الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان.. كيف ينعكس على الصين والهند؟

"الرياض تدفع الأموال وإسلام آباد تقتني مقاتلات (جيه-35) من الصين، ثم تُنشر هذه المعدات في السعودية"
في 17 سبتمبر/ أيلول 2025، وقعت المملكة العربية السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك، والتي تبدو للوهلة الأولى مجرد تعاون ثنائي بين دولتين تبحثان عن دعم متبادل.
لكن بالنظر عن كثب، تكشف هذه الاتفاقية عن تحولات عميقة في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، مع تداعيات قد تعيد تشكيل ديناميكيات أمن الطاقة العالمي وصادرات الأسلحة والعلاقات الدبلوماسية، بحسب موقع "سوهو" الصيني.
في هذا السياق، لا ينظر الموقع لهذه الاتفاقية على أنها مجرد عقد عسكري تقليدي، بل عدها "إشارة قوية على تسارع وتيرة فك الارتباط مع الولايات المتحدة في المنطقة".
وفي خضم هذا التحول، لفت إلى أن "الصين برزت كأحد أهم المستفيدين المحتملين من التغيرات في الشرق الأوسط، لكن مع ذلك فإن بكين مطالبة بالحذر من الانزلاق في صراعات القوى الكبرى".

دلالات عميقة
وأشار في مطلع حديثه إلى علاقة واشنطن والرياض: "لطالما كانت السعودية القوة النفطية الأبرز في الشرق الأوسط والحليف الأول للولايات المتحدة على مدى عقود، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا في مستوى الثقة السعودية تجاه واشنطن".
وأوضح أن "السبب ليس معقدا، فمن جهة، تواصل الولايات المتحدة تقليص حضورها في الشرق الأوسط لصالح تركيز مواردها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
"ومن جهة أخرى، أثارت الالتزامات الدفاعية الأميركية والأداء المتواضع لأنظمة الأسلحة الأميركية شكوكا في ثقة الرياض بأميركا"، وفق قوله.
واستشهد بما حدث خلال الحرب الحالية بالقول: “خلال الصراع بين إسرائيل وحماس، لم تظهر صواريخ (باتريوت) الأميركية الأداء المتوقع، مما دفع السعودية إلى التساؤل: إذا ما تعرضت المملكة لهجوم، هل ستتمكن الشبكة الدفاعية الأميركية من حمايتها؟”
وتابع: "الإجابة، على ما يبدو، لم تكن مطمئنة، وهكذا بدأت المملكة تبحث عن شريك جديد يعزز أمنها الإستراتيجي".
في هذا السياق، يشير الموقع إلى أن "باكستان برزت كخيار مثالي، فرغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، تمتلك إسلام آباد ترسانة نووية وجيشا يرتبط بعلاقات وثيقة مع الصين".
هذا الارتباط، وفق الموقع، "يحمل دلالات إستراتيجية عميقة، فكلما تعزز التعاون الأمني بين السعودية وباكستان، زادت فرص دخول الصين كلاعب رئيس في معادلة الشرق الأوسط".
ولتسليط الضوء على الدور الصيني، تجدر الإشارة إلى أن السعودية هي المورد الأول للنفط الخام إلى الصين، حيث شكلت 18 بالمئة من إجمالي واردات الصين النفطية في عام 2024.
"وهو ما يعني أنه إذا كانت الطاقة هي العمود الفقري للتعاون بين البلدين، فإن التقارب بين السعودية وباكستان يعزز من استقرار هذا التعاون"، يقول الموقع.
ويضيف: "والأكثر أهمية من ذلك، أن هذه الشراكة قد تفتح الباب أمام استخدام اليوان الصيني في تسوية صفقات النفط، وهي خطوة من شأنها أن تهز هيمنة الدولار الأميركي".
وأردف: "بالنسبة للصين، هذا يعني تعزيز أمن الطاقة من جهة، وتسريع وتيرة تدويل عملتها من جهة أخرى، وهو ما يمكن وصفه بالهدف المزدوج".
إضافة إلى ذلك، يشير الموقع إلى أن هذا التقارب "يؤثر على ملف آخر، وهو مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، أحد أبرز مشاريع مبادرة (الحزام والطريق)".
وتابع موضحا: "هذا المشروع ظل يعاني من نقص التمويل، لكن دخول السعودية بأموالها النفطية يمكن أن يغير المعادلة".
حيث يقدر أنه "بدمج التمويل السعودي مع الخبرة الصينية التقنية والموقع الجغرافي الباكستاني، فإن هذا الممر يمكن أن يتحول إلى شريان اقتصادي نابض في وقت قياسي".

ضربة موجعة
“أما الجانب الأكثر إثارة للاهتمام، فهو الجانب العسكري، فباكستان تعد أكبر مستورد للسلاح الصيني، ومع توقيع الاتفاقية، قد تصبح السعودية قادرة عبر شراكتها مع إسلام آباد على إدخال منظومات عسكرية صينية إلى أراضيها، وهو ما يغير خريطة الدفاع في الشرق الأوسط”. على حد قوله.
وتخيل الموقع سيناريو على النحو التالي: "الرياض تدفع الأموال وإسلام آباد تقتني مقاتلات (جيه-35) ومنظومات الدفاع الجوي (هونغ تشي-9) من الصين، ثم تُنشر هذه المعدات في السعودية بموجب الاتفاق الدفاعي".
ولفت إلى أن "هذا ليس مجرد افتراض، فمصر بالفعل نشرت منظومة (هونغ تشي-9)، والتي تغطي نطاقا يصل إلى حدود إسرائيل".
ويرى الموقع أنه "إذا تبنت السعودية نفس المنظومة، فإن الهيمنة التقنية الأميركية في المنطقة ستتلقى ضربة موجعة".
وأكمل الموقع الصيني حديثه عن الوضع الجديد للصين في الشرق الأوسط: "تاريخيا، انحصرت أدوار بكين في الشرق الأوسط بشراء النفط وتنفيذ مشاريع بنية تحتية، بعيدا عن الملفات الأمنية المباشرة".
واستدرك" "لكن المعادلة الآن مختلفة، فبكين قادرة عبر منصة منظمة شنغهاي للتعاون أن تدفع نحو تعاون سعودي باكستاني في قضايا الأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب، ما يعزز حضورها الأمني غير التقليدي".

الهند وإسرائيل
في الوقت ذاته، ينوه الموقع إلى "ضرورة عدم إغفال أن وراء هذه الفرص الإستراتيجية تكمن أيضا تحديات ومخاطر حقيقية، فواشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تقارب السعودية مع الصين".
في ضوء ذلك، رجح الموقع أن "تلجأ الولايات المتحدة إلى أدوات الضغط التقليدية لعرقلة هذا المسار، مثل فرض عقوبات، أو ممارسة ضغوط دبلوماسية مباشرة".
ووفقا له، قد يشمل ذلك تقييد مبيعات الأسلحة للسعودية، أو منع نقل التكنولوجيا المتقدمة، بل وربما التأثير على استثمارات المملكة الخارجية، خصوصا تلك المرتبطة بالمجالات الحيوية أو الحساسة.
من جهة أخرى، لفت الموقع إلى أن "هذا التقارب بين السعودية وباكستان يثير قلق الهند".
وأردف: "فالهند وباكستان خصمان تاريخيان، وأي تقارب بين باكستان ودولة بحجم السعودية يُنظر إليه في نيودلهي كتهديد مباشر لمصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط".
وبحسب وجهة نظره، "قد يدفع ذلك الهند إلى تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يضيف تعقيدا جديدا أمام الصين".
في هذا السياق، يشير الخبير ليو زونغي، مدير مركز أبحاث جنوب آسيا التابع لمعهد شنغهاي للدراسات الدولية، إلى أن "الهند بدأت منذ عقود في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل".
وأوضح أنه "في البداية، كان هذا التعاون محدودا وغير معلن، ويتركز بشكل رئيس في مجالات الدفاع العسكري والزراعة".
واستشهد بما حدث في أواخر تسعينيات القرن العشرين، حين كانت الصين تخطط لشراء طائرة الإنذار المبكر (فالكون) من إسرائيل، لكن الولايات المتحدة تدخلت، وانتهى الأمر بأن استحوذت الهند على الصفقة.
وبحسبه، فإن "هذا المثال يعكس بوضوح مستوى التعاون بين الهند وإسرائيل في تلك المرحلة".
وأكمل حديثه للموقع: "وفي عام 2001، طرح عدد من أبرز المفكرين الإستراتيجيين في الهند فكرة تشكيل تحالف يضم إسرائيل والولايات المتحدة واليابان، وغيرها من الدول، بهدف مشترك: مكافحة الإرهاب الإسلامي، والحد من توسع النفوذ الصيني".
واستطرد: "ومنذ ذلك الحين، وعلى مدار أكثر من عشرين عاما، ظلت الهند تسير في هذا الاتجاه".
ويرى أن ذلك "يتجلى بوضوح من خلال انخراطها في صياغة إستراتيجية (المحيط الهندي والهادئ)، وفي انضمامها إلى الحوار الأمني الرباعي مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وكذلك في مشاركتها بتأسيس تكتل I2U2 (الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة)".

صراعات القوى الكبرى
بناء على ذلك، لا يتوقع ليو زونغي أن "تُوقع الهند مع إسرائيل اتفاقا دفاعيا مشابها لما أبرمته باكستان مع السعودية، لكن من المرجح أن يتواصل تعزيز التعاون بين الجانبين في المرحلة المقبلة".
ولفت إلى أن "هذا الاحتمال يزداد مع الأخذ في الحسبان أحداث المواجهة الجوية بين الهند وباكستان في شهر مايو/ آيار 2025، والتي كشفت عن ثغرات في التسليح الهندي".
علاوة على ذلك، أشار ليو زونغي إلى أن "الهند باتت تعد المعدات الروسية متأخرة نسبيا، كما يتضح من استمرار الصراع الروسي-الأوكراني، مما يحد من خيارات الهند".
وفي ظل هذا الواقع، يقدر أنه "لا يتبقى للهند سوى خيارين: الولايات المتحدة أو إسرائيل".
وأضاف: "فعدا عن الصين، لا توجد دولة أخرى تمتلك منظومات تسليح قادرة على منافسة تلك التي تقدمها بكين. والهند، في هذه المرحلة، لا تملك رفاهية الاختيار".
في المحصلة، شدد الموقع على أن "أهمية هذا الاتفاق لا تكمن في لحظة التوقيع، بل فيما يمثله من تحول إستراتيجي تحت عنوان: (الشرق الأوسط يدخل مرحلة إعادة تشكيل)".
وتابع: "على مدى عقود، كانت الولايات المتحدة اللاعب المهيمن بلا منازع. أما اليوم، فإن تحالف السعودية وباكستان يشير إلى أن دول المنطقة بدأت تبحث عن بدائل خارج المظلة الأميركية".
"وهنا تبرز الصين كنموذج مختلف للتعاون، فهي لا تسعى للهيمنة، بل للبناء والمشاركة"، وفق تقديره.
بناء عليه، يتوقع الموقع أن "المستقبل قد يحمل شرق أوسط متعدد الأقطاب، لا تهيمن عليه قوة واحدة".
واختتم متسائلا: "والتحدي الحقيقي أمام الصين هو: هل تستطيع تحويل قوتها الاقتصادية إلى نفوذ طويل الأمد، دون أن تنجر إلى صراعات القوى الكبرى؟".