منظمة شنغهاي.. شبكة بديلة تهدد هيمنة الغرب دون حرب مباشرة

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم غياب هيكل عسكري موحد أو التزامات دفاع جماعي، يرى معهد دراسات إيطالي أن منظمة شنغهاي للتعاون تمثل تحديا لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، كونها تُبنى كـ "نظام بديل" يضعف التفوق الغربي.

ويناقش المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية، ما إذا كانت منظمة شنغهاي وهي تجمعٌ للدول الآسيوية والأوراسية، تمثل تهديدا عسكريا للناتو أم تحديا هيكليا أوسع.

ويوضح أن التهديد ليس عسكريا مباشرا، بل يمثل تآكلا تدريجيا للهيمنة الغربية عبر ثلاث أدوات؛ منها ما هو جيو-اقتصادي، مثل ممرات برية وبحرية تتجاوز النقاط الخانقة الغربية، واتفاقات طاقة، ونظم مدفوعات بعملات غير غربية.

وهذا إضافة إلى التكنولوجيا، مثل تبادل الخبرات في الطائرات المسيرة، والحرب الإلكترونية، والذخائر منخفضة الكلفة، ما يخلق "معيارا أدنى مشتركا" يوسع قدرات أعضائها.

فضلا عن السرديات السياسية، مثل الترويج لمفاهيم "النظام متعدد الأقطاب" و"عدم الانحياز" لتوفير غطاء سياسي للدول الأعضاء.

ويخلص إلى أن منظمة شنغهاي ليست "ناتو شرقيا"، لكنها شبكة قادرة على إبطاء وزيادة كلفة ردود حلف شمال الأطلسي عبر جعل المواجهة أكثر استنزافا سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا. 

تحدٍّ عسكري؟

ووُلدت منظمة شنغهاي للتعاون كمنتدى أمني إقليمي بين الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى، بأهداف معلنة مثل إدارة الحدود ومحاربة الإرهاب والانفصالية. 

غير أنه خلال عقدين تحولت إلى منصة أكثر طموحا تضم اليوم الهند وباكستان وإيران، ولا تقتصر أجندتها على الأمن، بل تشمل الطاقة والبنية التحتية والمدفوعات والتكنولوجيا والسرديات السياسية. 

وهو ما وصفه المعهد بأنه "تطور هادئ، لكنه عميق"، مشيرا إلى أن "منظمة شنغهاي لا تقلد البنية الغربية، بل تسعى إلى استبدال بعض عناصرها بشبكة بديلة".

وهنا يطرح التقرير سؤالا مهما: هل تمثل منظمة شنغهاي تحديا عسكريا لحلف الناتو؟

وتابع مجيبا: "إذا كنا نعني بالتحدي العسكري تكتلا ذا سلسلة قيادة موحدة ومعايير مترابطة والتزامات دفاعية مشتركة، فالجواب هو: لا".

ولفت إلى أن "الاحتكاكات البنيوية بين الأعضاء -من النزاع الصيني الهندي إلى المبارزة الهندية الباكستانية المستمرة- تجعل من  وجود حلف شمال الأطلسي الشرقي أمرا مستبعدا".

وأردف: "ولكن إذا حولنا تركيزنا ونظرنا من زاوية كيفية إنتاج القوة في القرن الحادي والعشرين، تصبح الإجابة: نعم، تمثل المنظمة بالفعل تحديا حقيقيا للغرب".

وأوضح أن "المنظمة لا تهدف لكسب معركة تقليدية ضد الناتو، بل تسعى إلى تقليص الفجوة البنيوية التي جعلت الغرب مهيمنا". 

ويتحقق ذلك، "عبر بناء شبكات بديلة: ممرات لوجستية برية وبحرية، واتفاقات طاقة تقلل أثر العقوبات، وأنظمة دفع غير غربية، وسلاسل توريد للتكنولوجيا -من أشباه الموصلات إلى مكونات الطائرات المسيرة، ومشاريع بنية تحتية تربط الموانئ والسكك والمناطق الاقتصادية الخاصة". 

السردية السياسية

إضافة إلى ذلك، لفت إلى أن المنظمة توفر أيضا إطارا خطابيا سرديا، عبر شعارات ومصطلحات مثل "النظام متعدد الأقطاب" و"عدم التدخل" و"أمن النظام"، التي تمنح غطاء سياسيا للقرارات الوطنية بغض النظر عن ملاءمتها للقوانين والأعراف الدولية. 

وفي إشارة إلى أهمية السرديات، أكد المعهد الإيطالي أن "العالم اليوم تتحكم فيه التصورات بقدر ما تفعل القوة، وهو ما يجعل توحيد التصورات مقاربا في الأهمية لتوحيد الصواريخ".

وتحدث عن البعد التكنولوجي، بالقول: إن حرب أوكرانيا أثبتت أن الطائرات المسيرة والحرب الإلكترونية والذخائر الجوالة أعادت مركز الثقل من "السلاح الثقيل" إلى التصنيع واسع النطاق والسريع والرخيص. 

وهنا تؤدي المنظمة دور قناة مناسبة لتوحيد معايير دنيا مشتركة، وتبادل المعرفة الثنائية الاستخدام، والتعلم المتبادل بين الصناعات الدفاعية والمدنية، وهو ما يسرع -حتى دون قيادة موحدة- التقارب الفعلي بين أعضائها.

كذلك أشار المعهد إلى أن المنظمة تقدم تأمينا جيوسياسيا للأنظمة المعرضة للضغط والخطر؛ إذ تتيح الوصول إلى الأسواق والطاقة والائتمان والتكنولوجيا، مقابل حد أدنى من الانسجام والتوافق السياسي.

"وهي بذلك لا تنخرط في ميثاق دفاع مشترك، لكنها مظلة تجعل الضغط الغربي أكثر كلفة". 

وأردف: "هنا يتجلى التحدي الذي يواجه الناتو بشكل ملموس: ليس في ساحة الحرب النظامية التي يتفوق فيها الحلف، بل في المساحات التي تضغط على عوامل الوقت والكلفة والإرادة السياسية".

ومما سبق، يشدد المعهد على أن "منظمة شنغهاي للتعاون لا تهاجم الناتو كجيش، بل تحيط به كشبكة". وأشار إلى أن هذه الشبكة تنسج خيوطها الثلاثة: الجيواقتصاد، والتكنولوجيا، والسردية السياسية. 

هذه الخيوط، عند النظر إلى كل منها على حدة، لا تغير الموازين، لكنها، عند تشابكها، تضعف تدريجيا الهوامش الغربية وتعقد إدارة الأزمات، وفق المعهد الإيطالي.

ويخلص إلى أن المنظمة "ليست حلفا عسكريا جديدا، بل منظومة بديلة قادرة على تحريك موازين القوى من دون أن تعلن الحرب".