رئيس سوريا يعود بعد عقود لمنبر الأمم المتحدة.. وناشطون: الشرع صحح التاريخ

"السوري لم يعد مضطراً لأن يشرح أوجاعه للعالم همساً أو عبر وسطاء، بل أصبح صوته يصل مباشرة، رصيناً، بليغاً في لغته"
في أول حضور لرئيس سوري إلى منبر الأمم المتحدة منذ عام 1967، قال الرئيس أحمد الشرع: إن بلاده تحولت من دولة تصدر الأزمات إلى دولة تسعى لإحلال الاستقرار والسلام والازدهار في المنطقة بأسرها.
وأشار إلى أن "الحكاية السورية حكاية تهيج فيها المشاعر ويختلط فيها الألم بالأمل، الحكاية السورية حكاية صراع بين الخير والشر، وبين الحق الضعيف الذي ليس له ناصر إلا الله، والباطل القوي الذي يملك كل أدوات القتل والتدمير".
وتابع الرئيس السوري: "حكايتنا عبرة من عِبر التاريخ وتمثيل حقيقي للمعاني الإنسانية النبيلة". قائلا: إنه "في هذه المعركة الأزلية بين الحق والباطل تروى الحكاية السورية لتحكي فصلا جديدا من فصول هذا الصراع، فصلا عظيما ومشرقا بالإبداع".
وأردف: "جئتكم من دمشق عاصمة التاريخ ومهد الحضارات، تلك البلاد الجميلة التي علّمت الدنيا معنى الحضارة وقيمة الإنسان والتعايش السلمي، لتصبح منارة يقتدي بها العالم".
واستدرك الشرع: "غير أن سوريا منذ 60 عاما وقعت تحت وطأة نظام ظالِم غاشم يجهل قيمة الأرض التي حكمها ويقهر الشعب الودود المسالم".
ومضى قائلا: "صبر شعبنا لسنين طويلة على الظلم والقهر والحرمان ثم ثار مناديا بحريته وكرامته، فقوبل بالقتل والتنكيل والحرق والاغتصاب والتهجير".
وزاد: "استخدم النظام السابق في حربه على شعبنا أبشع أدوات التعذيب والقتل والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والتعذيب في السجون والتهجير القسري وأثار الفتن الطائفية والعرقية واستخدم المخدرات سلاحا ضد الشعب والعالم".
وأكمل الشرع أن "النظام السابق مزق بلادنا طولا وعرضا وهدّم أهم حواضر التاريخ فيها، واستقدم قوات أجنبية وعصابات ومليشيات من أصقاع الأرض".
وبين أن "الدولة السورية عملت على تشكيل لجان لتقصي الحقائق، ومنحت الأمم المتحدة الإذن بالتقصي كذلك، وخلصت إلى نتائج متماثلة في شفافية غير معهودة في سوريا"، متعهدا بـ"تقديم كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى العدالة".
وعرج الشرع على الانتهاكات الإسرائيلية لسيادة سوريا منذ سقوط نظار بشار الأسد، عبر قصف وتوسيع رقعة احتلالها لأراضيها، رغم أن الإدارة الجديدة لم تبدِ أي توجه عدائي إزاءها، قائلا: إن "التهديدات الإسرائيلية ضد بلادنا لم تهدأ منذ 8 ديسمبر (كانون الأول 2024) إلى اليوم".
ولفت إلى أن “السياسات الإسرائيلية تعمل بشكل يخالف الموقف الدولي الداعم لسوريا ولشعبها في محاولة لاستغلال المرحلة الانتقالية، ما يعرض المنطقة للدخول في دوامة صراعات جديدة لا يعلم أحد أين تنتهي”.
وتوجه بالشكر لمن وقف إلى جانب قضية الشعب السوري، وخصّ بالذكر تركيا وقطر والسعودية، وكل الدول العربية والإسلامية، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتجدر الإشارة إلى أن سوريا اتخذت منذ حرب 1967 وخسارتها منطقة الجولان أمام الاحتلال الإسرائيلي، موقفا متشددا من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، وترى أنها منحازة لتل أبيب بسبب الدعم الأميركي والغربي لها.
ولذلك لم يشارك أي رئيس سوري منذ الرئيس السابق نور الدين الأتاسي (1966 - 1970)، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى القمة.
وحظيت كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع بتداول واسع بين الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، وأكدوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #أحمد_الشرع، #الأمم_المتحدة، #سوريا_تعود، #خطاب_التاريخ، أن خطاب الشرع بمثابة إعلان ولادة جديدة لسوريا.
صوت سوريا إلى قلب العالم
وتفاعلا مع الخطاب، عرض وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، صورة للشرع خلال إلقاء كلمته بالأمم المتحدة، وأخرى له بين الحضور، قائلا: "مع شعبنا تحدّينا كل أشكال القمع، وحملنا صوت سوريا إلى قلب العالم، لقد ولّى زمن الأسلحة الكيميائية وزمن التعذيب والصمت والعزلة القسرية".
وأضاف: "فجرٌ جديد قد بزغ، عصرٌ من الكرامة والتجديد، لقد عادت سوريا، ومع عودتها عاد الأمل نفسه متجدِّدًا".
من جانبه، قال وزير الداخلية السوري أنس حسان خطاب: إن كلمة الشرع ليست خطابا عابرا، بل صدى لدماء الشهداء وآهات المعتقلين، وتجسيد لكرامة شعب قدّم التضحيات من أجل الحرية، ووصفها بأنها لحظة للتاريخ، ونداء للعدالة، داهيا للعمل معا لبناء سوريا حرة تليق بأبنائها.
وتحت عنوان "ولادة ثقافة سورية جديدة من منبر الأمم المتحدة"، قال وزير الثقافة السوري محمد ياسين صالح: إن الشرع دشن بكلمته ثقافة جديدة في سوريا؛ ثقافة الحكاية السورية الحقيقية التي طال انتظارها".
وأضاف أن السوري لم يعد مضطرا لأن يشرح أوجاعه للعالم همسا أو عبر وسطاء، بل أصبح صوته يصل مباشرة، رصينا، بليغا في لغته، عميقا في تفكيره النقدي، ومتماسكا في تفصيله المنطقي.
وأكد صالح، أن خطاب الرئيس لم يكن استعراضا سياسيا، بل كان درسا أخلاقيا في ثنائية الخير والشر، في المعركة الأزلية بين الحق والباطل. لقد كانت لحظة كشف ومواجهة مع التاريخ.
وأشار إلى أن الخطاب لم يحمل نزعة ثأرية، بل تحدث الرئيس عن ثقافة نصرٍ لا ثأر فيه، عن الانتقال من تصدير الأزمات إلى تصدير الاستقرار، عن بناء دولة القانون التي تُحارب الفقر، وتحمي الحقوق، وتؤسس لعدالة انتقالية حقيقية وهيئة للمفقودين، وتبشر بانتخابات مجلس تشريعي تليق بشعب قدّم كل هذه التضحيات.
ولفت صالح إلى أن في لحظة فارقة من الخطاب، ربط الرئيس سوريا بفلسطين، مؤكدا بوصلتنا الوجدانية والعقائدية. ومشددا على أن سوريا لا تتمنى الألم الذي عاشته لأي شعب آخر، وأنها عائدة إلى دورها الطبيعي كحاضنة للسلام والازدهار والتنمية.
وقال: "لقد كان الخطاب أعمق من كلمة سياسية، بل كان بيانا ثقافيا بامتياز. كان إعلانا بأن ثقافة سوريا تغيّرت في مجملها: من ثقافة الصمت إلى ثقافة البوح، ومن ثقافة الخوف إلى ثقافة المواجهة، ومن ثقافة السلطة إلى ثقافة الشعب".
وأكد صالح أن الرئيس الشرع قال ما كان السوريون يحلمون أن يُقال: أن النظام المجرم سقط، والجيش الخائن تفكك، والأجهزة الأمنية حُلّت، وأن سوريا اليوم تكتب فصلا جديدا من تاريخها بيدها لا بيد غيرها.
وقال وزير الأشغال العامة والإسكان مصطفى عبدالرزاق: إن خطاب الشرع لم يكن مجرد كلمة… كان صرخة حق ونداء وطن جُرح لكنه لم ينكسر رغم كل ما مر عليه وبفضل الله يعود من جديد.
وأشار إلى أن لأول مرة منذ ستة عقود ارتفع صوت سوريا من على أهم منبر دولي يحمل كرامة شعبها وآمال ملايين ينتظرون رفع العقوبات والتعاون الحقيقي للعودة إلى بناء مدنهم وقراهم .
وأكد عبدالرزاق، أن هذا الخطاب أعاد لسوريا مكانتها وأعاد لها وجهها الحقيقي، وطن يريد السلام والعدالة والإعمار.
وأضاف: "فخورون وكل الشعب السوري بهذا التمثيل العظيم ومؤمنون أن التاريخ سيذكر هذه اللحظة كمنعطف جديد في مسيرة بلدنا الحبيب".
إشادة وثناء
بدوره، كتب المستشار الرئاسي أحمد موفق زيدان، أن خطاب السيد الرئيس أعاد ثقة السوريين بأنفسهم، لا سيما في ظل حجم النشاطات واللقاءات التي أجراها الوفد السوري برئاسة الرئيس خلال فترة إقامته.
وقال: إن العالم سيذكر اليوم وغدا حجم الخسائر التي خسرها بابتعاد سوريا عن محيطها العربي والدولي ل 61 عاما من حكم البعث، مضيفا: "عاد الياسمين وأهله لينشر عبيره.. هذا الحضور صحح تاريخا عمره 61 عاما".
ورأى بشر جبارة، أن كلمة الشرع تختصر مجلدات، قائلا: "رصاصة خطاب تصيب الهدف بلا استعراض ولا ضجيج.. هكذا تنتصر الثورة السورية.. ببساطة الحق وبقوة الصدق".
وقال محمد الزينو، إن كلمة الشرع تلخص فصلا عظيما من جولات العز وانتصار الحق على الباطل، وهي من أجمل النهايات التي نختم بها حكايات الألم والدم والفزع والرعب.
وأضاف أن الاعتزاز بالدين من شيم الرجال المسلمين، والدعاة المصلحين، والعباقرة المفكرين، الذين لا ينقلبون على الحق، منكرين مكذبين، حفظ الله الفاتح الشرع لهذا الشرع.
وأعربت قمر عمر عن سعادتها بكلمة الرئيس السوري، قائلة: "أنا كمواطنة سورية ما بعرف أوصف شعوري لحظة سمعت خطاب الرئيس أحمد الشرع على منصة الأمم المتحدة يمكن في ناس تشوفها مجرد كلمة عادية بس بالنسبة إلي كانت لحظة تاريخية، لحظة حسّيت فيها إنه سوريا رجعت توقف على رجليها قدام العالم أجمع".
ووصف أيمن الجندي كلمة الشرع بأنها "مقتضبة ومركزة وذكية".
سعادة وابتهاج
فيما قال المفتش العام المساعد لدار الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن مرعب: "الحمدلله الذي أحيانا وأرانا هذا اليوم".
وأضاف: "فخامة الرئيس أحمد الشرع في خطاب تاريخي فخم أعاد العز والمجد ليس لسوريا وأهلها فقط، بل لأهل السنة في بلاد الشام، أما إيران وأذنابها والنظام الأسدي المجرم وفلوله "موتوا بغيظكم" فالشام عادت لنا بفضل الله وهي باقية لنا إلى يوم القيامة".
وكتب رسام الكاريكاتير عمار آغا القلعة: "رئيس منا، شارك بالثورة، وقاد التحرير من الاستعمارين الروسي والإيراني، وقاد إسقاط النظام المجرم الطاغية.. ثم ذهب ليحكي باسم كل سوري حر، حكاية سوريا العظيمة للعالم بأسره".
وأثنت أحد المدونات على إجابة الشرع على مذيعة طلبت منه كلمة لمؤيديه بالقول: "أنا ما بحكي لمؤيدين أنا بحكي لكل الشعب السوري.. نحن شعب واحد".
وأشارت إلى أن إجابة الشرع بها "حكمة وفهم وحب لبلده وشعبه بكل أطيافه وألوانه"، قائلة: "كيف لا وهو منهم، جملة فيها أمل لنا ولسوريا"، مؤكدة أن هذه سوريا التي يرغب بها السوريون لا فرق بين أي سوري بغضّ النظر عن دينه ورأيه.
وقال محمد باشا الصمدي: إن فخامة الرئيس الشرع جزءٌ مركزي من الحكاية السورية التي خطّها بيده: ثائرٌ واجه الظلم والطغيان وناضل حتى حرّر البلاد والعباد من طغمة الإرهاب والإجرام، فقادها بصلابة وإيمان حتى تُوِّجت الحكاية السورية بالنصر، مظفَّرا ورئيسا شرعيا للبلاد بعد 8 ديسمبر 2024.
وأضاف: "اليوم، يفتح سيادته الآفاق الدولية، فنالت سوريا شرعيتها المستحقة، وبدأت مرحلة الإعمار والنهضة والتنمية وإحلال السلام، ليقود سوريا نحو استعادة مكانتها المحورية عبر التاريخ.. فدمت للوطن، أيّدك الله، وسدّد خطاك، ورعاك".
تحليلات وقراءات
فيما أشار أستاذ العلوم السياسي عبدالله الشايجي إلى أن الشرع ألقى أول خطاب له في تاريخه رئيسا لجمهورية سوريا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعدما كان مصنفا قبل حوالي 10 أشهر إرهابيا!! .
ولفت إلى أن الشرع وصف نظام الأسدين الأب والابن بالنظام الظالم الذي قتل مليون إنسان واستخدم السلاح الكيماوي 200 مرة ضد شعبه؛ لأن الشعب ثار لكرامته فنكلوا به.
ورصد سمير العركي ملاحظات عدة على كلمة الشرع، ومنها حرصه على كتابة "الحكاية السورية" التي افتتح بها كلمته بنفسه، حسب ما نشره وزير الخارجية، أسعد الشيباني على حسابه على إنستغرام.
وأشار إلى أن الشرع خصص كلمته بالكامل تقريبا عدا جزء صغير جدا، للحديث عن سوريا، حيث أعاد التأكيد على انتصار الثورة السورية واندحار دولة الظلم والجبروت.
ولفت العركي إلى تركيز الشرع على سوريا كان موفقا، والرسالة واضحة فهو رئيس سوريا وليس رئيسا للإقليم، ولا زعيما أمميا، فبلاده لا تحتمل مثل هذه الاشتباكات العنترية.
وعد هذا درس لبعض التنظيمات "المستضعفة" التي تصر على دس أنفها في شؤون الكوكب، عبر بيانات لا قيمة لها، سوى توريط التنظيم في حساسيات إقليمية أو دولية أكبر بكثير من قدرة التنظيم.
ولاحظ العركي، أن الشرع حرص على إبداء تضامن بلاده مع مأساة قطاع غزة وهو أمر ليس بمستغرب، فبعيدا عن حملات التخوين التي تم استهداف القيادة السورية بها، إلا أن الحقيقة أنهم في تضامنهم مع الشعب الفلسطيني يعدون جزءا من التيار العام للأمة.
ورأت الكاتبة السهاد البوسعيدي، أن الرئيس السوري استطاع خلال فترة قصيرة رغم أنه جديد على الساحة السياسية وقيادة دولة، أن يفرض نفسه بحنكة وذكاء، ويظهر قوته في المواقف الصعبة ويجسد روح القيادة الفاعلة، كما استطاع خطف الأضواء.
وأشارت إلى أنه استطاع أن يكسب احترام المجتمع الدولي ويثبت أن سوريا تمتلك قيادة قادرة على حماية مصالح شعبها والدفاع عن سيادتها، مؤكدة أنه أظهر قدرة استثنائية على الحوار والتفاوض مع مختلف الأطراف، محافظا على هيبة الدولة ومكانتها.
وأضافت البوسعيدي: "هنيئا لسوريا رئيسها الجديد، تستحق دمشق أن تفرح وتستقر، وشعبها يغمض عينيه مطمئنا آمنا ".
احتفالات ميدانية
كما تداول ناشطون مقتطفات من احتفالات السوريين في ساحات سوريا بعد خطاب الشرع بالجمعية العامة للأمم المتحدة.