبي، فمسؤولو الحكومة الانتقالية قد تكون نواياهم حسنة، لكنهم يفتقرون إلى الشرعية".
كما أنهم اضطروا للاعتماد على عناصر من قوات الأمن يُنظر إليهم بعين الريبة بسبب قمعهم العنيف للطلاب والمحتجّين في العام الماضي.
وتابع: "كانت المهمة الأساسية ليونس هي توجيه البلاد نحو الانتخابات، لكن بما أن التقدم يسير بوتيرة بطيئة، فقد بدأت القوى المعادية للديمقراطية بإعادة تنظيم صفوفها".
وفي ظل هذا الجمود السائد، بدأ الحزب الوطني والحركات الأصولية في فرض وجودهم، هذا مع الإشارة إلى أن الحزب سبق أن تحالف مع الجماعة الإسلامية في الماضي.
وإذا لم يتمكن حزب رابطة عوامي من ترشيح مرشحين، فإنّه من غير الواضح ما إذا كان هذا التحالف سيصمد، وفق تقييم الكاتب.
كذلك، قد يشكّل "حزب المواطن القومي"، الذي أسّسه نشطاء طلابيون شاركوا في الانتفاضة ضد حسينة، قوة لا يُستهان بها. لكن الانتخابات لا تزال بعيدة، ومن المبكر الجزم بما سيحدث.
وقال الكاتب: "لا شيء يُسعد يونس أكثر من تحويل التركيز نحو قضايا أقل جدلا، مثل الاقتصاد. وبفضل ما يتحدث عنه من استقرار، استأنفت المؤسسات المالية متعددة الأطراف تقديم القروض لبنغلاديش".
وقد انخفضت نسبة التضخم خلال العام الماضي من قرابة 12 بالمئة إلى ما دون 9 بالمئة. لكن الرسوم الجمركية البالغة 20 بالمئة، التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والتي بدأ سريانها في 7 أغسطس/آب، ستلحق الضرر بصادرات بنغلاديش من الملابس، والتي يذهب نحو خُمسها إلى الولايات المتحدة.
كذلك، تواصل يونس مع الصين وباكستان طلبا للتقارب، وهو ما لن تنظر إليه الهند ولا الولايات المتحدة بعين الرضا.

ضحية سياسية
وأشار إلى أن أصعب مهمة تواجه يونس هي إقناع الأحزاب السياسية في بنغلاديش بالاتفاق على قواعد أساسية وجدول زمني للانتخابات.
فالأحزاب السياسية في تزايد مستمر، والحظر المفروض على حزب رابطة عوامي قد ينتهي بتحويل الحزب الحاكم السابق إلى ضحية سياسية.
ولا يزال هناك خزان من الدعم الشعبي لهذا الحزب، حتى وإن لم يكن ظاهرا بشكل واضح، كما أن منع الحزب من خوض الانتخابات قد يعني تسليم بنغلاديش على طبق من ذهب لقوى فاسدة أو أصولية، حسب زعمه.
وختم قائلا: "الطريق أمام بنغلاديش مليء بالتحديات، قد تكون الآمال التي اشتعلت في يوليو/تموز 2024 قد خف بريقها، لكنها لم تنطفئ بعد".
"حلم النهضة الديمقراطية يتطلب أكثر من مجرّد سقوط مستبد؛ إنه يحتاج إلى التزام طويل الأمد بإعادة بناء المؤسسات، وحماية حقوق الجميع، وتعزيز سياسة شاملة لا تقصي أحدا".