الاعترافات الغربية بدولة فلسطين.. ماذا ينقصها كي لا تبقى مجرد إعلان؟

خالد كريزم | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

"سنجعل الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية، ونعزله عزلا عنيفا وننهي اندماجه بالمنطقة".. كلمات أطلقها سابقا الراحل يحيى السنوار القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية حماس وقائد عملية "طوفان الأقصى"، تتحول اليوم إلى واقع ملموس.

فبعد عامين من الهجوم العسكري على المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلق “طوفان سياسي” تمثل في موجة نادرة ومتسارعة من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، في وقت تحاول فيه إسرائيل تكريس احتلالها لقطاع غزة وضم الضفة الغربية.

اعترافات وردود

وأعلنت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال في 21 سبتمبر/أيلول 2025، اعترافها بدولة فلسطين لتنضم إلى أكثر من 140 دولة عضوا في الأمم المتحدة اتخذت سابقا المسار نفسه.

ومن المرتقب أن تعترف 7 دول أخرى على الأقل بدولة فلسطين في 22 سبتمبر، ومن بينها مالطا ولوكسمبورغ وفرنسا وأستراليا وأرمينيا. وتأتي هذه الخطوة بعد أن اعترفت 4 دول أوروبية بدولة فلسطين خلال عام 2024، وهي، النرويج، وإسبانيا، وإيرلندا وسلوفينيا.

ووضعت تلك الدول هذه الاعترافات ضمن هدف إحياء زخم حل الدولتين الذي يبدأ بوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين هناك.

وتمثل هذه الخطوة تحولا عن سياسات الدول المذكورة والتي عرفت بعلاقتها الراسخة مع إسرائيل في الماضي لكنها بدأت تعبر عن تذمرها ورفضها للعدوان والتجويع الإسرائيلي الممارس بحق أهالي غزة وسياساتها بالضفة الغربية.

إذ تأتي موجة الاعترافات بالتزامن مع عقد الدورة الـ 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي ظل مواصلة إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة وسيرها بخطى سريعة نحو ضم الضفة الغربية.

ومن أصل 193 دولة عضوا في المنظمة الدولية، تعترف 149 دولة على الأقل بدولة فلسطين التي أعلنها الرئيس الراحل ياسر عرفات من الجزائر عام 1988.

وبعد بدء الاعترافات، باركت السلطة الفلسطينية وحركة حماس هذه الخطوة، بينما دخلت إسرائيل حالة سعار غير مسبوقة، إذ قال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إن “هذه مكافأة كبيرة للإرهاب بعد مجزرة 7 أكتوبر"، وفق زعمه.

وشدد على أنه “لن تكون هناك دولة فلسطينية والرد على الاعتراف بها سيأتي حين أعود من الولايات المتحدة”، في إشارة على ما يبدو إلى عزمه دراسة الخطوات المقبلة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لطالما أعرب عن رفضه لهذا التوجه.

وبشأن الرد المتوقع، نقلت القناة 15 الإسرائيلية عن مصدر سياسي قوله إن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أعطى إسرائيل ضوءا أخضر لفرض السيادة على الضفة الغربية.

كما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر مقرب من نتنياهو قوله إن فرض السيادة على غور الأردن سيكون على جدول لقاء الأخير مع ترامب، على هامش اجتماعات الجمعية العامة.

ويستعد الجيش الإسرائيلي لتصعيد محتمل في الضفة الغربية مع تزايد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفق ما قالت صحيفة هآرتس.

وبدورها، أوضحت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الاعتراف البريطاني ليس إلا مكافأة لحماس بتشجيع من الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة. وبينت أن قادة الحركة أنفسهم يقولون علنا إن هذه الخطوة "ثمرة لمجزرة السابع من أكتوبر”، وفق تعبيرها.

أما وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش فقد قالا إنه يجب الرد على هذا الاعتراف بضم الضفة وسحق السلطة الفلسطينية.

وتصاعدت الخلافات داخل الائتلاف الحكومي عقب استبعاد نتنياهو لعدد من الوزراء بينهم سموتريتش وبن غفير من جلسات نقاش عاجلة تتعلق بالرد على اعتراف دول غربية بدولة فلسطين.

ونقلت القناة 12 العبرية عن مصادر سياسية لم تسمّها قولها، إن نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– يحاول تبني مواقف متوازنة تتيح له الحفاظ على تماسك تحالفه وتجنب تصعيد داخلي ودولي، بينما يطالب حلفاؤه بتسريع الضم وإنهاء دور السلطة الفلسطينية.

وبدورها هاجمت المعارضة الإسرائيلية نتنياهو وأكدت أنه المتسبب بهذه الخطوة، إذ قال زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي يائير غولان إن الاعتراف بدولة فلسطين فشل سياسي لرئيس الوزراء، مؤكدا أنها خطوة مدمرة لأمن إسرائيل.

فيما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إن “الحكومة التي جلبت لنا الكارثة الأمنية الأخطر (7 أكتوبر) تجلب لنا الآن أخطر أزمة سياسية”.

ما الأهمية؟

وعن أهمية هذه الخطوة، يرى مدير الشؤون القانونية والسياسات في منظمة سكاي لاين الدولية محمد عماد في حديث لـ"الاستقلال"، أنها تمثل تحوّلًا نوعيًا في الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية، لعدة أسباب.

أولها منح فلسطين شرعية قانونية ودبلوماسية متقدمة من خلال رفع مكاتب التمثيل إلى مستوى سفارات وتبادل السفراء، ما يعزز من حضور الدولة الفلسطينية ككيان معترف به دوليًا.

والسبب الثاني تعزيز الوضع في المنظمات الدولية، فالاعتراف يدعم مساعي فلسطين لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والانخراط الأوسع في المنظمات الإقليمية والدولية.

وثالثا، تثبيت حق تقرير المصير ووضع القضية في إطارها الصحيح كقضية تحرر واحتلال، وليس مجرد نزاع على حكم ذاتي. 

ورابعا، تغيير الخطاب السياسي ودعم الموقف الفلسطيني في المفاوضات وإضعاف الطرح الإسرائيلي القائم على إنكار الوجود الفلسطيني أو أي دولة قائمة.

كما يتوقع عماد أن يتوسع نطاق الاعتراف ليشمل مزيدًا من الدول الأوروبية واللاتينية والآسيوية، مما يرفع عدد المعترفين إلى كتلة دولية كبيرة.

وأردف: “لا يخفى على أحد الحراك الأوروبي الحالي واتجاهه لبلورة موقف موحّد، خصوصًا تصاعد الجرائم الإنسانية في غزة، ما سيشكل ثقلًا سياسيًا ضاغطًا على إسرائيل”.

فضلا عن أهمية تلك الخطوة في تعزيز الملاحقات القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ومحكمة العدل الدولية (ICJ) استنادًا لصفة الدولة، بما يقوّي المسار القانوني ضد الاحتلال وجرائمه، وحشد الرأي الأوروبي نحو هذا التوجه، بحسب تقديره.

وبدوره، قال المحلل السياسي محمد الأخرس إن الاعتراف بدولة فلسطين من قبل الدول الغربية، الحليف التاريخي للاحتلال، يُعد حدثاً سياسياً مهماً لعدة أمور، أولها أنه يأتي في سياق زيادة عزلة إسرائيل.

وأوضح في تغريدة على إكس أن “هذه الخطوة مهمة بالنظر إلى أن الاحتلال يخوض الحرب ضد الفلسطينيين من منظور الحسم السياسي وتدمير هويتهم الوطنية، فأي خطوة تُضفي حيثية ووضعية سياسية للمجتمع الفلسطيني، ولتثبيت بقاءه على أرضه تعد نقطة في رصيده”.

وأردف أن “الدول الغربية بهذه الخطوة ترفض المنطق الإسرائيلي بأن أي حل سياسي يجب أن يمر من بوابة المفاوضات بصفتها مدخلا وحيدا للتسوية”.

وذكر أن الاعتراف البريطاني بعد زيارة ترامب للمملكة المتحدة (16 سبتمبر)، يعني أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على حماية المصالح الدبلوماسية للاحتلال الإسرائيلي، وهذا دليل على عزلة متزايدة لإدارة الرئيس الأميركي في سياساتها تجاه المنطقة، وفق تقديره.

وأكد أن هذه الخطوة “تدل على عجز لوبيات الضغط التي تعمل تاريخياً لصالح الاحتلال بالدول الغربية في كبح هذا المسار، رغم التحالف المتصاعد للفاشية الأوروبية مع اليمين الإسرائيلي المتطرف”.

وخلص إلى أن “كل هذا له دلالة واحدة بأن ثمن الحرب على غزة يزداد كُلفةً وأن الاحتلال يخسر العالم تدريجياً”.

غير كافية

وعلى الرغم من أهمية الخطوة، فقد رأى الكثير من المراقبين أنها غير كافية في ظل عزوف الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات مؤثرة وإلغاء اتفاقية الشراكة بالكامل مع إسرائيل.

ويتساءل هؤلاء عن الفائدة من إعلان اعتراف رمزي لا ينهي عمليات الإبادة الجماعية والتجويع في غزة ولا يأتي بدولة فلسطينية على أرض الواقع.

ويقول محمد عماد لـ"الاستقلال" إنه “بالرغم من الأهمية الرمزية لخطوة الاعتراف فإنها وحدها لا تكفي إذا لم يتبعها فعل سياسي وضغط دولي”. 

ويرى أنه “حتى لا يكون الاعتراف مجرد إعلان، فالمطلوب دوليًا خطوات عملية لوقف العدوان والإبادة في غزة عبر ضغوط سياسية واقتصادية مباشرة على الحكومة الإسرائيلية”.

وأيضا “الحشد نحو فرض عقوبات شاملة تشمل حظر تصدير الأسلحة، تقييد التعاون العسكري والتكنولوجي، وتعليق اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل حتى التزامها بالقانون الدولي”.

وتحدث كذلك عن “حماية الأراضي الفلسطينية لا سيما الضفة الغربية والقدس من التهويد والاستيطان عبر قرارات ملزمة من مجلس الأمن بدعم أوروبي ودولي واسع”.

وأكد عماد ضرورة “تطبيق آليات متابعة دولية عبر لجان مراقبة وفرق تحقيق، لضمان أن لا يظل الاعتراف حبرًا على ورق”.

وفي السياق نفسه، رأى المحلل السياسي أحمد الحيلة في تغريدة على “إكس”، أن “الاعتراف بدولة فلسطين، خطوة مهمّة رغم تأخّرها؛ لكنها غير كافية”.

ورأى أن “المطلوب الآن إجراءات عقابية قاسية وفورية ضد إسرائيل وقادتها، وعزلها قانونيا وسياسيا، فهي باتت لا تكترث بالمواقف والأقوال دون أفعال مؤثّرة”.

وبدوره، قال الصحفي محمد حمدان في رسالة إلى الغرب: “أوقفوا دعم الإبادة أولا يا منافقين لكي يكون لاعترافكم معنى، ولكي تبقى أرض ويبقى شعب”.

أما المحلل السياسي ياسر الزعاترة، فكذّب ادعاءات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأن الاعترافات تفتح الباب أمام حل الدولتين وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنها "بداية الطريق للسلام".

وقال الزعاترة على “إكس” إن هذا غير حقيقي “ليس فقط لأن القرارات الدولية على هذا الصعيد كانت واضحة منذ العام 1967، ولم تفعل شيئا، بل أيضا لأن دولة على حدود 67، ستعني نهاية المشروع الصهيوني برمّته”.

وأردف: “لا شك أن بداية النهاية قد كُتبت بقوّة الطوفان، لكن النهاية شيء آخر، ما يعني أن المطلوب المتوقّع في عقل الغربيين، أو بعضهم، سيتلخّص في عملية سياسية تفاوضية جديدة تستغرق سنوات”.

وواصل القول: “سيتخلل هذه العملية تطبيع واسع، فيما يكون الغّزاة قد أكملوا خلالها عملية الضمّ والتهجير، مشفوعة بإدانات تقليدية نسمعها منذ عقود بلا جدوى”.