السعودية والإمارات على حافة صدام في اليمن.. هل ينتهي حلم "إسبرطة الصغرى"؟

المشهد بدأ بتحالف سعودي–إماراتي في اليمن وانتهي بمواجهة مباشرة بين الطرفين
شهدت الساحة اليمنية ثلاثة تطورات بالغة الخطورة عكست نفاد صبر السعودية، وانتقالها من سياسة الاحتواء إلى رسم خطوط حمراء مباشرة في مواجهة الإمارات، في خطوة تنذر بإمكانية تحول الصراع بين الطرفين من تنافس غير معلن عبر الوكلاء إلى مواجهة مفتوحة، إذا ما واصلت أبو ظبي سياساتها التوسعية التي ترى الرياض أنها تمس أمنها القومي وتضر باستقرار دول عربية أخرى، في مقدمتها مصر والسودان وليبيا.
أولى هذه التطورات تمثلت في قصف الطيران السعودي، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2025، معدات عسكرية قيل إنها أُرسلت من الإمارات إلى مليشيا “المجلس الانتقالي الجنوبي” الموالي لها، والذي يسعى إلى فرض سيطرته على مناطق واسعة من جنوب اليمن.
أما التطور الثاني، فجاء عبر قرار مجلس القيادة الرئاسي اليمني، المدعوم من الرياض، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، إلى جانب مطالبة الرئيس اليمني رشاد العليمي أبو ظبي بسحب جميع قواتها من الأراضي اليمنية خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة.
في حين تمثل التطور الثالث في تحذير رسمي غير مسبوق من وزارة الخارجية السعودية للإمارات، طالبت فيه بسحب قواتها العسكرية فورا ووقف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف داخل اليمن.
وتشير هذه التطورات مجتمعة إلى قرار سعودي واضح بوضع حد لمشاريع النفوذ الإماراتية التي ترى الرياض أنها تتعارض بشكل مباشر مع أمنها القومي، في خطوة تعكس توجهاً مشابهاً لمحاولات سابقة قامت بها دول عربية، مثل مصر، لكبح التمدد الإماراتي في ساحات أخرى كالسودان.
فقد جاء قصف الأسلحة الإماراتية المتجهة إلى القوات الانفصالية في حضرموت متزامناً مع صدور تحذير رسمي من الخارجية السعودية شدد على عدم المساس بأمن المملكة، وبالتوازي مع إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك ومطالبة القوات الإماراتية بمغادرة اليمن خلال 24 ساعة، وهي إجراءات تحمل رسالة سياسية حازمة برفض أي مسارات تهدف إلى فرض واقع التقسيم أو تهديد وحدة البلاد.
ويمثل توصيف الرياض لأمنها القومي بأنه “خط أحمر” أقوى لهجة تتخذها السعودية تجاه أبو ظبي حتى الآن، وفق ما نقلته وكالة رويترز في 30 ديسمبر/كانون الأول 2025.
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: ماذا لو واصلت الإمارات والمليشيات الموالية لها تجاهل التحذيرات السعودية، كما حدث في مراحل سابقة؟ وهل يتجه المشهد نحو سابقة غير معهودة، تبدأ بتحالف سعودي–إماراتي في اليمن وتنتهي بمواجهة مباشرة بين الطرفين؟
ففي الوقت الذي أكدت فيه أبو ظبي، في بيان رسمي صدر يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2025، عقب تحذير سعودي أول غير مباشر، أنها “تدعم جهود المملكة لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن”، كشفت تطورات اليوم التالي، 27 ديسمبر، عن إرسال الإمارات سفينتين محملتين بالأسلحة من ميناء الفجيرة إلى ميناء المكلا، في خطوة رأت فيها الرياض تقويضا مباشرا للأمن والاستقرار في اليمن.

خطوط حمراء
رغم أن السعودية كانت قد وجهت في مراحل سابقة رسائل تحذير غير مباشرة عبر قصف مواقع تابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات، مع تجنب توجيه الاتهام العلني لأبو ظبي، فإن القصف الذي نفذته الرياض في 30 ديسمبر/كانون الأول 2025 شكّل تحولًا لافتًا في لهجتها؛ إذ جرى للمرة الأولى ذكر اسم الإمارات صراحة في سياق الاتهام.
وأعلنت السعودية استهداف «دعم عسكري أجنبي دخل اليمن بطريقة غير مشروعة، وبأسلوب التحايل، ودون الحصول على التصاريح اللازمة من قيادة تحالف دعم الشرعية» في ميناء المكلا شرق البلاد. ورغم أن البيان الرسمي لم يحدد في بدايته جنسية هذا الدعم، إلا أنه أشار، ولأول مرة، إلى أنه قادِم من الإمارات، مرفقًا بمقطع مصور نشره الجيش السعودي يوثق رصدًا جويًا لوصول سفينتين محملتين بالأسلحة والذخائر والعربات العسكرية.
وأظهر التسجيل، بشكل محدد، أن إحدى السفينتين تحمل اسم «غرينلاند»، وقد أبحرت من ميناء الفجيرة الإماراتي، في إشارة مباشرة لا لبس فيها إلى مصدر الدعم العسكري.
وبالتوازي مع هذا التطور الميداني، بدأت قناة «العربية»، الذراع الإعلامي السعودي، تصعيدًا إعلاميًا محسوبًا ضد الإمارات، متهمة إياها بالسعي إلى تطويق الأمن القومي السعودي عبر دعم قوى انفصالية داخل اليمن.
لاحقًا، قرر مجلس القيادة الرئاسي اليمني، المدعوم من الرياض، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مطالبًا بسحب جميع القوات الإماراتية من الأراضي اليمنية خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة، وهو ما تبعه تحذير رسمي واضح من وزارة الخارجية السعودية.
وجاء بيان الخارجية السعودية بمثابة رسم صريح للخطوط الحمراء تجاه أبو ظبي؛ إذ أعرب عن «أسف المملكة لممارسات الإمارات»، مؤكدًا أن الأمن القومي السعودي خط أحمر. وقال البيان: “أي مساس أو تهديد لأمن المملكة الوطني خط أحمر، ولن نتردد في اتخاذ كل ما يلزم لمواجهته وتحييده”، في إشارة فهمت على نطاق واسع بصفتها استعدادًا للانتقال إلى خيارات أكثر صرامة، بما فيها المواجهة العسكرية في اليمن، وربما في ساحات أخرى مثل السودان وأرض الصومال.
كما حمّل البيان الإمارات مسؤولية الضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ عمليات عسكرية في حضرموت والمهرة، ورأى أن تلك الخطوات «لا تنسجم مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن»، واصفًا إياها بأنها «بالغة الخطورة» على الاستقرار الإقليمي.
وشددت الرياض على ضرورة وقف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف داخل اليمن، مؤكدة أهمية استجابة الإمارات لطلب الحكومة اليمنية بسحب قواتها خلال 24 ساعة، ومحذرة من اتخاذ إجراءات قوية إذا استمرت هذه السياسات.
ويمثل هذا التطور أقوى تصعيد عسكري وسياسي بين السعودية والإمارات منذ سنوات، ويضع البلدين في مواجهة مباشرة حول النفوذ في اليمن، لا سيما في ظل تصاعد التنافس بينهما في ملفات إقليمية أخرى، مثل السودان والقرن الإفريقي.
ورغم أن التنافس السعودي–الإماراتي ليس جديدًا، فإن حدّة الخلافات الأخيرة تعود إلى اقتراب التهديد من الحدود السعودية مباشرة، عبر دعم ميليشيات يمنية ومحاولات فرض واقع انفصالي، في سيناريو تخشى الرياض أن يكرر تجربة السودان وظهور "حميدتي جديد" في خاصرتها الجنوبية.
ولهذا، تُعد هذه المرة الأولى التي ترفع فيها السعودية سقف التحذير إلى هذا المستوى العلني والحاد في سياق الأزمة اليمنية، ما يشير، وفق صحيفة سعودي جازيت (30 ديسمبر/كانون الأول 2025)، إلى أن الرياض وضعت فعليًا خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها، وأعلنت بوضوح أن أمنها القومي ليس محل تفاوض.

ماذا بعد التصعيد؟
ما دفع السعودية إلى رفع سقف التحذير والانتقال إلى التصعيد العسكري هو التمدد الميداني الذي نفذه «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المدعوم إماراتيًا، عبر السيطرة على مدن ومناطق جديدة، أبرزها حضرموت والمهرة، والتوسع باتجاه مناطق ملاصقة للحدود السعودية.
وترى الرياض في هذا التحرك تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، نظرًا للارتباط الجغرافي المباشر لتلك المناطق بالشريط الحدودي للمملكة، وهو ما أكدته صحيفة ذا ستار الآسيوية في تقرير لها بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2025.
وتشير تقديرات خليجية ودولية إلى أن المشهد اليمني مقبل على انقسام واضح داخل التحالفات الخليجية، مع تصاعد حدة التوتر بين السعودية والإمارات، بما قد ينعكس سلبًا على تماسك «التحالف العربي» في اليمن، في أعقاب الضربات العسكرية السعودية الأخيرة.
كما تذهب توقعات أخرى إلى احتمال اتساع رقعة الصراع داخل اليمن في حال أقدمت القوى الانفصالية المدعومة من أبو ظبي على مزيد من التصعيد الميداني، سواء بشكل مباشر أو بإيعاز إماراتي، وهو ما قد يقوض الرؤية السعودية القائمة على الحفاظ على وحدة اليمن.
ويزداد هذا القلق السعودي في ظل تشابك الملفات الإقليمية، خاصة مع محاولات إسرائيل التمدد في المنطقة عبر بوابة «أرض الصومال»، ضمن تحالفات إقليمية تشمل أبو ظبي، ما يفتح المجال أمام تداخل الصراعات وتحويل جنوب الجزيرة العربية والقرن الإفريقي إلى بؤرة توتر مفتوحة.
ويرجح مراقبون أن يفضي التصعيد السعودي إلى تداعيات إستراتيجية أوسع، من بينها تعميق صراع النفوذ الإقليمي، وتأثيره المحتمل على الاستقرار الإقليمي وأمن الملاحة في البحر الأحمر، فضلًا عن احتمال انتقال التوتر إلى ساحات أخرى هشة مثل السودان.
وفي هذا السياق، لا تُستبعد تداعيات اقتصادية على الإمارات في حال انزلاق التصعيد إلى مواجهة أوسع، خاصة في ظل طبيعة اقتصادها القائم على الاستقرار والتدفقات الاستثمارية والسياحية، والذي يُوصف أحيانًا بـ«اقتصاد المراكز التجارية»، ما يجعله حساسًا تجاه أي اضطرابات إقليمية قريبة.
ويُعد التصعيد الحالي، وفق هذا المنظور، خطوة عملية تتجاوز حدود التهديد اللفظي، بعدما استهدفت السعودية مواقع مرتبطة بالإمارات، وضبطت شحنات أسلحة قادمة من ميناء الفجيرة، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا وحساسية في المستقبل القريب.
وفي هذا الإطار، توقع الخبير في الشأن اليمني ومؤسس شركة «تقرير الباشا» للاستشارات في مجال المخاطر، محمد الباشا، «تصعيدًا مدروسًا من كلا الجانبين»، بحسب ما نقلته وكالة أسوشيتد برس في 30 ديسمبر/كانون الأول 2025.
ورجّح الباشا أن يرد «المجلس الانتقالي الجنوبي» عبر تعزيز سيطرته الميدانية، في حين ستلجأ الإمارات، على الأرجح إلى تقليص تدفق الأسلحة إلى القوات الموالية لها، خاصة بعد الضربة السعودية للميناء الذي كان يشكل شريان الإمداد الرئيس، وفي ظل التفوق الجوي السعودي.

حلم "إسبرطة الصغرى"
في عام 2020، راج في الأوساط السياسية والإعلامية الغربية توصيف دولة الإمارات بلقب «إسبرطة الصغيرة»، وهو توصيف أطلقه عدد من المسؤولين الغربيين، أبرزهم وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس، في إشارة إلى دورها العسكري المتنامي ونفوذها الإقليمي الذي يتجاوز وزنها الديمغرافي والجغرافي.
وجاء هذا اللقب نتيجة النشاط العسكري والاقتصادي المكثف للإمارات في عدد من الساحات الإقليمية والدولية، لا سيما في أفغانستان واليمن، إلى جانب استثمارات ضخمة في بناء قدراتها الدفاعية وتوسيع حضورها الجيوسياسي، رغم صغر عدد سكانها، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2020.
وقد شُبّهت الإمارات بإسبرطة القديمة بسبب مشاركتها المباشرة في عمليات عسكرية خارج حدودها، وتدخلها في مناطق مضطربة إقليميًا، ما دفع إلى مقارنتها بالمدينة الإغريقية التي اشتهرت بقوتها العسكرية وهيمنتها القتالية رغم محدودية مواردها البشرية.
وبحسب التحليل نفسه، فقد اعتمدت أبو ظبي على توظيف نفوذها الاقتصادي لدعم أهدافها العسكرية والسياسية، متجاوزة محيطها الخليجي التقليدي، عبر التمدد في القرن الإفريقي واليمن وليبيا، ما جعلها لاعبًا إقليميًا مؤثرًا خلال العقدين الأخيرين.
غير أن هذا التوصيف لم يبقَ ثابتًا. ففي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست في سبتمبر/أيلول 2021، أشار الكاتب الأميركي ديفيد إغناثيوس إلى أن الإمارات تحاول الانتقال من نموذج «إسبرطة الصغيرة» إلى «سنغافورة الصغيرة»، في مسعى للجمع بين القوة الصلبة والنفوذ الاقتصادي العالمي.
ونقل إغناثيوس عن الدبلوماسي الأميركي المخضرم مارتن أنديك تشبيهه محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي آنذاك (والرئيس الحالي)، بـ «كيسنجر العرب»، في إشارة إلى قدرته على قراءة موازين القوى والتكيف معها ببراغماتية، بعيدًا عن التقديرات العاطفية.
هذا التحول كان محل تحليل معمّق في دراسة للباحثين نيل كويليام وسنام فاكيل من مركز «تشاتام هاوس» في لندن بعنوان: «كيف تخطط الإمارات لصعودها؟»، نُشرت في مجلة فورين أفيرز بتاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2023.
ويوضح الباحثان أن الإمارات، التي كانت تُعرف سابقًا بازدهار سوقها العقاري وبريق دبي الاستهلاكي ومواردها النفطية، شهدت تحولًا جذريًا في صورتها ودورها خلال العقدين الماضيين. ففي عهد محمد بن زايد، أنفقت مليارات الدولارات على تحديث جيشها، لتصبح ما وصفه جيمس ماتيس بـ«إسبرطة الصغيرة».
كما نجحت في ترسيخ مكانتها كمركز مالي رئيس في الشرق الأوسط، وبنت شبكة علاقات مع معظم الفاعلين الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل إلى جانب القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ويرى الباحثان أن طموح الإمارات يتجاوز كونها مجرد لاعب إقليمي، إذ تسعى إلى نموذج شبيه بـ«سنغافورة»، حيث نفوذ عالمي واقتصادي يفوق بكثير الحجم الجغرافي والديمغرافي، ويعوض ما وصفاه بـ«الهشاشة الجغرافية».
وفي هذا السياق، يقارن الباحثان طموح العائلة الحاكمة في الإمارات بعائلة ميديشي التي حكمت فلورنسا بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر. فرغم محدودية رقعتها الجغرافية، نجحت فلورنسا في التحول إلى قوة مؤثرة عبر التجارة والخدمات المصرفية والتحالفات الذكية، وأصبحت مركزًا للنشاط الاقتصادي والعلمي والثقافي في أوروبا.
لكن منتقدي هذا المسار يرون أن استلهام نموذج «إسبرطة الصغيرة» لم يكن مجرد توصيف عابر، بل تحول إلى مصدر إلهام لنهج محفوف بالمخاطر؛ إذ يرى محللون أن محمد بن زايد انقلب على إرث مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي قام على الحياد والوساطة، واستبدل بذلك سياسة التدخل العسكري والسعي لفرض النفوذ بالقوة.
وفي هذا الإطار، شهدت الإمارات عسكرة متسارعة، جعلتها من بين أكبر مستوردي السلاح عالميًا، بإنفاق سنوي يُقدَّر بأكثر من 30 مليار دولار، إلى جانب تورطها في حروب مباشرة وبالوكالة في أفغانستان وليبيا واليمن والسودان.
كما سعت أبو ظبي إلى السيطرة على مواقع إستراتيجية، شملت موانئ وجزرًا حيوية مثل سقطرى وميون وعدن، وإنشاء قواعد عسكرية في القرن الإفريقي، أبرزها في عصب الإريترية وبربرة في أرض الصومال، في تمدد خارجي فاق قدراتها الطبيعية.
واتهمت تقارير متعددة الإمارات بالاعتماد على مرتزقة أجانب من دول مثل كولومبيا وروسيا، للقتال إما بزي الجيش الإماراتي أو ضمن المليشيات التي تدعمها في دول عربية، فضلًا عن الاستعانة بشركات أجنبية لتنفيذ عمليات اغتيال بحق خصوم سياسيين.
وفي توصيف نقدي لافت، وصف الصحفي عبد المنعم محمود الإمارات بأنها «ناطحة سحاب في تربة ضحلة»، ترى أن «إسبرطة الإماراتية» ليست قوة صاعدة بقدر ما هي «وهم مكلف»، يقوم على بنية عسكرية ضخمة تفتقر إلى العمق البشري الوطني، وتعتمد على دعامات خارجية هشة.
ويحذر هذا التوصيف من مصير شبيه بإسبرطة القديمة التي انهارت حين غلبت منطق السيف على القلم، واستنزفت مجتمعها في الحروب، ما يثير تساؤلات جوهرية حول استدامة النموذج الإماراتي القائم على القوة الصلبة والتدخلات الخارجية.
إسبرطة، أو سبارتا، هي مدينة يونانية قديمة نشأت ككيان سياسي مستقل في القرن العاشر قبل الميلاد، وتميزت بسيطرتها التي تقوم على النزعة العسكرية الصارمة، كما هو معروف عن مدن اليونان القديمة.
تاريخيًا، لم تنتهِ قصة إسبرطة بنجاح؛ إذ واجهت مصيرًا مأساويًا في نهاياتها. ففي عام 480 قبل الميلاد، قبيل اندلاع الحرب اليونانية–الفارسية، لجأ قادة إسبرطة إلى كاهنة معبد دلفي بحثًا عن مشورة، فتلقوا نبوءة حاسمة مفادها: "إما أن تُدمر مدينة إسبرطة، أو يموت ملكها في المعركة".
وتجلى هذا المصير في معركة ثيرموبيلاي الشهيرة، حيث ضحى الملك ليونيداس وثلاثمائة من رجاله بحياتهم في مواجهة جيوش الفرس الغازية، ليقع هو في القتال، ويُدمّر اقتصاد إسبرطة رغم مقاومتها البطولية للحصار.
وبالنظر إلى هذا التاريخ، يرى العديد من المحللين أن نموذج "إسبرطة الصغيرة" الذي تسعى الإمارات لتقليده في دورها الإقليمي يحمل في طياته تحذيرًا ضمنيًا من مصير مشابه، حيث قد تؤدي الطموحات العسكرية والتدخلات الخارجية المكثفة إلى نتائج غير محسوبة قد تضع الدولة في مواجهة تحديات داخلية وخارجية قد تهدد استقرارها على المدى الطويل.
المصادر
- Saudi Arabia says national security is a red line as UAE forces asked to leave Yemen
- Saudi Arabia bombs Yemen port over weapons shipment from UAE and issues warning to Abu Dhabi
- The Medicis of the Middle East?
- من "إسبرطة الصغيرة" إلى "سنغافورة الصغيرة"...الإمارات تتحرّك نحو "تصفير المشاكل" في المنطقة
- الإمارات العربية المتحدة: كيف برزت كقوة إقليمية؟














