مسؤول روسي يزور دمشق والشرع يتجه لموسكو "قريبا".. المستقبل إلى أين؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من دعمها رئيس النظام البائد بشار الأسد ضد الثوار، تتقرب روسيا اليوم من حكام سوريا الجدد وتجري مباحثات لتطوير العلاقات في عدة مجالات، ضمن عملية تمهد لإضفاء موسكو الشرعية على إدارة أحمد الشرع.

وزار ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي، العاصمة السورية دمشق في 9 سبتمبر/ أيلول 2025، في أول "زيارة عمل" لمسؤول روسي رفيع منذ سقوط نظام الأسد، نهاية عام 2024. 

عملية شرعنة 

وبحسب صحيفة "فيدوموستي" الروسية، تُعد هذه الزيارة الأعلى مستوى من الجانب الروسي إلى دمشق منذ تسعة أشهر، ما يعكس اهتماما متزايدا من موسكو للتعامل مع السلطات الجديدة في سوريا.

وبحسب وكالة الأنباء السورية "سانا"، أجرى الوفد الروسي برئاسة نوفاك مباحثات مع كبار المسؤولين السوريين، تناولت ملفات الاقتصاد والأمن والدفاع والسياسة. 

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أعلن نوفاك عن زيارة مرتقبة للرئيس السوري الانتقالي وزعيم هيئة تحرير الشام سابقا، أحمد الشرع، إلى موسكو.

ونقلت وكالة "سانا" عن نوفاك قوله: "نولي اهتماما خاصا للزيارة المرتقبة للرئيس الشرع إلى موسكو للمشاركة في القمة الروسية-العربية التي ستعقد في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2025".

ولفتت الصحيفة إلى أن نوفاك "لم يوضح ما إذا كانت هناك ترتيبات لعقد لقاء مباشر بين الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

وفي تعليق له، قال الباحث في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف: "إن زيارة الشرع إلى موسكو، إن تمت، ستكون بمثابة اعتراف رسمي روسي بشرعية السلطات الجديدة في دمشق، بل واعتبارها شريكا يمكن العمل معه".

وأضاف أن "الاتصالات القائمة بالفعل بين موسكو والنظام الجديد تشير إلى أن عملية الشرعنة قد بدأت فعليا".

وبحسب قناة "الإخبارية" السورية الرسمية، فإن أول من استقبل أعضاء الوفد الروسي كان ماهر الشرع، مدير مكتب الرئيس وأخاه الأكبر. 

وأشارت الصحيفة الروسية إلى أن ماهر يتحدث الروسية بطلاقة، إذ سبق وعمل طبيبا في مدينة فورونيج الروسية بين عامي 2018 و2022.

أزمة الطاقة 

وأفادت الدائرة الإعلامية للحكومة الروسية بأن المباحثات تطرقت إلى "إمكانية تقديم الدعم في إعادة إعمار البنية التحتية وتقديم المساعدات الإنسانية"، إضافة إلى التعاون في المجالين الثقافي والتعليمي، في ضوء وجود "نحو أربعة آلاف طالب سوري يدرسون حاليا في روسيا".

كما اقترح نوفاك إعادة تفعيل عمل اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين، التي توقفت بعد سقوط نظام الأسد، وفق الصحيفة.

وفي هذا السياق، ذكرت أنه "سبق وأن طرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الفكرة نفسها خلال زيارة وفد سوري إلى موسكو، في أغسطس/ آب 2025، خلال أول زيارة لمسؤولين سوريين إلى دمشق بعد سقوط الأسد".

وحينها، التقى الشيباني بنظيره الروسي سيرغي لافروف، للتباحث حول مراجعة الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، واستئناف عمل اللجنة الحكومية المشتركة، بالإضافة إلى الوضع المتوتر الناتج عن "فشل قمع انتفاضة الأقلية الدرزية، التي تدخلت إسرائيل لحمايتها"، وفق تعبير الصحيفة.

وفي الزيارة ذاتها، ناقش وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة مع نظيره الروسي أندري بيلوسوف، آفاق التعاون بين وزارتيهما والوضع بالشرق الأوسط.

أما عن زيارة نوفاك، فقد صرح مصدر مقرب من السلطات السورية للصحيفة الروسية أن "أبرز ما تناولته كان ملف إمدادات الوقود إلى سوريا، التي تعاني من أزمة طاقة حادة بدأت منذ عهد الأسد وتفاقمت أخيرا".

وتابعت: "حتى سقوط النظام السابق، كانت الأزمة تُدار عبر شحنات نفطية من إيران قُدرت بنحو 55 ألف برميل يوميا عام 2024".

وأضافت: “إنتاج سوريا النفطي قبل اندلاع الحرب عام 2011 كان يتراوح بين 380 و400 ألف برميل يوميا، وفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة، وكان يشكل آنذاك نحو 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن بحلول نهاية عام 2024، انخفض الإنتاج إلى ما يقارب 20 ألف برميل يوميا فقط”.

ونقلت الصحيفة عن معهد أبحاث الطاقة الأميركي قوله إن "الأكراد السوريين، الذين تسعى السلطات الجديدة في دمشق للسيطرة عليهم دون تمكنهم من ذلك حتى الآن، يسيطرون على نحو 70 بالمئة من احتياطات النفط والغاز التي كانت موجودة قبل الحرب".

ومع ذلك، أشارت إلى أن "الحكومة السورية الجديدة أعلنت، مطلع سبتمبر/ أيلول 2025، عن أول شحنة نفط للتصدير منذ 14 عاما، من ميناء طرطوس، بحجم 600 ألف برميل".

وفي مايو/ أيار 2025، ألغت دمشق عقد إدارة الميناء مع الجانب الروسي، ووقعت مذكرة تفاهم جديدة مع شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية بقيمة 800 مليون دولار.

شروط سياسية 

ووفقا لنيكولاي سوخوف، الباحث البارز في مركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، فإن “دمشق لا تزال تعاني من نقص حاد في الوقود”.

وذكر أنه "حتى إن الجهات الراعية للسلطات السورية الجديدة، مثل قطر والسعودية، لا توفر كميات كافية لتلبية احتياجات البلاد، ولا تُظهر رغبة حقيقية في زيادة الإمدادات"، وفق تقييمه.

وأضاف: "في ظل الوضع الاجتماعي والاقتصادي المعقد، إلى جانب استياء الأقليات الدينية وفوضى الجماعات المتطرفة، لا أحد يعلم ما إذا كان أحمد الشرع ونظامه سيصمدان حتى نهاية العام".

من جهته، يرى الخبير في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية إيغور يوشكوف، أن "اهتمام السلطات السورية يتركز بشكل أساسي على مشتقات النفط، نظرا لضعف القدرات الإنتاجية وسوء حالة المصافي المحلية".

وقال: "هم بحاجة إلى الديزل والمازوت، وبدرجة أقل إلى البنزين، كما أنهم يحتاجون إلى معدات جديدة وسليمة لاستخراج ومعالجة الغاز والنفط، بالإضافة إلى الأنابيب".

وأكد أن "كل ذلك متوفر لدى روسيا، لكن مسألة الإمدادات ليست اقتصادية، بل سياسية، وتتعلق بحجم الشحنات وشروطها، والتفضيلات والضمانات المتبادلة".

وبحسب مصدر تحدث لصحيفة "فيدوموستي"، فإن من بين أبرز الملفات التي نوقشت في دمشق مع الوفد الروسي مسألة إشراك خبراء روس في إعادة بناء الاقتصاد السوري، الذي دمرته الحرب.

وأوضح المصدر أن "قضية الحفاظ على القواعد الروسية في محافظتي اللاذقية وطرطوس ما تزال محورية وأساسية، لكنها لم تعد وحدها القضية الأهم لموسكو ودمشق".

ويعتقد سوخوف أن "السلطات السورية تأمل الحصول على الوقود بشكل شبه مجاني مقابل تقديم ضمانات للقواعد العسكرية الروسية وللجنود الروس".

وأردف: "أما فيما يتعلق بالخبراء الفنيين، فإن دمشق تسعى إلى عودة الكوادر الروسية المتخصصة للمساعدة في إعادة تأهيل وتشغيل حقول الغاز والنفط، ومن ثم إدارتها واستثمارها".