إسرائيل تحتمي بـ"قوة تدخل" مع اليونان وقبرص لمواجهة تركيا.. ما القصة؟

"هذه القوة ستجبر أردوغان على التفكير ملياً قبل اتخاذ أي خطوة تصعيدية"
قبيل قمة ثلاثية عُقدت في إسرائيل، يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 2025، بين رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والقبرصي الرومي نيكوس خريستودوليدس، "لتعميق التعاون الأمني والطاقي"، تحدثت صحف عبرية عن سعي الكيان لتشكيل "قوة تدخل" ثلاثية ضد تركيا.
مسؤولون عسكريون صرحوا لوسائل الإعلام الإسرائيلية بأن وزارة حرب الاحتلال، بدأت بالفعل "مناقشات تخطيطية أولية" حول هذه القوة.
من جانبه أكَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أحدث تصريحاته على أن "تركيا ستدافع عن حقوقها البحرية".
وتأتي هذه التطورات في وقت تلعب فيه تركيا دورا هاما مع مصر وقطر، في ضمان وقف إطلاق النار بغزة التي تعرضت إلى إبادة إسرائيلية على مدار سنتين.

“قوة تدخل”
يوم 21 ديسمبر 2025، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن إسرائيل تبحث بهدوء، فكرة إقامة "قوة تدخل" مشتركة مع اليونان وقبرص الرومية.
وذلك "في إطار رسائل ردع موجهة لتركيا على خلفية صراعات الغاز والنفوذ العسكري من شرق المتوسط وسوريا حتى غزة". وفق قولها.
أكدت أن حكومة إسرائيل أبلغت قيادة الجيش بوجود توجه فعلي لدراسة فكرة إنشاء "قوة تدخل مشتركة" مع اليونان وقبرص الرومية، ووجهت العسكريين ببدء تخطيط أولي لها.
ولكن من دون الشروع في أي خطوات تنفيذية حتى الآن لأن الحكومة أوعزت للجيش بعدم تجاوز مرحلة التخطيط حاليا، نظرًا لحساسية الفكرة وتداعياتها الإقليمية. وفق "يديعوت أحرونوت".
وذكرت أن السبب المركزي لهذا الحذر يعود إلى أن المهمة المحتملة لأي "قوة تدخل عسكرية" مشتركة إسرائيلية يونانية قبرصية رومية، في حال قيامها مستقبلا، ستكون مواجهة تركيا في حوض شرق البحر المتوسط.
من جانبها، رأت قناة “i24news” الإسرائيلية، في 18 ديسمبر 2025، أن مبادرة إنشاء قوة مشتركة، يُنظر إليها في إسرائيل كمحاولة لإرسال رسالة ردع لتركيا وترسيخ كتلة عسكرية متماسكة في شرق المتوسط، وليس كتحرك عسكري مباشر في الوقت الراهن.
لكن "يديعوت أحرونوت" ترى أن خطوة كهذه قد تُحدث تغييرا ملموسا في ميزان القوى في شرق المتوسط، وتدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إعادة حساباته قبل أي مواجهة محتملة مع اليونان.
ذكرت أن هذا التطور قد يحدّ أيضًا من قدرة الجيش الإسرائيلي على تشكيل تهديد مباشر لتركيا في حال اندلاع مواجهة بين الطرفين، في ظلّ ما يصفه بـ "السياسات العدائية العلنية" التي ينتهجها أردوغان تجاه إسرائيل.
وزعمت أن إسرائيل تنظر بقلق خاص إلى احتمال مشاركة تركيا في "قوة الاستقرار الدولية" (ISF) التي يُفترض إنشاؤها ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لوقف إطلاق النار في غزة؛ حيث تعارض إسرائيل بشدة أي دور تركي في هذه القوة.
فيما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن ثلاثة "مصادر رسمية" قولها، في 18 ديسمبر 2025: إن قوة بحجم لواء قيد الإعداد، تضم نحو ألف جندي يوناني، وألف جندي إسرائيلي، وخمسمئة جندي قبرصي رومي، لتغطية العمليات البرية والجوية والبحرية، وطُرحت جزر يونانية وإسرائيلية كقواعد محتملة.
وأكدت أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية البنية التحتية للطاقة، وتعزيز الأمن البحري، ومواجهة النفوذ العسكري التركي المتزايد في المنطقة.
وقد أكد نتنياهو عقب القمة بين إسرائيل واليونان وقبرص الرومية أنهم اتفقوا على "توسيع التعاون العسكري والأمني بينهم"، في رسالة موجهة إلى جهات إقليمية، في مقدمتها تركيا، دون أن يذكرها بالاسم.
لكنه وجه رسالة تحذير مباشرة، دون تسمية، إلى أردوغان، قائلًا: "إلى أولئك الذين يحلمون بإقامة إمبراطوريات والسيطرة على أراضينا، أقول: انسوا ذلك. هذا لن يحدث. لا تفكروا حتى في الأمر".
وأضاف: "نحن ملتزمون وقادرون على الدفاع عن أنفسنا، وهذا التعاون يعزز قدراتنا"، في إشارة تؤكد (فعليا) وجود تحالف أمني ضد تركيا رغم نفي تشكيل "قوة مشتركة" علنا.

التباس إسرائيلي قبرصي رومي
وتوالت هذه الأنباء رغم نفي رسمي إسرائيلي لتقارير نشرها موقع إخباري يوناني بشأن نية إنشاء قوة كهذه، رغم تعزيز التعاون العسكري مع كل من أثينا ونيقوسيا.
أيضا نفي وزير الدفاع القبرصي الرومي، فاسيليس بالماس، بشدة وجود أي خطة من هذا القبيل، وقال: "لا يوجد اتفاق أو قرار حكومي رسمي بتشكيل قوة تدخل سريع مشتركة"، رافضاً السيناريوهات التي تشير إلى قرب تشكيل هذه القوة.
وذكر موقع "Kathimerini"، اليوناني، في 19 ديسمبر 2025، أن "هذا الالتباس ينبع جزئيا من اجتماعات عسكرية فعلية عُقدت بين رئيس أركان القوات الجوية الإسرائيلية تومر بار ومسؤولين رفيعي المستوى من قبرص الرومية واليونان.
ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية هذا الاجتماع بأنه "جهد لتعزيز التعاون في المجال الجوي والتحالفات الإقليمية"، لكنها لم تذكر في أي وقت إنشاء قوة ثلاثية جديدة.
ورغم من نفي الوزير، كررت صحيفة "جيروزاليم بوست"، تقارير إعلامية يونانية سابقة، مما ترك انطباعا بوجود مبادرة عسكرية، لكن قبرص الرومية تقول إنها مجرد تكهنات.
حيث عُقدت يوم 16 ديسمبر، لقاءات عسكرية رفيعة بين إسرائيل واليونان وقبرص الرومية لتعزيز التعاون الجوي في شرق المتوسط، أبرزها بين قائد سلاح الجو الإسرائيلي وقادة سلاحي الجو في قبرص الرومية واليونان.
وقالت هيئة البث العام الإسرائيلية: إن الاجتماعات جاءت في ظل تصاعد القلق الإسرائيلي من مساعي تركيا لتوسيع نفوذها العسكري في المنطقة، لا سيما في سوريا وشرق المتوسط.
وأضافت أنها عُقدت في قبرص الرومية، ووصفت بأنها "إستراتيجية"، وتهدف إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الدول الثلاث، وتوسيع أنماط العمل المشترك في المجال الجوي.
وأشارت إلى أن هذه اللقاءات جاءت على خلفية محاولات تركية متواصلة لتعزيز حضورها العسكري في المنطقة، خصوصًا في سوريا وشرق المتوسط، وهو ما تعده إسرائيل عامل ضغط إضافيا على أمنها الإقليمي.
وكانت وكالة "رويترز" ذكرت أن اليونان تجري محادثات مع إسرائيل لشراء أنظمة دفاع جوي ومدفعية متطورة، يُفترض أن تُستخدم ضمن منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات لمواجهة التهديدات الجوية.
وأعلنت أثينا نيتها استثمار نحو 28 مليار يورو حتى عام 2036 لتحديث قواتها المسلحة، بينها نحو 3 مليارات يورو لتطوير منظومة دفاع جوي وصاروخي تحمل اسم “درع أخيل”.
إلى جانب خطط لشراء طائرات مقاتلة وفرقاطات وغواصات جديدة من الولايات المتحدة ودول أوروبية. بحسب رويترز.

أردوغان يحذر
وردا على هذه الأنباء، وجَّه أردوغان تحذيرا مفاده أن “تركيا لن تسمح بانتهاك حقوقها أو ما يخصها”.
وقال، خلال كلمة ألقاها في حفل بحري في إسطنبول لتدشين سفن عسكرية جديدة: إن "تركيا لا ترغب في أي توتر أو أزمة أو صراع مع أي دولة"، وأضاف أن "رغبة حكومته الوحيدة هي السلام والاستقرار لجيراننا".
وخلال مراسم التدشين في إسطنبول، سلط أردوغان الضوء على عدد من الأصول البحرية الجديدة، مثل الغواصة "تي سي جي خضر ريس" والسفن المسيرة المسلحة. مؤكدا أنها تهدف إلى "الدفاع عن السلام والاستقلال والمستقبل"، لا إلى الاستعداد للحرب.
وأكد أن تركيا لا تهتم بأراضي أو سيادة الدول الأخرى، وسط تصاعد التوتر الإقليمي مع إسرائيل واليونان وقبرص الرومية.
وتندرج هذه القدرات البحرية المتنامية لتركيا ضمن عقيدتها "الوطن الأزرق" (مافي فاتان)، التي تسعى إلى بسط النفوذ التركي في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.
وتُشكل هذه الإستراتيجية التي طُورت على مدى عقدين من الزمن، تحديا للحدود البحرية القائمة، وقد لاقت اعتراضات شديدة من اليونان وقبرص الرومية اللتين تُؤكدان أنها تُهدد حقوقهما السيادية ووصولهما إلى موارد الطاقة.
أيضا أكد وزير الدفاع التركي يشار غولر، أن "اجتماع اليونان وإسرائيل وقبرص الرومية وتوقيعها على اتفاقيات لا يمكن أن يشكل تهديدا لنا".
قال: "نحن أيضا نوقع اتفاقيات مع العديد من الدول، لكننا لا نبرم هذه الاتفاقيات ضد دولة معينة"، بحسب موقع "تركيا توداي"، 21 ديسمبر 2025.
وحول التقارير التي تفيد بأن أنظمة الدفاع الجوي التي اشترتها اليونان من إسرائيل ستُنشر على جزر منزوعة السلاح، قال: "هذه جزر منزوعة السلاح بالاسم فقط، أي جزر لا يجوز قانونا تسليحها، نحن نبذل الجهود اللازمة في هذا الشأن، لا ينبغي لهم أن يكونوا متحمسين للغاية".
فيما دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال لقائه مسؤولين سوريين في العاصمة دمشق، في 22 ديسمبر، إسرائيل، “بدلًا من انتهاج سياسة توسعية في المنطقة” إلى "اعتماد مقاربة قائمة على التوافق المتبادل والتفاهم".
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت": إن إسرائيل لا تسعى إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا، لكنها، في ظل سياسات أردوغان والدعم الذي يحظى به من واشنطن، تحاول خلق توازن ردعي عبر التلويح بتحالف مستقبلي مع خصوم أنقرة الإقليميين.

“حاملة طائرات إستراتيجية”
وعن القوة المزعومة، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 20 ديسمبر، أن هدف القوة المزمعة هو "حماية المصالح الاقتصادية والإستراتيجية لإسرائيل واليونان وقبرص الرومية، وربما مصر أيضا، في المنطقة".
زعمت أن القوة ستعمل في قضايا تتعلق باستخراج الغاز والنفط، وحقوق الصيد، فضلا عن الخلافات المرتبطة بمطالب تركيا.
وذلك بخلاف حماية خط أنابيب الغاز المقترح من إسرائيل إلى أوروبا، والذي تعارضه تركيا، ودعم اليونان في نزاع إقليمي قديم مع تركيا حول السيادة جزر بحر إيجة قبالة السواحل التركية.
ويشمل ذلك الدفاع عن مناطق إنتاج الغاز الطبيعي والنفط البحرية، وحقوق الصيد في المناطق التي تطالب بها تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية، وهي كيان أعلن سيادته من جانب واحد عقب الغزو التركي للجزيرة عام 1974.
وعقب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، سعت تركيا لتوسيع نفوذها العسكري والسياسي هناك، وشمل ذلك نشر أنظمة رادار إنذار مبكر وبطاريات دفاع جوي من شأنها أن تحدّ بشكل كبير من حرية طائرات الاحتلال فوق سوريا والعراق وحتى إيران.
وهو ما يضيق الخيارات الإستراتيجية للجيش الإسرائيلي وقدرته على تشكيل تهديد حقيقي لتركيا نفسها في حال نشوب صراع مستقبلي، مدفوعا بموقف أردوغان العدائي المتزايد تجاه إسرائيل. وفق "يديعوت أحرونوت".
وتُقدر مصادر إسرائيلية أن الضغوط التركية على الإدارة الأميركية للسماح بمشاركة أنقرة في "قوة الاستقرار" دفعت إسرائيل إلى التلويح بخيار إقامة "قوة تدخل" مشتركة مع اليونان وقبرص الرومية، كرسالة ردع سياسية وعسكرية مضادة.
لذا ترى المصادر ضرورة توجيه تحذير واضح، إستراتيجي ورمزي، من خلال التحالف مع خصوم تركيا التاريخيين في المنطقة.
ويقول موقع "رادار إسرائيل"، في 21 ديسمبر: إن هذه المبادرة تأتي في ظل تصعيد متكرر في البحر المتوسط بين أنقرة وأثينا حول انتهاكات تركية للمياه الإقليمية والأجواء اليونانية، ما يزيد المخاوف من اشتباكات مستقبلية بين القوات.
ويشير المحلل العسكري الإسرائيلي "رون بن يشاي" إلى أن القوات الجوية التركية ضعيفة نسبيا، وأن الجمع بين القوة العسكرية لليونان وقبرص الرومية مع القوة الجوية الإسرائيلية وقدراتها الاستخباراتية يمكن أن يرجح كفة التوازن الإقليمي.
ويزعم أن هذا سيجبر أردوغان على التفكير مليا قبل اتخاذ أي خطوة تصعيدية، لكن بالنسبة لإسرائيل، يتمثل الهدف الأعمق في تكثيف الضغط على الجناح التركي وإحباط محاولات تركيا لبسط نفوذها العسكري قرب حدودها.
فيما وصفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في 17 ديسمبر، قبرص الرومية بأنها “حاملة طائرات إستراتيجية”، تستخدمها إسرائيل ضمن تحالف إقليمي مع اليونان لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في شرق البحر المتوسط وسوريا.
المصادر
- A warning shot to Erdogan: Israel’s message to Turkey comes via Athens and Nicosia
- Erdogan warns Israel, Greece and Cyprus: Turkey will defend its maritime rights
- In move to deter Turkey, Israel explores creation of rapid-response force with Greece, Cyprus
- Israel, Greece, Cyprus Build Deterrence Axis vs. Turkey
- Cyprus denies plan for joint military force with Greece and Israel
- Israel, Greece, and Cyprus weigh joint rapid reaction force
- Israel denies reports of joint military force with Greece, Greek Cyprus against Türkiye














