إلغاء الولايات المتحدة وضع الحماية المؤقتة.. ما تأثيره على السوريين؟

"الأوضاع بسوريا لا تزال غير مستقرة والسوريين لا يشكلون خطرا إرهابيا"
بدأت السلطة الأميركية أولى الخطوات لإعادة تقييم وضع السوريين المقيمين على أراضيها عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وفي خطوة تنذر ببدء عمليات ترحيل من الولايات المتحدة، أعلنت وزارة الأمن الداخلي في 19 سبتمبر/ أيلول 2025 أن واشنطن ستنهي وضع الحماية من الترحيل للمهاجرين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة.
"إلغاء الحماية"
وأفاد إشعار حكومي بأن هذا الإجراء سينهي وضع الحماية المؤقتة لأكثر من ستة آلاف سوري حصلوا على وضعهم القانوني منذ عام 2012 أي بعد عام من اندلاع الثورة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، تريشيا ماكلولين، في بيان: إن “الأوضاع في سوريا لم تعد تمنع مواطنيها من العودة إلى ديارهم. لقد كانت سوريا بؤرة للإرهاب والتطرف لما يقرب من 20 عاما، والسماح للسوريين بالبقاء في بلدنا يتعارض مع مصلحتنا الوطنية”.
وأضاف أن "أمام المواطنين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة حاليا 60 يوما لمغادرة البلاد طواعية والعودة إلى ديارهم".
وأكد أن “أي مواطن سوري موجود بموجب وضع الحماية المؤقتة سيظل في الولايات المتحدة بعد تلك المدة قد يكون عرضة للاعتقال أو الترحيل”.
وبرنامج الحماية المؤقتة للسوريين في الولايات المتّحدة (TPS)، استفاد منه قرابة 6 آلاف سوري، ما يعني أن إقاماتهم ستنتهي قانونيا في 30 سبتمبر 2025 وسيصبحون عرضة للترحيل بعد 21 نوفمبر من العام ذاته، وفقا لإعلان وزارة الأمن الداخلي ما لم يحصلوا على إقامة بوسيلة أخرى.
وقالت وزارة الأمن الداخلي: إن “هناك حوالي ألف سوري لديهم طلبات معلقة للانضمام إلى البرنامج حتى أغسطس/ آب 2025”.
وذكرت أن هذا القرار أشبه باستعادة العقلانية لنظام الهجرة في أميركا ولم تعد الظروف في سوريا تمنع مواطنيها من العودة إلى وطنهم.
وتبرر إدارة الرئيس دونالد ترامب القرار بتحسن الأوضاع في سوريا، لكنه يندرج ضمن تكثيف حملات الترحيل للمهاجرين طبقا لوعود ترامب الانتخابية؛ إذ تنفذ منذ أشهر وكالة الهجرة والجمارك الأميركية حملة اعتقالات لمهاجرين غير نظاميين ويتم نقل المعتقلين إلى أحد مراكز الوكالة البالغ عددها نحو 90 مركزا؛ حيث تبدأ إجراءات قانونية تؤدي إما إلى ترحيل فوري أو إلى مسار قضائي مطول قد يستمر لسنوات.
ويمكن ترحيل المهاجرين الذين لا يستطيعون إثبات وجودهم في الولايات المتحدة لمدة تزيد على عامين بشكل فوري ودون جلسة قضائية.
لكن بحسب تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” نشر في 11 مايو/ أيار 2025، فإن المهاجرين، سواء ضمن الترحيل السريع أو الإجراءات العادية، يحق لهم طلب اللجوء إذا كانوا يخشون الاضطهاد أو التعذيب في بلدانهم.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن تقديم طلب اللجوء يفتح قضية قانونية موازية يمكن أن تمنح المهاجر حماية قانونية مؤقتة، وربما فرصة للبقاء في البلاد إذا أُثبتت الدعوى.
وأمام ذلك، فقد بات حوالي 6000 سوري المسموح لهم بالعيش والعمل في الولايات المتحدة من خلال برنامج "الحماية المؤقتة" في مواجهة خيارات لتجنب عمليات ترحيل بقوة القانون.
خيارات محدودة
وضمن هذا السياق، قال محمد الآغا وهو من الجالية السورية في الولايات المتحدة: إن "برنامج الحماية المؤقتة أُقر لأول مرة للسوريين عام 2012 ومدد عدة مرات، كانت آخرها في 30 سبتمبر 2024 من قبل إدارة الرئيس السابق جو بايدن".
وأضاف الآغا لـ"الاستقلال" أنه "ننصح مجددا جميع المستفيدين من البرنامج بمراجعة محامين مختصين على وجه السرعة للبحث في الخيارات المتاحة لهم كل حسب وضعه".
ولفت إلى أن "برنامج الحماية المؤقتة يمنح الحماية القانونية مؤقتا للأشخاص الذين لا يمكن العودة بأمان إلى بلدهم، إنهاء البرنامج لا يلغي الحقوق المكتسبة أو يستند بالضرورة إلى تقييم فردي لكل مستفيد".
واستدرك: "وفق القانون الأميركي، يجب توفير بدائل قانونية لإقامتهم ومراجعة حالتهم قبل أي ترحيل، وهناك محاولات حصلت لبرنامج الحماية لعدة دول أخرى، برفع قضايا ضد الحكومة من أجل منع الترحيل".
وسبق أن أنهى ترامب في وقت سابق وضع مواطني فنزويلا والهندوراسيين والهايتيين والنيكاراغويين والأوكرانيين والآلاف غيرهم.
وأشار الآغا إلى أن "هناك تصاريح عمل متاحة للأشخاص الذين يتمتعون بحالة الحماية المؤقتة وتعرف باسم وثيقة ترخيص العمل (EAD) المسموح بها بالعمل في الولايات المتحدة".
وأردف "من الخيارات لبعض المستفيدين أنه إذا انتهت صلاحية حالة الحماية المؤقتة لسوريا، فسيكون لدى المستفيد نفس وضع الهجرة الذي كان لديك قبل الحصول على وضع الحماية المؤقتة".
ونوه الآغا إلى أنه "يمكن التقدم بطلب للحصول على وضع إقامة آخر إذا كان الشخص مؤهلا للحصول على الوضع الدائم القانوني (البطاقة الخضراء) عن طريق العمل أو الزواج".
ومضى يقول: "لا يحق للسوريين الاعتراض على قرار إلغاء الحماية المؤقتة، إلا أنهم يمتلكون حق التقديم على اللجوء وهذا يخضع أيضا للدراسة وقابل للقبول أو الرفض أو منح الشخص الإقامة الدائمة".
وبيّن الآغا أن "للقادمين السوريين الجُدد ممن لم يحصلوا على الإقامة المؤقتة بعد، أو دخلوا بشكل غير شرعي عبر الحدود مع المكسيك، فإنهم أمام خيار تقديم اللجوء في كندا لكن بشرط ألا يكونوا قد تقدموا بأي طلب مسبق للسلطات الأميركية وينبغي عليهم ألا يتعرضوا للاعتقال لأنهم حينها لن يتمكنوا من الخروج بكفالة بل سيتم ترحيلهم".
وأكّد أن "الحاصل على وضع حالة الحماية المؤقتة بالولايات المتحدة يمكنه الحصول على قبول جامعي في الجامعات الأميركية والحصول على تأشيرة طالب عبر تقديم طلب تعجيل".
وحذر الآغا من "السفر خارج الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة قبل تسوية الوضع القانوني؛ لأن قواعد الهجرة في هذا البلد باتت متقلبة ولذا من المهم طلب المساعدة القانونية والتعرف على خيارات للبقاء في الولايات المتحدة".
واستدرك: "أما الحاصل على وضع حالة الحماية المؤقتة وهو الآن خارج الولايات المتحدة يجب أن يدخل الأراضي الأميركية قبل 30 سبتمبر 2025 لأننا دخلنا في فترة انتقالية مدتها 60 يوما تبدأ عقب التاريخ المذكور".
سياسة ترامب
وانتقد بعض خبراء سياسات الهجرة قرار إلغاء وضع الحماية المؤقتة للسوريين حسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” في 20 سبتمبر 2025 وقالوا: إن "الأوضاع في سوريا لا تزال غير مستقرة، وإن السوريين لا يشكلون خطرا إرهابيا كبيرا".
وقالت أماندا باران، الرئيسة السابقة لسياسة خدمات المواطنة والهجرة في إدارة بايدن: إن قرار إنهاء البرنامج “ينهك آلاف السوريين الحاصلين على برنامج الحماية المؤقتة والمجتمعات التي يعيشون فيها”.
وأضافت أن "الأوضاع في سوريا لا تزال خطيرة وغير مستقرة، مما يستدعي بوضوح تمديده بموجب القانون".
كما صرح ديفيد جيه بير، مدير دراسات الهجرة في معهد كاتو، وهو مركز أبحاث ليبرالي يُفضل المزيد من الهجرة القانونية، أن “السوريين لم يشكلوا تاريخيا أي خطر إرهابي كبير، وإن المسؤولين الفيدراليين قادرون على حرمان أي فرد من البرنامج إذا اعتقدوا أنه يشكل تهديدا للأمن القومي”.
ومنذ ولاية ترامب الأولى 2017-2021، انخفض عدد اللاجئين السوريين الذين يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة بشكل قانوني إلى 44 عام 2018 مقارنة مع 6557 عام 2017.
اللافت أن حملات الترحيل عقب ولاية ترامب الثانية استهدفت لم تشمل فقط المهاجرين غير القانونيين من أصحاب السوابق كما كان يروج في حملته الانتخابية، بل توسعت القائمة لتشمل حاملي التأشيرات القانونية، والمقيمين الدائمين، وحتى مهاجرين متزوجين من مواطنين أميركيين.
ويعكس النهج الجديد للولايات المتحدة الذي يحظى باهتمام الرأي العام، تحولا جوهريا في إستراتيجية ترامب للهجرة؛ إذ يسعى إلى إظهار تقدم في تحقيق وعده الانتخابي بترحيل الملايين، لكن استهداف فئات جديدة من المهاجرين، خاصةً أولئك الذين تربطهم علاقات قانونية بالولايات المتحدة.
وكان ترامب وعد بتنفيذ "أكبر عملية ترحيل" في تاريخ الولايات المتحدة، مستهدفا جميع المهاجرين الذين دخلوا البلاد دون تصريح قانوني، وليس فقط مرتكبي الجرائم الخطيرة، لكن تحقيق هذا الوعد يعني ترحيل 11 إلى 12 مليون شخص، معظمهم مقيمون منذ أكثر من عقد.
وأظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" بالتعاون مع شركة "إبسوس" في فبراير/ شباط 2025، أن هناك دعما ساحقا بين الأميركيين لترحيل المتهمين بارتكاب جرائم عنف، كما تؤيد أغلبية كبيرة ترحيل المتهمين بارتكاب جرائم غير عنيفة.
في المقابل، عندما يُسأل الأميركيون عن ترحيل المهاجرين الذين لم يرتكبوا جرائم سوى انتهاك قوانين الهجرة، ودخلوا البلاد من دون تصريح، يتراجع التأييد لعمليات الترحيل، خاصة إذا كانوا يعيشون في الولايات المتحدة لأكثر من 10 سنوات.