الإماراتي محمد العبار يتمدد في مصر عبر الاستثمارات.. ما علاقته بإسرائيل؟

داود علي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لم يكن دخول رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار إلى السوق المصرية مجرد مغامرة استثمارية، بل جزء من مشروع سياسي واقتصادي متكامل تديره أبوظبي، هدفه إحكام السيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري، وتوظيف أزماته المالية المتلاحقة لخدمة أجندة إقليمية أوسع. 

العبار ليس مجرد مطور عقاري، بل ركن أساسي في اللوبي الإماراتي الذي تغلغل في مصر إبان حكم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، حيث وضع يده على الأراضي والشركات والقطاعات الإستراتيجية، من العقارات والسياحة إلى السجائر والخدمات.

لكن الأبعاد الأخطر لاستثمارات العبار لا تتعلق فقط بالمال، وإنما بشبكة علاقاته مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يشكل حلقة وصل بين مسار التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وبين التمدد الاقتصادي في قلب مصر. 

ومع كل صفقة يوقعها العبار، يتأكد أن المسألة لا تتعلق بإنعاش اقتصاد مأزوم، بل بإعادة هندسة التوازنات السياسية والاقتصادية في المنطقة، على حساب السيادة المصرية واستقلال قرارها الوطني.

قلب القاهرة 

وفي حديثه لبرنامج "على مسؤوليتي" مع الإعلامي أحمد موسى، يوم 7 سبتمبر/ أيلول 2025، أعلن العبار أن وسط البلد بالقاهرة ستكون بؤرة استثماراته المقبلة، واصفا قلب العاصمة بأنه "قلب الأمة العربية". 

الرجل تحدث عن "إعادة رونق المنطقة"، لكن خلف الخطاب العاطفي تكمن رغبة واضحة في الاستحواذ على أراض ومبان تاريخية وتحويلها إلى مشروعات تجارية وعمرانية، تعيد تشكيل هوية المكان بما يخدم مصالح رأس المال، لا بالضرورة مصالح المجتمع.

وقد جاءت تصريحات العبار بعد توقيع شراكة ثلاثية بين إعمار مصر (التابعة له) وسيتي ستارز السعودية، والحكومة المصرية، لإطلاق مشروع "مراسي البحر الأحمر" على مساحة 10 ملايين متر مربع في منطقة "سوما باي"، باستثمارات تقترب من 900 مليار جنيه. 

المشروع يسوق على أنه نسخة محدثة من "مراسي الساحل الشمالي"، غير أن المنتقدين يرونه استمرارا لسياسة بيع الأراضي الساحلية لمستثمرين خليجيين، في مقابل تدفقات مالية سريعة تستهلك في سد فجوات عاجلة دون أثر إنتاجي حقيقي.

وبالحديث عن أهمية قلب القاهرة وتطلعات العبار، فقد أصدر السيسي صباح الثالث من سبتمبر/ أيلول 2019، قرارا نقل بموجبه مجموعة من الأصول العقارية بالغة الأهمية من ملكية الدولة إلى صندوق مصر السيادي الذي أنشأه في 2018، بحجة "تعظيم الاستفادة من الأصول غير المستغلة". 

وبموجب القرار، جردت هذه الأصول من صفة "المنفعة العامة" لتصبح قابلة للتصرف والبيع، وكان أبرزها، مبنى مجمع التحرير الشهير في ميدان التحرير، والمقر القديم لوزارة الداخلية في شارع الشيخ ريحان.

وأيضا مبنى الحزب الوطني المحترق بجوار المتحف المصري، الذي ارتبط في ذاكرة المصريين كأحد رموز سقوط نظام حسني مبارك خلال ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

بعدها بعام، وتحديدا في يونيو/ حزيران 2020، خرج المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي آنذاك أيمن سليمان، ليؤكد أن "شهية المستثمرين للاستثمار في مجمع التحرير كبيرة جدا".

وكشف وقتها أن هناك خططا لتطوير منطقة وسط البلد بالكامل، بحكم موقعها المتميز وقيمتها التراثية، مع شروع الدولة في حصر مبانيها تمهيدا لإعادة استغلالها بعد نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

هذه الخطوات لم تكن إجراءات إدارية عابرة، بل مهدت الطريق لتحويل وسط البلد – قلب القاهرة التاريخي والسياسي – إلى مسرح مفتوح أمام رؤوس الأموال الخليجية، وعلى رأسها الإماراتية. 

وهو ما يفسر إصرار رجل الأعمال محمد العبار اليوم على وضع وسط البلد في صدارة مشروعاته التوسعية. 

فما بدأ كقرار رئاسي "فني" بنقل ملكية بعض الأصول، انتهى إلى خطة ممنهجة لإعادة تشكيل هوية المنطقة، بما يفتح المجال لشركات مثل إعمار للتمدد داخل أهم شرايين القاهرة.

العبار وإسرائيل

ومع ذلك لا تقتصر استثمارات العبار في مصر على العقارات، رغم أن هذا القطاع يحظى بالنصيب الأكبر.

فهو يقف وراء مشاريع ضخمة مثل "ميفيديا" في التجمع الخامس، و"ذي أدريس"، و"سول"، و"مراسي الساحل الشمالي"، ومشروع في القرية الذكية، الواقعة في مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة.

لكن النفوذ الأخطر يمتد إلى قطاع السجائر، عبر شركته "جلوبال إنفستمنت هولدينج"، بالشراكة مع أبو بكر عبد الله الحسيني رجل الأعمال الإماراتي، صاحب شركة “غلوبال للاستثمارات المحدودة”.

إذ استحوذ العبار عام 2023 على 30 بالمئة من أسهم الشركة الشرقية للدخان، كما يملك حصصا في "التبغ المتحدة" المرتبطة بشركة "فيليب موريس". 

ويقدر حجم استثمارات العبار في مصر بـ 35 مليار دولار، بحسب تصريحات الرجل نفسه في حديثه التلفزيوني مع قناة "صدى البلد" المصرية الخاصة. 

هذا النفوذ يضع واحدا من أهم القطاعات الإيرادية للدولة تحت سيطرة مستثمر إماراتي، ما يفتح الباب أمام أسئلة حول الأمن الاقتصادي وسيادة القرار.

ومن هنا فإن تمدد العبار في مصر لا يكون بمعزل عن ما أحيط بالرجل من جدل عن علاقته بدولة الاحتلال.

ففي أغسطس/ آب 2021، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية تفاصيل لافتة عن العلاقة المبكرة بين محمد العبار وإسرائيل، مؤكدة أنه لم يكن مجرد متابع لمسار التطبيع الخليجي  الإسرائيلي، بل منخرط فيه عمليا قبل سنوات طويلة من إعلان الاتفاقيات الرسمية.

وأوضح موقع "كالكاليست" الاقتصادي الإسرائيلي أن العبار كان أحد أكبر خمسة متبرعين لمشروع اجتماعي إسرائيلي ضخم تأسس عام 2003، هدفه تقديم مساعدات غذائية لعشرات آلاف الأسر الإسرائيلية المحتاجة. 

وبحسب الموقع، فإن قيمة التبرعات التي قدمها هؤلاء المتبرعون الخمسة وصلت إلى نحو 550 مليون شيكل (170 مليون دولار)، وكان اسم العبار بينهم، إلى جانب رجال أعمال إسرائيليين بارزين.

الأهم أن انضمام العبار إلى هذا المشروع لم يأت بعد توقيع اتفاقيات "أبراهام" التطبيعية عام 2020، بل قبله بسنوات طويلة، ما يعني أن صلاته الاقتصادية والإنسانية المعلنة مع إسرائيل سبقت التطبيع الرسمي، وشكلت أحد جسور التمهيد له.

والمشروع نفسه كان قد أسسه رجل الأعمال الإسرائيلي "موطي بن موشيه" عام 2003، وبدأ بخدمة 2500 عائلة، قبل أن يتوسع بفضل مساهمات متبرعين من بينهم العبار.

الأمن القومي المصري 

وفي سياق متصل، لفت الإعلامي المصري يسري فودة، في تدوينة نشرها عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، إلى أن العبار لم يكن مجرد رجل أعمال إماراتي يتنقل بين المشاريع العقارية في المنطقة، بل يمثل منذ سنوات طويلة واجهة سياسية واقتصادية لمشروع التطبيع مع إسرائيل.

وكتب فودة أن العبار كان قد سعى في وقت سابق للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، عارضا شراء مستوطنات غزة "خالية وسليمة" على سبيل الاستثمار.

لكنه في الحقيقة كان يتحرك ضمن تحول إستراتيجي أوسع في موقف حكام أبوظبي ودبي من القضية الفلسطينية، وفق تقديره. 

وحين التقط رئيس إسرائيل الأسبق شمعون بيريس الخيط واستقبله بنفسه، لم يكن العبار في حاجة إلى كثير شرح، فبيريس كان قد وضع ملامح "الشرق الأوسط الجديد" في كتابه الشهير قبل أكثر من عقد.

وأوضح فودة أن العبار تذرع آنذاك بأن "أصدقاءه من الفلسطينيين" متحمسون للفكرة، بمن فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لكن الأهم أن الكرة تحركت في الاتجاه المطلوب، لتتوطد لاحقا علاقاته مع دوائر صهيونية بارزة.

وكان من بينهم رجل الأعمال الإسرائيلي إيلي إبستين، الذي أطلق معه مبادرة "أطفال إبراهيم"، وكرمه في أول معبد يهودي بالإمارات بعبارة مطرزة على وسادة التوراة تشيد بـ"رؤية العبار وشخصيته".

وختم فودة تدوينته بالقول إن العبار يتحرك اليوم في مصر بالأجندة ذاتها، ممددا نفوذه داخل القاهرة، ليتحول السؤال الجوهري إلى: "أين تحدد مصر مصلحتها ومنفعتها وأمنها القومي في ظل هذا التمدد؟"

اللوبي الإماراتي

وفي حديثه لـ "الاستقلال"، قال الباحث السياسي المصري محمد ماهر: إن "أخطر وأسهل طرق اختراق الأمن القومي للدول تتم عبر الاستثمار والمشروعات المشبوهة". 

وتابع: "من هنا، فإن وجود رجل أعمال مثير للجدل مثل العبار، المعروف بارتباطاته المباشرة مع إسرائيل، أمر لا يقبله المصريون ولا يمكن النظر إليه كصفقة عابرة". 

وأضاف: “حالة العبار جزء من مشهد أوسع، يعكس اتساع النفوذ الإماراتي في مصر بصورة مثيرة للريبة”.

وأكد أن "هذا النفوذ لم يتوقف عند حدود الاستثمارات أو العلاقات الاقتصادية، بل تمدد إلى محاولات التغلغل داخل الأجهزة الأمنية وبنية صناعة القرار".

وتابع: "الإمارات استضافت بالفعل عددا من كبار المسؤولين الأمنيين المصريين السابقين بعد إنهاء خدمتهم، مثل اللواء مراد موافي واللواء محمد إبراهيم، اللذين انتقلا للإقامة هناك منذ عام 2017". 

و"هذا إلى جانب العلاقة الخاصة التي جمعت الإمارات بالرئاسة المصرية منذ اللحظة الأولى لصعودها في مواجهة تيار ثورة 25 يناير وجماعة الإخوان المسلمين، ثم تعاونها العسكري والسياسي في ملفات إقليمية حساسة مثل ليبيا والسودان".

وأشار ماهر إلى أن "هذا التغلغل الاقتصادي والأمني يثير تساؤلات جدية حول ما إذا كان هناك لوبي إماراتي داخل أجهزة الدولة المصرية، يعمل على تمرير مصالح أبوظبي وتوجيه السياسات المصرية بما يخدمها".

وحذر قائلا: "خطورة الأمر مضاعفة، لأن هذه الدولة تحديدا ترتبط بعلاقات أمنية وسياسية واقتصادية وثيقة بإسرائيل، التي تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري عبر سياساتها العدوانية وتصريحات قادتها المتطرفة".

وختم ماهر تصريحه بالتأكيد على أن “الأمر يحتاج إلى مراجعة شاملة وعلى أعلى المستويات، بدءا من القوات المسلحة، مرورا بالمخابرات العامة والحربية، وجهاز الأمن الوطني، وصولا إلى مؤسسة الرئاسة، لضمان حماية المصالح الوطنية من أي اختراق خارجي”.

ولفت إلى أن مثل هذا الاختراق "قد تكون له تبعات كارثية أمام المتغيرات الكبيرة التي تحدث في العالم والمنطقة".

وخاصة أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دخلت العلاقات المصرية  الإسرائيلية مرحلة توتر غير مسبوقة، تجلت في تراجع التنسيق الأمني الذي كان أحد أعمدة "كامب ديفيد" لعام 1978.

ويأتي هذا وسط تصاعد القلق في تل أبيب من الانتشار العسكري المصري في سيناء، واتهامات صريحة للقاهرة بخرق بنود المعاهدة. 

هذا التوتر لم يتوقف عند حدود البيانات السياسية، بل وصل إلى تهديدات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعليق صفقة الغاز الأخيرة مع مصر، في محاولة للضغط على القاهرة وإجبارها على قبول تهجير الفلسطينيين وتقليل حجم القوات العسكرية المصرية في سيناء.

وهو ما يعكس حجم التحول في موازين العلاقة بين مصر ودولة الاحتلال بعد العدوان على غزة.