بفعل اصطفافات جديدة.. العلاقات بين السعودية والهند أمام أصعب اختبار

هذه الاتفاقية قد تعيد تعريف طبيعة العلاقات بين الهند والسعودية
تواجه العلاقات الهندية-الخليجية أصعب اختبار بفعل اصطفافات جديدة، كان آخرها اتفاق الدفاع بين السعودية وباكستان، في الوقت الذي تدفع فيه العوامل التأسيسية الراسخة من تدفقات الطاقة، وممرات العمل، والاستثمارات الناشئة، نحو تعميق الترابط.
ففي 17 سبتمبر/أيلول 2025، وقع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، اتفاق دفاع إستراتيجي مشترك بين البلدين في الرياض "لتطوير جوانب التعاون الدفاعي، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء".
ورأى موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي أن مثل هذه الاتفاقية قد تعيد تعريف طبيعة العلاقات بين الهند والسعودية ومن ورائها دول الخليج الأخرى: الإمارات، قطر، البحرين، سلطنة عُمان، الكويت؛ حيث تتواجد جالية هندية كبيرة.

ملف الطاقة
ويرتكز حضور الهند في الشرق الأوسط على الاقتصاد ويتعزز بالجغرافيا السياسية، فهي تستورد الغالبية العظمى من نفطها الخام من هذه المنطقة، وفي المقابل تستضيف دول الخليج جالية هندية واسعة، تشكل تحويلاتها المالية مصدرا مهما لدعم الاقتصاد الهندي.
في الوقت نفسه، بدأ رأس المال الهندي بوضع رهانات إستراتيجية في جميع أنحاء المنطقة، خصوصا في الموانئ واللوجستيات، فيما تحاول نيودلهي الموازنة بين الولايات المتحدة وأوروبا ودائرة كتلة بريكس المتوسعة التي تضم الصين وروسيا وإيران.
وقال البروفيسور الأستاذ الزائر في جامعة باث البريطانية، سانتوش ميهروترا: "في الوقت الراهن، تستورد الهند نحو 80 بالمئة من احتياجاتها النفطية، فيما يُنتَج محليا 20 بالمئة فقط، ولذلك لا خيار أمامنا سوى الاعتماد على الشرق الأوسط".
وأضاف: "توقفت الهند عن استيراد النفط من إيران بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، واستبدلنا جزءا كبيرا منه بالنفط الروسي".
وهذا ما يزال إشكاليا بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو السبب وراء تقارب الهند أخيرا مع مجموعة بريكس أكثر من الولايات المتحدة".
وبرأي ميهروترا، فإن حجم الإنتاج هو المحرك الرئيس للإستراتيجية؛ "لأن الهند أصبحت رابع أكبر اقتصاد في العالم".
ومثل الصين فإن عليها تأمين احتياجاتها من الطاقة، ومن الضروري للغاية الحفاظ على علاقات قوية مع جميع دول الخليج. وفق تقديره.
واستطرد: "استثمرنا في ميناء تشابهار في إيران، مع خط سكة حديد يهدف إلى ربط أفغانستان وآسيا الوسطى متجاوزا باكستان، التي لم تمنحنا قط حق العبور".
وأضاف أن العلاقات بين الدول ترتكز على شبكة اقتصادية أوسع، فـ "السعودية أيضا شريك رئيسي للهند".
كذلك، فإن المحرّك البشري لهذا الممر لا يقل أهمية؛ فقد شدد البروفيسور س. إيرودايا راجان، الأستاذ في المعهد الدولي للهجرة والتنمية بولاية كيرالا الهندية، على حجم الظاهرة.
وقال: “للهند روابط تجارة وهجرة مع المنطقة، ويعيش نحو نصف الهنود المقيمين بالخارج في الدول الخليجية الست”.
وشرح سبب اختلاف الخليج عن الوجهات الغربية قائلا: “المهاجر الهندي الذي يذهب إلى أميركا من غير المرجح أن يرسل أموالا كبيرة إلى بلاده”.
أما في الخليج فغالبهم يُرسل هؤلاء المهاجرون الأموال؛ إذ إن نحو 80 بالمئة منهم يتركون عائلاتهم خلفهم في الولايات الهندية. وفق تقديره.
وقال: "إنهم يستثمرون في السكن والصحة والتعليم، ويُموّل جزء كبير من إنفاق التنمية البشرية هذا من خلال التحويلات المالية".

أكبر ممر للهجرة
ويتجلى حجم الظاهرة يوميا، فكما أوضح راجان: "يصل إلى الخليج من مختلف أنحاء الهند نحو 45 إلى 50 رحلة جوية يوميا، وكل طائرة تكون ممتلئة دائما".
واستطرد قائلا: "لي أن أصف الطريق بين الهند والخليج بأنه أكبر ممر للهجرة، حتى إنه يفوق الطريق بين المكسيك والولايات المتحدة".
وفيما يتعلق بسلم المهارات والأجور، أضاف: “هناك ثلاثة أنواع من العمال يأتون من الهند: ذوو المهارات المتدنية والمتوسطة والعالية”.
"وفي حالة الخليج، تكون الأعداد الأكبر من ذوي المهارات المنخفضة أو المتوسطة، بخلاف الهجرة إلى الولايات المتحدة التي تضم خيرة العقول الهندية".
أما عن المكانة الاجتماعية، فتساءل: "من الذي بنى دبي وأبوظبي؟ المهاجرون. إنهم يلعبون دورا أساسيا، لكنهم دائما يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. ظروفهم تتحسن عموما، وأخيرا بدأت الإمارات تتحدث عن التأشيرات الذهبية".
كذلك، أوضح راجان أن التركيبة السكانية والطلب العالمي يبقيان خط الأنابيب مفتوحا؛ حيث "تطلب العديد من الدول الآن من الهند توقيع اتفاقيات تنقل العمالة نظرا لمواجهتها نقصا فيها". مبينا أن "نيودلهي في وضع يسمح لها بتوفير العمالة والمساعدة في بناء اقتصاداتها".
وتابع: "ستكون هناك استدارات سياسية وأزمات، ولكن لا يمكن إيقاف التنقل، يجب أن يكون آمنا وقانونيا ومنظما، وسيعود المهاجرون إلى العمل".
أما رأس المال فقد تبع البشر والطاقة، وإن كان التنفيذ متفاوتا. وأشار ميهروترا إلى البعد المؤسسي في واقع آخر بالشرق الأوسط، وهو إسرائيل.
وقال: إن الشركات الهندية الكبرى -خصوصا مجموعة "أداني"، المقربة من رئيس الوزراء ناريندرا مودي- أصبحت من كبار مالكي الموانئ في الهند وتوسعت خارجها، فقد أوكلت إليها مهمة تطوير ميناء حيفا، وشُجعت على الاستحواذ على موانئ بينها هذا الأخير.
وأشار راجان إلى أن العلاقات بين الهند وإسرائيل حديثة نسبيا، فقد تشكّلت منذ وصول مودي إلى السلطة، أي في السنوات السبع أو الثماني الأخيرة.
"وهي تعكس جزئيا سعينا لموازنة علاقاتنا التاريخية مع فلسطين، لكنها ترتبط أساسا بكون الهند مستوردا لمعدات الدفاع فيما تُعد إسرائيل منتجا رئيسيا لها"، وفق البروفيسور الهندي.
وبشأن التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، قال: "لقد اشترت الحكومة الهندية أدوات المراقبة الإلكترونية الإسرائيلية، وما زال هذا التعاون مستمرا".
ومن وجهة النظر السعودية، أكد الزميل المشارك في مركز الملك فيصل بالرياض، عمر كريم، على مركز الثقل التقليدي، قائلا: "ينصبّ اهتمام الرياض الرئيس بالهند على مجال الطاقة".
وعلى الرغم من التفاهمات الرسمية، لاحظ وجود فجوات في التنفيذ، قائلا: "منذ توقيع مذكرات التفاهم، لم يُحرز أي تقدم يُذكر في جميع المجالات الثلاثة، ويمكن القول: إن العلاقة لا تزال بعيدة عن بلوغ كامل إمكاناتها".
وأشار إلى مشاريع رئيسة لم تتحقق بعد بالقول ومنها إبداء السعوديين اهتماما بإنشاء مصفاة نفط، لكن دون تقدم يذكر، لافتا إلى أن قطاعات الضيافة والسياحة والعقارات في السعودية تبشر بفرص واعدة للمستثمرين الهنود.
وفيما يتعلق بالمفاهيم الأحدث، أبدى "كريم" تفاؤلا حذرا، قائلا: "لا يزال مشروع تخزين الهيدروجين -الذي يُشحن إلى المملكة ثم إلى أوروبا- واعدا، ولكن لم يُنجز أي عمل يُذكر فيه حتى الآن".
وبخصوص سوق العمل، توافقت توقعاته مع ما قاله "راجان"، مشيرا إلى أن "الطلب يتركز في الغالب على الوظائف منخفضة الأجر والمهارات، والتي لم تتأثر بالتوطين، ولا أرى أي تغيير يُذكر في الوقت الحالي".

توتر إستراتيجي
كل ذلك يجري فيما تحاول نيودلهي الموازنة بين قوتين متجاذبتين. ولخص ميهروترا هذا التوتر الإستراتيجي بقوله: “الهند تسير على حبل مشدود، فهي تحافظ على علاقات وثيقة مع أميركا وأوروبا وإسرائيل، وفي الوقت ذاته تعد جزءا من بريكس مع الصين وروسيا”.
وأكد أن "هذه الموازنة ليست سهلة، لكنها تعكس الواقع الجيوسياسي للهند". وأشار أيضا إلى ملامح دور أكثر نشاطا لبلاده، قائلا: "الصين انخرطت بشكل أعمق بكثير في الشرق الأوسط؛ أما نيودلهي فلم تلعب ذلك الدور".
لكن مع تحولها إلى رابع أكبر اقتصاد، لم يعد بوسعها البقاء خارج اللعبة، سترون حضورا أكبر لها في السنوات المقبلة. وفق تقديره.
أما راجان فقرأ المعضلة نفسها من زاوية "الجغرافيا السياسية للعمالة"، قائلا: "لأن العديد من الدول تواجه نقصا فيها، ستستمر الهند في تلقي طلبات لتوقيع اتفاقيات بشأن تنقل العمال".
وتابع: "يمكن للهند أن تعمل مع شركاء عدة لتزويدهم بالعمالة والمساهمة في بناء اقتصاداتهم، وهذا ما سيجعلها دائما فاعلة على الساحة الدولية".
وازدادت صعوبة تحقيق التوازن بعد اتفاقية الدفاع السعودية-الباكستانية، التي عدها "كريم" اختبار ضغط مباشرا للعلاقات بين نيودلي والرياض.
وقال: "لست متأكدا من كيفية تأثير اتفاقية الدفاع السعودية الأخيرة مع باكستان على هذه المشاريع. أعتقد أنها ستضر بشدة بالعلاقات الثنائية".
وأردف: "قد تنسحب نيودلهي من بعض المبادرات الاستثمارية، وقد يشعر السعوديون أيضا بترحيب أقل في الهند".
وأوضح: "باختصار، أعطى السعوديون في الوقت الحالي الأولوية لشراكتهم الدفاعية مع باكستان على علاقتهم الثنائية مع الهند".
في المقابل، أكد ميهروترا أن الهند ستواصل في الوقت الراهن علاقاتها مع السعودية بشكل طبيعي، قائلا: "من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تقويض العلاقات المشتركة".
فالسعودية تدرك أن الهند هي أسرع الاقتصادات الكبرى نموا في العالم، وأن حاجاتها من الطاقة والوقود الأحفوري لن تنخفض. وفق تقديره.
"كما أن هناك العديد من العمال الهنود في المملكة، ليس فقط من ذوي المهارات المتوسطة أو العاملين في البناء، بل أيضا العديد من مهندسي تكنولوجيا المعلومات، فضلا عن الروابط المتنامية في السياحة وسلسلة كاملة من قطاعات الخدمات".
وأضاف في ختام حديثه: "الهند تحاول أن تبقى قريبة من الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الوقت نفسه تتعامل مع دول تقع على الطرف المقابل مثل الصين وروسيا وإيران".
واستدرك: "لكن هذه ليست الطريقة التي تُدار بها الدبلوماسية الدولية؛ فإذا حاولت الانخراط في العديد من السياقات المتنافسة في آن واحد، فقد تدفع ثمن ذلك على المدى الطويل". على حد قوله.