الهند مهتمة بشرائها.. ما حقيقة عزم تركيا بيع إس 400 أو إعادتها إلى روسيا؟

"تركيا لم تعمل حتى الآن على تفعيل المنظومة الروسية"
أفادت وسائل إعلام تركية بتقديم روسيا عرضا لإعادة شراء منظومات الدفاع الجوي إس 400 التي كانت قد سلمتها لتركيا عام 2019، دون أن يصدر أي تأكيد رسمي من أنقرة أو موسكو بشأن هذه الأنباء.
في هذه الأثناء، أفاد موقع "تيليبوليس" الألماني بأن "الهند قد تحصل قريبا على صواريخ إس 400 من تركيا، لكن العقبة الكبرى تكمن في ضرورة الحصول على الضوء الأخضر من واشنطن وموسكو".

بالون اختبار
ويرى الموقع أنه رغم غياب التأكيدات بشأن هذه الصفقة، فإنها تكشف بوضوح عن تضارب المصالح بين الأطراف المعنية، وتسلط الضوء على الإستراتيجيات المختلفة التي تتبعها كل جهة للتعامل مع هذه الملفات الحساسة.
ورجح أن "ترحب تركيا بإعادة بيع منظومة إس 400، إذ تسعى إلى إنهاء الخلاف الطويل مع الولايات المتحدة بشأن هذه الصفقة، خاصة بعد أن بدأت في تطوير نظام دفاع جوي محلي يمكن أن يحل محل المنظومة الروسية".
وفي اجتماع ترأسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قررت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية في أغسطس/ آب 2024، تطوير مشروع "القبة الفولاذية" لتعزيز أمن المجال الجوي للبلاد.
وفي 18 سبتمبر/أيلول 2025، بدأت تركيا عرض معدات منظومة الدفاع الجوي التركية “القبة الفولاذية”، في مهرجان "تكنوفيست إسطنبول 2025"، ما يشير إلى تقدم في إنشاء هذه المنظومة.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي أفاد فيه الموقع الألماني بأن "تركيا لم تعمل حتى الآن على تفعيل المنظومة الروسية".
ويرجع ذلك إلى أن "دمج منظومة إس 400 في أنظمة الدفاع التابعة لحلف الناتو (شمال الأطلسي) لم يكن ممكنا، فضلا عن أن هذه الصواريخ قد تجاوزت نصف عمرها الافتراضي، مما يجعل تكاليف صيانتها عبئا إضافيا على ميزانية الجيش التركي".
في الوقت ذاته، لفت الموقع إلى أن "وزير الدفاع التركي يشار غولر أوضح عام 2024 أن بلاده قادرة على تفعيل صواريخ إس 400 خلال 12 ساعة فقط إذا صدر أمر بذلك".
كما أكد الوزير في مايو/ أيار 2024 أن "تركيا لا تعتزم بيع هذه المنظومة لأي دولة أخرى".
ويعتقد الموقع أن "هذا التضارب يطرح احتمالا بأن يكون الحديث الحالي مجرد بالون اختبار لقياس ردود الفعل قبل إبرام صفقة معقدة وحساسة".

توقيت مناسب
أما عن موقف روسيا من هذه الصفقة المحتملة، فأشار الموقع إلى أن "توقيتها مناسب"، خاصة أن روسيا لا تصدر حاليا منظومة إس 400 بسبب استخدامها المكثف على الجبهة الأوكرانية. بحسب ما أشار إليه موقع “ديفينس إكسبريس” الأوكراني.
يُضاف إلى ذلك أن "روسيا تفقد تدريجيا حصتها في أسواق السلاح العالمية". ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، فقدت موسكو منذ عام 2015 نحو 64 بالمئة من صادراتها العسكرية السنوية.
على الجانب التركي، ذكر الموقع أن "حاجة أنقرة الفعلية لهذه المنظومة تراجعت، فقد نجحت تركيا خلال الفترة الأخيرة في ترميم علاقاتها مع واشنطن، كما أن أولوياتها العسكرية والسياسية باتت مختلفة وأكثر إلحاحا".
ويعتزم أردوغان التفاوض على شراء طائرات "إف-35" المقاتلة خلال لقائه المرتقب بنظيره الأميركي دونالد ترامب في 25 سبتمبر، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأميركية في 22 سبتمبر، سُئل أردوغان عن توقعاته بهذا الشأن فقال: "نتوقع أن تفعل الولايات المتحدة ما يتعين عليها فعله، سواء فيما يتعلق بطائرات إف-35 أو بمسألة طائرات إف-16 وإنتاجها وصيانتها، وما إلى ذلك".
وقبلها، قال ترامب عبر منصته الخاصة "تروث سوشيال": إن أردوغان سيزور البيت الأبيض وإنه سيعمل معه على صفقات تجارية وعسكرية من بينها صفقتان كبيرتان لبيع طائرات بوينغ وطائرات حربية من طراز إف-16 لتركيا.
كما قال ترامب: إنه يعمل مع أردوغان على مواصلة المحادثات بشأن طائرات إف-35، وتوقع أن تُختتم بشكل إيجابي.
علاوة على ذلك، أبرز الموقع أن شراء تركيا للمنظومة الروسية جاء في سياق توترات مع واشنطن والغرب، وهو ما لم يعد قائما في الوقت الراهن.
وقال: "بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا صيف عام 2016، ترسخ شعور عميق بعدم الثقة لدى أنقرة تجاه الولايات المتحدة، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت الحكومة التركية للموافقة على صفقة إس 400 بعد عام واحد فقط".
"كما أثار الدعم العسكري الأميركي للمقاتلين الأكراد في سوريا، الذين تصنفهم أنقرة كإرهابيين، غضبا واسعا داخل تركيا".
وهو ما جعل القيادة التركية تتعامل بحذر شديد مع أي مقترحات أميركية، سواء للسيطرة على المنظومة أو حتى تصديرها إلى أوكرانيا؛ حيث رفضت الرضوخ لهذه الضغوط.

اتفاق ثلاثي
بالتوازي مع ذلك، كشف الموقع أن الهند “أبدت اهتماما متزايدا بالحصول على المزيد من أنظمة إس 400 في أسرع وقت ممكن”.
وخاصة بعد المواجهة القصيرة والعنيفة مع باكستان في مايو/أيار 2025، التي كشفت لنيودلهي أهمية امتلاك منظومة دفاع جوي فعالة وسريعة الاستجابة.
لهذا السبب، تشير وسائل إعلام هندية إلى أن إبرام اتفاق ثلاثي قد يمهد الطريق لتسلم نيودلهي أنظمتها المؤجلة، يقول الموقع.
ويتابع موضحا: “فمنذ عام 2018، وقعت الهند عقدا مع روسيا لشراء خمس وحدات من منظومة إس 400 بقيمة خمسة مليارات دولار، ولكن، حتى اليوم، لم تستلم نيودلهي سوى ثلاث وحدات، بينما تأجل تسليم الوحدتين المتبقيتين بفعل الحرب في أوكرانيا".
بالإضافة إلى ذلك، نوه الموقع إلى أن هذه الأنظمة تحتاج، قبل تسليمها، إلى تحديثات تقنية من الجانب الروسي؛ إذ إن النسخة التي اشترتها الهند تتمتع بمدى يصل إلى 400 كيلومتر، وتستطيع تتبع 80 هدفا في آن واحد.
وحول فرص تنفيذها، قال الموقع الألماني: "من الناحية النظرية، تبدو الظروف مهيأة لإتمام صفقة ثلاثية بين تركيا وروسيا والهند، لكن العقبة الكبرى تكمن في المواقف المتشددة داخل كل من موسكو وواشنطن".
فواشنطن "لا يمكنها بسهولة الموافقة على هذا التصرف غير المبالي من قبل شريك رئيس في الناتو، وقوة صاعدة تراهن عليها كخط دفاع متقدم في مواجهة الصين".
وأردف: "أما في روسيا، فيحتمل أن يثير الأمر حفيظة بعض المتشددين الذين قد ينزعجون من فكرة إعادة شراء منظومة سلاح من دولة عضو في الناتو، لا سيما إذا كانت هذه الدولة تدعم أوكرانيا ماليا".
لذلك، يقدر الموقع أن "نجاح هذه الصفقة يتوقف على تهدئة الأصوات المتشددة في كلا الجانبين". وأضاف: "ومع استمرار التوتر بين واشنطن وموسكو، فإن إمكانية التوصل إلى تفاهم تبدو غير مؤكدة".
ولفت إلى أن ما يزيد المشهد تعقيدا، أن “الولايات المتحدة اتخذت أخيرا موقفا صارما تجاه الهند أيضا”، بعد فرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 50 بالمئة على الصادرات الهندية ابتداء من 27 أغسطس/آب، لمعاقبة نيودلهي على مواصلة شراء النفط من روسيا.
وكذلك فرضه رسما قدره 100 ألف دولار على كل طلب جديد لتأشيرة العمل "إتش-1 بي" الخاصة بالعمالة الماهرة الأجنبية, في تطور وصف بأنه "ضربة جديدة" للعلاقات بين نيودلهي وواشنطن.
إذ يستهدف القرار مباشرة الكفاءات الهندية التي تشكل أكثر من 70 بالمئة من حاملي هذه التأشيرات، ويُهدد قطاع التكنولوجيا والخدمات في الهند، البالغ حجمه 280 مليار دولار، ويضع آلاف الوظائف في مهب الريح.