بالاعتقالات والعنف.. هل تخشى السلطات في المغرب عودة روح "20 فبراير"؟

سلمان الراشدي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بالاعتقالات والعنف، واجهت السلطات المغربية احتجاجات شهدتها شوارع مدن كبرى، دعت لها مجموعة شبابية تطلق على نفسها “جيل زد" للمطالبة بإصلاح التعليم والصحة ومحاربة الفساد.

هذه الموجة المتصاعدة للتظاهر في 27 و28 و29 سبتمبر/ أيلول 2025، فجّرها الغضب من تدهور الصحة والتعليم وتفشي الفساد وسوء تدبير الشأن العام.

فيما أعاد هذا الحراك بقوة روح حراك "20 فبراير" إلى الواجهة، رافعا شعارات الكرامة والعدالة الاجتماعية في وجه واقع يُراكم الفشل والتهميش.

وزاد من حدة غضب الشارع بعدما واجهت السلطات هذه الاحتجاجات بالعنف والاعتقالات رغم سلمية المظاهرات.

استخلاص العبر 

وتظاهر عشرات الشباب في مدن كبرى، بينها الدار البيضاء والرباط ومراكش وأكادير، استجابة لنداء أطلقه ناشطون شباب تحت اسم "Moroccan Youth Voice/GENZ212"، وهي مجموعة رقمية تقول: إنها تمثل "جيل زد" وتدعو إلى الدفاع عن الحق في التعليم والصحة.

وبشكل مفاجئ، ظهرت المجموعة أعلى منصات الإنترنت، تجاوز عدد منخرطيها 72 ألفا خلال أيام قليلة عبر تطبيق “ديسكورد”.

وتتمحور مطالب المجموعة حول إصلاح التعليم والقطاع الصحي، وتوسيع فرص العمل، ومحاربة الفساد، فيما يحرصون على وضع خطوط حمراء تمنع الإساءة إلى الرموز الدينية أو المؤسسات، والتشديد على الانضباط لتفادي الاختراق أو العنف.

وتأتي هذه التطورات في سياق احتجاجات عفوية حول ضرورة إصلاح المنظومة الصحية، بعد تكرار الشكاوى من غياب التجهيزات الأساسية في المستشفيات، خاصة بعد احتجاجات شهدتها مدينة أكادير فيما أصبح يعرف بـ"مستشفى الموت".

وفي نقاشاتهم عبر تطبيق "ديسكورد"، يشدد القائمون على الحركة على ضرورة استخلاص العبر من تجارب احتجاجية سابقة مثل حركة 20 فبراير" وحراك الريف وجرادة، رافضين أي "توظيف سياسي أو تدخل خارجي".

وأوقفت السلطات الأمنية عددا من النشطاء، خلال الاستعداد للمشاركة في وقفات احتجاجية بعدد من مناطق المملكة. 

وفي السياق ذاته، دعت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، في بيان إلى الإفراج الفوري عن الشباب الذين جرى توقيفهم خلال الوقفات والتجمعات، ضمن ما عُرف باحتجاجات "GENZ212" أو "جيل زد". 

ورات المنظمة الحقوقية أن هذه التطورات "تعكس تنامي الإحساس لدى فئات واسعة من الشباب بضرورة تبني سياسات عمومية ذات بعد اجتماعي واقتصادي أكثر عدالة وشمولا".

وقال الناشط المدني، زكريا النويني: إن "احتجاجات جيل زد جاءت مفاجئة ودون توقعات خاصة أن الفضاء العام كان يطغى عليه ما هو ثقافي وفني أمام ما هو سياسي واجتماعي".

وأضاف النويني لـ"الاستقلال" أن “الأحداث الأخيرة في عدة مدن بسبب الأوضاع السيئة للمستشفيات وتأخر الدخول الموسم الدراسي الفعلي، دفع هؤلاء الشباب من برجهم الرقمي إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم المشروعة والبسيطة”.

ورأى أن "غياب الفاعل السياسي الحقيقي وتصاعد الشعبوية وصمت النخب المثقفة سيؤدي إلى فوران شعبي أكان من الطبقة الكادحة أو من الشباب، والأسوء مواجهة هذه الحالات بالقمع". 

وشدد النويني على أن "الحكومة مطالبة بالتعليق على هذه الأحداث وتقديم وعود بإصلاحات فورية لتهدئة الشارع، بدل الاعتماد على أساليب كلاسيكية في التعامل مع الأصوات المعارضة".

ويرى أن “المقاربة الأمنية العنيفة ستزيد من فوران الشارع ونعود إلى نقطة 2011 التي كنا نرى أننا تجاوزناها، وستؤثر على صورة البلد في الخارج”.

تنديد حزبي

وأعرب حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي عن تضامنه مع المعتقلين، وإدانته كل أشكال "القمع والتضييق" التي يتعرض لها المحتجون. 

وأكد الحزب في بيان 28 سبتمبر أن "الحق في التظاهر السلمي مكفول بموجب الدستور المغربي والمواثيق الدولية ذات الصلة التي صادق عليها المغرب"، داعيا إلى عدم تحويل الشوارع إلى "مسرح للعنف والترهيب".

وأعرب عن قلقه البالغ إزاء ما يشهده عدد من المدن (أكادير، الصويرة، مكناس، تزنيت، تاونات، …) من منع وقمع للاحتجاجات السلمية التي ينظمها المواطنون للمطالبة بحقوق اجتماعية مشروعة، في ظل الخصاص الكبير وتردي العديد من الخدمات الاجتماعية، وعلى رأسها الصحة والتعليم".

وطالب الحزب بفتح حوار جاد مع المحتجين، والانكباب على معالجة المشاكل المطروحة، داعيا جميع القوى الحية من جمعيات حقوقية ومدنية وأحزاب ومنظمات نقابية إلى "توحيد الجهود للدفاع عن حق المواطنين في التعبير السلمي، والعمل على صون كرامتهم وحرياتهم الأساسية".

من جهته، حمل حزب العدالة والتنمية المعارض، "الحكومة كامل المسؤولية عن تردي الأوضاع الاجتماعية وتزايد الاحتجاجات والتظاهرات السلمية المطالبة بأبسط الحقوق والخدمات الأساسية التي كرّسها الدستور".

ودعا الحزب عبر بيان صادر عنه في 28 سبتمبر إلى "ضرورة المسارعة إلى التعامل باستباقية وبجدية وبمسؤولية مع هذه الاحتجاجات والتظاهرات الاجتماعية السلمية، ووقف كل أشكال تضارب المصالح واستغلال النفوذ في الصفقات العمومية والتعيينات في الوظائف والمناصب العمومية التي تفقد الثقة والأمل في المؤسسات". 

وأكد على ضرورة "تجنب الخطاب الاستعلائي والاستفزازي الذي يطغى عليه الرضا المفرط عن الذات والترويج لمنجزات وأرقام لا يجد لها المواطنون والمواطنات، خاصة الشباب منهم أي صدى لها في واقعهم ومعيشتهم اليومية".

كما دعا الحزب الحكومة والسلطات العمومية للتعامل مع هذه الأشكال الاحتجاجية والتظاهرات السلمية التي ينظمها المواطنون والمواطنات خاصة الشباب منهم بصدر رحب وأفق استيعابي ومقاربة سياسية حكيمة".

من جانبه، قال أمين عام الحزب المغربي الحر المعارض، إسحاق شارية: إن "خروج احتجاجات ضد حكومة عزيز أخنوش من أجل الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، في العديد من مدن المملكة، وهو ما أصبح يفرض إقالة الحكومة ومحاكمة فساد أعضائها، مع إطلاق جيل جديد من الإصلاحات الهيكلية مسألة تفرضها ضرورة حماية الاستقرار".

وأضاف متسائلا عبر فيسبوك في 27 سبتمبر: "أين اختفى أخنوش صاحب مقولة المغاربة فرحانين أمام هذه المظاهرات التي تعم عموم المملكة، أين اختفت كل الحكومة وذابت وراء ظهر رجال الأمن وقوات حفظ النظام، أين اختفت تحاليل غرفة الفار وإلصاق أي ظاهرة بالمؤامرة الخارجية، أين كل هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا منذ انتخابات 2021".

وتابع: "لقد أصبح واضحا أن المغرب بحاجة إلى جيل جديد من النخب السياسية ذات المصداقية لمخاطبة جيل جديد من المواطنين، كما يحتاج المغرب إلى تغييرات عميقة من A إلى Z.".

مستقبل جديد

الصحفية والباحثة في التواصل السياسي والاجتماعي، خولة اجعيفري، أكدت أن "شباب جيل Z في المغرب لا يطلبون المستحيل بل يخرجون للشارع لأنهم يريدون ما هو أبسط الحقوق ونتحدث هنا عن كرامة تُحترم، مدرسة تُعلّم، مستشفى يُنقذ، وفرص عمل تُنصف".

ورأت اجعيفري في حديث لقناة "بي بي سي" في 29 سبتمبر، أن "هذا الجيل ليس كالأجيال السابقة، هو جيل واثق، رقمي، منظم، يبتكر لغته وأدواته بنفسه لا ينتظر وعودا فارغة ولا يثق في وساطات باردة". 

واستطردت: "لذلك فإن تجاهله أو الصمت أمامه خطأ قاتل ترتكبه الحكومة المغربية ويذكرنا بمقاربة كانت نتيجتها مأساوية ومعقدة في مراحل سابقة سواء 20 فبراير أو حراك الريف وما بينهما وما بعدهما".

وشددت اجعيفري على أن "الأزمات الاجتماعية لا تُطفأ بالانتظار ولا بالقمع، بل بقرارات شجاعة تعيد التقدير للمغاربة في مدارسهم ومستشفياتهم وسوق الشغل وإن لم تفعل الحكومة اليوم، فإنها تخاطر بخسارة ثقة جيل كامل، وهذه خسارة لا تُعوَّض".

ولفتت إلى أن "جيل Z لا يصرخ عبثا… بل يرسم مستقبلا جديدا ويطالب بدولة اجتماعية حقيقية بعيدا عن الشعارات التي ترفع عبثا والوعود التي لا يتحقق منها شيء".

من جانبه، لفت المحامي والباحث في الهجرة وحقوق الإنسان، الحسين بكار السباعي إلى أن “مشاركة جيل زد في هذه الوقفات تعكس انتقالا نوعيا في أشكال التعبير السياسي والاجتماعي”. 

وأوضح السباعي في منشور عبر فيسبوك في 28 سبتمبر أن "هذا الجيل لم يعد مكتفيا باستهلاك الخطاب، بل أضحى فاعلا في إنتاجه عبر وسائط رقمية وأشكال احتجاجية حضرية منظمة، تضع في صلب أولوياتها قضايا الصحة والتعليم، بما هي قضايا سيادية ومجتمعية عابرة للتجاذبات الحزبية". 

واستدرك: “غير أن هذا الجيل، الذي ولد ونشأ في كنف التكنولوجيا الرقمية، يتعامل مع العالم بمنطق السرعة والاستهلاك اللحظي للمعلومة، وهو ما يمنحه حيوية في التعبئة والاحتجاج، لكنه في الوقت نفسه قد يجعله عرضة للانجراف وراء موجات جماهيرية لا تخضع لمنطق التحليل العميق أو الرؤية البعيدة المدى”. 

وذكر “هنا تستدعي سوسيولوجيا الجماهير كما صاغها غوستاف لوبون مفهوم (الانصهار في الكتلة)؛ حيث يفقد الفرد في لحظة الانجراف الجماعي وعيه الفردي لصالح شعور جمعي يوجهه نحو الفعل، لتتحول المشاركة ذاتها إلى رمز للانتماء أكثر منها تعبيرا عن قناعة فكرية راسخة”.

وأفاد السباعي بأن "هذا الجيل يظل حساسا تجاه قيم الحرية والعدالة والكرامة، وهو ما يجعل حضوره في الفضاء العمومي دليلا على تنامي وعي جماعي يرفض الهامشية والإقصاء". 

ونبَّه إلى أن "المغرب يقف اليوم أمام محطة تاريخية لإعادة بناء جسور الثقة مع شبابه، عبر إطلاق إصلاحات هيكلية في القطاعات الاجتماعية التي شكلت محور المطالب، وفي مقدمتها التعليم والصحة، بما يضمن انتقالا سلسا نحو نموذج تنموي أكثر عدلا وإنصافا". 

وتابع السباعي: "جيل Z بما يملكه من جرأة وانفتاح وذكاء رقمي، إذا ما أُحسن تأطيره وتوظيف طاقاته، قد يتحول من طاقة احتجاجية متقطعة إلى قوة تاريخية رافعة لمشروع ديمقراطي وتنموي يرقى إلى طموحات مجتمع يتطلع إلى المستقبل بثبات وثقة".

درس نيبال

ورصدت عدسات المصورين مشاهد لافتة لتدخلات أمنية "عنيفة" بعدة مناطق في المغرب، أبرزها توقيف رجل كان برفقة ابنته الصغيرة، حيث تم اقتياده إلى سيارة الأمن وسط استغراب بعض المارة. 

كما وثّق مقطع مصور محاولة سيدة التدخل للدفاع عن شاب لحظة اعتقاله، في مشهد أظهر مقاومة واضحة منها لفكّه من قبضة عناصر الأمن. 

هذه المشاهد وغيرها، وأيضا ما جرى من نقاش في بعض المنصات أعاد الربط بين احتجاجات نيبال والمغرب، خاصة من حيث دور الشباب في التعبير عن الغضب تجاه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. 

ففي نيبال كما في المغرب رغم اختلاف السياقات، ظهر جيل جديد يطالب بالتغيير ويرفض القيود المفروضة على الحريات، وسط اعتماد واسع على وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتنظيم والتأثير.

وكتب الباحث نور الدين البيار تدوينة عنونها بـ "إلى الأحزاب السياسية..أنصتوا إلى الجيل زد".

وقال البيار عبر فيسبوك في 28 سبتمبر: "عندما قررت حكومة نيبال (في الأسبوع الأول من سبتمبر) حجب منصات التواصل الاجتماعي عن جيل زد قبل أسابيع، ظنت أنها تمتلك زمام الأمور". 

واستدرك: "لكن ما حدث بعدها كشف عن خطأ تقديري فادح.. جيل مُرقمن لا يعيش على قناة واحدة، ولا ينتظر إذنا رسميا للتواصل، عندما تُغلق نافذة، يفتح عشرة بدائل في دقائق معدودة".

وأوضح أن "المولودين بين 1997 و2010 ليسوا مجرد مستخدمين للتكنولوجيا، بل جزء منها، فتحوا عيونهم على الحواسيب والهواتف الذكية، تعلموا الكتابة والقراءة رقميا قبل الورقية أحيانا.. يتنفسون المنصات، ينتجون المحتوى بسلاسة، ويتعاملون مع أدوات الذكاء الاصطناعي كما يتعامل الأجيال السابقة مع المذياع."

ويرى أن "ثقة جيل زد في العمل السياسي والتمثيلية الحزبية ضعيفة جدا.. نادرا ما تجد شابا منهم في موقع قيادي حزبي تقليدي، لكنه فاعل بقوة في الفضاء الرقمي، ينظم حملات، يضغط من أجل قضايا ملموسة، ويصوغ أجندة النقاش العام من خارج الأبنية التقليدية".

وشدد على أن "جيل زد لا يرفض السياسة في جوهرها، بل يرفض أداءها المتجاوز ولغتها الثقيلة".

ولفت إلى أن "درس نيبال وغيرها من التجارب يؤكد حقيقة بسيطة، أنصتوا إلى هذا الجيل الذي رفض الوعود الكاذبة، واقتربوا منه أكثر كي تفهموه".

وأشار إلى أن “جيل زد ليس عدوا للسياسة، بل هو جيل يريد سياسة مختلفة.. يريد قادة يتحدثون بلغته، يفهمون تطلعاته، ويقدمون حلولا عملية لمشاكله الحقيقية. ”

وختم البيان بالقول: "من يفهم هذا مبكرا، فسيجد في جيل زد حليفا قويا، ومن يتجاهله، فسيكتشف أن المستقبل يُصنع بدونه لأنه سيصطدم في الطريق بجيل ألفا، وهذه قصة أخرى.".