نمو 5 بالمئة والسادسة أوروبيا والـ16 عالميا.. هل تتنفس تركيا الصعداء قريبا؟

"رغم ما تحققه تركيا من نجاحات اقتصادية إلا إنها تصطدم بالأزمة المستمرة داخل المعارضة"
في 8 سبتمبر/ أيلول 2025، كشف جودت يلماز، نائب الرئيس التركي، عن تفاصيل البرنامج الاقتصادي متوسط المدى الذي يشمل الفترة من عام 2026 إلى 2028. مؤكدا أن الاقتصاد التركي يحافظ على مظهر متوازن رغم استمرار مكافحة التضخم عالميًا وتصاعد التوترات الجيوسياسية.
وفي السياق، نشر مركز “سيتا” التركي مقالا للكاتب "نبي ميش"، ذكر فيه أنّ “البرنامج إستراتيجي لا يقتصر على استعراض الأرقام فقط، بل يقدم أيضاً مقارنات دقيقة بين الماضي والحاضر والمستقبل”.
وأشار إلى تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب اجتماع مجلس الوزراء قبل أيام، أن البرنامج يعكس متانة الاقتصاد التركي وقدرته على الصمود، رغم ما يواجهه من تحديات داخلية وضغوط خارجية.

نمو رغم التحديات
وذكر الكاتب أن تركيا واجهت خلال السنوات الماضية محاولات متعددة للتأثير على مسارها الاقتصادي، سواء من الداخل أو عبر الضغوط الخارجية، إلا أنها استطاعت الاستمرار في النمو على مدار 15 عاماً متتالية.
ووفق التوقعات فإن معدل النمو سيصل إلى 5 بالمئة بحلول عام 2028، فيما ستصعد تركيا إلى المرتبة السادسة أوروبياً والـ16 عالمياً من حيث حجم الاقتصاد مع نهاية 2025.
وتعكس الأرقام حجم التحول الكبير الذي تحقق: ففي عام 2002 كان الناتج المحلي الإجمالي 239 مليار دولار فقط، مع نصيب للفرد لا يتجاوز 3,616 دولارات.
أما التوقعات للعام 2028 فتشير إلى بلوغ الناتج 1.9 تريليون دولار، ووصول نصيب الفرد إلى أكثر من 21 ألف دولار.
كما ارتفعت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 178.4 مليار دولار، وانخفضت مخاطر الدولة من 700 نقطة إلى 270 نقطة، بينما استقر معدل البطالة عند 8.5 بالمئة، وهي نسبة تُعد مقبولة مقارنة بالعديد من الدول المتقدمة.
ويستهدف البرنامج كذلك توفير 2.5 مليون فرصة عمل جديدة، ورفع حجم الصادرات إلى ما يزيد عن 300 مليار دولار.
وأشار الكاتب إلى أنه على الرغم أن هذه الأرقام تبدو مبشّرة على المستوى الكلي، فإنها لا تنعكس بنفس القوة على حياة المواطن اليومية.
فالتضخم المرتفع وتراجع القدرة الشرائية يدفعان كثيراً من ذوي الدخل المحدود للتشكيك في هذه المؤشرات، متسائلين: "أين نرى هذه النجاحات في حياتنا اليومية؟" وهو تساؤل مشروع يعبّر عن الفجوة القائمة بين قوة المؤشرات الاقتصادية من جهة، والصعوبات المعيشية للفرد من جهة أخرى.

قدرات كبيرة
وأردف الكاتب التركي أنه من أبرز المجالات التي تكشف عن القدرات الحقيقية لتركيا هو ملف إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال 6 فبراير/ شباط 2023، الذي كان من أعنف الزلازل في التاريخ الحديث، وتسبّب في دمار واسع في 11 ولاية تركية.
ففي فترة زمنية قصيرة نسبيا تمكنت الدولة من إنجاز جزء كبير من عملية الإعمار؛ حيث تم تسليم أكثر من 304 آلاف وحدة سكنية للمتضررين، على أن يصل العدد إلى 453 ألف وحدة مع نهاية العام.
وهذه الأرقام تعكس إنجازا ملموسا لا يُقاس بالإحصاءات فقط، بل يلمسه يوميا سكان المناطق المنكوبة.
وإلى جانب ملف الإعمار تظهر إمكانات تركيا في تطوير قطاعات أخرى مثل الصناعات الدفاعية؛ حيث باتت تركيا لاعبا مهما في إنتاج التقنيات العسكرية المتطورة، والاستثمارات في الطاقة النووية التي تهدف لتعزيز الأمن الطاقي.
فضلاً عن مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تربط بين المدن وتزيد من تنافسية الاقتصاد. وكل ذلك يعكس أن تركيا تمتلك أدوات عملية لتعزيز استقلالها الاقتصادي وتقليل اعتمادها على الخارج.

المعارضة وأزمة الثقة
وفي السياق، لفت الكاتب النظر إلى أنه رغم ما تحققه تركيا من نجاحات اقتصادية وتنموية على مستويات متعددة، فإنّ هذه الإنجازات تصطدم بعائق داخلي يتمثل في الأزمة المستمرة داخل صفوف المعارضة، بخاصة داخل حزب الشعب الجمهوري الذي يعد أكبر أحزابها.
فعوضا عن طرح برامج إصلاحية أو رؤى مستقبلية يمكن أن تمنح قواعده الشعبية الأمل والثقة، ينشغل الحزب بخطابات التهديد والتصعيد، مثل الحديث عن "إيقاف الحياة" أو اللجوء إلى أشكال من الاعتراض لا تحمل أي بدائل عملية.
ومثل هذا الخطاب لا يقدّم حلولا واقعية، بل يفاقم أزمته الداخلية ويعمّق حالة الإحباط لدى أنصاره الذين ينتظرون منه دورا فاعلا في الحياة السياسية.
وجاءت تصريحات زعيم الحزب، أوزغور أوزيل، لتزيد المشهد تعقيدا، حين أشار في حديث لوسائل إعلام أجنبية إلى أن "بعض القضاة لا يخضعون لسيطرة أردوغان"، متطرقا إلى فكرة نقل نتائج الانتخابات أو الاستفتاءات إلى ساحات القضاء.
ومثل هذه المواقف لم تُفسَّر كخطوة إصلاحية بقدر ما عُدّت محاولة للتشكيك في المؤسسات، وهو ما انعكس سلبا على ثقة الناخبين.
بالتالي، فإن جزءا كبيرا من الرأي العام بات يرى أن الحزب، بدلا من أن يكون بديلا سياسيا قادرا على المنافسة، يعيد إنتاج أزماته الداخلية عبر تصريحات تزيد من ارتباكه وتقلل من قدرته على إقناع الشارع التركي بجدّيته وفاعليته.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إن البرنامج متوسط المدى يكشف بوضوح أن تركيا تسير في مسار صعود اقتصادي وإستراتيجي، رغم الضغوط العالمية والإقليمية. لكنّ بقاء المعارضة غارقة في أزماتها الداخلية، وعجزها عن تقديم رؤية للمستقبل، يمثّل أحد أبرز مواطن الضعف في استثمار كامل إمكانات البلاد.
وهنا يظهر التناقض: دولة تحقق نموا وتبني بنية تحتية قوية، لكنها تعاني من مشهد سياسي معارض يزيد الكلفة الاجتماعية والسياسية على المدى المتوسط.
















